المقالات
فرصة أم تهديد: كيف ترى دول الخليج العربي الإدارة السياسية الجديدة في سوريا؟
- ديسمبر 28, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
شهدت العلاقات بين الدول الخليجية والنظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد مراحل مختلفة في السنوات الأخيرة؛ إذ تحوَّلت من حالة القطيعة الكاملة على خلفية الثورة السورية، إلى مرحلة استعادة العلاقات وتطبيعها مرةً أُخرى، بدءًا من العام 2018؛ عندما قرَّرت الإمارات إعادة فتْح سفارتها في دمشق؛ لتكون بذلك أول دولة عربية تنفتح على نظام الأسد مُجدَّدًا؛ لتتوالى بعدها خطوات التقارب “الخليجي – السوري”، باستثناء دولة خليجية واحدة؛ وهي قطر.
ولكن جاءت عملية ردْع العدوان، في 27 نوفمبر 2024؛ لتسقط نظام الأسد في 8 ديسمبر الجاري، وتغيّر كثير من الحسابات الخليجية بشأن سوريا؛ ما يُثير تساؤلًا أساسيًّا حول كيفية تعامل دول الخليج العربي مع سلطة الأمر الواقع، التي باتت تحكم دمشق، وشكل العلاقات “الخليجية – السورية” في المرحلة الجديدة:
أولًا: تفاعل خليجي سريع مع مستجدات الداخل السوري
تفاعلت دول الخليج العربي سريعًا مع تطورات الأحداث في سوريا؛ ففي أعقاب اندلاع عملية ردْع العدوان، وعلى عكس مواقفها من ثورة 2011، بادرت الدول الخليجية، باستثناء الدوحة، بالتواصل مع بشار الأسد؛ حيث أكدوا دعمهم للنظام السوري، مشددين على أهمية أمن سوريا واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها.
ومع إعلان إسقاط نظام الأسد، انخرطت دول مجلس التعاون الخليجي الست في المشهد سريعًا أيضًا، وذلك من خلال إصدار بيانات تؤكد دعمهم لتطلُّعات الشعب السوري وإرادته، وتدعو إلى احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها ووحدتها، وتُحذِّرُ من الانزلاق إلى الفوضى والانقسام.
ولم يقف ردُّ الفعل الخليجي عند هذا الحدّ، بل إن هذه الدول سارعت إلى الانفتاح على سلطة الأمر الواقع في سوريا، بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع؛ إيمانًا منهم بأن اللحظة الحالية في دمشق تستوجب الانخراط والتنسيق وليس التجاهل؛ نظرًا لما تحمله هذه المستجدَّات من انعكاسات قد تكون خطيرةً على الشرق الأوسط، وخاصَّةً فيما يخُصُّ خريطة النفوذ الإقليمي بالمنطقة، ولهذا:
-
أكَّد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي، موقف دول المجلس الثابت بشأن الأزمة في سوريا، والحفاظ على وحْدة أراضيها، واحترام استقلالها وسيادتها، مشدِّدًا على رفْض الدول الخليجية للتدخُّلات الإقليمية في الشؤون السورية، ولكل ما يمسُّ الأمن القومي العربي ويهدد الأمن والسِّلْم الدولييْن، وعلى أهمية الانتقال السِّلْمي للسلطة.[1]
-
أعلنت خمس دول خليجية، إعادة فتْح بعثاتها الدبلوماسية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وهي: السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان وقطر.[2]
-
أجرى وزراء خارجية قطر والإمارات والكويت، يوم 13 ديسمبر الجاري، مباحثات منفصلة حول تطوُّرات الأوضاع في سوريا؛ إذ أكَّدوا على أهمية وحْدة وسيادة سوريا ودعم أمنها واستقرارها، وتطلُّعات شعبها في التنمية والتقدُّم، مشدِّدين على ضرورة تكاتُف جميع الأطراف، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية.[3]
-
في 14 ديسمبر، اجتمع وزراء خارجية “السعودية والإمارات وقطر والبحرين” مع نظرائهم العرب في الأردن، وأصدروا بيانًا مشتركًا يدعم الانتقال السِّلْمي في سوريا، من خلال حوارٍ وطنيٍّ شاملٍ، فيما تعهَّدُوا بتقديم المساعدات والدعم للشعب السوري، فضلًا عن إدانتهم للغارات الجوية والتوغُّلات الإسرائيلية في الأراضي السورية.
