المقالات
في أولِ هجومٍ مباشرٍ: تحليلٌ للهجومِ الإيرانيِ على الداخلِ الإسرائيليِ
- أبريل 15, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: وحدة الشرق الأوسط
إعداد: أحمد محمد فهمي
باحث متخصص في الشؤون التركية والإقليمية
بعدَ مرورِ أيامٍ قليلةٍ على الهجومِ الإسرائيليِ الذيِ اسْتهدفَ في الأولِ من أبريلَ القُنصليةَ الإيرانيةَ في العاصمةِ السوريةِ دمشقَ، الذيِ أدىَ إلى تدميرِ القنصليةِ ومَقتلِ 16 شخصاً، بينهُمْ جنرالانِ في الحرسِ الثَوْريِ الإيرانيِ، وتوعدَ مسؤولونَ إيرانيونَ، يتقدمهُم المرشدُ الإيرانيُ علي خامنئي، إسرائيلَ بأنهَا ستُعاقَب بعدَ الهجومِ على قُنصليتِها، قامَ الحرسُ الثوريُ بشنِّ هجومٍ بواسطةِ صواريخَ وطائراتٍ مسيرةٍ ضدَّ الداخلِ الإسرائيليِ.
وبعدَ انتهاءِ الهجومِ الذيِ لم يُحققْ خسائرَ بارزةً، كشفتْ بعثةُ إيرانَ الدائمةِ لدىَ الأُممِ المتحدةِ في نيويورك – في بيانٍ – أنَّ الهجومَ الذي شنتْهُ بلادُهَا ضدَّ إسرائيلَ كانَ “رداً على العدوانِ على مقرِّهَا الدبلوماسيِ في دمشقَ، ويمكنُ اعتبارُ الأمرِ منتهيًا”، وأضافتْ “ومعَ ذلكَ، إذا ارْتكبَ النظامُ الإسرائيليُ خطأً آخرَ، فإنَّ ردَّ إيرانَ سيكونُ أكثرَ حدةٍ بكثيرٍ”، كمَا أوضحتْ أنّ هذَا صراعٌ بينَ إيرانَ وإسرائيلَ وطالبتْ الولاياتِ المتحدةَ أنْ تبقىَ بعيدةً عنهُ.
وعَقِبَ هذَا الهجومِ، أعربتْ دولٌ ومنظماتٌ عدةٌ عنٍ بالغِ قلقهِا منَ الهُجومِ الإيرانيِ الواسعِ، والخَشيةِ منْ أنْ يُؤديَ الهجومُ لتوسّعِ رُقعةِ الصراعِ في المنطقةِ، كمَا أبدتْ مصرُ قلقهَا إِزاءَ التّصعيدِ الإيرانيِ الإسرائيليِ، وطالبتْ في بيانٍ لوزارةِ الخارجيةِ “بأقصىَ درجاتِ ضبطِ النفسِ لتجَنبِ المنطقةِ وشعوبِها مَزيداً منَ التوترِ وعدمِ الاستقرارِ”، مُشيرةً إلى أنّ القاهرةَ تُجريِ اتصالاتٍ مستمرةً معَ جميعِ الأطرافِ المعنيةِ لاحتواءِ الموقفِ ووقفِ التصعيدِ، محذرةً منْ مخاطرِ الانزلاقِ إلى “مُنعطفٍ خطيرٍ منْ عدمِ الاستقرارِ والتهديدِ لشُعوبِ المنطقةِ”.
أولًا: تحليلٌ عسكريٌ للصورايخِ والمُسيراتِ المستخدمةِ وتأثيرُها ودلالةُ استخدامِها:
١/ رصدُ الصواريخِ والمسيراتِ التي تمّ إستخدامُها في الهجومِ:
إستخدمتْ إيرانُ في هجومِها، نحوَ 185 طائرةً مُسيرةً إنتحاريةً، و110 صواريخَ أرضِ – أرضِ باليستيِ، ونحوَ 36 صاروخاً جوالاً (كروز)، وهى كالتالي:
الطائراتُ المسيرةُ:
- المسيرةُ شاهدُ 126: وهيَ منْ أكثرِ المسيراتِ الإيرانيةِ قوةً ويمكنُها حملُ 4 صواريخَ وتصلُ حمولتُها إلى 400 كيلوغرامٍ.
