منذ اندلاع الأزمة اليمنية في عام 2014، تأرجحت مواقف الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع هذا الصراع في اليمن، ومع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى سدة الحكم في يناير 2025، تبرز تساؤلات كبيرة حول مصير السياسة الأميركية في المنطقة بشكل عام، وفي اليمن على وجه الخصوص، نظراً إلى تعقيدات الملف اليمني وتداخلاته الإقليمية والدولية.
إن مواقف ترامب السابقة تجاه الحوثيين وإيران، إضافة إلى تطورات الوضع في البحر الأحمر والملاحة الدولية، من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على المعادلة السياسية والعسكرية في اليمن، وكذلك على العلاقات الأميركية مع الأطراف الإقليمية المختلفة، مثل السعودية وإيران.
في هذا التقرير، سيتم تناول انعكاسات عودة ترامب على الملف اليمني، من خلال تحليل مواقفه السابقة في الولاية الأولى، واستشراف السيناريوهات المحتملة في إطار عودته، والفرص والتحديات التي قد يواجهها في التعامل مع الحوثيين، الحكومة اليمنية الشرعية، والتحالفات الإقليمية والدولية. كما يستعرض التقرير موقف الحوثيين وإيران من هذه التغيرات السياسية والتوقعات المستقبلية لمسار الأزمة اليمنية.
الموقف الأميركي تجاه اليمن قبل وبعد ترامب
السياسة الأميركية في عهد الولاية الأولى لترامب
منذ بداية الأزمة اليمنية، كان الموقف الأميركي متذبذبًا في جزء كبير من فترتي حكم الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب. وخلال ولاية ترامب الأولى (2017-2020)، كانت السياسة الأميركية تتمحور بشكل أساسي حول مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد تبنى ترامب استراتيجية “الضغوط القصوى” على طهران، وهو ما انعكس بشكل كبير على الموقف الأميركي من جماعة الحوثي التي تعتبرها الولايات المتحدة واحدة من أذرع إيران في المنطقة.
في عام 2020، في الأيام الأخيرة من فترة حكمه، قرر ترامب إدراج جماعة الحوثي ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وذلك في خطوة تندرج في سياق الضغط على إيران وتضييق الخناق على جماعة الحوثي، وكان الهدف من هذا القرار هو محاصرة الحوثيين اقتصاديًا وماليًا، وبالتالي الحد من قدرتهم على استهداف المصالح الدولية، بما في ذلك تهديداتهم للملاحة البحرية في البحر الأحمر.
لكن سياسة ترامب في ولايته الأولى لم تقتصر فقط على تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، بل شملت أيضًا دعمًا عسكريًا للحكومة اليمنية الشرعية، وتقديم مساعدات للتحالف العربي بقيادة السعودية. وكان الموقف الأميركي في تلك الفترة يتسم بالتعامل مع الحوثيين كتهديد أمني إقليمي يتطلب تدابير حازمة، بما في ذلك الهجمات الجوية والتعاون الاستخباراتي.
السياسة الأميركية في عهد بايدن
عندما تولى جو بايدن منصبه في يناير 2021، اختلف الموقف الأميركي بشكل كبير تجاه اليمن، فقد قررت إدارته إلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في خطوة تهدف إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، الذي يعاني من أزمة إنسانية كبيرة. ورغم أن هذه الخطوة لاقت انتقادات من قبل بعض الأطراف في المنطقة، إلا أن إدارة بايدن بررت القرار بحجة أن تصنيف الحوثيين كإرهابيين سيؤدي إلى تعقيد عملية تقديم المساعدات الإنسانية إلى ملايين اليمنيين الذين يعانون من المجاعة والأوبئة.
لكن مع تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قامت إدارة بايدن في يناير 2024 بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية دولية، وهو ما يعكس تغيّرًا في التوجهات الأميركية بعد تصاعد الأنشطة العسكرية للحوثيين.
مواقف الأطراف المختلفة في اليمن من عودة ترامب
من جانبهم، قد يشعر الحوثيون بالقلق من عودة ترمب إلى البيت الأبيض، خاصة في ظل مواقفه المتشددة ضدهم في ولايته الأولى. ورغم التصريحات الإعلامية التي أطلقها زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، والتي أكد فيها أن الحوثيين لن يتأثروا بتغير الإدارة الأميركية[1]، إلا أن الواقع يشير إلى أن الجماعة تدرك أن عودة ترامب قد تعني تصعيدًا عسكريًا كبيرًا ضدهم.
