المقالات
في الذكري الـ 23 لهجمات ١١ سبتمبر… ماذا تغيّر في فكر الجماعات الإرهابية؟
- سبتمبر 18, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
إعداد/
إلهام النجار
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
آية أشرف
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
مقدمة:
تُشكِّل أحداث 11 سبتمبر 2001 مُنعطفًا كبيرًا في التاريخ ، حيث غيرّت هذه هجمات وجه العالم، سياسيًا وأمنيًا، باعتباره أكبر عمل إرهابى داخل الأراضي الأمريكية، وأسقط أكثر من ثلاثة آلاف قتيلًا في هجمات متزامنة على برجىّ مركز التجارة العالمي في نيويورك بطائرتين تم اختطافهما، بينما استهدف هجوم آخر مبنى البنتاجون في فرجينيا، وسقطت طائرة أخرى مختطفة في ولاية بنسلفانيا، وكانت هذه الهجمات نقطة انطلاق لظهور جماعات أخري، وانعكس تواجدها في حدوث تغيرات على المستوي الفكري والحركي لها.
ومن ثم يحاول هذا التقرير رصد أبرز الجماعات الإرهابية البارزة على الساحة واستراتيجية العمل التي يتبعونها وهل تغيّر الفكر المُتَبَع أم مازال النهج كما هو؟ أيضًا يتناول التقرير التحديات والأزمات الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب بعد مرور أكثر من عقدين على هذا الحدث الفارق.
أولًا :أبرز الجماعات الإرهابية
بالرغم من وجود العديد من الفصائل والتنظيمات في أغلب أنحاء العالم، لكن يظل تنظيمي ” القاعدة و داعش” الأبرز على الساحة الدولية، وفيما يلي خارطة للجماعات الأكثر تأثيرًا وتهديدًا ونرصدها كالآتي:
أبرز التنظيمات الجهادية التي انبثقت من القاعدة:
لقد شجع الغزو الأميركي للعراق في عام 2003م على ولادة المزيد من الحركات والمنظمات الجهادية السلفية، أهمها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية هو تنظيم هجين انبثق من جماعة جهادية عراقية، وهي الدولة الإسلامية في العراق، والتي انتقلت لاحقًا إلى سوريا في المراحل الأولى من الأزمة السورية، وفي عام 2004م أسس الأردني “أبو مصعب الزرقاوي” قاعدة “الجهاد في بلاد الرافدين”، وقاد تمردًا مسلحًا دمويًا ضد الحكومة العراقية والقوات الأميركية، ونفذ تفجيرات انتحارية قتلت الآلاف من المدنيين، ولكن بعد مقتل “الزرقاوي” في عام 2006 م في غارة جوية أميركية بالقرب من بعقوبة شمال بغداد، تم استبداله ب “أبو أيوب المصري”، الذي أعلن تأسيس “الدولة الإسلامية في العراق”، وفي عام 2010م، فجّر “أبو أيوب المصري” نفسه بحزام ناسف بعد تعرضه لكمين من قِبل القوات الأميركية والعراقية، وتسلّم القيادة العراقي “أبو بكر البغدادي”، الذي أعلن في عام 2013 اندماج تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” وفرع تنظيم القاعدة في سوريا “جبهة النصرة”، لتشكيل “الدولة الإسلامية في العراق والشام ” داعش” وهناك ولايات انبثقت من داعش منها مثل: “ولاية سيناء” في مصر، و”ولاية خراسان” في أفغانستان، وغيرها من الولايات . ([1])
التنظيمات والجماعات النَّشِطة في دول القرن الأفريقي:([2])
تنشط حرکة الشباب المجاهدين بالصومال، التي تُعد من حركات الإسلام السياسي وهى حرکة قتالية نشأت في الصومال وتتبع فکریًا تنظيم القاعدة ، یُشار إليها بالجناح العسكري المُنشق عن اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال لتحالفها مع المعارضة الصومالية حتى أنها استطاعت بالفعل السيطرة على حوالى 80% من مناطق وسط وجنوب الصومال، وكذلك الأحزاب الإسلامية الإرتيرية، وأيضًا ظهرت الحرکة الإسلامية الإرتيرية التی کادت أن تنمو نموًا طبیعیًا بعیدة عن تلك الإحترابات، إلا أنه و بخروج القیادات الإسلامية من المعتقلات الذين انضموا إلى الحرکة الإسلامية الإرتيرية وقادوا واجهتها العامة ( منظمة الرُّوّاد المسلمين ) و یُعتبر “الحزب الإسلامي” الذی غیّر اسمه إلى “العدالة والتنمية”، هو المُعبر عن جماعة الإخوان في منطقة القرن الإفريقي، بينما يعتبر جیش الرب بأوغندا هو واحد من جيوش المتمردين في أوغندا، فقد خاض جیش الرب للمقاومة حربًا تتسم بهجمات عنيفة وأعمال خطف، واجهته الحكومة الأوغندية بعنف هیکلی شامل ضد المناطق المسيطر علیها في شمال أوغندا .
