إعداد: شيماء عبد الحميد
لقد شهدت القمة العربية في دورتها الـ32 التي عُقدت بجدة السعودية يوم 19 مايو الجاري، عودة سوريا فعليًا إلى الجامعة العربية ومشاركة الرئيس بشار الأسد بها لأول مرة منذ تجميد مقعد سوريا في عام 2011، وقد جاءت هذه العودة وسط مجموعة من التجاذبات والاضطرابات والاختلافات في وجهات النظر بين الدول العربية ككل، والتي حاولت السعودية تسويتها في إطار توافقي قبيل انعقاد القمة، من خلال تبني رؤية قائمة على تفكيك الأزمات العربية لمواجهة التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، ولكن هذا لم يمنع وجود بعض الدول المعارضة ليس لفكرة عودة سوريا إلى الحضن العربي، ولكن لمبدأ عودتها في هذا التوقيت؛ حيث ترى هذه الدول أنه يجب البدء في حل سياسي شامل للأزمة أولًا ثم بدء إجراءات العودة، أي أن الاختلاف ليس على مبدأ تطبيع العلاقات العربية السورية، وإنما الاختلاف بشأن طريقة العودة وخطواتها، واختلاف وجهات النظر هذه تفرض سؤالًا هامًا وهو ماذا بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وما هو مستقبل العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري وخاصةً الدول المعارضة لتطبيع العلاقات معه في الوقت الراهن ؟
مواقف الدول العربية من النظام السوري قبل القمة:
مع عودة القضية السورية إلى دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي، من خلال الجدل حول الانفتاح على تطبيع العلاقات مع النظام السوري وعودته للجامعة العربية منذ انعقاد القمة العربية السابقة التي عُقدت في الجزائر في نوفمبر 2022؛ انقسمت آراء الدول العربية إلى ثلاثة تيارات وهي: دول ظلت تحتفظ بعلاقات معه مثل الجزائر والعراق، ودول رافضة لتطبيع العلاقات مع بشار الأسد مثل قطر والكويت، ودول غيرت من مواقفها وأبدت استعدادها لتحسين وعودة العلاقات مثل السعودية ومصر، ويمكن إيضاح التيارات الثلاثة على النحو التالي:
أ. دول تقيم علاقات مع النظام السوري:
الأردن؛ طُرد سفير دمشق في مايو 2014، لكن في أكتوبر 2018؛ تم فتح معبر “نصيب-جابر” الحدودي بين البلدين، والذي يعد شريانًا حيويًا لحركة التجارة بين عمان ودمشق وعبرهما إلى بلدان المنطقة والخليج، وفي يناير 2019، أعلنت الحكومة الأردنية تعيين دبلوماسي أردني برتبة مستشار كقائم بالأعمال في السفارة الأردنية بدمشق، وقد أتى هذا القرار منسجمًا مع الموقف الأردني منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، بالإبقاء على السفارة الأردنية في دمشق مفتوحة.
فضلًا عن أنه في يوليو 2021، زار الملك عبد الله، واشنطن وناقش رؤيته لسياسة خطوة مقابل خطوة للتطبيع مع النظام السوري، وقد حصل الملك خلال الزيارة على موافقة واشنطن على مشروع تزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر وإسرائيل عبر الأردن وسوريا، واستثناء الأردن من قانون العقوبات قيصر الذي يستهدف أي دولة لها معاملات تجارية مع دمشق، وفي أكتوبر 2021، جمع اتصال هاتفي بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله الثاني، وقد تلى ذلك عدة لقاءات وزارية بين البلدين لتعزيز التعاون، هذا إلى جانب اجتماع عمان الأخير الذي استضافته الأردن لتتقريب وجهات النظر بشأن عودة الأسد إلى الجامعة وهو ما تم فعلًا.
