في ظِلِّ التوتُّرات الداخلية التي تمُرُّ بها بنين، ظهر عددٌ من الجنود الذين شكَّلُوا ما أسموه “اللجنة العسكرية لإعادة التأسيس”، وأعلنوا إقالة الرئيس “باتريس تالون”، إضافةً إلى تعليق العمل بالدستور في خطوةٍ بَدَتْ كمحاولةٍ انقلابيةٍ مفاجئةٍ، تهدف تلك المحاولة إلى الاستيلاء على الحُكْم، ولكن سُرْعَانَ ما تحركت الحكومة لإخماد شعلة ذلك الانقلاب والسيطرة على الوضع، وبالتزامن مع إعلان الانقلاب كان هناك حالةٌ من الفوضى وإطلاق النار بالعاصمة الاقتصادية كوتونو، وتَمَّ إغلاق المنافذ الحدودية، وهو ما أثار المخاوف الداخلية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، المقررة في أبريل 2026، وتصاعُد التوتُّرات الأمنية في شمال البلاد، كما أن على المستوى الإقليمي هو مجرد تكرار لمشهد الانقلابات، الذي يحدث بالعديد من الدول الأفريقية خاصَّةً في منطقة غرب القارة.
محاولةٌ انقلابيةٌ فاشلةٌ
على غِرَارِ ما حدث في العديد من الدول الأفريقية، وختامًا بنجاح المحاولة الانقلابية في غينيا بيساو، ظهر ثمانية أشخاص من الجنود والضُّبَّاط العسكريين على التليفزيون الرسمي لجمهورية بنين، في السابع من ديسمبر من الشهر الجاري، وأذاعوا تمثيلهم ما أطلقوا عليه “اللجنة العسكرية لإعادة التأسيس”، وأعلنوا من خلاله عن إسقاط الرئيس من منصبه وتولِّي تلك اللجنة السلطة بقيادة “تيغراي باسكال”، إضافةً إلى تصريحاتهم بإلغاء الحكومة، وحلِّ جميع مؤسسات الدولة، كما أعلنوا تعليق العمل بالدستور، وإغلاق جميع حدود الدولة البرية والبحرية والجوية، وجاء في البيان “يلتزم الجيش رسميًّا بمنْح الشعب البنيني الأمل فى عهْدٍ جديدٍ حقًّا، تسُودُ فيه الأُخُوَّةُ والعدالةُ والعمل”.
ومن ناحيةٍ أُخرى، وبعْد السيطرة على التليفزيون الرسمي التي أعلن من من خلالها البيان، تَمَّ شنُّ هجومٍ مُسلَّحٍ على مقرِّ إقامة رئيس الجمهورية “باتريس تالون” الموجود بالعاصمة بورتو نوفو، ولكن سُرْعَانَ ما تَمَّ السيطرةُ على الأوضاع، وتَمَّ إحباطُ تلك المحاولة والتصدِّي لتلك المجموعة، واستعادوا السيطرة على التليفزيون الوطني، وفي مساء اليوم نفسه، أعلن “باتريس تالون”، أن الجيش والحرس الوطني استعاد السيطرة على الوضْع تمامًا، ودعا الشعب إلى ممارسة أعماله بشكلٍ طبيعيٍّ كالمُعْتَادِ، وأكَّدَ على أن هذا الخطأ لن يمُرَّ بدون عقابٍ.[1]
أبرز ردود الفِعْل الدولية والإقليمية
أدانت الأممُ المتحدةُ محاولاتِ الاستيلاء على السُّلْطَة ببنين، وأعرب الأمين العام عن قلقه العميق بشان ما يحدث؛ إذ إن أيَّ محاولةٍ لزعزعة السُّلْطة تُعَدُّ تهديدًا خطيرًا للديمقراطية والاستقرار في الدول والمنطقة بالكامل، كما دعا لاحترام الدستور والقانون، لضمان أمن واستقرار المنطقة.[2]
أدان الاتحادُ الأفريقيُّ محاولةَ الانقلاب، وشدَّدَ رئيسُ المفوضية على أن التدخُّل العسكري في السلطة السياسية يُمثِّلُ اختراقًا لمبادئ وقِيَمِ الاتحاد الأفريقي، التي ترْفُضُ قطْعًا التَّعدِّي العسكري على الحُكْم، كما دعا جميع الأطراف إلى وقْف الأعمال غير القانونية، واحترام دستور الدولة، وإعطاء الأولوية لمصلحة الوطن أوَّلًا ووحْدته وسلامه، كما صَرَّحَ عن القلق البالغ بشأن انتشار المحاولات الانقلابية في العديد من دول القارة، لا سيما في غربها؛ الأمر الذي يُشِيرُ إلى هشاشة البيئة الأمنية في المنطقة، ويُنْذِرُ بإضعاف سلطة الدولة، وجعل الأمن الجماعي مُعَرَّضًا للخطر.[3]
أعربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا منذ اللحظة الأولى، عن استنكارها الشديد للوضْع، وقد اتسم موقفها بالسرعة والفعالية؛ حيث أمرت من بداية الانقلاب بنشْر قوات احتياطية إقليمية في بنين، وتلك القوات تضمد جنود من سيراليون وساحل العاج وغانا ونيجيريا، وجاء في البيان الذي أصدرته المجموعة بخصوص هذا الشأن، أن القوات الاحتياطية ستساعد الحكومة البنينية وجيشها الوطني في الحفاظ على النظام الدستوري والأمن والسلامة لجمهورية بنين.[4]
