المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > قراءةٌ حولَ تداعياتِ الهجومِ الأوكرانيِ على كورسك
قراءةٌ حولَ تداعياتِ الهجومِ الأوكرانيِ على كورسك
- أغسطس 14, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: مريم هشام
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
قامتْ القواتُ الأوكرانيةُ بِشنِّ هجومٍ جديدٍ على منطقتيِ كورسك و بيلغورود على الحدودِ الروسيةِ، الثلاثاءَ الثالثَ عَشَرَ من أغسطس الجاري، ذلك الهجومُ الذي يشكلُ منعطفًا جديدًا في مَسارِ الحربِ الرُّوسيةِ الأوكرانيةِِ حيثُ نقل المعركةَ إلى داخلِ الحدود الروسيةِ بعد حربٍ بدأت منذ عام ٢٠٢٢ كان عنصرُ المفاجأةِ هو أساسَ نجاحِه، و استطاعت به القواتُ الأوكرانيةُ السيطرةَ على مئاتِ الكيلومترات داخلَ المقاطعةِ الأمرُ الذي تسببَ بفضيحةٍ لأنظمةِ الدفاعِ الروسيةِ، و صرَّحَ حاكمُ مقاطعةِ بيلغورود أن الجيشَ الأوكرانيَ شَنَّ هجوما باستخدامِ طائراتٍ مسيرةٍ على المناطقِ السكنيةِ بالمقاطعةِ مما تسببَ في إصابةِ عددٍ من المواطنين بجروحٍ خطيرةٍ و أضاف أنه تَمَّ إجلاءُ عددٍ من السكانِ من المناطقِ القريبةِ من الحدودِ الأوكرانيةِ، و يَكْمُنُ السؤالُ هنا حول هل سيكونُ ردُ الفعلِ الروسيِ على الهجومِ الأوكرانيِ عنيفاً أم سُتعيدُ موسكو النظرَ في مفاوضاتِ الانسحابِ مقابلَ الانسحاب؟
ماذا حدث في كورسك:
بدأتْ أوكرانيا هجوماً على منطقةِ كورسك القريبةِ من بلدةِ سودجا في السادس من اغسطس الجاري، باستخدامِ حواليِ ألفِ جنديٍ و ١١ دبابةً و أكثر من ٢٠ مدرعةً، وفقَ تقاريرَ روسيةٍ.
و في يوم الثلاثاء الثَالثَ عَشَرَ من اغسطس، جددَ الجيشُ الأوكرانيُ هجومَه المُباغتَ ضد روسيا سيطرَ خلالهُ على ٢8 قرية و نتجَ عن الهجومِ الأوكراني في كورسك قَتْلُ ١٢ مدنياً و اصابةُ ١٢١ آخرين، و ذكر حاكمُ منطقةِ كورسك أنه منذ بدءِ الهجوم، الاثنين الثاني عشر من اغسطس، تمَّ إجلاءُ نحو ١٢١ الف شخصٍ من المنطقةِ مع تَسييرِ رحلاتٍ إضافيةٍ القطار إلى العاصمةِ موسكو.
من الجديرِ بالذكرِ أن انتقالَ الهجومِ إلى داخلِ الأراضيِ الروسيةِ شكّل مفاجأةً صادمةً ليس فقط للروسِ و إنما أيضا لمسئولينَ داخلَ أوكرانيا، و من الجديرِ بالإشارةِ أن تركيزَ روسيا لقواتِها على نقاطٍ في خطِّ المواجهةِ الرئيسيِ ساعدَ في نجاحِ الهجومِ الأوكراني، فالقواتُ الأوكرانيةُ استغلتْ عدمَ خضوعِ الحدودِ لحراسةٍ كافيةٍ في العبورِ إلى داخلِ روسيا.
و منذ بدءِ الهجومِ التزمت أوكرانيا الصمتَ، إلا أن الرئيسَ الأوكرانيَ فولوديمير زيلينسكي كان قد صرحَ بشكلٍ غيرِ مباشرٓ، السبت العاشر من اغسطس، “أن أوكرانيا سوف تستمرُ في دَفْعِ الحربِ إلى أراضيِ المعتدي” و أعلنَ لاحقا أن حوالي ١٠٠٠ كيلومتر مربع من الأراضيِ الروسيةِ أصبحَ الآن تحتَ السيطرةِ الأوكرانية[1]ِ.