التنظيمات والجماعات النَّشِطة في منطقة الساحل (وسط وغرب أفريقيا):
تنشط في منطقة الساحل جماعات مُسلحة عديدة، ذات خلفيات ونقاط انطلاق متنوعة، بعضها ذو بُعد أيديولوجي، مثل جماعة بوكو حرام، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا، ويمكن تصنيف جماعات أخرى حسب أهدافها وانتماءاتها الجيوسياسية، مثل الحركات الانفصالية في مالي والنيجر، وجماعات الدفاع عن النفس في بوركينا فاسو ونيجيريا، وبعد موجة الانقلابات في عام 2020 م في منطقة الساحل وانسحاب القوات الفرنسية والأمم المتحدة من مالي والنيجر، زادت الجماعات المسلحة من أنشطتها، مستغلة الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الغربية التي كانت تعمل على إرساء السلام في المنطقة، كما تنشط الجماعات الإرهابية في المناطق الشمالية والوسطى، وهي الأكثر توترًا واحتواءً للموارد والثروات، ومن أهم هذه التنظيمات الإرهابية: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وجماعة أنصار الدين بجانب ثلاث جماعات أخري اتحدوا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بزعامة المالي “إياد أغ غالي”، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وجماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وتنظيم المرابطون بزعامة “أبو البر الصحراوي” خلفًا “لأبي الوليد الصحراوي” وهي تنتشر في معظم دول الساحل، وخاصة في وسط وشمال مالي، حيث تسيطر على مناطق شاسعة غنية بطرق تهريب الذهب والمخدرات. ([3])
التنظيمات والجماعات النَّشِطة في آسيا الوسطى:
تنشط “الحركة الإسلامية” والمجموعات الأصولية المتطرفة في طاجكستان الجمهورية السوفياتية السابقة منذ استقلالها عام 1991م، أي قبل تأسيس تنظيمي “القاعدة” و “داعش” وظهورهما إلى حيز الوجود، وبدأ نشاط خلاياها الأولى في منطقة أسفرة المتاخمة لأوزبكستان، ثم انتشر بقوة إلى باقي أقاليم ومحافظات طاجكستان. ([4])
ثانيًا: استراتيجية عمل وفكر القاعدة و داعش
على المستوى الأيديولوجي:
تقوم أيديولوجية “داعش” وكذلك “تنظيم القاعدة” على قواعد الفكر الجهادي العالمي بأصوله وفروعه، الذي يتضمن “إقامة الحُكم الإسلامي” الذي لا يأتي إلا بالجهاد، ومن هذا الأصل القطعي، توالدت كل المفاهيم والتفاصيل والإجراءات التي أرستها الحركة السلفية العالمية، وبذلك فإن وحدة الجذور الإيديولوجية لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية مشتركة، فكلاهما ينتميان بجذورهما الدينية إلى التيارات “الجهادية” المهاجرة التي تضم طيفًا واسعًا من المجموعات والشخصيات التي ترمز القاعدة إليها وتمثل فكرتها، وما تنظيم الدولة “داعش” إلا انشقاق من القاعدة من جهة، لكنه حتمًا تطوّر طبيعي لها من جهة أخرى.