لعبت نيجيريا دورًا حاسمًا في إحباط تلك المحاولة؛ إذ قَدَّمَتْ دعْمًا عسكريًّا مباشرًا؛ استجابةً لطلب الحكومة البنينية الدَّعْم من نظيرتها النيجيرية؛ إذ أرسلت طائرات مقاتلة نفَّذَتْ عدة ضربات جوية بالعاصمة كوتونو؛ للمساعدة في طرْد الانقلابيين من محطة التليفزيون الوطني، كما نشرت قوات برية ببنين؛ لدعْم الجيش الوطني، وحماية النظام الدستوري وتأمين مؤسسات الدولة، وجاء ذلك التدخُّل النيجيري بالتنسيق الكامل مع سلطات بنين، ومجموعة دول غرب أفريقيا “إيكواس”.[5]
ساعدت فرنسا في إجهاض محاولة الانقلاب؛ حيث قدَّمَتْ دعْمًا استخباراتيًّا ولوجيستيًّا، وأعلنت دعمها للسلطة الشرعية، ورفضت أيَّ محاولة لزعزعة تلك السلطة بشكلٍ غير دستوريٍّ، كما قامت بالتنسيق مع دول الإيكواس لحماية الشرعية الدستورية للدولة ومؤسساتها.
المشهد السياسي والأمني السائد في بنين
جاء هذا الانقلاب في ظِلِّ جوٍّ سياسيٍّ وأمنيٍّ يشُوبُه التوتُّر؛ إذ إن هناك العديد من العوامل التي أدَّت إلى هذا الانفجار المفاجئ:
1- التوتُّر السياسي وعدم الثقة في السلطة
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، المُقرَّر عقْدُها في إبريل 2026، هناك اتهاماتٌ طائلةٌ للرئيس البنيني “باتريس تالون” بالاستبداد وقمْع المعارضة السياسية، إذ تَمَّ منْع حزب المعارضة الرئيسي من المنافسة في الانتخابات المقبلة، كما تَمَّ سجْن عددٍ لا بأس به من الشخصيات المعارضة، وعلى رأسهم “بوني يايي” الرئيس السابق، كما أن الشعب لم يعُدْ لديه الثقة في السلطة، وأن تلك الانتخابات ما هي إلا إحدى أدوات الإمبريالية الفرنسية، ولن تُحْدِثَ تغييرًا حقيقيًّا أو تحْمِلُ حلولًا لمشكلاتهم.[6]
2- التهديدات المتصاعدة للجماعات المسلحة
تعاني منطقة شمال بنين من الإهمال العسكري؛ إذ تواجه تهديدات متصاعدة مع توسيع الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لعملياتهم بالمنطقة، وقد شهدت بنين خسائر بشرية وعسكرية فادحة على يد تلك الجماعات الجهادية بالفترة الأخيرة، والسبب الرئيسي في ذلك هو سوء إدارة الحكومة للتصدِّي لتلك الهجمات، والإهمال الملحوظ لأمن تلك المنطقة.[7]
3- استمرار النفوذ الفرنسي
هناك حركات مناهضة لاستمرار النفوذ الفرنسي بأشكاله المختلفة، وتؤيد السيادة التَّامة لدول الساحل، وفي يناير من العام الجاري، تَمَّ القبْض على عددٍ من المعارضين لوجود قوات فرنسية في بنين، إذ رأوا أنهم “وكلاء للجيش الفرنسي”، وفي الثامن من الشهر نفسه، اندلعت مظاهرة ضِدَّ الوجود العسكري الفرنسي في بنين، وجاءت بسبب هجومٍ إرهابيٍّ شنَّتْه إحدى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة على إحدى المواقع العسكرية للجيش الوطني؛ الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 30 جنديًّا.[8]
في الختام:
يعكس هذا الانقلابُ في بنين عدم الاستقرار السياسي داخل الدولة؛ إذ تشهد الدولة توتُّرات سياسية، وتصاعُد نفوذ الجماعات المسلحة؛ الأمر الذي أوضح مدى الهشاشة الأمنية للدولة، كما أنه على الرَّغْم من سرعة التصدِّي لهذا الانقلاب، إلا بنين أن قد لجأت إلى طلب المساعدة من المنظمات الدولية والإقليمية؛ لتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي؛ الأمر الذي لم تتأخر عنه فرنسا ونيجيريا على رأسهم؛ حيث كانت تسارع الفواعل الخارجية للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، إضافةً إلى حماية السلطة الشرعية ومؤسسات الدولة.
[3] The Chairperson of the African Union Commission Strongly Condemns the Attempted Military Coup in the Republic of Benin – 7 December 2025, African union, https://tinyurl.com/2j4yrd98.
[4] West African bloc ECOWAS to deploy regional troops to Benin after coup attempt, a news, 7 Dec 2025, https://tinyurl.com/45f3wzhx>.