الأهدافُ الأوكرانيةُ وراء الهجومِ على كورسك:
يَخْدِمُ الهجومُ الذي شنتهُ القواتُ الأوكرانيةُ على كورسك عددًا من الأهدافِ:
أولا: من خلالِ تصريحاتِ أشخاصٍ في القيادةِ الأوكرانيةِ تَمَّ توضيحُ الهدفِ من الهجومِ على كورسك في أن أوكرانيا تُريدُ زَعْزَعةَ الاستقرارِ داخلَ روسيا و تَحميلَ موسكو أكبرَ الخسائرِ، كما صَرَّحَ الرئيسُ الأوكرانيُ بأن أوكرانيا تسعى لدفعِ الحربِ إلى داخلِ حدودِ العدوِّ في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن أوكرانيا نفذتْ الضربةَ كخُطّةٍ للضغطِ على روسيا و إضعافِ قوتِها.
ثانيا: رغبةُ أوكرانيا في وقفِ الحربِ و استعادةِ أراضِيها من السيطرةِ الروسيةِ و ذلك من خلالِ السيطرةِ على نسبةٍ من الأراضيِ الروسيةِ لفتحِ الطريقِ أمامَ مفاوضاتٍ يكونُ شرطُها انسحابَ أوكرانيا من الأراضيِ الروسيةِ التي وقعت تحت أيديِها في مقابلِ انسحابِ روسيا من الأراضِي الأوكرانيةِ و احترامِ كل طرفٓ من الأطرافِ الحدودَ الدوليةَ الخاصةَ بالطرفِ الآخرِ.
ثالثا: يُعتَبرُ الهدفُ الثالثُ من الهجومِ هو الأكثرَ أهميةً و هو رغبةُ أوكرانيا في السيطرةِ على بلدةِ سودجا، و هي قريةٌ صغيرةٌ يَبلُغُ عددُ سكانهِا ٥٠٠٠ نسمةً و تَكْمُنُ أهميةُ تلك القريةِ في انها تمتلكُ محطةً لضَخِّ الغازَ تخدمُ أوروبا و سلوفاكيا و المجر، و تُعَدُ سودجا البلدةَ الأكبرَ التي تسعى أوكرانيا للسيطرةِ عليها، و أظهرت مقاطعُ فيديو تم تصويرُها في التاسعِ من اغسطس، جنودًا أوكرانيين أمامَ منشأةٍ تابعةٍ لمحطةِ الغازِ على مَقْربةٍ من البلدةِ.
ردُّ الفعلِ الروسيِ على الهجومِ الأوكراني على منطقة كورسك الروسية:
صرحَ الرئيسُ الروسيُ فلاديمير بوتين، أنه سوف يتمُ الردُّ على الهجومِ الأوكرانيِ على كورسك مؤكداً أن المهمةَ الرئيسيةَ التي تعملُ عليها روسيا الآن هي طردُ العدوِّ من أراضِيها، كما حددَ بوتين الأسبابَ الكامنةَ وراءَ الهجومِ الأوكراني موضحاً أن اوكرانيا تسعَى لزعزعةِ الاستقرارِ الروسيِ من خلالِ إحداثِ فوضى داخليةً و هي تسعى لتحسينِ موقفهِا في المفاوضاتِ و محاولةِ إبطاءِ التقدمِ الروسي داخل أراضيها، و خلالَ سؤالهِ عن مستقبلِ المفاوضاتِ بين البلدين قال: كيف يمكننُا الحديثُ عن السلامِ مع من يهاجمون المنشآتٍ النوويةَ”.
كما صَرَّحَ حاكمُ مقاطعةِ كورسك أن ” القواتِ الأوكرانيةَ تسيطرُ حالياً على ٢٨ قريةً في منطقة كورسك”، و من ناحيتِها أكدت وزارةُ الدفاعِ الروسيةِ أنه تم إحباطُ محاولاتِ اختراقِ القواتِ الأوكرانيةِ لمحيطِ قريةِ كاوتشوك[2].
ردودُ الفعلِ الدوليةِ:
الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ: صرحَ باتريك رايدر المتحدثُ باسمِ وزارةِ الدفاعِ الأمريكيةِ، أن أوكرانيا لم تُبلغْ الولاياتٍ المتحدةَ بالهجومِ مسبقًا و أشارَ إلى استخدامِ أوكرانيا للأسلحةِ الأمريكيةِ خلالَ الهجومِ على كورسك يتوافقُ مع السياسةِ الأمريكيةِ[3].