تجدر الإشارة إلى أن الحوثيين قد حاولوا في الفترة الأخيرة التهدئة مع بعض الأطراف الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، خوفًا من تعرضهم لهجمات عسكرية موسعة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا. ومع ذلك، يبقى موقفهم صلبًا في مواجهة الضغوط الأميركية والإقليمية، ويعتقدون أن التصعيد ضدهم يمكن أن يكون جزءًا من خطة لإضعافهم وإجبارهم على تقديم تنازلات سياسية.
أما بالنسبة لإيران، فإن عودة ترامب إلى الحكم تمثل تحديًا كبيرًا في ظل العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وطهران منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 2018. إيران، التي تعتبر الحوثيين أحد أذرعها الاستراتيجية في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع الضغوط الأميركية بشكل أكثر شدة، وفي حال تبني ترامب سياسة أكثر صرامة ضد إيران، من المحتمل أن يتأثر الدعم الإيراني للحوثيين، مما قد يحد من قدرتهم على التوسع العسكري أو فرض هيمنتهم على مزيد من الأراضي اليمنية.
وعلى الصعيد الأخر، رحبت الحكومة الشرعية بفوز ترامب، حيث بعث رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد محمد العليمي، برقية تهنئة إليه، وذلك بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأشاد العليمي بمواقف ترامب وإدارته خلال ولايته السابقة إلى جانب اليمن وشعبه، وقيادته السياسية، وتطلعاته في استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط “انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني”، معربا عن ثقته بمستقبل واعد للتعاون الثنائي المثمر في مختلف المجالات.[2]
عودة ترامب: تأثيرات محتملة على الصراع اليمني
تصعيد العمليات العسكرية ضد الحوثيين:
مع العودة إلى سدة الحكم، من المتوقع أن يتبنى ترامب سياسة أكثر صرامة تجاه جماعة الحوثي، قد تشمل تصعيد العمليات العسكرية ضد الجماعة. بناءً على موقفه السابق في ولاية 2017-2020، قد يكون هناك عودة قوية للضغوط العسكرية على الحوثيين، سواء من خلال تكثيف الضربات الجوية ضد مواقعهم العسكرية أو عبر توسيع دائرة الدعم العسكري لحكومة اليمن الشرعية في حربها ضد الحوثيين.
قد تركز هذه الضغوط العسكرية على المناطق الاستراتيجية، مثل ميناء الحديدة على البحر الأحمر، الذي يمثل أحد أكبر معاقل الحوثيين الاقتصادية، وكذلك على تقليص قدرتهم على تهديد الملاحة الدولية
دعم الحكومة الشرعية بشكل أعمق:
بالإضافة إلى التصعيد العسكري المحتمل ضد الحوثيين، قد تشهد الحكومة الشرعية دعمًا أكبر من الإدارة الأميركية في المجالات العسكرية والاقتصادية، فمن الممكن أن يتم تزويد الجيش اليمني بالمزيد من الأسلحة المتطورة والتدريب العسكري، كما قد يتم توسيع نطاق الدعم الاستخباراتي لمساعدتهم في مواجهة الحوثيين في مختلف الجبهات؛ حيث إن توجيه هذه المساعدات العسكرية بشكل أوسع قد يترافق مع استراتيجية تهدف إلى تعزيز قوة الحكومة الشرعية على الأرض، وهو ما يمكن أن يسهم في تحقيق تقدم على الجبهات التي يسيطر عليها الحوثيون.
تضيق الخناق حول إيران:
ترامب معروف بتبني سياسة متشددة تجاه إيران، وقد يعود إلى استخدام “الضغوط القصوى” مرة أخرى ضد طهران في إطار مساعيه للحد من نفوذها في المنطقة، ويُتوقع أن يترجم ذلك إلى سياسات متشددة ضد الدعم الإيراني للحوثيين، سواء من خلال فرض عقوبات اقتصادية إضافية على طهران أو من خلال زيادة الضغط على حلفائها الإقليميين، مثل حزب الله اللبناني، الذين يدعمون الحوثيين.