على المستوى التنظيمي:
كان تنظيم القاعدة يضع شروطًا لانضمام المقاتلين في صفوفه، ويخضعهم لاختبارات الخلفية الدينية والولاء بناء على التطرف الفكري الممنهج، وتدريبات عسكرية قاسية، بينما يضم تنظيم داعش إلى صفوفه كل من بايع زعيمه، سواء ممن أقلع حديثًا عن المخدرات أو لديه سوابق إجرامية أو من تعاطف مع التنظيم سريعًا ليُكلف فورًا بتنفيذ عملية نوعية، وعملت “القاعدة” على وضع خطة تقوم على أساس أن كل مجموعة تابعة لها تكون مسؤولة عن منطقة بعينها، أي أنها اتبعت نمط “اللامركزية” وهو ما يشير إلى أن التنظيم عمل على ترك هذه المجموعات تعمل بشكل فردي، مع الحفاظ على فكرة “توحيد المجتمع المسلم” عبر “تدمير” المجتمعات الحالية وإقامة مجتمعات أخرى بديلة وهو ما تعتبره بمثابة المجتمع “الحقيقي” وفقًا لأفكارها. ([5])
على المستوى التكتيكي:
لم يصدر عن تنظيم القاعدة على مدى عقدين ما يُشير إلى نيته في احتلال أراضِ أو مناطق وعزلها والتمدد فيها، فيما أراد داعش على العكس أن يتشبه بالدول عبر إقامة مؤسسات سياسية ومالية وقضائية وفرض قوانين صارمة على السكان، أيضًا تنظيم “القاعدة” بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظل يطرح نفسه على أساس أنه هو طليعة التنظيمات المتطرفة ولا يسعى إلى إقامة دولة “الخلافة” على المدى القصير، ولذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها إلى البقاء متماسكًا قدر الإمكان، عبر توفير القدرات وتوجيهها نحو استقطاب مقاتلين.
وإن الخلاف الجوهري بين التنظيمين كان على العدو الرئيسي، فبينما تعتبر القاعدة الدول الغربية والولايات المتحدة هي عدوها الرئيسي، ينشغل تنظيم داعش بالسيطرة على الأرض وتكوين دولته، معتبرًا أن عدوه الرئيسي ما أسماه “العدو المحلي”، والخلاف بين داعش والقاعدة يتجاوز الخلاف مع جبهة النصرة إلى اختلاف في النهج الفكري حول اولويات الجهاد وتحديد ماهية العدو، “فالقاعدة” توصلت إلى أولوية قتال العدو البعيد مثل الولايات المتحدة وحلفائها من الأنظمة واسرائيل، في حين تُصر “داعش” على أولوية قتال العدو القريب. ([6])
على المستوى التجنيدي:
إن فشل الأنظمة السياسية في سوريا والعراق ولبنان وسواها من بلدان الشرق الأوسط في بناء الدولة الوطنية، أوجد الأرض الخِصبة المُشبّعة بالأفكار الصلبة المتشددة، فاستقطب تنظيم “داعش” آلاف الشباب في صفوفه لمواجهة الحرب الطائفية التي أعلنها نظام الحكم في دمشق وبغداد برعاية إيرانية، وأصبحت “الطائفية” كلمة مفتاحية أساسية في حرف طبائع الصراع وأداة فعالة تستخدمها الأنظمة والجماعات لتحقيق أهداف إيديولوجية وسياسية، بالإضافة إلى انهيار الطبقة الوسطى، وغياب الشفافية وهيمنة المحسوبية وفقدان المساواة، الأمر الذي أدى إلى انعدام الفرص الاقتصادية وضعف نظم الرعاية الاجتماعية التي توفرها الدول. ([7])
