المقالات
عودة قد تغير حسابات المشهد الإقليمي.. ماذا يعني فوز ترامب بالنسبة لإيران وإسرائيل؟
- نوفمبر 8, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
بعد شهور من الترقب الشديد لمعرفة رئيس الولايات المتحدة القادم، تحددت هوية ساكن البيت الأبيض الجديد وهو الجمهوري دونالد ترامب، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي عُقدت في 5 نوفمبر الجاري، على حساب منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، بعدما حصل على 277 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي.
ولا شك أن هذا الفوز يعني الكثير بالنسبة لملفات الشرق الأوسط، والذي يشهد حالة من الاحتدام وعدم الاستقرار الأمني، وذلك على خلفية استمرار الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة وجنوب لبنان، فضلًا عن التصعيد والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، ومن ثم؛ يُثار تساؤلًا رئيسًا في الوقت الراهن؛ وهو ماذا تعني عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة بالنسبة لمستقبل حرب غزة، وبالنسبة لطهران وأذرعها؟:
أولًا؛ انعكاسات فوز ترامب على حرب غزة والقضية الفلسطينية:
راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو في موقفه من حرب غزة والتصعيد مع إيران وحزب الله، على عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، ولذلك سعى لإطالة أمد الحرب والتصعيد فى المنطقة لإحراج إدارة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وكذلك إفشال أى فرص للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار من خلال إما وضع شروط تعجيزية جديدة كلما كان هناك اقتراب من حل القضايا العالقة والتوصل إلى اتفاق، أو الاتجاه لمزيد من التصعيد بما يدفع الفصائل الفلسطينية لرفضها[1]، ويأتي هذا الرهان مدفوعًا بعدة أسباب؛ منها:
لم يعترف ترامب أبدًا بالحقوق القومية والسياسية للشعب الفلسطيني، ووضع خطة لتصفية القضية الفلسطينية سُميت بصفقة القرن في 2020، والتي قامت على فكرة “السلام الاقتصادي”، وكان أقصى ما يمكن للفلسطينيين الحصول عليه في هذه الخطة هو حكم ذاتي للسكان في بعض مناطق الضفة وغزة.[2]
عُرف ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، بانحيازه لإسرائيل وخططها الإستيطانية والتوسعية، وذلك باتخاذ قرارات مهمة في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ منها: نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل في 2017، الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السوري المحتل في 2019، التوسط في اتفاقات إبراهام لتطبيع العلاقات بين تل أبيب وكلا من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في 2020، والاعتراف بشرعية المستوطنات في الضفة الغربية على عكس القرارات الدولية المعنية بهذا الشأن.[3]
ومع بداية الحرب؛ صرح ترامب بأن هجوم 7 أكتوبر 2023، هو هجومًا على الإنسانية نفسها، وفي مايو 2024، أكد دعمه لحق تل أبيب في “مواصلة حربها على الإرهاب”.[4]
وكذلك انتقد ترامب المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، داعيًا إلى تعامل أكثر عدوانية مع تلك الاحتجاجات، مشيدًا بجهود الشرطة لإخلاءها بالقوة، كما اقترح أيضًا إلغاء تأشيرات الطلاب الذين يتبنون آراء معادية للسامية أو لإسرائيل.[5]
وفي ضوء ذلك؛ من المتوقع أن يواصل ترامب نهجه المتشدد تجاه القضية الفلسطينية ومناصريها، ويدعم السياسات الإسرائيلية سواء فيما يخص السيطرة على قطاع غزة أو سياسة بناء المستوطنات والضم في الضفة الغربية، مع العمل على إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار ولكن بشروط مجحفة ومنحازة لتل أبيب على حساب الفلسطينيين وحلم إقامة دولتهم المستقلة، ويُستدل على ذلك من خلال مجموعة من المعطيات؛ منها:[6]
صرح ترامب في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في 19 يوليو الماضي، بأنه “من الأفضل أن يعود الرهائن الإسرائيليون قبل أن أتولى منصبي وإلا سيتم دفع الثمن باهظ”، متعهدًا بأنه “سيدعم حق إسرائيل في كسب حربها على الإرهاب، بغض النظر عما يحدث”.
من بين 20 وعدًا قدمها الحزب الجمهوري في برنامجه المعتمد للناخبين الأمريكيين، كان الوعد الـ18 هو “طرد المتطرفين المؤيدين لحركة حماس وجعل حرم الجامعات آمنًا ووطنيًا مرة أخرى”.
وصف المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس، المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة بأنها “غبية”، لذلك؛ هناك احتمالًا ضئيلًا في أن يقدم ترامب مساعدات إنسانية للفلسطينيين، خاصةً فيما يخص المبالغ اللازمة للمساهمة في إعادة إعمار القطاع، وهذا نظرًا إلى سجله في معاقبة الفلسطينيين بقطع الإغاثات الإنسانية عنهم، مما يعني مواجهة الشعب الفلسطيني لواقع جديد يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية.
