المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > قراءةٌ نقديةٌ لتقريرٍ بعنوان: الرهاناتُ الإقليميةُ في الصراع الإيراني–الإسرائيلي: رؤيةٌ من جنوب القوقاز
قراءةٌ نقديةٌ لتقريرٍ بعنوان: الرهاناتُ الإقليميةُ في الصراع الإيراني–الإسرائيلي: رؤيةٌ من جنوب القوقاز
- يونيو 25, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
يحملُ التصعيدُ الإيراني—الإسرائيلي أبعادًا إقليميةً متداخلةً، تتجاوز حدودهما المباشرة لتنعكسَ على ساحاتٍ ترتبطُ بتوازناتٍ دقيقةٍ وتشهدُ انخراطَ عددٍ من الفاعلين في شبكات مصالح وتحالفاتٍ متشابكةٍ، وتُعدّ منطقة جنوب القوقاز من أبرز هذه الساحات، حيث يزداد حضورها في سياق هذا التوتر نظرًا لما تتميزُ به من موقعٍ جيوسياسيٍ حساسٍ، وتداخلاتٍ أمنيةٍ واقتصاديةٍ تجعلها أكثر قابلية للتأثر بالتحولات الجارية في الإقليم.
وتبرز أذربيجان في هذا السياق بوصفها الفاعل الأكثر انخراطًا في ديناميكيات التوتر بين إيران وإسرائيل في جنوب القوقاز، بحكم علاقاتها المتقدمة مع إسرائيل من جهة، وَتشابكِ مصالحها الجغرافية والديمغرافية مع إيران من جهةٍ أخرى، كما تشكّل قضايا مثل الأقليات، والطاقة، والأمن الحدودي عناصرَ ضغطٍ متبادلة في علاقات باكو بطهران، وهو ما يفرضُ على صانع القرار الأذربيجاني إدارة تموضعه ضمن معادلاتٍ دقيقةِ التوازن بين المكاسب والمخاطر، ويضيف الحضور التركي المتزايد في الإقليم، إلى جانب الثِقلِ الروسي التقليدي، طبقات إضافية من التعقيد، تُحتّم قراءةً معمّقةً لتفاعلات جنوب القوقاز كامتدادٍ غير مباشرٍ لصراعٍ أوسع تتداخل فيه الحسابات الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، صدر تقرير عن مركز توبشوباشوف، بعنوان: “Regional stakes in the Iran–Israel conflict: a view from the South Caucasus”، وهو مركزٌ بحثيٌ متخصصٌ في تحليل القضايا الجيوسياسية والدولية، مع تركيز على الفضاء ما بعد السوفييتي والشرق الأوسط، وقد شارك في إعداد التقرير كلٌّ من محمد ممدوف، ومراد مرادوف، وسيمونا سكوتي، حيث قدّم كل منهم قراءةً تحليليةً من زاويةٍ جغرافيةٍ مختلفةٍ، تعكس تنوع المصالح وتشابك التفاعلات في الإقليم.
ويتناولُ التقريرُ أبعاد التداخل بين الصراع الإيراني–الإسرائيلي والسياقات الجيوسياسية في جنوب القوقاز، ويحلل مواقف الأطراف الإقليمية الثلاثة الأكثر ارتباطًا بالمشهد: أذربيجان، وتركيا، وروسيا. كما يطرحُ تساؤلاتٍ حول المسارات المحتملة لتفاعل هذه الساحة مع التصعيد الجاري، في ظل تعقّد الترتيبات الأمنية الإقليمية وتعدّد أطراف التأثير.
الرهاناتُ الجيوسياسيةُ في جنوب القوقاز
أذربيجان بين الحذر والمناورة:
يركّز التقريرُ على موقف أذربيجان المتوازن، الذي يتسمُ بـ”حياد محسوب”، في ظل علاقتها المعقدة مع طرفي النزاع، يعرض الكاتب كيف حافظت باكو على خطابٍ حذرٍ، مدينٍ للتصعيد، مع اتخاذ تدابير استباقية لحماية أمنها، ويوضحُ الاستراتيجيةَ الثنائية التي تعتمدها أذربيجان منذ تبادل الضربات المباشرة الأولى بين الطرفين، والتي تتمثل في: تعزيز الشراكة الأمنية مع إسرائيل، خاصةً في مجالي الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة، وفي المقابل، تعميق التعاون الاقتصادي واللوجستي مع إيران، خصوصًا عبر ممر النقل الشمالي–الجنوبي.