تونس؛ قطعت علاقاتها مع نظام الأسد في 4 فبراير 2012، لكن في يوليو 2014 قرر الرئيس آنذاك الباجي قائد السبسي افتتاح مكتب قنصلي في دمشق، وفي العام 2015 جرى تعيين ممثل له، وصولًا إلى قرار الرئيس الحالي قيس سعيد في 3 أبريل الماضي تعيين سفير في دمشق، وزيارة وزير الخارجية السوري إلى العاصمة التونسية في يوم 18 من الشهر ذاته.
سلطنة عُمان؛ لم تقم بقطيعة تامة، واستقبلت مسؤولين من النظام السوري أبرزهم وزير خارجيته آنذاك وليد المعلم في مارس 2018، وأعادت سفيرها إلى دمشق في 4 أكتوبر 2020، كأول دول خليجية تعيد تعيين سفير لها بدمشق منذ 2011، وفي يناير 2022، التقى وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي مع الأسد في سوريا، وبعد شهرين استقبلت مسقط وزير خارجية سوريا فيصل المقداد.
السودان؛ عاد لتطبيع علاقاته مع سوريا بعد زيارة الرئيس السابق عمر البشير في ديسمبر 2018 لدمشق ولقائه الأسد، كأول رئيس عربي حينها يزور سوريا منذ 2011.
الإمارات؛ أعادت فتح سفارتها بدمشق في ديسمبر 2018، بتمثيل قائم بالأعمال بعد إغلاق 7 سنوات، كما كانت من أوائل الدول التي طالبت بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ورفع قانون قيصر عن سوريا، فضلًا عن إنه في مطلع عام 2020، جرى أول اتصال هاتفي علني بين ولي عهد أبوظبي آنذاك محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري بشار الأسد منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012، وفي نوفمبر 2021، أجرى وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد أول زيارة إلى دمشق منذ عشر سنوات، وفي مارس 2022، أجرى الأسد أول زيارة عربية له منذ اندلاع الثورة السورية إلى أبوظبي، ليزور بعدها عبد الله بن زايد دمشق في ديسمبر 2022.
البحرين؛ أعلنت في ديسمبر 2018 تواصل العمل في سفارتها لدى سوريا واستمرار الرحلات الجوية بين البلدين دون انقطاع، بعد نحو 6 أعوام من سحب سفيرها من سوريا في 2012، وفي 30 ديسمبر 2021؛ عينت أول سفير لها في سوريا.
موريتانيا؛ قررت في 12 مارس 2020 تعيين سفير لها بدمشق في أول إجراء من نوعه منذ 2011.
الجزائر؛ لم تجمد علاقاتها مع النظام السوري، وكانت من أبرز الداعمين لعودته إلى مقعده بالجامعة العربية، وقد بذلت جهود حثيثة لحضور سوريا القمة العربية الماضية التي استضافتها في نوفمبر الماضي.
العراق؛ لم يجمد أيضًا علاقاته مع النظام السوري، وكان من الداعمين لعودته إلى مقعده بالجامعة العربية، وطالب وزير خارجيته فؤاد حسين باجتماع عمان الأخير، بدعم سوريا.
فلسطين؛ لم تقطع العلاقات هي الأخرى مع النظام السوري، بل أنها ظلت محتفظة بعلاقات إيجابية معه.
ب. دول غيرت من موقفها تجاه النظام السوري:
السعودية؛ طرأ في الآونة الأخيرة تغير كبير في الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية؛ فبعد أن سحبت سفيرها من دمشق في 2011، وأغلقت سفارتها في مارس 2012، ورفضت حضور الأسد قمة الجزائر، عادت لتؤكد أن عزلة النظام السوري لم تأتي بجدوى لحل الصراع، ولذلك قادت جهود غير مسبوقة لتهيئة الأجواء فبيل القمة تمهيدًا إلى عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة وهذا بالفعل ما حدث في قمة جدة يوم 19 مايو، والتي جاءت بعد مؤشرات انفتاح سعودي واضح على النظام السوري منها زيارة المقداد إلى جدة في أبريل الماضي، وإعلان بدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.