- المسيرةُ شاهدُ 136: تُعتبرُ الأكثرَ شهرةً، وهيَ مسيرةٌ انتحاريةٌ “كاميكازي” يمكنهُا حَملُ 50 كيلوغراماً من المتفجراتِ وقطعُ 2000 كيلومتر.
- المسيرةُ شاهدُ 149: وتُعرفُ أيضا باسمِ “غزةَ”، وهي مسيرةٌ قِتاليةٌ يمكنُها حملُ 13 قنبلةً وتصلُ سرعتُها 350 كيلومترا.
- شاهدُ 191 صائغ 2: وهي طائرةُ استطلاعٍ ومراقبةٍ تشنُ غاراتٍ جويةً ولديهَا قدرةٌ على حملِ ذخائرَ موجهةٍ ودقيقةٍ.
- كامان 22: قادرةٌ على حملِ أيِّ نوعٍ منَ الذخيرةِ وتُحلقُ 24 ساعةً ويمكنهُا حملُ 300 كيلوغرامٍ منَ المتفجراتِ والمعداتِ الخاصةِ.
- كيان 2 أو أراش 2: مسيرةٌ “كاميكازي” ثقيلةٌ تدمرُ مرافقَ البنيةِ التحتيةِ الحيويةِ وراداراتِ أنظمةِ الدفاعِ الجويِ.
- مهاجر 6: وتُعرفُ باسمِ “قدس” وتحملُ 4 ذخائرَ دقيقةِ التوجيهِ بوزنِ 100 كيلوغرامٍ ويمكنُها قَطعُ مسافةِ 200 كيلومترا في الساعةِ.
- كرار: مسيرةٌ ثقيلةٌ يصلُ مداهَا الأقصىَ إلى 2000 كيلومتر، وسرعتُها القصوىَ 900 كيلومتر في الساعةِ.
الصواريخُ:
- صاروخُ سجيلِ: صاروخٌ متوسطُ المدىَ، يصلُ إلى 2500 كيلومترٍ، ويتكونُ من مرحلتينِ ويعملُ بالوقودِ الصُلبِ، ومُحمّلٌ على مركباتٍ، ويصلُ طولُ الصاروخِ إلى 18 مترا، وقُطرهُ 1.25 مترا، ويمكنهُ حملُ رأسٍ تقليديِ أو نوويِ، يستطيعُ قطعَ أكثرِ منْ 17 ألفَ كيلومترٍ في الساعةِ.
- صاروخُ شهابِ: منْ أبرزِ الصواريخِ الباليستيةِ الإيرانيةِ، وتشملُ “شهابَ-1″ الذي يقدرُ مداهُ بنحوِ 300 كيلومترٍ، و”شهابَ-3” (800-1000 كيلومتر).
- صاروخُ ذو الفقارِ: يبلغُ مداهُ 700 كيلومتر (435 ميلاً)؛ وهوَ مزودٌ بأنظمةِ استشعارٍ كهربائيةٍ ضوئيةٍ.
- صاروخُ كروز Kh-55: وهو سلاحٌ قادرٌ عل حملِ رأسٍ نوويٍ، ويصلُ مداهُ إلى 3000 كيلومترٍ (1860 ميلًا).
- صاروخُ خيبر: منَ الجيلِ الثالثِ للصواريخِ بعيدةِ المدىَ التابعةِ للحرسِ الثوريِ بمدىَ يصلُ إلى ألفيِ كيلومترٍ، يمتلكُ القدرةَ في مرحلةِ الهبوطِ على المناورةِ لاختراقِ الدروعِ الصاروخيةِ، تمَ تصنيعهُ من معدنٍ خفيفٍ لصناعةِ الهيكلِ لزيادةِ سرعتهِ وخِفتهِ، إذْ تبلغُ سرعةُ رأسهِ الحربيِ بعدَ الإنفصالِ من 7 إلى 9 ماخ.