التهديدُ الإيراني الصامت
يناقش التقرير كيف تُثيرُ علاقات باكو مع تل أبيب شكوكًا في طهران، خصوصًا من التيار المحافظ، إذ وُجّهت اتهاماتٌ إعلاميةٌ لأذربيجان بدعم العمليات الإسرائيلية. ومع أن الخطاب الرسمي الإيراني لم يتبنى هذا الطرح، فإن التقرير يسلط الضوء على حساسية هذه التهمة في الداخل الإيراني، خاصةً مع وجود أقليةٍ أذريةٍ كبيرةٍ يمكن أن تُوظف سياسيًا أو أمنيًا، ويشير إلى تصريحاتٍ رسميةٍ نافيةٍ لهذه الاتهامات، ويبرزُ حِرصَ أذربيجان على تأكيد التزامها بعدم استخدام أراضيها من قِبلٍ أي طرفٍ ضد إيران، وإدراك باكو لتكلفة الانزلاق في أي حرب.
تداعياتُ التصعيد
يستعرض محمد ممدوف عدداً من التداعيات المحتملة على أذربيجان تتمثل أبرزها في:
خطر التورط غير المباشر في النزاع: حيث يُحذر من احتمالية أن تُستهدفَ أذربيجان باتهاماتٍ أو إجراءاتٍ انتقاميةٍ من الجانب الإيراني، نتيجة تحالفها مع إسرائيل، خاصة إذا ما جرى استخدام مجالها الجوي أو أراضيها.
احتمالات النزوح الجماعي: يشير إلى أن أيَ تدهورٍ أمنيٍ في إيران قد يدفعُ بموجات لجوءٍ واسعةٍ، خاصة من الأقلية الأذرية، نحو أذربيجان، مما يشكّل ضغطًا اجتماعيًا واقتصاديًا داخليًا.
تهديد مشاريع الربط الإقليمي: يُبرز التقرير أن استمرار التصعيد قد يقوّضُ مكانةَ أذربيجان كممرٍ محوريٍ للطاقة والنقل، ويُضعف الثقةَ في ممر “الشمال–الجنوب” كممرٍ تجاريٍ موثوقٍ.
مخاطرُ إشعاعية محتملة: مع استمرار الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، يُنبه التقريرُ إلى وجودٍ تخوفٍ من تسرّبٍ إشعاعيٍ يطالُ الحدودَ الجنوبيةَ لأذربيجان، رغم غياب مؤشرات مؤكدة حتى الآن.
تفاقم التوترات العرقية: يُحذّر من أن تصدع الدولة الإيرانية قد يفتحُ المجالَ أمام توتراتٍ عرقيةٍ داخل إيران، قد تدفع باكو نحو تدخلٍ رمزيٍ أو فعليٍ لحماية الأذر في الجنوب الإيراني.
احتمال تقويض العلاقات الثنائية مع إيران: في حال استمرار الاتهامات من أطرافٍ إيرانيةٍ نافذٍة، يُشير التقرير إلى أن العلاقة البراجماتية القائمة قد تتعرض للاهتزاز، مما ينعكس على مشاريع التعاون الحدودي.
موسكو والتوظيف الاستراتيجي للأزمة
ا كحلحساباتُ الروسيةُ المركبة:
يُبرز مراد مرادوف رؤية موسكو للأزمة الإيرانية–الإسرائيلية كفرصةٍ استراتيجيةٍ لإعادة ترتيب أولويات القوى الكبرى، لا سيَّما فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فمن منظور الكرملين، قد يؤدي انشغال الولايات المتحدة وحلفائها بدعم إسرائيل عسكريًا إلى تخفيف الضغط على الجبهة الأوكرانية، بما يمنحُ موسكو مساحةً للمناورة والتقدمَ الميداني، كما ترى روسيا أن ارتفاعَ أسعار الطاقة نتيجة أي اضطراباتٍ في الخليج قد يعزز موقفها التفاوضي مع أوروبا ويقود إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
رغم شراكتها الاستراتيجية مع طهران، تحاولُ موسكو الإبقاء على مسافةٍ متوازنةٍ من أطرافِ النزاع، يظهر ذلك في محاولاتها تقديم نفسها كوسيطٍ محتملٍ، واستعدادها لطرحِ مقترحاتٍ تقنيةٍ لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني، في إطار سعيها للعودة إلى طاولة التفاوض مع الغرب عبر مدخل الوساطة.
الهوامشُ الضيقةُ والتكلفة المحتملة:
في المقابل، يشير إلى جملةٍ من التداعيات السلبية التي قد تطال موسكو في حال خرج التصعيد عن السيطرة. من أبرزها تآكلُ الثقةِ في القدرات الدفاعية الروسية، خاصةً إذا فشلت أنظمة الدفاع الجوي المستخدمة في إيران في صد الضربات الإسرائيلية، بما يهددُ سمعةَ موسكو كمصدّرٍ موثوقٍ للتقنيات العسكرية.