-
أعادت قطر، يوم 21 ديسمبر، افتتاح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، وتعيين خليفة عبد الله آل محمود الشريف قائمًا بالأعمال، وذلك بعد 13 عامًا من قطْع كافَّة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، في العام 2011، مؤكدةً أن قرار استئناف عمل السفارة يهدف إلى تعزيز الجهود الإغاثية للشعب السوري، ودعم متطلبات المرحلة الانتقالية، وتقديم ما تحتاجه سوريا من مساعدات إنسانية عاجلة.[4]
-
أجرى وفدٌ سعوديٌّ برئاسة مستشار في الديوان الملكي السعودي، لقاءً في دمشق مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، يوم 22 ديسمبر؛ لبحث سُبُل الحفاظ على استقرار سوريا وعودة مؤسساتها إلى العمل، إضافةً إلى مناقشة الرُّؤَى المستقبلية الخاصَّة بوضْع الجيش السوري.[5]
-
قام وفدٌ قطريٌّ رفيع المستوى برئاسة وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، بزيارةٍ هي الأولى من نوعها إلى سوريا، يوم 23 ديسمبر؛ لعقد مجموعة من اللقاءات مع المسؤولين السوريِّين، وعلى رأسهم الشرع، والذي بدوره، أكَّد أن الدوحة أبدت اهتمامها بالاستثمار في قطاعات، من بينها الطاقة في المستقبل، معلنًا أنه دعا أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لزيارة سوريا.[6]
-
أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، اتصالًا هاتفيًّا مع نظيره السوري أسعد الشيباني، يوم 23 ديسمبر؛ لبحث آخر التطورات السورية وسُبُل تعزيز العلاقات بين البلديْن؛ إذ شدَّد بن زايد على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، مؤكدًا موقف الإمارات الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة وجامعة، تحقق تطلُّعات الشعب السوري.[7]
ثانيًا: رسائل سورية لطمأنة الدول الخليجية
يبدو أنه مثلما تدرك الدول الخليجية أهمية الملف السوري في معادلة الشرق الأوسط، تدرك أيضًا السلطة السورية الجديدة، أهمية كسْب ثقة وتأييد دول الخليج العربي؛ لما لها من دورٍ فاعلٍ في المنطقة، ولذلك؛ عمل قائد سلطة الأمر الواقع في دمشق أحمد الشرع، على إرسال رسائل وتطمينات عِدَّة إلى هذه الدول، من خلال الإدلاء بعددٍ من التصريحات الصحفية، يوم 19 ديسمبر الجاري؛ أهمها[8]:
-
تعبت سوريا من الحروب، ومن كوْنها منصَّةً لمصالح الآخرين؛ فالدولة السورية الآن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة فيها؛ لأنها بلدٌ في قلب الحدث العربي، ووجودنا لن يعني تهديدًا لأحد.
-
الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام، ولن يُسمح بتصديرها إلى أيِّ مكانٍ آخر؛ فسوريا لن تكون منصَّةً لمهاجمة أو إثارة قلق أيِّ دولة عربية أو خليجية مهما كان، بل تسعى لبناء علاقات إستراتيجية فاعلة مع الدول العربية.
-
تتمثل الأولوية الآن في وحدة الأراضي السورية، وبناء دولةٍ مدنيةٍ حديثةٍ متعددة الأعْرَاق والأديان، تهدف إلى الاستفادة من ثروات سوريا الزراعية والنفطية والبشرية.