وبذلك استغل تنظيم داعش رغبة أفراد الفئات المهمشة في الانتقام من المجتمع، وخاصة الذين لم يحصلوا على فرصة للتعليم، ولم يتمكنوا من إيجاد وظائف، وفوق ذلك يفقدون أسرهم، ومن ثم يجد الشباب هذه الجماعات المتطرفة التي تفتح لهم ذراعيها وتقدم لهم كيانًا يمكّنهم من الانتماء إليه والارتباط به، وتشعرهم بالقبول وبروح الجماعة، وتزرع بداخلهم شعور الثقة بالذات، والأهمية والتميز، فتكون النتيجة أن تلك الفئات المهمشة والمضطهدة يصبح انتماؤها إلى المعتدي، وتصبح عدوانية في مواجهة المجتمع الذي تراه عنيفًا، وبالتالي يحاكون المعتدي الذي ينتمون إليه. ([8])
على المستوى الدعائي:
الفرق بين التنظيمين في التعاطي مع الإنترنت شاسع، حيث كانت استفادة القاعدة من الإنترنت محدودة واقتصرت على بعض المنتديات والنوافذ، وهو أمر تجاوزه داعش باستغلاله جميع الثورات المعلوماتية والتطبيقات الحديثة للحشد والتجنيد، وأسس مجموعات للمحادثات وشبكة مراسلات للتجنيد عبر منصة أكس توتير سابقاً، وفيس بوك الأكثر إغراءً واستثمارًا من قِبل التنظيم، خلال أقل من عقد على ولادة تنظيم ” داعش” برزت ماكينته الإعلامية كجيش موازٍ لعسكر التنظيم، متوغلاً في العالم، وَفْق خطة إعلامية تحقق طموحات مؤسسيه التي رسمت تفاصيلها الطفــرة الحقيقيــة والكبــرى التــي أحدثهــا تنظيــم داعــش وكانــت علــى مســتوى الدعايــة العالميــة والقــدرة الهائلــة علــى التجنيــد والتحــول فــي نظريــة العمــل مـن الجانـب النخبـوي إلـى الجانـب الجماهيـري، ومــن الطــرق الاصطفائية المعقــدة إلــى الســريعة فــي التجنيــد والتخطيــط للعمليــات، ومــن الأهــداف المحــددة والمقيــدة إلــى قائمــة واســعة مــن الأهــداف، ومــن التخطيــط المنظــم إلــى العمــل الفــردي المنفلــت، وثمــة عوامــل متعــددة لا عامــل واحــد يقــف وراء الكفــاءة فــي التجنيــد غيــر المســبوقة علــى صعيــد الجماعــات الإرهابيــة.
ثالثاً :استراتيجية العمل الجديدة لدى داعش والقاعدة
ترتكز استراتيجية داعش الجديدة على ما يلي:
انتهاج أسلوب المبادرة والمبادأة، أي اختيار المكان والزمان للقيام بعمليات إرهابية نوعية أكثر عنفًا، تزهق العدد الأكبر من الأرواح.
الانتقال من دولة الخلافة الواقعية إلى مرحلة الدولة الافتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتسخيرها لخدمة “التنظيم”، في محاولة لإعادة وبث الروح المعنوية من جديد، وتعيين ولاة وأمراء عوضًا عن الذين قتلوا في المعارك وعن الهاربين.
الدعوة إلى توحيد الحركة الجهادية ووقف الانشقاقات الأيديولوجية.
أما القاعدة:
عملت على تغيير خطابها بعد عام 2011 حيث حاولت طرح واستخدام مصطلحات جديدة لم تكن تستخدم في خطابتها “كالأمة”، وتخلت عن خطاب الاستعلاء الذي كانت تتحدث به عبر إصداراتها سواء المرئية أو المكتوبة، على أن يكون الخطاب بعيدًا عن فرض الرؤية “الفكرية” بشكل صريح ، وأن موجات التغير دفعت قاعدة التنظيم إلى توجيه سهامهم وتركيزهم على حكومات وشعوب الدول المسلمة عبر تكثيف العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن وغيرها، فقد اعتمدت القاعدة على عدم تكثيف العمليات الخارجية وعملت على تفادي الملاحقات الأمنية، وتركت الساحة أمام تنظيم “داعش” وعناصره ليكونوا عُرضة للاستهداف الأمني إذ اتبعت “القاعدة” استراتيجية تقوم على أساس الانتشار “الفكري” وليس على أساس السيطرة الجغرافية.
