المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > فرصةٌ إستراتيجيةٌ أم تحدٍّ وجوديٌّ: كيف تقرأ إسرائيل المشهد في سوريا؟
فرصةٌ إستراتيجيةٌ أم تحدٍّ وجوديٌّ: كيف تقرأ إسرائيل المشهد في سوريا؟
- ديسمبر 9, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
مع سقوط نظام الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، تجدُ إسرائيل نفسها أمام لحظةٍ مِحْوَرِيَّةٍ تحمل في طيَّاتها فُرَصًا إستراتيجية وتحدِّيات وجودية؛ حيث تُعدُّ سوريا – بموقعها الجيوسياسي- منطقة تداخُلٍ إستراتيجي بين قُوَى إقليمية ودولية كُبْرَى، ويفتح هذا التحوُّل الباب أمام إسرائيل لإعادة تقييم إستراتيجياتها الأمنية والعسكرية على الحدود الشمالية، لا سيما في ظِلِّ الفراغ السياسي والأمني الناشئ عن سقوط النظام.
وعلى خلفية التطوُّرات المتلاحقة والسريعة التي شهدتها سوريا مُنْذُ أيامٍ قليلةٍ انتهت بإسقاط نظام الأسد، وكأوَّلِ ردِّ فِعْلٍ احترازيٍّ، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد 8 ديسمبر، أنه نشر قوات في المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة مع سوريا، وفي عددٍ من النقاط المهمة بغرض الدفاع في ضوء الأحداث في سوريا.
كما أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، انهيار اتفاق فضِّ الاشتباك لعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، كما أكَّد نتنياهو، في زيارةٍ لمنطقةٍ قُرْب الحدود مع سوريا، بعد سقوط بشار الأسد، أن “إسرائيل لن تسمح لأيِّ قوةٍ معاديةٍ بترسيخ مكانٍ لها على حدودنا”، متابعًا، “أصدرت تعليمات للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع القيادية المجاورة لها لحماية الإسرائيليِّين في مرتفعات الجولان”.[1]
بشكلٍ عامٍ، لا شكَّ بأن إسرائيل كانت ترغب في رُؤْية النظام السوري ضعيفًا بما يمنعه من تشكيل تهديدٍ عسكريٍّ تقليديٍّ، لكنها في الوقت نفسه، كانت تعارض انهياره الكامل؛ لعدة أسباب من أهمها، أن سقوط الأسد قد يُفضي إلى صعود قُوَى متطرفة، سواء كانت شيعية أو سنّية؛ ما يزيد من عدم استقرار المنطقة، ومن الأسباب الأخرى، كان يُمثِّلُ الأسد خصمًا معروفًا لإسرائيل يمكن التنبؤ بسلوكياته، بخلاف حاكمٍ جديدٍ قد يكون أكثر عداءً أو أقلّ قُدْرة على السيطرة على البلاد.
واليوم، تنظر إسرائيل إلى سقوط النظام السوري من مِنْظَار الفُرْصة الإستراتيجية؛ لتأمين حدودها الشمالية، وتعزيز مكاسبها الجيوسياسية، ومع ذلك، فإن التحديات الناشئة عن الفراغ الأمني والمخاوف من صعود تنظيمات جديدة تجعل الموقف مُعقَّدًا، ويتطلب رُؤْية إستراتيجية شاملة؛ وعليه يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن إسرائيل من تحويل هذه اللحظة إلى مكسبٍ طويل الأمد، أم أنها ستواجه واقعًا جديدًا يفرض عليها إعادة ترتيب أوراقها؟
الرُّؤْية الإسرائيلية للواقع السوري بعد سقوط النظام
-
إعادة تشكيل البيئة الأمنية على الحدود الشمالية؛ تنظر إسرائيل إلى سوريا مُنْذُ عقودٍ كمنطقةٍ عازلةٍ، رغم العداء التاريخي بين الدولتيْن، ومع سقوط النظام السوري، أصبحت الجبهة الشمالية مكشوفة؛ ما يدفع إسرائيل إلى إعادة رسْم إستراتيجيتها الأمنية؛ لضمان استقرار حدودها مع سوريا.
-
مواجهة النفوذ الإيراني؛ تعتبر إسرائيل أن إيران هي العدو الأساسي في المنطقة، وأن وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا يُشكِّلُ تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ولا شكَّ بأن سقوط النظام السوري يُضْعِفُ الحليف الإيراني في دمشق، لكنه لا يلغي نفوذ طهران تمامًا في سوريا؛ حيث تعتمد إيران على شبكةٍ من الميليشيات المسلحة لتحقيق أهدافها الإقليمية.
-
تحييد التهديدات من الفواعل الجدد من غير الدول؛ الفراغ الأمني الناتج عن سقوط النظام يتيح المجال لصعود تنظيماتٍ مسلحةٍ جديدةٍ، قد يحمل بعضها طابعًا إرهابيًّا؛ ما يُمثِّلُ تحدِّيًا مزدوجًا لإسرائيل، التي يجب عليها تأمين حدودها ومواجهة هذه التنظيمات.
-
إعادة تموْضع القُوَى الدولية والإقليمية؛ ترى إسرائيل في التطوُّرات السورية فُرْصةً لتحييد النفوذ الرُّوسي أو تقليصه، خاصَّةً مع توجُّه موسكو نحو سياسات أكثر انكفاءً على الداخل، وفي الوقت نفسه، تسعى إلى الاستفادة من الدعم الأمريكي لضمان عدم تحوُّل سوريا إلى منصَّة هجومٍ ضدها.
الفرص الإستراتيجية لإسرائيل في ظلِّ سقوط النظام السوري
يمكن اجمال الفرص الإستراتيجية التي تسعى تل أبيب إلى انتهازاها عقب سقوط نظام الأسد في النقاط التالية:
-
تعزيز العُمْق الدفاعي في الجولان: هضبة الجولان تُشكِّلُ خطَّ الدفاع الأول لإسرائيل، وسقوط النظام السوري يتيحُ فُرْصةً لتعزيز هذا العُمْق الدفاعي، عبْر نشْر المزيد من القوات، وإقامة بُنَى تحتيَّة عسكرية متقدمة، كما أن أحد أهم المكاسب الإسرائيلية الحالية، هو السيطرة الكاملة على منطقة جبل الشيخ، والتي تُعدُّ نقطة إستراتيجية حيوية تتيح لإسرائيل مراقبة العُمْق السوري وتأمين مستوطناتها في الجولان المحتل.
-
إنشاء منطقة عازلة لتعزيز الأمن: أنشأت إسرائيل منطقةً عازلةً، تمتدُّ إلى عُمْق 235 كيلومترًا مربعًا داخل الأراضي السورية، وهذه الخطوة تتيح لها منْع تسلُّل العناصر المسلحة، وفي الوقت نفسه، تُعزِّزُ نفوذها الجغرافي بما يضمن لها أريحيَّة عسكرية وأمنية.
-
احتواء التهديد الإيراني بشكلٍ كاملٍ: الضربات الجوية الممنهجة التي تُنفِّذُها إسرائيل ضد الميليشيات الإيرانية ومستودعات الأسلحة في سوريا هي جزءٌ من إستراتيجيتها لتحييد التهديد الإيراني؛ فالهدف النهائي لإسرائيل هو إنهاء الوجود الإيراني بشكلٍ كاملٍ على الأراضي السورية، ويُعْطِي سقوط النظام إسرائيل ذريعةً أكبر لتكثيف هذه العمليات، في ظلِّ غياب حكومةٍ مركزيةٍ في دمشق تستطيع الرَّدَّ.