٢/ تأثيرُها ودلالةُ استخدامهِا:
أعلنَ الحرسُ الثوريُّ الإيرانيُّ أنَّ إحدىَ الأهدافِ الرئيسيةِ للهجومِ هوَ استهدافُ المواقعِ العسكرِيةِ وخاصةً كلًا مِنْ قاعدةِ “نافاتيمْ” الجويةِ ومطارِ “رامونْ” العسكريِّ، حيثُ أشارَ إلى أنَّ استهدافَ قاعدةِ “نافاتيمْ” الجويةِ؛ جنوبَ إسرائيلَ، جاءَ لأنهُ تمَّ استخدامُ هذهِ القاعدةِ كمنصةٍ لتنفيذِ العملياتِ الهجوميةِ الإسرائيلِيةِ ضدَّ القنصليةِ الإيرانيةِ في دمشقَ. كمَا تتميزُ هذهِ القاعدةُ الواقعةُ في صَحْرَاءِ النقبِ بالقربِ منْ مدِينةِ بئْرِ السبعِ، والتِي تبعدُ عنْ الحدودِ الْغَرْبِيَّةِ لإيرانَ نحوَ 1100 كيلومترٍ؛ بأنهَا الحظيرةُ والقاعدةُ الرئيسيةُ لمقاتلاتِ الجيلِ الخامسِ منْ طرازِ إف-35 الإسرائيليةِ.
وأعلنَ الجيشُ الإسرائيلِيُّ، أنهُ تمَّ اعتراضُ غالبيةِ الأهدافِ الجويةِ الإيرانِيةِ باستثناءِ بعضِ الصواريخِ الباليستيةِ التي سقطتْ في صحراءِ النَّقْبِ واستهدفتْ بعضهَا قواعدُ نيفاتيمْ ورامونْ الْجَوِّيَّةَ. كمَا لَمْ يتمَّ الإبلاغُ عَنْ خسائرَ بشرِيةٍ مباشرةٍ خلالَ الهجماتِ الإيرانيةِ، حَيثُ أعلنَ فقطْ عنْ 31 إصابةٍ، تتمثلُ في نوباتِ هلعٍ وأخرى ناتجةٍ عنْ التدافعِ أثناءَ التوجهِ للملاجئِ، باستثناءِ إِصابةٍ واحدةٍ فقطْ مباشرةً بشظايَا فِي قريةٍ بدويةٍ في صحراءِ النقبِ. وفي المقابلِ، اعتبرتْ إيرانُ أنَّ هذَا كافٍ بالنسبةِ لهَا في حدودِ المرحلةِ الحاليةِ. فمنْ وُجْهةِ نظرِ طهرانَ، رأتْ أنَّ الهجومَ الإسرائيليِ علَى قنصليتِهَا في دمشقَ تخطَّى خطًا أحمراً وكانَ ذلكَ بمثابةِ اعتداءٍ على الأراضِي الإِيرانيةِ ذاتِ السيادةِ، بالتالي أصبحَ منَ المستحيلِ تجاوزُهُ دونَ إجابةٍ، حتَّى وإنْ كانتْ غيرَ مؤثرةٍ في درجةِ تأثيرِهَا.
لكنْ ومنْ خلالِ استعراضِ الطائِراتِ المسيَّرةِ والصوارِيخِ التِي أطلقتهَا إيرانُ نحوَ إِسرائِيلَ، يظهرُ أنهَا لا تمتلكُ تأثيرًا قويًا من الناحيةِ التفجيريةِ، وهذَا يشيرُ إلى أنَّ الهجومَ الإيرانيَّ على إِسرائيلَ هوَ عمليةٌ رمزِيةٌ وَلَيْسَتْ عَسْكَرِيَّةً، ويعكِسُ أيضًا رغبةَ إِيرَانَ فِي توجيهِ رسائِلَ مباشرةٍ لِلْعَالَمِ بِأَنَّ لديهَا القدرةَ علَى التصدِّي لهجماتِ إسرائيلَ عليهَا.