رابعاً :الواقع الدولي وتغير خارطة التهديدات الأمريكية
مما لا شك فيه فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت لحظة فارقة في تاريخ البشرية، إذ شكلت على مدار أكثر من عقدين الاستراتيجية الأمريكية في العالم فأوجبت حرباً في افغانستان والعراق وتدخلاً سافراً في الشرق الأوسط ودفعت إلى العديد من القرارات الداخلية التي عملت على إعادة هيكلة المنظومة الأمنية الداخلية الأمريكية بما يتناسب مع هذا التحدي الجديد، والآن وبعد مرور ثلاثة وعشرون عاماً على هذا الحدث الفاصل نلاحظ بشكلٍ جلي ملامح تغير جديد في الاستراتيجية الأمريكية تجاه العالم، هذا التغير ربما فرضته متطلبات الواقع الحالي ما بين عودة ظهور القوى المنافسة للهيمنة الأمريكية والساخطة عليها كروسيا والصين فضلاً عن التزامات التي اثقلت الكاهل الأمريكي تجاه دول القارة الأوروبية علاوة على ذلك تقلص النفوذ الأمريكي الواضح في الشرق الأوسط وظهور فواعل اقليمية ذات أدوار مؤثرة كمصر و كالمملكة العربية السعودية وقطر وإيران أضف إلى ذلك تجدد سمة الصراع في النسق الدولي الحالي فمن الحرب في أوكرانيا إلى الحرب في غزة والحروب الأهلية في القارة الإفريقية، وذلك بالتزامن مع ظهور تحديات ذات طابع غير أمني لكنها هددت الاستقرار والأمن العالمي بشكل ملحوظ كالتغيرات المناخية وتحديات التنمية المستدامة وتفشي فيروس كوفيد19.
خامساً :التحديات أمام الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب بعد مرور عقدين على أحداث 11 سبتمبر
تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في تحديث استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب بالرغم من النجاحات التي حققتها في منع هجمات كبرى كالحادي عشر من سبتمبر، إلا أن العديد من الخبراء يرون أن النموذج الحالي غير مستدام ويطالبون بإعادة تقييم الأولويات، والتحول من الاعتماد الكلي على القوة العسكرية إلى بناء القدرات المدنية والشراكات الدولية، مع التشديد على ضرورة تحقيق التوازن بين مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأخرى التي فرضتها البيئة الدولية، وتتمثل أهم هذا التحديات في ([9]) :
تطور طبيعة التهديد الإرهابي:
عملت التنظيمات الإرهابية على تطوير استراتيجياتها بشكل مستمر خاصة فيما يتعلق بالتخلي عن الطابع المركزي لها الذي يسهل من عملية تتبعها فتحولت من التنظيمات الكبيرة إلى الخلايا أصغر يصعب تتبعها وتحديد هوية المنتمين إليها، مما يجعل من الصعب استهدافهم، كما عملت هذه التنظيمات على الاستفادة من التطور التكنولوجي الحديث للتواصل وتجنيد الأفراد وتخطيط الهجمات، مما يزيد من سرعة انتشار الأفكار المتطرفة، فضلاً عن أن التطرف الأيديولوجي لم يعد مقتصراً على الأيديولوجية الجهادية، بل ظهرت أيديولوجيات اليمينة المتطرفة التي تهدد الداخل الأمريكي والغربي عموماً.