مصر؛ قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق في يونيو 2013، وأبقت على تمثيل منخفض عبر قائم بالأعمال، مع استمرار تواصل محدود لاسيما على المستوى الأمني، ولكن غيرت هي الأخرى موقفها من الأسد مؤخرًا؛ حيث شهدت العلاقات أول اتصال هاتفي من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالأسد خلال كارثة الزلزال في 6 فبراير الماضي، وتبادل وزيرا خارجية مصر والنظام السوري زيارات، كما شارك وزير خارجيتها سامح شكري في اجتماعي جدة وعمان بشأن عودة سوريا، ودعت بحكم كونها رئيس مجلس الجامعة العربية بالدورة الحالية إلى اجتماع طارئ لبحث هذا الموقف.
لبنان؛ بدأت تغير موقفها من سوريا خاصةً لأنها ترغب في التخلص من العبء الاقتصادي الذي يمثله اللاجئين السوريين عليها، وذلك في ضوء الوضع الاقتصادي الحرج التي تمر به البلاد.
ج. دول غير مؤيدة للتطبيع مع النظام السوري في الوقت الحالي: وعلى رأسها قطر والكويت والمغرب.
مواقف ودوافع الدول المعارضة للتطبيع مع سوريا:
رغم إتمام خطوة عودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة جدة؛ إلا أن هذه الخطوة جاءت متزامنة مع وجود بعض الأصوات المتحفظة عليها وعلى حضور الرئيس الأسد للقمة، وهذه الدول هي:
أ. قطر؛ تزعمت الدوحة محور الدول المعارضة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وعبرت عن موقفها هذا بدرجة كبيرة من الوضوح والعلنية، وقد انعكس ذلك على تصريحات مسؤوليها وموقف الأمير القطري في قمة جدة؛ حيث:
- صرح المتحدث باسم الخارجية القطري عبد الرحمن بن جاسم، بأن موقف بلاده بشأن تطبيع العلاقات مع سوريا لم يتغير، وأن قطر لا تزال ترفض تطبيع العلاقات مع دمشق، لكنه أوضح أن الدوحة، رغم ذلك، لن تخرج عن الإجماع العربي حول عودة النظام السوري إلى الجامعة.
- أكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحفي عُقد يوم 17 مايو الجاري أي قبيل القمة العربية بيومين فقط، أن الحل الوحيد لتطبيع العلاقات مع النظام السوري هو إيجاد حل شامل وعادل يرضي الشعب السوري، موضحًا أن المشكلة ليست بين قطر والنظام، وإنما بين النظام وشعب عانى من ويلات الحرب على مدار الأعوام الـ12 الأخيرة، معربًا عن استعداده للمشاركة في أي محادثات في حال كانت هناك عملية سلام حول مستقبل سوريا ومطالب شعبها، أي ليس في الوقت الراهن.
- عُقب إعلان وزراء خارجية جامعة الدول العربية، في اجتماعهم بالقاهرة استئناف مشاركة وفود سوريا باجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارًا من 7 مايو، أكد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية ماجد بن محمد الأنصاري، أن موقف قطر من التطبيع مع سوريا لم يتغير، وأنه يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري.
- لم تكتفي قطر بالتصريحات فقط؛ وإنما حاولت التعبير عن موقفها هذا من خلال مغادرة الوفد القطري برئاسة أمير البلاد تميم بن حمد من القمة العربية بالسعودية بشكل مفاجيء دون إلقاء كلمة أو عقد أي اجتماعات ثنائية، والاكتفاء فقط بدخول الجلسة الافتتاحية وأخذ الصورة التذكارية، وقد فسر بعض المحللين السياسيين التصرف القطري على إنه رسالة قطرية تبدي بها تحفظها على حضور الأسد خاصةً وأن بعض المصادر أفادت بأن توقيت مغادرة الأمير القطري تزامن مع بدء كلمة الرئيس السوري.