صرح ترامب خلال مقابلة نشرتها مجلة “تايم” الأمريكية في 30 أبريل 2024، بأنه “كان يعتقد أن حل الدولتين قد ينجح، ولكنه الآن يعتقد أن ذلك سيكون صعبًا للغاية تحقيقه”، ولهذا؛ من المتوقع أن يدعم ترامب سياسات الضم والتهجير المتطرفة التي ينتهجها نتنياهو.
ولكن؛ دونالد ترامب وتصريحاته تجاه إسرائيل والحرب في غزة، تغفل بعض المستجدات التي قد تحجم وتقوض تحركات الرئيس الجديد على عكس ولايته الأولى، منها: التطورات التي خلفتها عملية طوفان الأقصى مثل تعاظم التأييد الشعبي للقضية الفلسطينية، والذي سيشكل عائقًا أمام أي مشروع سياسي لتحييدها، وخلق حالة من الاحتقان تجاه إسرائيل بسبب انتهاكاتها الغاشمة التي ارتكبتها منذ بداية الحرب، مما سيعيق تطبيع العلاقات معها، فضلًا عن وجود رأي عام عالمي وأمريكي داعم لوقف الحرب بأسرع وقت.
ثانيًا؛ انعكاسات فوز ترامب على إيران وأذرعها في المنطقة:
على عكس إسرائيل؛ راهنت إيران على مجيء إدارة ديمقراطية لرئاسة الولايات المتحدة، حتى تستطيع أن تواصل ما بدأته في عهد إدارة الرئيس الحالي جو بايدن؛ حيث تم استئناف المفاوضات النووية غير المباشرة بينها وبين واشنطن، كما تبلورت بعض التفاهمات السياسية بين الدولتين مثل الإعلان في أغسطس 2023 عن الإفراج عن عدد من المسجونين الأمريكيين في إيران، مقابل إنهاء كوريا الجنوبية تجميد أرصدة مالية إيرانية فيها بوساطة قطرية[7]، ولهذا مارست طهران سياسة ضبط النفس وحاولت ألا تصعد هجماتها بشكل غير مدروس تجاه إسرائيل، أملًا في أن يساعد ذلك في التوصل لاتفاق هدنة بغزة، ومن ثم المساعدة على إبقاء الديمقراطيين في الحكم من خلال فوز كامالا هاريس.
ولكن الآن وبعد فوز دونالد ترامب؛ تدرك طهران أنها ستواجه إدارة أمريكية أكثر تشددًا تجاهها على غرار ولاية ترامب الأولى، وخاصةً بعدما تعهد بتوسيع العقوبات على إيران ووضع حد للتهديدات النووية الإيرانية، ولهذا من المتوقع أن ترسم المحددات التالية شكل العلاقات الأمريكية الإيرانية في الفترة المقبلة:
1- زيادة حدة التوتر الأمريكي الإيراني؛ بعد فترة من الهدوء النسبي في العلاقات بين الدولتين في عهد إدارة بايدن، يبدو أن العلاقات بين واشنطن وطهران ستشهد زيادة حالة التوتر في عهد ترامب، وذلك استنادًا على أن إيران كانت تحاول شراء الوقت والتهدئة حتى معرفة هوية الرئيس الأمريكي القادم، ولكن بعدما فاز الجمهوري ترامب، على عكس رغبتها، فإنها قد تميل إلى تصعيد حدة توجهاتها الإقليمية في الفترة القادمة.
ومن ثم؛ من المتوقع أن تتجه إيران لزيادة دعمها لأذرعها، وإطلاق أيديهم في المنطقة، من أجل تحقيق هدفين أساسيين يتمثلان في: تصعيد مستوى التهديدات في مواجهة المصالح الأمريكية بالمنطقة، وإرسال رسالة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب بأنه “إذا كانوا يرغبون في شرق أوسط مستقر، فإنه لا يمكن أن يتحقق ذلك من دون إيران”.[8]
2. محاولة تقويض النفوذ الإقليمي لإيران؛ من المتوقع أن تتجه إدارة ترامب إلى التصعيد وزيادة الضغط على أذرع إيران في المنطقة وخاصةً حزب الله لضمان أمن إسرائيل وعودة سكان الشمال، والحوثيين لوقف تهديداتهم لحركة الملاحة والتجارة في البحر الأحمر، والمليشيات الموالية لطهران في سوريا والعراق وذلك لإيقاف ضرباتها على القواعد والقوات الأمريكية في المنطقة.
هذا إلى جانب إمكانية الضغط على دول المنطقة لمنع تطوير علاقاتها مع طهران، وعرقلة سياسة حسن الجوار التي انتهجتها إيران مؤخرًا، وخاصةً مع دول الخليج العربي، وخصوصًا السعودية بعد اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بوساطة بكين في مارس 2023.
يُضاف إلى ذلك؛ احتمالية دعم ترامب لسياسة الاغتيالات التي تتبعها إسرائيل فيما يخص كبار قادة محور المقاومة الإيراني في المنطقة، وخاصةً وأنه أول من اتبعها باغتيال العقل المدبر لمشروع إيران الإقليمي؛ قائد فيلق القدس قاسم سليماني في 2020.