كَذَلِكَ يبرُزُ في جزءٍ منْ تحليلِ العملِيةِ الإيرانيةِ، إحدىَ الاستراتيجياتِ العسكرِيةِ وهى قيامهَا بتنفِيذِ هذَا الهجومِ بأسلحةٍ تقليديةٍ ومعروفةٍ، فإِيرانُ لَمْ تستَخدمْ أَيَّ أسلحةٍ لمْ تكنْ إِسْرَائِيلُ تعْلَمُ بِالفعلِ أَنهَا تَمتلكهَا، لأَنهَا رأَتْ مِنْ الْأَفْضَلِ الاحتِفاظَ بالأسلحةِ المميزةِ لحينِ الحاجةِ إِلَيْهَا لِتَنْفِيذِ هُجُومٍ حقيقيٍّ ومفاجئٍ، نظرًا لعدمِ معرفَةِ الخصمِ لقدراتهِ الحقيقيةِ. ولأنهُ اذَا تمَّ استخدامُ تلكَ الأسلحةِ المميزةِ، فقد يمثلُ ذلكَ تراجعًا حتَّى لو نجحَ الهجومُ، لأنهُ قدْ يتمُّ اكتشافُ نقاطِ الضعفِ فيهَا، ممَّا يعرضُهَا لاحقًا عندَ استخدامهَا مجددًا للتغلبِ عليهَا.
حتَّى أنَّ الحرسَ الثوريَّ الإيرانيَّ كانَ قدْ كشفَ سابقًا أنَّ جميعَ الصواريخِ الإِيرانيةِ التي تمَّ تصنيعُهَا على مدىَ الأعوامِ ال12 الماضيةِ لا تستخدمُ نظامَ تحديدِ المواقعِ العالميِ أو أيَّ نظامٍ دوليٍ لتحدِديدِ المواقعِ، وذلكَ في مقابلِ الإعلانِ الإسرائيليِ عنْ قدراتِهِ العسكريةِ فِي التشوِيشِ على خدمةِ التَّمَوْضُعِ العالميِّ ، للتأثيرِ علي مسارِ الطائراتِ المسيرةِ وصواريخِ «كروز» الإيرانيةِ، حيثُ يمكنُ خداعُهَا لتسقطَ في البحرِ أو مناطقَ مفتوحةٍ في الصحراءِ، وَلا تصلُ إلى أهدافِها المحددةِ مسبقاً.
كمَا أَنَّ حجمَ الهجومِ الإيرانيِ، وتنوعَ المواقعِ التي استهدفهَا، والأسلحةِ التِي استُخدمتْ خلالهُ، أجْبرَ إسرائيلُ علَى الكشفِ عنْ غالبيةِ التقنياتِ المضادةِ للصواريخِ التِي تملكهَا هيَ والولاياتُ المتحدةُ فِي جميعِ أنحاءِ المنطقةِ،وأصبحَ منَ المرجَّحِ أَنَّ الإيرانيينَ لديهِمْ الآنَ خريطةٌ كاملةٌ تقرِيباً لمَا يبدُو عليهِ نظامُ الدفاعِ الصاروخيُّ الإسرائيليُ، بالإِضافةِ إلى معلوماتٍ أخرى مهمةٍ كمَا أظهرتْ التقاريرُ الإعلامِيةُ، فإنَّ التكلفةَ العسكريةَ التقديرِيةَ للأسلحةِ الإِيرانِيةِ المستخدمةِ فِي الهجومِ تتراوحُ بينَ 38-62 مليونَ دولارٍ، بينمَا بلغتْ التكلفَةُ الإجماليةُ لإسرائيلَ حواليْ 1.1 مليارَ دولارٍ، والتِي استطاعتْ وحسبَ بيانِ دانيال هاغارِي المتحدثِ باسمِ الجيشِ الإسرائيليِ إسقاطَ 99% منَ القذائفِ الإيرانِيةِ المختلفةِ، وهذهِ تكلفةٌ استراتيجيةٌ باهظةٌ بالنسبةِ لإسرائيلَ، والتِي أعتمدتْ على ثلَاثِ دوائرَ دفاعيةٍ لمجابهةِ الهجمةِ الإيرانيةِ. الدائرةُ الأولَى هيَ الطائراتُ الحربيةُ التِي تحومُ فِي الجوِّ، والدائرةُ الثانيةُ هيَ التشويشُ على منظوماتِ التوجيهِ مثلَ نظامِ التَّمَوْضُعِ العالميِ (جي بي إِس)، أو المنظوماتِ الشبيهةِ مثلَ «جلوناس» الروسيِ و«بايدو» الصينيِ، والدائرةُ الثالثةُ هيَ بطارياتُ الدفاعِ الجويِ مثلَ «القبةِ الحدِيديةِ» و«حِيتْسْ 2» و«حيتس 3» و«مقلاعُ داودَ» و«باترِيوتْ» الأمِيرِكِيُّ.مثْلَ مدةِ الِاستعدادِ والنشاطاتِ الدفاعيةِ للعدوِ.