التوازن بين الأولويات المتعددة:
في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر كانت الولايات المتحدة تتربع على عرش الهيمنة العالمية دون وجود منافسين محتملين وأجواء يغيب فيها المنافسة الاستراتيجية والتحديات التي تؤرق الأمن العالمي والأمريكي على حد السواء، إلا أن هذا الهدوء والاستقرار النسبي لم يدم طويلاً في ظل تصاعد نجم القوى المنافسة التي أخذت تشتت الانتباه الأمريكي عن حربه ضد الإرهاب وأخذت تدور معه في فلك صراع أمني على الهيمنة وخاصة روسيا والصين وحلفائهم، فضلاً عن ظهور التحديات غير التقليدية كتغير المناخ والأوبئة، والتي تتطلب تخصيص موارد إضافية، علاوة على ذلك الاحتياجات الداخلية الملحة مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، تتطلب هي الأخرى تمويلاً كافياً.
تغيير طبيعة الصراع:
لم يعد الصراع مع الإرهاب صراعاً عسكرياً بحتاً، بل أصبح صراعاً على الأفكار والقيم يتطلب أدوات جديدة مثل الدبلوماسية، والبرامج الاجتماعية، ومكافحة التطرف عبر الإنترنت ومحاربة الفكر بالفكر وهو ما يجبر الولايات المتحدة وشركائها على تغير الاستراتيجية التقليدية في مكافحة الإرهاب إلى استراتيجية أكثر مرونة.
صعوبة بناء الشراكات الدولية الفعالة:
تواجه الولايات المتحدة معضلة محورية تعيق جهودها في مكافحة الإرهاب وهي اختلاف أجندات وأولويات الدول الشريكة في مكافحة الإرهاب، مما يجعل من الصعب تحقيق توافق في الرأي حول الاستراتيجيات المناسبة والأهداف المراد تحقيقها، فضلاً عن الاختلاف في السياسة الداخلية لهذه الدول والتي تؤثر بشكل كبير على علاقاتها وأجنداتها الخارجية.
التحديات المتعلقة بالتمويل:
تتطلب مكافحة الإرهاب ميزانيات ضخمة تغطي مجالات مثل الاستخبارات، والعمليات العسكرية، وبناء القدرات، فضلاً عن الحاجة إلى ضرورة توزيع الموارد المتاحة بشكل عادل وفعال بين مختلف الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب مع وضع آليات صارمة لتقييم هذه الجهود بشكل يضمن الشفافية والمساءلة في استخدام الأموال المخصصة لمكافحة الإرهاب.
صعوبة تعريف النجاح وقياسه:
من الصعب الوصول لنقطة معينة نحدد فيها أنها نقطة نجاح الاستراتيجيات المختلفة في مكافحة الإرهاب بما فيها الاستراتيجية الأمريكية وذلك لتتعدد أهداف مكافحة الإرهاب، مما يجعل من الصعب تحديد مؤشرات واضحة للنجاح هذه الاستراتيجيات فضلاً عن الطبيعة الديناميكية للتهديد؛ إذ يتطور التهديد الإرهابي باستمرار، مما يجعل من الصعب تقييم النجاح على المدى الطويل.
سادساً :الاستراتيجية الأمريكية… من الحرب العالمية على الإرهاب إلى نهج أكثر انتقائية
الحرب العالمية على الإرهاب:
بعد أحداث 11 سبتمبر، أعلنت الولايات المتحدة حرباً شاملة على الإرهاب، شملت غزوي أفغانستان والعراق، وتوسيع نطاق العمليات العسكرية في مناطق أخرى، ومع مرور الوق أصبحت تكاليف هذه الحرب باهظة سواء من الناحية البشرية أو المادية فضلاً عن وتراجع الدعم الشعبي والدولي لها وعليه بدأ صناع السياسة الأمريكية في إعادة تقييم هذا النهج، واعتماد استراتيجية أكثر انتقائية و تركيزاً على تهديدات محددة وتجنب الحروب طويلة الأمد ([10])، وتعتمد بشكل أساس على عدد من التحولات أهمها :
من الحرب الشاملة إلى الحرب المحدودة:
أعلنت الولايات المتحدة في أعقاب 11 سبتمبر حربًا شاملة على الإرهاب، شملت غزو أفغانستان والعراق، وتوسيع نطاق العمليات العسكرية في مناطق أخرى. كانت هذه الاستراتيجية مبنية على فكرة القضاء على الإرهاب في معاقله ومع تزايد التكاليف البشرية والمادية، وتصاعد الانتقادات الدولية، تحولت الولايات المتحدة نحو استراتيجية أكثر انتقائية، تركز على ضرب القيادات الإرهابية وتقويض قدرة التنظيمات الإرهابية على شن هجمات واسعة النطاق.