علاوةً على ذلك، فإن إحجام موسكو عن دعم طهران بشكلٍ صريحٍ قد يُفهم في بكين كإشارةِ ضعفٍ، ما يدفع الصين لإعادةِ تقييمِ شراكتها مع روسيا، والتحركِ بصورةٍ أكثر استقلاليةً في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
كما أن أيَ سقوطٍ محتملٍ للنظام الإيراني واستبداله بسلطةٍ قريبةٍ من الغرب سيمثّلُ ضربةً قاصمةً لنفوذ روسيا الإقليمي، وقد يدفعها إلى تقديمِ تنازلاتٍ غير مرغوبةٍ للغرب من أجل الحفاظ على موضعها الدولي، وفي حال استمرت الحرب دون حسم، دون أن تنجحَ موسكو في توظيفها لمكاسب استراتيجية، فإنها قد تجدُ نفسها على هامشِ ترتيباتٍ أمنيةٍ جديدةٍ تتشكّل بمعزلٍ عنه.
تركيا بين الوساطة والتأهب الأمني
ينتقل التقرير إلى تحليل تحركات تركيا، التي تحاول تبنّي دور الوسيط عبر اتصالاتٍ مباشرةٍ مع الولايات المتحدة، روسيا، وإيران. يُبرز التقرير تأكيد الرئيس أردوغان على رفض التصعيد، والدعوة إلى استئناف المفاوضات النووية.
من الناحية المؤسسية، يشير التقرير إلى إدانة وزارة الخارجية التركية للهجوم الإسرائيلي بوصفه “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”، ما يعكسُ تشدد أنقرة تجاه سلوك تل أبيب، بالمقابل، لا يغفلُ التقريرُ عن التوترِ المزمنِ في العلاقة التركية–الإيرانية، خاصةً في ملفات العراق وسوريا، حيث تُتهم طهران باستخدامِ ميليشياتٍ تعرقل التحركات التركية ضد حزب العمال الكردستاني.
تحدياتٌ قد تُقوّض حسابات أنقرة
تناقشُ سيمونا سكوتي مجموعةً من التحديات المتداخلة التي تُعقّد موقف تركيا في ظل التصعيد الإيراني–الإسرائيلي، فعلى المستوى الداخلي، يُشير إلى أن زعزعةَ استقرار إيران قد يعرقل تطورات ملف القضية الكردية، حيث قد تصبحُ الجماعاتُ الكردية العرقية في إيران، بما في ذلك حزب الحياة الحرة الكردستاني، أكثر حزماً في غياب السيطرة القوية للدولة، مما قد يؤدي إلى إعادة إشعال النشاط عبر الحدود الذي قد يمتد إلى تركيا.
كما يشير إلى التوترات في جنوب القوقاز كعاملٍ إضافيٍ يُضاعفُ الضغوطَ على السياسة التركية، خاصةً في ظل اعتراض طهران على مشروع “ممر زنغزور” الذي تدفع به أنقرة كجزءٍ من استراتيجيتها للربط الإقليمي، وترى إيران أن المشروعَ يُقوّض نفوذَها الجيوسياسيَ بين الأقليات الأذرية داخل أراضيها.
أما اقتصاديًا، فقد أظهر التقرير قلقًا تركيًا بالغًا من تداعيات أي مواجهةٍ عسكريةٍ محتملةٍ في الخليج، إذ من شأن اضطراب حركة الطاقة عبر مضيق هرمز أن يؤديَ إلى قفزاتٍ في أسعار النفط، بما يفاقمُ الأزمةَ الاقتصاديةَ الداخلية ويُقلّص هامش المناورة الدبلوماسية لأنقرة، خصوصًا في حال زاد انخراط حلف الناتو في الأزمة بشكل مباشر.
المعادلةُ الأمريكيةُ واحتمالات التدخل المباشر
يناقشُ التقرير التصعيدَ الأمريكي، بدءًا من تصريحات الرئيس ترامب، مرورًا بتحريك حاملة طائراتٍ ودفْعِ ناقلاتِ تموينٍ جويةٍ إلى أوروبا، وهو ما قد يؤشر إلى نية تدخل مباشر، يُبرز التقرير كيف أن أي تدخلٍ عسكريٍ واسعٍ سيؤثر على الحسابات التركية، وعلى توازنات الناتو في الشرق الأوسط، كما ينبه إلى أن الأزمةَ النوويةَ إذا تفجرت دون قنواتٍ دبلوماسيةٍ، فقد تُحوّل إيران إلى جارٍ فوضويٍ وغيرِ مستقرٍ، وهو ما لا تريده تركيا ولا أذربيجان.
