المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > فى ضوء مخططات الاقتصاد الأخضر والحياد الكربونى.. كيف تتعامل مصر مع ملف الأمونيا الخضراء؟
فى ضوء مخططات الاقتصاد الأخضر والحياد الكربونى.. كيف تتعامل مصر مع ملف الأمونيا الخضراء؟
- مايو 23, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: دينا لملوم
باحثة فى الشئون الأفريقية
تندرج مصر ضمن قائمة الدول التى تولى قضايا المناخ والطاقة الخضراء اهتمامًا بالغًا؛ استجابة لمتطلبات العصر الذى يعانى من تبعات الاحتباس الحرارى والتقلبات المناخية، وعليه فقد بذلت القيادة المصرية جهودًا حثيثة فى هذا المجال، واستطاعت خلال الفترة الأخيرة أن تعتلى أحد المواقع الإستراتيجية فى استخدام الأمونيا الخضراء كوقود للسفن، كما أن مثل هذا المشروع يعد من المشروعات الواعدة فى مصر فى ظل الإمكانات والقدرات التى تمتلكها وتؤهلها لتصبح قوة عالمية رائدة فى مجالات الاقتصاد الأخضر.
الأمونيا الخضراء.. التعريف والاستخدامات:
يتم تعريف الأمونيا على أنها مُركب كيميائى مكون من ذرة نيتروجين واحدة بنسبة 82%، علاوة على 3 ذرات هيدروجين 18% يتم تصنيعها عبر تقنية “هابر-بوش”، كما أنها عبارة عن غاز ذى رائحة نفاذة، تتعدد استخداماته، حيث تدخل فى صناعة الأسمدة الزراعية، والنشاط الزراعى بشكل عام، ناهيك عن صناعة المبيدات الحشرية والمستحضرات الطبية والصناعات المعدنية والنسيج والمنظفات المنزلية، بالإضافة إلى تنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحى والمتفجرات وخلافه، وتتعدد أنواع الأمونيا وتختلف وفقًا لطريقة تصنيعها، ما بين أمونيا خضراء وزرقاء ورمادية وفيروزية.[1]
أهمية إنتاج الأمونيا:
تعد الأمونيا من المشروعات المستقبلية الواعدة والمستدامة بالنظر إلى خصائصها التى تكون بديلًا عن الوقود الأحفورى الذى يعد من العوامل المسببة للاحتباس الحرارى الذى يعانى منه العالم بأسره، ومن هنا فإن ما تتيحه خيارات الأمونيا الخضراء سوف يسهم فى تحقيق الحياد الكربونى “البيئى” بحلول عام 2050، وفى هذا الصدد يمكن إجمال أهم الخيارات التى يوفرها هذا المُركب:
أولًا- مصدر طاقة خالٍ من الانبعاثات الكربونية:
يعد استخدام الأمونيا الخضراء من المصادر المهمة والبديلة للوقود الأحفورى، حيث يتم حرقها فى التوربينات الغازية عوضًا عن هذه الطاقة غير المتجددة وغير الصديقة للبيئة، فعلى سبيل المثال يمكن استغلالها فى خلية وقود لإنتاج الكهرباء أو فى المركبات الكهربائية بعد تكسير الهيدروجين منها مرة أخرى.
ثانيًا- تخزين الطاقة:
تتيح الأمونيا إمكانية تخزينها بسهولة بكميات كبيرة بصفة سائلة، بما يجعلها مخزنًا كيميائيًا مثاليًا للطاقة النظيفة والمتجددة، فمثلًا يمكن إنتاج الأمونيا من الكهرباء المتولدة عن طريق الرياح والتى لا يتم استخدامها بعد منتصف الليل فهذه الفترة يكون الضغط على الكهرباء ضعيفًا بشكل كبير، وبالتالى تعمل الأمونيا على تخزين مثل هذه الطاقة المهدرة، ومن ثم استخدامها كوقود عند الحاجة إليها، وهذه الطريقة أشبه بالبطاريات.
ثالثًا- تخزين الهيدروجين:
تعد عملية تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة أمر صعب ومرتفع التكلفة، وهنا تكمن أهمية الأمونيا، نظرًا لسهولة تكسيرها وتوفير غاز الهيدروجين عند الحاجة، ثم بعد ذلك توجيهه نحو خلايا الوقود، وبالنظر إلى أن تخزين الهيدروجين السائل يتطلب ظروف معينة تصل إلى 253 درجة مئوية، فالأمونيا يمكن تخزينها عند 30 درجة مئوية فقط.[2]
رابعًا- وقود للسفن:
اتسع نطاق استعمال الأمونيا الخضراء حتى تم توظيفها كوقود للسفن، فى ظل التحديات التى تعترى قطاع النقل البحرى، حيث إنها تساعد على تخفيف وطأة الانبعاثات الكربونية الناجمة عن المسافات الطويلة التى تقطعها هذه السفن فى البحار والمحيطات، وقد نجحت مصر فى إمداد سفينة حاويات بالوقود الأخضر فى عملية تعد الأولى من نوعها فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى أغسطس 2023، وتسعى مصر للعب دورًا محوريًا فى خدمات تموين السفن بالوقود الأخضر، وتعظيم الاستفادة من موقع موانيها البحرية على البحرين الأحمر والمتوسط، إذ وقّعت عدّة اتفاقيات لتنفيذ مشروعات ضخمة لتوطين صناعة هذا الوقود فى مصر والصناعات المغذية والمكملة له.[3]
المعوقات التى تواجه إنتاج الأمونيا:
1- أكاسيد النيتروجين:
يأتى فى مقدمة تلك المعوقات أكاسيد النيتروجين المنطلقة أثناء عملية اشتعال الأمونيا، وهى أحد أشكال الغازات الدفيئة المسببة للتغيرات المناخية.