-
كانت سوريا قد تحوَّلت لمنبر إيراني، تدير منه طهران 4 عواصم عربية أساسية، وعاثت حروبًا وفسادًا في الدول التي دخلتها، وهي نفسها التي زعزعت أمن الخليج وأغرقت المنطقة بالمخدرات والكبتاغون، ولكن الآن ومع إسقاط نظام الأسد، أصبح الأمن الإستراتيجي الخليجي أكثر أمنًا وأمانًا؛ لأن المشروع الإيراني في المنطقة عاد 40 سنة إلى الوراء.
-
نطمح أن نصل إلى الحالة التنموية المتقدمة التي وصلت إليها بلدان الخليج، لقد سبق وأن وضعت السعودية خططًا جريئة، ولديها رُؤْية تنموية نتطلَّعُ إليها أيضًا، فلا شكَّ أن هناك تقاطعات كثيرة بين سوريا والدول الخليجية، ويمكن أن يلتقي الطرفان عندها، سواء من تعاون اقتصادي أو تنموي أو غير ذلك.
-
عندما استُعيدت بوادر العلاقات العربية مع النظام السابق وعودته إلى جامعة الدول العربية مقابل تقديمه بعض التنازلات، كانت المعارضة واثقة من فشل ذلك مسبقًا، لمعرفتها بأن هذا النظام لن يقدم أيَّ تنازل ولن يستقبل هذه البادرة بحُسْن نية.
-
لا نسعى لأيِّ علاقة تسلطية أو تدخلية في الشأن الداخلي اللبناني، بل ستكون علاقة احترام متبادل، تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيِّين.
-
هيئة تحرير الشام ليست جماعة إرهابية، فهي لم تستهدف المدنيِّين أو المناطق المدنية.
-
سوريا لن تتحول إلى نسخة جديدة من أفغانستان، فالدولتان مختلفتان للغاية، ولديهما تقاليد مختلفة، باعتبار أن أفغانستان مجتمعٌ قبليٌّ؛ أمَّا سوريا لديها عقلية مختلفة، تؤمن بتعليم النساء.[9]
-
ستخضع كل الأسلحة في البلاد لسيطرة الدولة؛ بما فيها سلاح القوات التي يقودها الأكراد، كما أن الفصائل المسلحة ستبدأ في الإعلان عن حلِّ نفسها، والدخول تِبَاعًا في الجيش.
-
تعمل الإدارة الجديدة على حماية الأقليات داخليًّا، وكذلك من الأدوات الخارجية التي تحاول استغلال الوضع لإثارة النَّعَرات الطائفية؛ إيمانًا بأهمية التعايش في بلدٍ متعدد الأعْرَاق والمذاهب؛ فسوريا ستكون بلدًا للجميع.
ولكن رغم إيجابية هذه التصريحات، والتي يحاول بها الشرع إثبات أن هيئة تحرير الشام باتت بعيدةً عن أفكار نشأتها المتطرفة والمرتبطة بتنظيم القاعدة، إلَّا أنه يبقى السؤال الأساسي حتى الآن؛ هل تترجم الهيئة هذه الخطابات إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، أمْ أنها ستبقى وعودًا مجرَّدةً، تهدف إلى كسْب الشرعية السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.
ثالثًا: المقاربة الخليجية نحو الإدارة السورية الجديدة
لا شكَّ أن الصورة في سوريا لم تكتمل بعْدُ، وهذا يجعلها مفتوحةً على كل السيناريوهات، كما أن هذه الضبابية تُصعِّبُ من تقييم ما ستصل إليه الأمور، ومعرفة ما إذا كانت التطورات الأخيرة هي فرصة حقيقية لسوريا أم تهديد قد ينال من استقرار المنطقة.