ثانيًا: دلالاتٌ مهمةٌ
1/ تغيرٌ في معادلةِ الاشتباكاتِ:
بعدَ سلسلةٍ منَ الهجماتِ الإسرائيليةِ ضدَّ المصالحِ الإيرانيةِ سواءٌ في داخلِ إيرانَ أو خارجِها، وبعدَ تهديداتٍ إيرانيةٍ متكررةٍ بالانتقامِ، قامتٍ إيرانُ بضربِ الداخلِ الإسرائيليِ بكمٍ هائلٍ من الصواريخِ والطائراتِ المسيرةِ لأولِ مرةٍ في تاريخِ إسرائيلَ، ممَّا يُعتبرُ تغييرًا في معادلةِ الاشتباكاتِ بينهمَا، حيثُ كانتْ إيرانُ تُعولُ كثيرًا على أذرعِها في المنطقةِ للردِ على الاعتداءاتِ الإسرائيليةِ. كمَا أنَّ الهجومَ الإيرانيَ على الداخلِ الإسرائيليِ، تحديدًا، شكلَ ضربةً استراتيجيةً جديدةً لأسطورةِ الردعِ الإسرائيليةِ التي تشكلُ نواةَ وجودِها ومركزيةَ أمنِها القوميِ. وهذهِ الخطوةُ تمثلُ سابقةً لم تحدثْ منْ قبلُ في الصراعِ المتصاعدِ بينَ الجانبينِ، حيثُ تخطتْ إيرانُ خطوطًا حمراءَ هامةً لم تتخطْها منْ قبلُ، وهوَ استخدامُ سلاحٍ مباشرٍ منْ داخلِ الأراضيِ الإيرانيةِ لضربِ إسرائيلَ، مما يشيرُ إلى تَصاعدِ الصراعِ الاستراتيجيِ بينَ الطرفينِ منْ حربٍ خفيةٍ غيرِ مباشرةٍ إلى صراعٍ مفتوحٍ مباشرٍ.
2/ دوافعُ خفيةٌ:
هناكَ دوافعُ أخرىَ للهجومِ الإِيرانيِ، منهَا توسيعُ نفوذهَا الإقليميِّ فِي المنطقةِ، خاصةً بينَ المناوئينَ لإسرائيلَ. وبالإضافةِ إِلى ذلكَ، تخدمُ الضربَةُ المباشرةُ لإسرائِيلَ مصالِحَ إِيرانَ السياسِيةَ، خاصةً خلالَ حربِ غزةَ، فِي ظلِّ سعيهَا إِلَى تأكيدِ مكانتهَا كحليفٍ عَسكريٍ رئيسيٍ للمقاومةِ الفلسطينيةِ. كذلكَ، يُعتبرُ بَثُّ الرعبِ فِي المجتمعِ الإسرائيليِ نتيجةً مهمةً لهذَا الهجومِ، حيثُ يسهمُ فِي تَعْزِيزِ الانطباعِ بالقدرةِ الإِيرانيةِ على توجيهِ ضرباتٍ مباشرةٍ وفعالةٍ، وهوَ ما يعززُ الحسَّ الأَمنيَّ والثقةَ بالنفسِ في صفوفِ “محورِ المقاومةِ” والمقاومَةِ الفلسطينيةِ وحلفائِهَا.