من التركيز على الدول إلى التركيز على الأفراد والجماعات:
ركزت الولايات المتحدة على تغيير الأنظمة في الدول التي تؤوي التنظيمات الإرهابية، مثل أفغانستان والعراق إلا أن الطابع اللامركزي للتهديدات والأنشطة الإرهابية دفعها للتركيز على الأفراد والجماعات باستخدام أساليب متنوعة مثل العمليات الخاصة والضربات الجوية.
من الحلول العسكرية إلى الحلول الشاملة:
اعتمدت الولايات المتحدة بشكل أساسي على القوة العسكرية لمواجهة التهديد الإرهابي و مع مرور الوقت، أدركت الولايات المتحدة أن الحل العسكري وحده غير كاف، وأن هناك حاجة إلى نهج شامل يشمل التنمية الاقتصادية لتقويض جذور التطرف والبناء المؤسساتي لدعم الدول الشريكة في مكافحة الإرهاب مكافحة التطرف من خلال برامج التوعية والتثقيف.
من التركيز على الشرق الأوسط إلى التركيز العالمي:
كان الشرق الأوسط هو مركز الاهتمام الأمريكي في مكافحة الإرهاب إلا أنه مع ظهور تهديدات إرهابية جديدة في مناطق أخرى، مثل أفريقيا وجنوب آسيا، وسعت الولايات المتحدة نطاق عملياتها لمواجهة هذا التهديد على مستوى عالمي.
وبناء على معطيات الواقع الحالي من تحديات وتغير في خارطة التنظيمات الإرهابية منذ 2001 وحتى الآن وبروز نجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” دعت الولايات المتحدة إلى تأسيس تحالف عسكري دولي عام 2014م لاحتواء خطر هذا التنظيم، ويضم التحالف عشرات الدول الأعضاء من مختلف القارات، وتتنوع مساهمات هذه الدول بين المشاركة العسكرية المباشرة وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي والمالي ([11])، ويهدف إلى:
دحر تنظيم داعش واستعادة الأراضي التي يسيطر عليها خاصة في العراق وسوريا.
منع عودة ظهور التنظيم وتقويض قدرته على إعادة تنظيم صفوفه.
مواجهة الفكر المتطرف الذي يغذي تنظيمات إرهابية مثل داعش.
دعم جهود إعادة الاستقرار إلى المناطق التي تم تحريرها من سيطرة داعش.
ويسعى التحالف إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال العمليات العسكرية كتنفيذ ضربات جوية وبحرية ضد أهداف داعش، وتقديم الدعم للقوات المحلية على الأرض مع العمل على قطع مصادر تمويل داعش، مثل تجارة النفط والآثار ومنع سفر المقاتلين الأجانب للانضمام إلى داعش والعودة إلى بلدانهم الأصلية ومواجهة الدعاية التي ينشرها داعش عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الخاتمة
بناء على العرض السباق يتبين أنه بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر فإن الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها في حاجة ماسة الي مراجعة استراتيجيتها التقليدية في مكافحة خطر التنظيمات الإرهابية في ظل المتغيرات والتحديات الجديدة التي وضعت هذه الاستراتيجية في محل تساؤل وتقييم خاصة بعد أن اثبتت القوة العسكرية التي كانت تعتمد عليها الولايات المتحدة طوال سنوات حربها ضد الإرهاب لم تعد مجديه بمفردها، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية خاصة مع التطور الملحوظ في الآليات والأساليب التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية والتي جعلت من مهمه مكافحتها أمراً صعباً، ويزداد الأمر تعقيدًا مع ظهور العديد من التحديات الأخرى المرتبطة بالبيئة الدولية والتي تتطلب مزيد من الاهتمام والجهد وعلى رأسها التنافس الاستراتيجي مع الصين وروسيا وإيران ودعم إسرائيل في حرب غزة فضلاً عن التهديدات السيبرانية وتغير المناخ وانتشار الاوبئة والأمراض، وفي ضوء هذه التطورات يمكن اقتراح التوجهات التالية للاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب:
التركيز على مكافحة الأسباب الجذرية للإرهاب: يجب معالجة القضايا الأساسية التي تؤدي إلى نشوء التطرف، مثل الفقر والظلم والتهميش، من خلال الاستثمار في التنمية المستدامة وبناء مجتمعات أكثر عدالة.