وبناءً على ذلك؛ تقف الدول الخليجية في موقفها ومقاربتها تجاه الإدارة السياسية الجديدة في سوريا، بين مكاسب اللحظة الراهنة وتهديدات المستقبل المجهول للأزمة السورية؛ حيث:
1- مكاسب اللحظة الراهنة:
التخلُّص من نظام الأسد؛ قدمت الدول الخليجية بشكلٍ خاصٍّ والعربية بشكلٍ عامٍ، فرصةً ذهبيةً لبشار الأسد حتى يعود إلى الحضن العربي مجددًا، وبذلت هذه الدول جهودًا مشتركةً؛ من أجل عودته إلى الجامعة العربية مرةً أُخرى في مقابل الحصول على عدة تعهُّدات، ولكن النظام السوري لم يُقدِّر هذه الفرصة جيدًا، وضرب بكل وعوده عرْض الحائط، ولذلك تنظر دول الخليج العربي إلى رحيل الأسد باعتباره مكسبًا وفرصةً لفتح الباب أمام مجيء نظام مختلف يراعي مصالح الأمن القومي الخليجي، ويكون مستعدًا حقًا للتعاون والتنسيق معها، وهذا ينعكس في بيانات البلدان الخليجية في أعقاب إسقاط الأسد، والتي أكَّدت جميعها على “احترام إرادة الشعب السوري بإحداث تغييرٍ يتناسب مع تطلُّعاتهم”.
إسقاط النفوذ الإيراني في سوريا؛ لا شكَّ أن رحيل الأسد الذي كان حليفًا إستراتيجيًّا لإيران، يُمثِّلُ ضربةً لمشروع طهران الإقليمي، كما أنه يحدُّ من فاعلية النشاط الإيراني في الأراضي السورية، عبْر كثير من الميليشيات التي هدَّدت أمن الدول العربية بشكلٍ عامٍ والدول الخليجية بشكلٍ خاصٍّ، على اعتبار أن العلاقات “الخليجية – الإيرانية” غلب عليها حالة من التدهور والتوتُّر في أوقات كثيرة قبْل حالة المصالحات الإقليمية، التي بدأت في المنطقة عام 2021، ولذلك؛ تآكل النفوذ الإيراني في سوريا برحيل الأسد قد يكون فرصةً ومكسبًا للدول الخليجية.
الحدُّ من تجارة المخدرات الموجهة للدول الخليجية؛ كان النظام السوري معروفًا بتجارة المخدرات، وخاصَّةً الكبتاغون، والتي اعتمد عليها لجنْي الأموال الطائلة، في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وكانت الدول الخليجية هي واحدة من الوجهات الأساسية المستهدفة من هذه التجارة، وبالتالي؛ رحيل هذا النظام هو مكسبٌ وفرصةٌ حقيقيةٌ؛ للحدِّ من استهداف دول الخليج بالمخدرات المُنتجة في سوريا.
استعادة النفوذ السُّنِّي في سوريا؛ لأول مرةٍ منذ سنوات طويلة، ستكون سوريا برئاسة نظامٍ سُنِّيٍّ بدلًا من النظام العلوي الشيعي الذي حكم البلاد لفترة كبيرة، وهذا من شأنه، أن يكون فرصةً للدول الخليجية؛ لأن تستعيد نفوذها وعلاقاتها الوطيدة بدمشق، خاصَّةً وأن هذا الاختلاف المذهبي كان أحد العوامل الأساسية لخروج سوريا من الحُضْن الخليجي إلى المحور الإيراني الشيعي، أو ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي الإيراني”.
2- تهديدات المستقبل المجهول لسوريا:
التخوُّف من سيناريو تقسيم سوريا؛ تخشى الدول الخليجية حدوث فوضى وانقسام داخلي يؤدي إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ دولية أو طائفية، أو تحوُّلها إلى دولة فاشلة تستقطب الميليشيات المتطرفة من مختلف دول العالم؛ أيْ تكرار النموذج الليبي، وهو أمر إذا تحقَّقَ، سيحمل في طيَّاته الكثير من التهديدات على أمن واستقرار المنطقة عامَّةً وأمن دول الخليج العربي خاصَّةً.