وقد اختلفت الآراء في تفسير الموقف القطري؛ ففي حين اصطف البعض إلى جانب تبرير قطر لموقفها بأن الأوضاع التي استدعت تجميد عضوية قطر لا تزال قائمة دون تغيير وبالتالي لا يجب عودتها الآن، رأى البعض الأخر أن موقف قطر يأتي مدفوعًا بعدة أسباب منها: الانسجام مع الموقف الغربي وخاصةً الأمريكي حيث أعلنت الولايات المتحدة معارضتها الصريحة لعودة الأسد إلى الجامعة، وذلك في ضوء اعتبارات العلاقات المتنامية بين الدولتين إذ توجد في الدوحة قاعدة العديد أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة، هذا إلى جانب تعثر التقارب السوري التركي بسبب اشتراط دمشق الانسحاب الكامل للقوات التركية من الأراضي السورية وطالما بقيت الخلافات السورية التركية دون حل، فلن تتحرك الدوحة لتحسين علاقاتها مع دمشق.
من جانب آخر؛ رأت بعض الآراء أن حضور قطر الشرفي بالقمة العربية وحديثها المتحفظ بشأن عدم عرقلة الإجماع العربي بشأن عودة سوريا للجامعة، ما هو إلا محاولة من جانب الدوحة لتجنب لعب أي دور من شأنه أن يعرض علاقاتها بالسعودية والعواصم العربية الأخرى للاهتزاز، خصوصًا وأن علاقات قطر مع الرياض ومصر والإمارات والبحرين تمر بفترة حساسة كونها لا تزال في مرحلة التعافي من آثار المقاطعة التي حدثت بين الدوحة وهذه الدول.
ب. المغرب؛ يلتزم المغرب حتى الآن بقرار قطع علاقاته الدبلوماسية مع نظام الأسد في 2012، ويرفض استئنافها في ظل الوضع الراهن، وقد أرجع بعض المحللين هذا الرفض إلى الربط بين تطبيع المغرب مع النظام السوري وبين موقفه من دعم جبهة البوليساريو، فضلًا عن موقف المغرب من إيران؛ فمن المعروف سياسيًا وإقليميًا أن سوريا لها ارتباط وثيق بإيران، التي بدأت في الآونة الأخيرة ترسخ لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا من خلال تحسين علاقاتها بالجزائر ودعم البوليساريو، وبالتالي يرى المغرب أن أي تشجيع لعودة سوريا للحضن العربي كأنه يساعد بلدًا حليفًا لإيران وللجزائر. ويمكن الاستدلال على هذا الموقف من غياب ملك المغرب محمد السادس عن القمة العربية الذي فسره البعض بأنه رغبة مغربية للتعبير عن تحفظ بلاده على مشاركة بشار الأسد.
ج. اليمن؛ تعارض الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وعلى الرغم من ارتباطها الوثيق بالسعودية، التطبيع الفوري مع النظام السوري، على خلفية اتهامه بدعم الحوثيين.
د. الكويت؛ لا يزال موقف الكويت يُثار بشأنه العديد من التكهنات، إلا أن تقارير صحافية أكدت أن الكويت من الدول التي لا ترغب في تطبيع العلاقات مع الأسد الآن، ويُستدل على ذلك من أن الكويت ورغم دعمها للشعب السوري في كارثة زلزال 6 فبراير الماضي، إلا أنها لم تتواصل مع نظام الأسد، هذا إلى جانب تصريحات وزير الخارجية الكويتي سالم عبد الله الجابر الصباح، الذي أكد خلالها أن بلاده ليس لديها خطط لتحذو حذو الدول العربية الأخرى في إعادة التواصل مع الرئيس بشار الأسد، لكنه ثمن جهود السعودية والدول العربية التي تقدمت بمبادرات تهدف إلى معالجة الأزمة السورية وإيجاد حلول سياسية وواقعية تتيح عودتها لممارسة دورها الطبيعي في محيطها العربي والاقليمي، مشددًا على أن الكويت لن تخرج عن الإجماع والتوافق العربي في هذا الشأن، في حال كان هناك خارطة طريق لحل الأزمة السورية تتمثل باتخاذ نظام الأسد خطوات ملموسة لبناء الثقة، عبر إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، وتسهيل عودة اللاجئين ووصول المساعدات للمحتاجين، واستئناف أعمال اللجنة الدستورية لتحقيق المصالحة الوطنية.