3/ هيمنةٌ للمتشددينَ والمتطرفينَ:
قَرَارُ إِيرانَ بشنِّ هجومٍ على إِسرائيلَ، متجاهلةٌ فِي النهايةِ مناشداتِ الدولِ العربيةِ والأوروبيةِ، يعكِسُ هيمَنَةَ المتشددينَ الذينَ يمسكونَ بمقاليدِ السلطَةِ في طهرانَ، نظرًا لكراهيتِهمْ العميقةِ لإسرائِيلَ والولاياتِ المتحدةِ، فبالنسبةِ لهؤلاءِ، فَإِنَّ المواجهةَ معَ إِسرائيلَ والغربِ تشكلُ المُبررَ النهائيَّ، وربَّمَا الوحِيدَ، للتضحياتِ والسياساتِ التِي قَامَتْ بِهَا الجمهوريةُ الإسلاميةُ فِي المنطقَةِ.
وهذهِ الدينامِيكيةُ لا تختلفُ كثِيرًا عَنْ ما يجري فِي الداخِلِ الإسرائيلِيِّ، حيثُ يظهِرُ سلوكُ ائتلافِ رئِيسِ الوزراءِ نتنياهو اليمِينيِّ المُتطرفِ، الذي يواصلُ حربَ غزةَ فِي ظلِّ فشلهِ في أهدافِهِ الإِستراتيجِيَّةِ وأبرزهَا إِلحاقُ الهزيمةِ بالمقاومةِ الفلسطينِيةِ،وبالتالِي يُطِيلُ أمدَ الحربِ ويوسعُها لإنقاذِ حياتِهِ.
4/ تهديدُ الأمنِ الإقليميِ:
بعدَ الهجومِ الإيرانيِ وتهديداتِ الردِّ المحتملِ منْ إسرائِيلَ وتصاعدُ التوتراتِ فِي المنطقةِ، أصبحَ احتمَالُ نشوبِ حربٍ إقلِيميةٍ كبرى فِي الشرقِ الأوسطِ على المحكِّ. وهذا يشيرُ إِلى الوضعِ الإستراتيجيِّ الحرجِ للعديدِ مِنْ الدولِ العربيةِ، فبعضهَا يقعُ فِي تقاطعِ النيرانِ بينَ إيرانَ وإسرائيلَ، وإذَا انزلقتْ الأمورُ إلَى تصعيدٍ أكبرَ بينهمَا، فستتحولُ هذهِ الدولُ إِلَى ساحةٍ لحربٍ غَيْرِ مرغوبٍ فيهَا لَمْ يتخذُوا قَرَارَ المشاركةِ فِيهَا وسوفَ يعانونَ منْ تداعياتهَا، وهذَا التصعيدُ قَدْ يؤدي إلَى تداعياتٍ وخيمةٍ علَى الِاستقرارِ الإِقليمِيِّ والدوليِّ.