عودة الجماعات الجهادية المتشددة إلى الصورة مجدَّدًا؛ لا تستطيع الدول الخليجية أن تتغافل عن فكرة أن من سيطر على السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد، هي هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقًا، والتي كانت الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، ولا تزال هي وقائدها أحمد الشرع على قوائم الإرهاب، بموجب نظام العقوبات الذي تمَّ إنشاؤه وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1267، ويستهدف الأفراد والمنظمات المرتبطة بتنظيم القاعدة.[10]
ومن ثم؛ تتخوَّفُ دول الخليج العربي من أن يكون النظام القادم في سوريا هو نظام جهاديٌّ ينتمي فكريًّا إلى تنظيم القاعدة، وهو أمر يهدد استقرار المنطقة بشكلٍ كبيرٍ؛ لأنه قد يفتح الباب أمام تكرار تجربة العراق بعد سقوطها في يد تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك عودة صعود حركات وتيارات الإسلام السياسي المتشددة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهو أمر لن تقبل الدول الخليجية أن يحدث، سواء في سوريا أو غيرها.
التخوُّف من سيطرة القوى الإقليمية الأخرى على مُجْريات الأمور في سوريا؛ تخشى الدول الخليجية من أن تتحوَّل سوريا من منطقة نفوذ إيراني إلى منطقة نفوذ تركي أو إسرائيلي، كما تتخوَّفُ من أن تؤدي التدخلات الخارجية إلى إنجاح سيناريو تقسيم الأراضي السورية، ولهذا بادرت دول مجلس التعاون الخليجي بإدانة التوغُّل الإسرائيلي في الداخل السوري، وشدَّدت على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا وأراضيها، فضلًا عن تحرُّكها السريع للانخراط في المشهد؛ لضمان تعزيز النفوذ العربي في دمشق، وسيْر عملية الانتقال السياسي في سوريا؛ بما يتوافق مع مصالح الدول الخليجية، والرُّؤْية العربية القائمة على إبقاء الدولة السورية موحدة ومستقلة.
تعكير صفْو المصالحة “الخليجية – التركية”؛ تختلف مواقف الدول الخليجية وتركيا، فيما يخُصُّ وصول الجماعات الإسلامية إلى السلطة، وهذا ينطبق على هيئة تحرير الشام؛ فبينما بلدان الخليج العربي لا تنظر بارتياحٍ كبيرٍ لسيطرة الهيئة على الإدارة السياسية في سوريا، تدعم أنقرة هذا الأمر إلى أقصى درجة، بل إن تركيا قد تكون الرابح الكبير مما حدث في الدولة السورية؛ لأنها كانت الداعم الأكبر للهيئة، وهذا يعني أنها قد تصبح صاحبة اليد العليا على سلطة الأمر الواقع المتواجدة في سوريا حاليًا.[11]
وبناءً على ذلك، قد تتعارض الرُّؤَى والمصالح الخليجية والتركية في الملف السوري؛ ما يُرجح أن يؤثر سلبًا على التفاهمات التي توصَّل إليها الطرفان في السنوات الأخيرة؛ ما يعني أن سوريا قد تكون اختبارًا حقيقيًّا للمصالحة “الخليجية – التركية” في الفترة المقبلة.