وفي إطار الحديث عن الاختلافات التي حدثت بشأن الملف السوري، يجب الإشارة إلى الموقف الجزائري؛ فالبرغم من حفاظ الجزائر على علاقات قوية بالنظام السوري ومساعيها لإتمام خطوة عودة سوريا لمقعدها في الجامعة كما تم إيضاحه سابقًا؛ إلا أن تغيب الرئيس عبد المجيد تبون عن القمة العربية في السعودية أثار جدلًا واسعًا مفاده أن الرئيس الجزائري تغيب ليعبر عن استياء بلاده من تحييدها عن الاجتماعات الأخيرة الخاصة بالمسألة السورية في كل من جدة وعمان والقاهرة، رغم صفتها كرئيسًا للقمة العربية السابقة، هذا إلى جانب امتعاض الجزائر من فقدان الزخم السياسي الناتج عن لعب دور الوسيط والمبادر في ملف عودة سوريا إلى مقعدها إلى صالح السعودية، خاصةً وأن المملكة كانت قد رفضت حضور الأسد في قمة الجزائر ومهدت لحضوره في قمة جدة رغم الفارق الزمني القصير بين القمتين، ورغم عدم تغير الظروف فيما يخص الوضع السوري.
السيناريوهات المستقبيلة لمسار العلاقات العربية السورية:
في ضوء تباين مواقف الدول العربية بشأن النظام السوري على النحو السالف ذكره، وتزامنًا مع غياب رؤية عربية مشتركة لمسار العلاقات العربية السورية وفقًا لما عبر عنه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي أكد أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة، لا يعني استئناف العلاقات بين سوريا والدول العربية؛ إذ أن هذا قرار سيادي لكل دولة على حدة، يُثار تساؤلًا رئيسًا وهو ما الرؤية المستقبلية المحتملة لتطبيع العلاقات بين العرب والنظام السوري، وقد انقسمت الآراء في هذا الشأن إلى السيناريوهات التالية:
- السيناريو الأول: حل الأزمة السورية تدريجيًا وبناء نظام إقليمي جديد؛ ويرى هذا السيناريو أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في قمة جدة سيكون لها أثر أمني وسياسي على النظام العربي ككل، وربما تؤسس لنظام عربي جديد قائم على التعاون الإقليمي الأوسع، لا تسيطر عليه الولايات المتحدة وتحالفاتها كما في السابق، نظرًا للتطورات الشاملة في المشهدين العربي والإقليمي التي تأتي على خلفيتها العودة السورية، وأهمها: تبعات التقارب السعودي الإيراني واستئناف العلاقات فيما بينهما بعد سنوات من القطيعة تحت رعاية صينية، وتنامي المؤشرات الدالة على سعي الدول العربية لاستعادة دورها في سوريا عبر انتهاج استراتيجية واضحة وبناءة في الإطار العربي لما بعد مشاركة سوريا في قمة جدة، ومثل هذا التحرك سيعود بالضرورة على استعادة الدول العربية لمكانتها الإقليمية التي تراجعت بشدة خلال العقد الماضي لصالح مشاريع إقليمية لدول أخرى مثل تركيا وإيران.