الإتحادُ الأوروبيُ: صرحَ متحدثٌ باسمِ الإتحادِ الأوروبي أن الهجومَ الأوكرانيَ على كورسك يقعُ ضمنَ الحربِ الدفاعيةِ للبلادِ و ذكرَ متحدثٌ آخر باسمِ الشئونِ الخارجيةِ والسياسةِ الأمنيةِ للاتحادِ الأوروبيِ أن أوكرانيا تَمْتَلِكُ الحقٌَ في الدفاعِ عن نفسهِا ضد روسيا حتى و إن كان عن طريقِ ضربِ العدوٌِ من أراضيهِ[4].
ألمانيا: في ظلِّ تطورِ الأحداثِ بين روسيا و أوكرانيا أعلنت ألمانيا دعمَها الكاملَ لأوكرانيا في هجومِها ضد روسيا و صرحتْ وزارةُ الدفاعِ الألمانيةُ بأن أوكرانيا لها الحقًُ في استخدامِ الأسلحةِ و المعداتِ التي دعمتَها بها ألمانيا و التي أصبحتْ الآن ملكًا لها[5].
ختاما….
يمكنُ القولُ أن التطوراتِ الأخيرةَ للحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ اتخذت مسارًا خطرًا في ظلِّ أوضاعٍ عالميةٍ فوضاويةٍ و ما قامتْ به أوكرانيا من هجومٍ أخيرٍ يُشكلُ خطرًا كبيراً لن يؤولَ إلا إلى أحدِ السيناريوهين الآتيينِ:
السيناريو الأولُ “اتساعُ دائرةِ العملياتِ العسكريةِ الروسيةِ في الردِّ على الهجومِ”: هذا السيناريو هو السيناريو الأصعبُ و الأكثرُ ترجيحا و هو أيضا السيناريو الأكثرُ مشابهةً لتصريحاتِ الرئيسِ الروسيِ فلاديمير بوتين، فقد صرحَ بوتين بأنه ليس هناك سلامٌ مع من يهاجمون الأسلحةَ النوويةَ، تلك التصريحاتُ خطيرةٌ للغايةِ ولا تُحقِّقُ التطلعاتِ الأوكرانيةَ وراءَ الهجومِ، فعندما اعتزمت أوكرانيا شَنَّ الهجومِ على كورسك كان هدفُها الرئيسيُ هو الضغطَ على موسكو لإتمامِ المفاوضاتِ و الانسحابِ مقابلَ الانسحابِ و في حالةِ حدوثِ ذلك السيناريو تكونُ روسيا غيرَ متقبلةٍ للسلوكِ الأوكرانيِ للضغطِ عليها لإتمامِ المفاوضاتِ و تسعى للقيامِ بردٍ قويٍ و عنيفٍ على الفعلِ الأوكراني.
السيناريو الثاني “إعادةُ روسيا النظرَ في إمكانيةِ التفاوضِ”: في هذا السيناريو تكونُ أوكرانيا قد نجحتْ من خلالِ هجومِها في تحقيقِ المكاسبِ المتعلقةِ بإتمامِ المفاوضاتِ و وقفِ الحربِ المستمرةِ منذُ، عام ٢٠٢٢، من خلالِ إنهاكِ قوةِ الجيشِ الروسيِ و تشتيتهِ و محاولةِ زعزعةِ الاستقرارِ الداخليِ بروسيا، أيضا فإن روسيا سوف تكون قد شعرت بالخوف من إمكانية تفاقم الأوضاع خاصة بعد انتقالِ الحربِ إلى داخلِ أراضيِها لذلك فهي مستعدةٌ لبدءِ العملِ على إنهاءِ المفاوضاتِ و وقفِ الحربِ بين البلدينِ.
[1] الشرق الاوسط، أوكرانيا تواصل الهجوم الجوي على كورسك وبيلغورود، اغسطس 2024
[2] بي بي سي، 5 أسئلة عن التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، اغسطس 2024
https://www.bbc.com/arabic/articles/c985yvvrd7jo
[3] ارابيك ار تي، البنتاغون يزعم أن أوكرانيا لم تبلغ الولايات المتحدة مسبقا، اغسطس 2024
[4] DW، الاتحاد الاوروبي: توغل اوكرانيا في كورسك دفاع مشروع، اغسطس2024
[5] القاهرة الاخبارية، المانيا تجعم هجوم كورسك، اغسطس 2024