احتمالية تباين مواقف الدول الخليجية بشأن الإدارة السورية الجديدة؛ لم تكن مواقف الدول الخليجية سواء من النظام السوري السابق أو هيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني الذي يقود سوريا حاليًا، على وتيرةٍ واحدةٍ، بل إنها شهدت فروقات وتباينات؛ حيث:
– بالنسبة للإمارات؛ فقد كانت الأكثر تحسُّسًا من الحركات الإسلامية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، ولذلك كانت أول دولة عربية تنخرط ديبلوماسيًّا مع سوريا وبشار الأسد في 2018، ثم بدأ التعاون الإماراتي مع الأسد يتخذ طابعًا اقتصاديًّا أكثر وضوحًا، في عام 2020؛ إذ بدأت الشركات الإماراتية في التوسُّع داخل سوريا، وخاصَّةً في مجالات النفط والإعمار، ولكن كان التغيير الأبرز في هذه العلاقة عام 2022؛ عندما زار بشار الأسد الإمارات في أول زيارة رسمية له لدولة عربية، منذ عام 2011.[12]
يُضاف إلى ذلك؛ أن الإمارات كانت في طليعة الدول التي تواصلت مع الأسد في أعقاب اندلاع عملية ردْع العدوان التي تسبَّبت في إسقاط نظامه؛ حيث أكَّد الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، لنظيره السوري “تضامن أبوظبي مع سوريا ودعمها في محاربة الإرهاب والتطرف”.
كما عبَّرت الإمارات بشكلٍ علنيٍّ عن مخاوفها من احتمالية ترسُّخ نظام إسلامي متشدِّد في سوريا، وذلك من خلال تصريحات المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش، بعد إعلان سقوط الأسد؛ حيث صرَّح، بأن “طبيعة القُوَى الجديدة، وارتباطها بالإخوان المسلمين والقاعدة، هي أمور مثيرة للقلق”، مُحذِّرًا من “احتمالية الفوضى والتطرُّف لترسيخ جذورهما في سوريا”.[13]
– أمَّا السعودية؛ فهي أيضًا شاركت الإمارات في مخاوفها من نشْأة حكومة إسلامية متطرفة في سوريا، ولكنها اتخذت نهْجًا أكثر تحفُّظًا تِجَاه التطوُّرات الأخيرة في دمشق، وحرصت على أن تبادر بالانفتاح على السلطة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وذلك من خلال الحديث عن قيام وفدٍ سعوديٍّ بزيارة دمشق والاجتماع مع زعيم هيئة تحرير الشام.
– بينما قطر؛ كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تُعِدْ علاقاتها مع نظام الأسد، وكانت الأكثر حماسةً لدعم السلطة الجديدة في سوريا؛ إذ أعلنت الدوحة سريعًا عن إعادة فتْح سفارتها في دمشق، كما أن الوفد القطري الذي قام بزيارة سوريا، يُعدُّ أول وفدٍ رسميٍّ من دولة عربية يتوجَّهُ للاجتماع مع الشرع.
وفي ضوء ذلك؛ يبدو أن الدول الخليجية لن تكون على درجة الانفتاح نفسها أو التقبُّل لنظام سوريٍّ جديدٍ تقوده هيئة تحرير الشام، كما يُرجح أن تكون الدوحة هي الدولة الخليجية الأكثر نفوذًا في سوريا؛ انطلاقًا من مواقفها السابقة من الهيئة ونظام الأسد، وكل هذا قد يثير تهديدًا وتخوُّفًا من عودة رواسب أزمة عام 2017 للواجهة مجدَّدًا، خاصَّةً وأن دعم جماعات التيار السياسي الإسلامي، وخصوصًا الإخوان المسلمين، كان من بين أسباب الخلاف بين قطر والثلاثي “الخليجي “السعودية والإمارات والبحرين”.
إجمالًا:
ما حدث في سوريا ليس نقطة النهاية، بل إنه قد يكون بدايةً لمرحلة جديدة ليس فقط في دمشق، ولكن في المنطقة بشكلٍ عامٍ؛ نظرًا لما يحمله المشهد الحالي من تساؤلات ذات إجابات مجهولة، تتعلق بمستقبل الإدارة السورية الجديدة، ومصير هيئة تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني، وما إذا ستحقق الهيئة تعهُّداتها أم ستظلُّ مجرد وعودٍ، فضلًا عن قضية رفْع الهيئة من على قوائم الإرهاب والتي ستحددها بشكلٍ كبيرٍ ماهية علاقتها مع تنظيم القاعدة، هذا إلى جانب التساؤلات بشأن خارطة تقسيم النفوذ الإقليمي والدولي في سوريا خلال الفترة المقبلة.