ثالثًا: ما هىَ إحتمالاتُ قيامِ إسرائيلَ بالردِ العسكريِ؟
بالرغْمِ منْ أنَّ هناكَ رغبةً مِنْ حكومةِ نتنياهو فِي تَصعيدِ التوتُّرِ مع إِيرانَ لأسبابٍ عديدَةٍ، مِنْهَا الخروجُ مِنْ المأزِقِ الناتجِ عَنْ فشَلِ حملةِ ٧ أكتوبرَ، والتي لَمْ تحققْ أهدافهَا العسكرِيةَ المرسومةَ، سواءٌ على صعيدِ القضاءِ علَى المقاوَمَةِ أو تحقيقِ تَغْيِيرٍ فِي النظامِ السياسيِّ في قطاعِ غزةَ. كمَا تسعَى لإشغالِ المجتمعِ الإسرائيلِيِ بمخاطرَ خارجيةٍ، لتصرِيفِ الِانتباهِ عَنْ اخفاقاتِها وتدنيِ شعبيتهَا والمطالبةِ بمحَاكمَتهَا، إيصالَ رسالَةٍ للجميعِ بأنهَا قادرةٌ على العملِ بشكلٍ فعالٍ ومؤثرٍ. بالإِضافةِ إلى ذلكَ، تسعَى إسرائيلُ لاستعادةِ التضامنِ الغربيِ بعدَ تراجعهِ بسببِ الجرائمِ الغيرِ مبسوقةِ الَّتِي ارتكبَتهَا في حقِّ الشعبِ الفلسطينيِ، مِمَّا أدىَ إِلى تدهورِ صورتِها الدوليةِ.
لكنَّ إسرائِيلَ على يقينٍ بأنَّ ردهَا على الهجومِ الإِيرانيِ سيتحولُ إلَى تداعياتٍ واسعةِ النطاقِ، مِمَّا يتطَلَّبُ النظرَ بجديةٍ إِلَى العواقبِ المحتملةِ لتحركاتِهَا، نظرًا لإحتمالاتِ بلوغِ التصعيدِ إلى حدِ اندِلَاعِ حربٍ إقليميةٍ واسعةِ النطاقِ، مَعَ قلقِ الولاياتِ المتحدةِ منْ نشوبِ حربٍ عَالمِيةٍ ثالثةٍ بمشاركةِ كلٍّ منْ روسيَا وَالصينِ، فمنَ الواضحِ أَنَّ أيَّ تصعيدٍ قَدْ يتسببُ فِي ردِّ فعلٍ سرِيعٍ مِنْ قبلِ العدِيدِ منْ اللاعبينَ الإقليميينَ والدوليينَ.
ومِنْ الناحيةِ الداخلِيةِ، فإنَّ إِسرائيلَ تعانِي مِنْ أوضاعٍ صعبةٍ، حيث يتمثلُ التحدي الرئيسيُّ فِي استمرارِ الِاستنزافِ الذِي يشكلهُ الصراعُ المستمرُّ في قطاعِ غزةَ، وهذَا يجعلُ منَ الصعبِ عليهَا تحملُ عبْءِ مواجهةِ مواجهةِ جبهةِ حربٍ جدِيدَةٍ معَ إِيرانَ، لا سيَّمَا وأنَّ ذلكَ قَدْ يؤدي إِلَى تعَرضِ جبهاتٍ أخرىَ للهجومِ، بمَا فِي ذلكَ مِنْ جنوبِ لبنانَ ومنطقةِ الجولانِ. بالتاليِ، يمكنُ الخروجُ منْ هذا المأزقِ عبرَ تجاهلِ الردِّ بشكلٍ كامِلٍ على الهجومِ الإيرانيِّ، عبرَ القولِ بأنَّ الهجومَ والأسلحةَ المستخدمةَ تمَّ تحييدهَا خارجَ المجالِ الجويِّ الإسرائيليِّ.
ومعَ كلِ تلكَ الملابساتِ، إلا أنَّ الردَّ الإسرائيليِ لا يزالُ محتملاً، خاصةً أن عدمَ الردِّ قد يُفسرُ بأنهُ إذلالٌ لكبرياءِ إسرائيلَ. وتتنوَّعُ الخياراتُ المحتملةُ كالتالي:
- شنُّ إسرائيلَ لضرباتٍ جويةٍ محدودةٍ على مواقِعَ استراتيجيةٍ إيرانيةٍ وتنفيذِ عملياتٍ خاصةٍ لاستهدافِ مواقعَ حساسةٍ، مثلَ جزِيرَةِ “خرج”، وهىَ احدَى أهمِّ منافذِ تصديرِ النفطِ في إيرانَ، وهوَ ما سيؤثِّرُ على صادراتِ النفطِ الإِيرَانِيِّ، التيِ تصدرُ معظمهَا إلى الصينِ.