تعزيز التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وبناء تحالفات واسعة لمواجهة هذا التهديد المشترك.
الاعتماد على استراتيجيات متعددة الأوجه: يجب الجمع بين الاستراتيجيات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية لمكافحة الإرهاب.
مكافحة التطرف عبر الإنترنت: يجب تطوير استراتيجيات فعالة لمكافحة التطرف عبر الإنترنت، وتعاون شركات التكنولوجيا في هذا المجال.
بناء مجتمعات مرنة: يجب بناء مجتمعات قادرة على الصمود في وجه التطرف، من خلال تعزيز التسامح والتعايش السلمي.
المصادر:
[1] ) 11سبتمبر: ما هي أبرز التنظيمات الجهادية التي خرجت من رحم القاعدة، BBC Newsعربي، سبتمبر 2021 ، متوفر على: https://www.bbc.com
[2]) نهاد احمد عبد الصمد، الارهاب وتحديات التنمية المستدامة في منطقة القرن الأفريقي ، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، المجلد 5، أكتوبر 2019،متوفر على: https://dimensionscenter.net
[3] ( محمد أغ إسماعيل، ” الصراع على الموارد في منطقة الساحل – مالي «أنموذجًا»، التحالف الاسلامي العسكري لمحاربة الارهاب ، يونيو 2024، متوفر على: https://www.imctc.org
[4]( سعيد طانيوس، “هل تصبح آسيا الوسطى معقلا جديدا لـ “داعش”، إندبندنت عربية، أبريل 2024 ، متوفر على: https://www.independentarabia.com
[5]) مرصد الإفتاء يحلل تحولات القاعدة على مستوى الأفكار والخطاب والأهداف منذ الحادي عشر من سبتمبر.. ويؤكد: تنظيم القاعدة اعتمد على اللامركزية منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، صدى البلد، سبتمبر2019، متوفر على : https://www.elbalad.news
[6]) أحمد سليمان، تنظيم الدولة الاسلامية يشق القاعدة، BBC Newsعربي، أغسطس 2014 ، متوفر على:https://www.bbc.com
[7] (أبو حسن هنية، جاذبية تنظيم الدولة نظريات الاستقطاب، مؤسسة فريدريش إيربت، متوفر على: http://library.fes.de
[8] ) هاني هنري، تحليل سيكولوجية الإرهابيين وسبب انضمام الشباب إلى الجماعات الإرهابية، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، متوفر على: https://www.aucegypt.edu
[9]) إعادة النظر في النهج الأمريكي لمكافحة الإرهاب بعد عقدين على أحداث 11 سبتمبر، مارس 2021، معهد واشنطن لسياسيات الشرق الأدنى، متوفر على: https://www.washingtoninstitute.org
[10] ) إعادة التصور الأمريكي لمكافحة الإرهاب: تَتَبُع جهود إدارة بايدن لإصلاح طريقة تعامل الولايات المتحدة مع التطرف العنيف، سبتمبر 2022، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، سبتمبر 2022، متوفر على: https://www.washingtoninstitute.org
[11]) 86 شريكاً متحدون في هزيمة الإرهاب العالمي، التحالف الدولي ضد داعش، متوفر على: https://theglobalcoalition.org