وضبابية المشهد هذه، تجعل الدول الخليجية تنظر إلى تطوُّرات سوريا الأخيرة على أنها فرصةٌ وتهديدٌ في الوقت ذاته، إلى أن تتحدد إجابات التساؤلات سالفة الذكر، وحينها ستكون دول الخليج قادرةً على معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، ومن ثمَّ؛ القدرة على وضْع مقاربة معلومة المباديء والأهداف.
وحتى يحين هذا الوقت؛ ستكون المقاربة الخليجية الأكثر ملائمةً للوضع الحالي في سوريا، هي: الانخراط في المشهد والانفتاح الحَذِر على هيئة تحرير الشام وزعيمها؛ بهدف التنسيق بما يخدم المصالح الخليجية، وتعزيز النفوذ العربي في الدولة السورية على حساب النفوذ الإقليمي، سواء التركي أو الإسرائيلي، فضلًا عن ضمان الوصول إلى مقاربة عملية تحافظ على وحْدة سوريا وسيادتها، وتصُون حقوق مواطنيها دون تهميش أيِّ مُكوِّنٍ اجتماعيٍّ أو سياسيٍّ.
المصادر:
[1] «دول الخليج» تؤكد على مواقفها الثابتة بالحفاظ على وحدة أراضي سوريا، الشرق الأوسط، 9/12/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9
[2] 7 دول عربية وتركيا وإيطاليا تجدد علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، الحرة، 14/12/2024، متاح على الرابط: https://www.alhurra.com/syria/2024/12/14/7-%D8%AF%D9%88%D9%84-
[3] مباحثات خليجية حول تطورات الأوضاع في سوريا، صحيفة الخليج أونلاين، 13/12/2024، متاح على الرابط: https://alkhaleejonline.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9
[4] بعد 13 عاماً.. قطر تعيد افتتاح سفارتها في دمشق، الخليج أونلاين، 21/12/2024، متاح على الرابط: https://alkhaleejonline.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9
[5] «العربية»: وفد سعودي يلتقي أحمد الشرع في قصر الشعب، صحيفة المصري اليوم، 22/12/2024، متاح على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/3335621
[6] أول وفد قطري رسمي يصل دمشق منذ سقوط الأسد، الخليج أونلاين، 23/12/2024، متاح على الرابط: https://alkhaleejonline.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%
[7] عبد الله بن زايد يبحث مع الشيباني آخر التطورات السورية وعلاقة البلدين، الشرق الأوسط، 23/12/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%
[8] أحمد الشرع يوجه رسالة إلى دول الخليج والبلدان العربية “الوازنة” في لقاء مع “الشرق الأوسط”، روسيا اليوم، 20/12/2024، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/middle_east/1630362-%D8%A3%
[9] أحمد الشرع: سوريا ليست أفغانستان ولن تكون، العربية.نت، 18/12/2024، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/syria/2024/12/19/%D8%A3%D8%A
[10] خبيران أميركيان: هذا ثمن رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الأميركية، الجزيرة القطرية، 18/12/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2024/12/18/%D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8
[11] جوناثان فينتون هارفي، سوريا بعد الأسد واختبار جديد للعلاقة التركية مع دول الخليج العربي، مجلة World Politics Review، مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية، 20/12/2024، متاح على الرابط: https://dimensionscenter.net/ar/%D8%B3%D9%88%D8%
[12] قصة العلاقات السورية الإماراتية التي شهدت تحولات كبيرة، بي بي سي، 7/12/2024، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/c93881993n8o
[13] تحليل: بعد سقوط الأسد، دول الخليج ترى مخاطر وفرصًا في سوريا، United States Institute of Peace، يمن فيوتشر، 20/12/2024، متاح على الرابط: https://yemenfuture.net/news/28211