2- ارتفاع تكلفة الإنتاج:
تشكل التكلفة عقبة أساسية تعترى عملية تخليق الأمونيا الخضراء، كونها من مصادر الطاقة النظيفة الأخرى، والتى تعد أغلى بكثير من الغاز الطبيعى، كما أن إنتاج الأمونيا يتطلب زيادة الكهرباء المتجددة، وفى المجمل فصناعة الأمونيا الخضراء ستحتاج حوالى 150 مليار دولار من الدعم بحلول عام 2030، وستصل تكلفتها من مرتين إلى نحو أربع مرات تكلفة نظيرتها التقليدية، وللتغلب على عوائق التمويل هذه، لا بد من وجود خطط دعم مالى قادرة على جذب هذه الاستثمارات، مع ضرورة تعاون الحكومات واتحادات الصناعة لتطوير آليات الحوافز المناسبة لنشر استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن، إضافة إلى أن بعض التقنيات اللازمة لاعتمادها مثل محركات احتراق الأمونيا مازالت قيد الاختبار والتجربة.
3- الأمونيا مادة سامة:
تعد الأمونيا مادة سامة للإنسان، ومن ثم فإن التعرُّض لجرعات صغيرة منها قد يسبّب التهيج، فى حين أن المستويات العالية منها يمكن أن تُتلف الرئة، أو حتى تسبّب الوفاة، وبالتالى فإن التعامل معها يتطلب اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية العاملين فى هذا المجال؛ حفاظًا على صحتهم وأرواحهم وتحقيقًا للهدف المنشود، وهو الحصول على طاقة نظيفة صديقة للبيئة دون الإضرار بحياة البشر.[4]
جهود الدولة المصرية فى مجال الاقتصاد الأخضر:
تتصدر مصر قائمة الدول العربية فى عدد مشروعات تصدير الهيدروجين والأمونيا، بإجمالى حوالى 23 مشروعًا وذلك حتى ديسمبر من العام الماضى، حيث صدرت أول شحنة أمونيا إلى الهند من خلال مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء فى منطقة قناة السويس، وذلك فى إطار خطة الدولة المصرية للاستحواذ على حصة حوالى 8% من السوق العالمية للهيدروجين، حيث تُشكل تلك الخطوة عاملًا مهمًا ورئيسيًا فى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى تلك الصناعة الواعدة ومجالات الطاقة المتجددة المرتبطة بها.
فى 4 أكتوبر 2023 وقعت اتفاقية مع شركة «سى 2 إكس» التابعة لعملاقة الشحن العالمية “ميرسك” لإقامة مشروع لإنتاج الوقود الأخضر لتموين السفن، باستثمارات تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار للمرحلة الأولى، وفى الفترة ذاتها تم توقيع مذكرة تفاهم مع الصين، تعتزم بموجبها شركة “تشاينا إنرجى” إقامة مشروع لإنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء، و210 آلاف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، باستثمارات تبلغ 6.75 مليار دولار فى المنطقة الصناعية بالسخنة على مساحة 500 ألف متر مربع.
توقيع اتفاق تعاون مع شركة سكاتك النرويجية لتوظيف الأمونيا وقودًا للسفن، إذ وقّعت اقتصادية قناة السويس مذكرة تفاهم تستهدف استصدار رخصة ممارسة نشاط تموين السفن بالوقود الأخضر فى منطقة شرق بورسعيد، بتكلفة استثمارية تبلغ نحو 1.1 مليار دولار، شاملة الاستثمارات الخاصة بتوليد الطاقة النظيفة.
فى سبتمبر 2023، منحت مصر شركة هولندية رخصة لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد لتموين السفن بالوقود الأخضر، بمينائى شرق وغرب بورسعيد.
شمول إستراتيجية توطين صناعة الوقود الأخضر فى مصر التى تتبنّاها الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، على 3 محاور رئيسة: تصنيع الوقود الأخضر (هيدروجين أخضر – أمونيا خضراء – ميثانول)، والعمل على الصناعات المكملة لتصنيع الوقود الأخضر من محللات كهربائية وألواح شمسية وتوربينات رياح، ونشاط تموين السفن بالوقود الأخضر.[5]