- شَلُ القدراتِ العسكرِيةِ لوكلاءِ إيرانَ في المنطقةِ، عبرَ سلسلةٍ منَ الغاراتِ الجويةِ المرَكزةِ، معَ الدعوةِ الى تشكيلِ تحالفٍ دَوْلِيٍّ لتدميرِ القدراتِ العسكريةِ لجماعَةِ أنصارِ اللَّهِ الحوثيِ.
- ضربُ الداخلِ الإِيرانيِ بشكلٍ مباشرٍ ومؤثرٍ، وهوَ خيارٌ مستبعدٌ نظرًا لأنهُ يعنيِ اندلاعَ مواجهاتٍ مفتوحةٍ بينَ الطرفيْنِ
وختامًا:
يتضحُ أنَّ الهجومَ الإيرانيَّ على إسرائيلَ لا يمثلُ سوىَ جزءاً منَ الصراعاتِ الإستراتيجيةِ المعقدةِ والرمزيةِ في المنطقةِ، ورغمَ أنَّ هذَا الهجومَ قد تسببَ في أثرٍ نفسيٍ عميقٍ على المجتمعِ الاسرائيليِ، خاصةً بعدَ تأثيراتِ عمليةِ “طوفانِ الأقصَى” للمقاومةِ الفلسطينِيةِ، إلا أنهُ لا يقدمُ الدليلَ القاطِعَ علَى استعدادِ إيرانَ للِانخراطِ فِي حَربٍ مباشرةٍ معَ إسرائيلَ فِي المستقبلِ القريبِ، بَل يبدوُ أَنَّ الهجومَ يهدِفُ إِلَى إعادةِ هندسةِ قَوَاعِدِ اللعبةِ وَالصِّرَاعَاتِ فِي المنطقةِ، وربَّمَا تغييرُ الديناميكيَّاتِ السائدةِ بهَا.
كذلكَ، قدْ يعكسُ الردَّ الإسرائيليِ المحتملُ على الهجومِ الإيرانيِ استراتيجيةً متوازنةً بينَ الردِ العسكريِ والحفاظِ على الِاستقرارِ الإقليميِ، حيثُ يمكنُ أنْ تستندَ خياراتُ الردِّ العسكريِ الإسرائيليِ فِي نهايةِ المطافِ على التفاوضِ والدبلوماسيةِ أيضًا، وذلكَ منْ خلالِ وسطاءَ إقليميينَ محتملينَ. ومنَ الأَهميةِ بمكانٍ أنْ تتبنَّى الأطرافُ الدوليةُ والإقليميةُ موقفًا حازمًا لتهدئةِ التوَتراتِ وتشجيعِ الحوارِ المباشرِ بينَ الأطرافِ المتصارعةِ.
بالإضافةِ إلى ذلكَ، منَ المحتملِ أنْ يكونَ لهذَا الحدثِ تأثيراتٌ إيجابيةٌ على قطاعِ غزةَ وسكانهِ، فالتأثيرُ النفسيُّ للهجومِ وتبعاتِه على الداخلِ الإسرائيليِ سيجعلُ إسرائيلَ تترددُ فِي الدخولِ في عمليةٍ عسكريةٍ جديدةٍ تُجَاهَ مَدِينَةِ رفحَ، وسيضطرهَا لإعادةِ تقييمِ خططهَا العسكريةِ نظرًا للظروفِ المتغيرةِ، وهذَا قد يخلقُ نافِذَةَ فُرَصٍ جدِيدَةٍ لمسارِ المفاوضاتِ بَيْنَهَا وبينَ حركةِ “حماسَ”.
المصادر:
صحيفة: لدى إيران مخزون هائل من المسيرات، سكاى نيوز عربية، 13/4/2024، متاح على: https://2u.pw/QFctwLnY.
ماذا نعرف عن قدرات إيران الصاروخية؟، دوتش فيله الألمانية، 13/4/2024، متاح على: https://2u.pw/4XxuZQv7.