ويقوم هذا السيناريو على فرضية تستوجب اتخاذ النظام السوري عدة خطوات تمهد لإمكانية تحقق هذه الرؤية؛ أهمها بدء سوريا تعاونًا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن المصالحة الداخلية والإفراج عن المعتقلين وإعادة اللاجئين ووقف تجارة المخدرات.
- السيناريو الثاني: تجميد الأزمة السورية دون حل؛ يرى هذا السيناريو أن عودة النظام إلى الجامعة لن تغير شيئًا؛ وأن الأزمة السورية ستبقى مستمرة نظرًا لأن التطبيع الكامل يرتهن لتقديم الأسد تنازلات مهمة لا يزال يرفض تقديمها، ولوجود عدد من القضايا العالقة التي تطلب حلًا أولًا حتى يستعيد النظام السوري ثقة جواره العربي، وأهمها:
أزمة اللاجئين؛ يرى البعض أن النظام السوري سيناور بملف اللاجئين ولن يقدم على خطوة جدية في هذا الشأن، ولن يقبل عودة اللاجئين إلا بعد حصوله على المساعدات الخاصة بإعادة إعمار البلاد، كما أن النظام السوري لا يرغب في عودة اللاجئين بأعداد كبيرة حتى لا يشكلوا ضغطًا على اقتصاده المتهالك، فضلًا عن كون أغلب اللاجئين معارضين له ولهذا ترفض الأجهزة الأمنية بعض الأسماء الواردة في قوائم العودة الطوعية، خاصةً من الأراضي اللبنانية.
أزمة تجارة المخدرات؛ من المتوقع ألا يتنازل النظام السوري في هذا الملف أيضًا، حيث أن المخدرات مصدر دخل أساسي للنظام إذ يشكل ملف الكبتاجون الشريان الاقتصادي للنظام بتجارة تصل إلى 4 أو 5 مليارات دولار سنويًا، ولذلك إذا لم يحصل الأسد على المساعدات التي يتوقعها؛ ستنمو تجارة المخدرات أكثر.
أزمة التغلغل الإيراني في سوريا بشكل كبير وسيطرتها على النظام؛ وهذا سيصعب على الدول العربية تقبل النظام السوري، حيث أن القبول بالأسد في الوقت الذي تنتشر به الميليشيات الإيرانية في البلاد وتمارس نفوذًا عليه، من شأنه أن يكون بمثابة مكافأة تقدم منهم لطهران، وهذا على عكس رغبة هذه الدول التي تريد فتح الباب أمام بشار الأسد لتقليص الوجود الإيراني في سوريا، أو على الأقل الحيلولة دون اتساعه.
وتشير الوقائع إلى أنه لم يعد بإمكان النظام السوري الخروج عن دائرة التأثير الإيراني المتعاظم عسكريًا واقتصاديًا في المناطق التي يسيطر عليها هذا النظام، وخاصةً في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص ودير الزور.
الموقع الأمريكي من التطبيع مع الأسد؛ ترفض الولايات المتحدة والدول الأوروبية إعادة الأسد إلى الحضن العربي، كما أن عملية إقناع هذه الدول برفع العقوبات عن الأسد وشركائه لن يكون سهلًا على الدول العربية، حتى بالنسبة لأولئك الذين هم حلفاء أقوياء للولايات المتحدة.
وإجمالًا:
لا شك أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في القمة العربية تطور هام في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه العودة هي مجرد بداية لحل الأزمة السورية وليست النهاية، وحتى تأتي هذه الخطوة ثمارها؛ يجب أن يقدم النظام السوري المطالب المرجو تحقيقها، وأن يقدم مبادرات جدية ينهي من خلالها جميع المشاكل العالقة في حل الملف السوري، إذا أراد فعلًا إرجاع سوريا لسابق عهدها، فضلًا عن إجراء المزيد من المشاورات والمناقشات التي تشترك فيها جميع الدول العربية دون استثناء.