3- القضاء على آمال إحياء الاتفاق النووي؛ يبدو أن عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، تعني تلاشي فرص إحياء المفاوضات النووية، حيث:
خلال ولايته الأولى، اتبع ترامب سياسة أكثر حزمًا وصرامة تجاه برنامج إيران النووي، إذ انسحب من الاتفاق النووي بشكل أحادي في 2018، وأعاد فرض العقوبات على طهران فيما عُرف بسياسة الضغوط القصوى.
أبدى انفتاحه على فكرة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، إذ صرح في أكتوبر الماضي بأن “يجب على إسرائيل ضرب الأسلحة النووية أولًا، والاهتمام بالباقي لاحقًا”.[9]
4. عرقلة برامج الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية؛ أثبتت الحرب أهمية برنامج الصواريخ الباليستية في تعزيز الردع الإيراني، حيث اعتمدت طهران عليه في الرد على التهديدات الإسرائيلية، ومن ثم؛ قد يسعى ترامب إلى تقييد القدرات الصاروخية وصناعة المسيرات في إيران ومنع تطويرها، وذلك من خلال فرض عقوبات مشددة على مجالات تصنيع وتصدير مواد تصنيع الصواريخ والمسيرات إلى طهران، أو إطلاق يد إسرائيل في استهداف المنشآت الصاروخية الإيرانية، كما حدث في الهجوم الذي شنته تل أبيب في 26 أكتوبر الماضي.[10]
5. ممارسة مزيد من الضغط الاقتصادي على طهران؛ تعاني إيران من أزمة اقتصادية طاحنة تضعها على شفا الإفلاس، ولذلك قد يلجأ ترامب إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران، من أجل إجبارها على الرضوخ لشروطه فيما يخص سياساتها الإقليمية وبرنامجها النووي.
وإجمالًا؛ لا شك أن فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، سيؤثر بشكل أو بآخر على جميع ملفات الشرق الأوسط المشتعلة حاليًا، وخاصةً ملفي القضية الفلسطينية والحرب في غزة، والعلاقات الإيرانية الأمريكية.
وفيما يخص الملف الأول وهو حرب غزة؛ فإنه يمكن تلخيص سياسة ترامب المقبلة بهذا الشأن في تقديم مزيد من الدعم لإسرائيل وحكومة نتنياهو، ووقف الحرب من خلال اتفاق تنحاز شروطه ومعطياته لتل أبيب وخططها الاستيطانية، فضلًا عن إقامة مزيد من اتفاقات السلام لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض دول المنطقة.
أما فيما يخص إيران؛ فعودة ترامب هي تحدي كبير للنظام الإيراني يُضاف إلى التحديات الراهنة التي يعاني منها، لأنها تعني عودة سياسة الضغوط القصوى، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، واحتدام التصعيد الأمريكي المحتمل ضد أذرعها في المنطقة، والأهم؛ القضاء على أمل طهران في أن تعيد إحياء الاتفاق النووي قبل انتهاء مدته في أكتوبر 2025، تجنبًا لعودة العقوبات الأممية عليها من جديد.
المصادر:
[1] أحمد سيد أحمد، حرب غزة بين ترامب وهاريس، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 12/8/2024، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/47422/
[2] علي الدين هلال، هل سيختلف تعامل “ترامب 0.2” مع قضايا الشرق الأوسط؟، مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة، 11/7/2024، متاح على الرابط: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9451/%D9%87%D
[3] أيهما أفضل للمصالح العربية.. هاريس أم ترامب؟، مكز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة، 25/9/2024، متاح على الرابط: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9676/%D8%A3%D9%8A%
[4] محمد المنشاوي، نقاط اختلاف واتفاق ترامب وهاريس تجاه العدوان على غزة، الجزيرة القطرية، 2/11/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2024/11/2/%D9%86%D9%82%D8%A7%D8
[5] علي الدين هلال، هل سيختلف تعامل “ترامب 0.2” مع قضايا الشرق الأوسط؟، مرجع سابق.
[6] محمد غازي الجمل، ماذا يعني فوز ترامب بالنسبة للحرب على غزة؟، الجزيرة القطرية، 23/7/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2024/7/23/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D
[7] علي الدين هلال، هل سيختلف تعامل “ترامب 0.2” مع قضايا الشرق الأوسط؟، مرجع سابق.
[8] مرفت زكريا، مستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية حال فوز «ترامب» في الانتخابات الرئاسية القادمة، مركز العلومات ودعم اتخاذ القرار، 7/4/2024، متاح على الرابط: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/9175
[9] لوسي وليامسون، كيف يمكن أن تؤثر الانتخابات الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط؟، بي بي سي، 31/10/2024، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/cq8vy20gd4vo
[10] ما مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران في ظل الإدارة الأمريكية القادمة؟، مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة، 26/7/2024، متاح على الرابط: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9504/%D8%A7%D9%84%