في إطار هذه الإستراتيجية، من الممكن أن يشهد الملف اليمني تكثيفًا للعقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بإيران في اليمن، كما يمكن أن يتم تعزيز الجهود العسكرية لمنع تهريب الأسلحة إلى الحوثيين.
تبني سياسة جديدة تهدف لإحلال السلام :
على الرغم من أن ترامب قد يتبنى سياسة أكثر صرامة تجاه الحوثيين وإيران، إلا أنه قد يسعى أيضًا إلى التوصل إلى “صفقة” سياسية تهدف إلى إحداث تهدئة في الصراع اليمني، قد يكون هذا النهج محط اهتمام لدى ترامب إذا قرر أن يستثمر في تحقيق تسوية سياسية تساهم في تعزيز استقرار المنطقة، ومن المحتمل أن تشمل هذه الصفقة تسوية غير معلنة مع إيران أو حتى مع الحوثيين أنفسهم، على غرار ما تم في بعض الملفات الإقليمية الأخرى، حيث يتم تحقيق تهدئة من خلال تنازلات سياسية واقتصادية. ومايعزز هذا الطرح هو تعهدات ترامب بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا. [3]
التحديات أمام الإدارة الأميركية القادمة
على الرغم من أن المواقف الأميركية تحت إدارة ترامب قد تتسم بالصرامة تجاه الحوثيين وإيران، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تواجه الإدارة في التعامل مع الملف اليمني:
التعقيدات السياسية في الداخل اليمني:
بالإضافة إلى التحديات العسكرية، تظل الأزمة اليمنية معقدة على الصعيد السياسي؛ فالحكومة الشرعية، رغم الدعم الدولي، تعاني من الانقسامات الداخلية، فضلاً عن الصراعات بين الفصائل المختلفة، مما يجعل من الصعب تحقيق انتصار حاسم على الأرض، دون تحقيق نوع من الوفاق الداخلي بين مختلف الأطراف اليمنية.
التحديات الإنسانية:
لا يمكن إغفال الوضع الإنساني في اليمن، الذي يعد من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وسيظل العامل الإنساني حجر الزاوية في أي سياسة أميركية تجاه اليمن، حيث أن التصعيد العسكري قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة معاناة المدنيين.
التوازن بين الضغط العسكري والدبلوماسية:
سيكون من الصعب على إدارة ترامب أن توازن بين الضغط العسكري على الحوثيين والجهود الدبلوماسية لتحقيق تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء الحرب، حيث قد يتطلب التدخل العسكري المكثف من واشنطن أن تواكب هذه العمليات بحلول سياسية تضمن استقرار المنطقة.
في الختام؛
إن عودة الجمهوري دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض من جديد بعد بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، تفتح الباب أمام مجموعة من السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تغير بشكل جذري مسار الأزمة اليمنية، ومن الواضح أنه سيعتمد على سياسة أكثر صرامة تجاه الحوثيين، بما يشمل تعزيز الضغوط العسكرية والاقتصادية عليهم، وقد يسعى إلى تعزيز دعم الحكومة اليمنية الشرعية لتحقيق تقدم على الأرض. ومع ذلك، يظل الموقف ورد الفعل الإيراني أحد العوامل الرئيسة في تحديد مسار الأحداث في اليمن، كما أن التحديات الإنسانية والسياسية الداخلية ستظل تعرقل تحقيق أي تسوية سلمية حقيقية في المستقبل القريب.
من الضروري أن تواصل الأطراف اليمنية المختلفة السعي نحو تحقيق الوفاق الداخلي، بالتوازي مع تعزيز الدعم الدولي، لأن أي حل طويل الأمد لا بد أن يتضمن حلًا سياسيًا شاملًا يضمن حقوق جميع الأطراف ويضع حدًا لمعاناة الشعب اليمني التي طال أمدها.
المصادر:
[1] “الحوثي يعلق على فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية ويوضح خطوات أنصار الله المستقبلية”، أر تي بالعربي، 16 نوفمبر، متاح على الرابط: https://shorturl.at/Pzm1L