تأملاتٌ نقديةٌ
يتميّز التقرير بقوة تحليله في ربط الصراع الإيراني–الإسرائيلي بتوازناتِ جنوب القوقاز، من خلال تقديم قراءةٍ مركّبةٍ لأوضاع ثلاثة فاعلين رئيسيين: أذربيجان، تركيا، وروسيا. وقد نجح في إبراز طبيعة التموضعات السياسية والأمنية لكل طرف، كما يُظهر وعيًا بنية العلاقات الإقليمية لكل دولة محل الدراسة، فيدمجُ بين الاعتباراتِ الأمنيةِ، الاقتصاديةِ، والمجتمعية، ويوضّح كيف يتقاطعُ الصراعُ مع ملفات الطاقة، الأقليات، والممرات الاستراتيجية، وهو ما يعكسُ تحليلًا متعدد المستويات يتجاوز الأبعاد العسكرية الضيقة.
كما تبرزُ اللغة التحليلية المحايدة كأحدِ مكامنِ القوة؛ إذ يتجنّب التقريرُ الانحيازَ لأيٍ من أطراف النزاع، ويعرض مواقف الدول الثلاث بلغةٍ رزينةٍ توضحُ دوافعها ومخاوفها دون تهويلٍ أو تبسيطٍ ، علاوةً على ذلك يتضمن استشرافًا متماسكًا لمآلات التصعيد، من خلال طرْحِ سيناريوهاتٍ معقولةٍ لتوسّع الصراع، وما قد ينتج عنه من نزوح ٍأو إشعاعٍ نوويٍ أو إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
وقد تبين لاحقاً أن أحد مسارات تطور التصعيد المحتملة قد تحققت، حيث تحدثَ عن احتماليةِ تدخلٍ عسكريٍ أميركيٍ مباشرٍ، فقد أشار إلى تحركاتٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ لافتةٍ، وقد تَحقق هذا السيناريو بالفعل من خلال قيام الولايات المتحدة بشنّ غاراتٍ على منشآتٍ نوويةٍ إيرانيةٍ ، أعقبتها ضربةٌ إيرانيةٌ استهدفتْ قاعدةً أميركيةً في قطر، وهو ما يحسب للتقرير ويعكس قدرته على قراءة السياق الإقليمي بدقة، ويمنحه وزنًا تحليليًا خاصًا ضمن الأدبيات التي تناولت هذه الأزمة.
مع ذلك، يظل التقرير غير خالٍ من بعض أوجه القصور؛ فعلى الرغم من أن عنوان التحليل يشير إلى “جنوب القوقاز”، إلا أن التركيز اقتصر بالكامل على أذربيجان، متجاهلًا الفاعلين الآخرين في الإقليم مثل أرمينيا وجورجيا، وهذا التجاهل لا يقتصرُ فقط على غياب تحليل التأثيرات المحتملة، بل يشمل أيضًا عدم الإشارة إلى مواقفهما الرسمية أو موقعهما من التصعيد، لا سيَّما موقف أرمينيا رغم أنه كان صريحًا في إدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران، وحذّر من تهديد الاستقرار الإقليمي، كما لم يُشرْ التقريرُ إلى موقف جماعات المعارضة الأرمنية أو منظمات الشتات، التي أجمعتْ بشكلٍ نادرٍ على دعم إيران، وأعربت عن مخاوف من أن يشكّلَ التصعيدُ غطاءً لهجومٍ أذربيجانيٍ محتملٍ على أرمينيا.
كما تُعد أرمينيا طرفًا حساسًا في التوازنات الإقليمية، نظرًا لعلاقاتها المعقدة مع تركيا وأذربيجان، ولارتباطها الوثيق بإيران التي تُشكل أحد المنافذ الاقتصادية القليلة لها، وفي حال تطور الصراعُ إلى حربٍ أوسع، فإن الحدود الأرمينية–الإيرانية قد تتعرضُ لمخاطرَ لوجستيةٍ أو عقوباتٍ ثانويةٍ، مما يضع يريفان في مأزقٍ بين تعزيز تقاربها مع الغرب والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع طهران، كما أغفلَ دورَ أرمينيا كمحورٍ أساسيٍ في معادلة ممر زنغزور، أما جورجيا، التي تُعدُ الحلقةَ الأضعفَ عسكريًا في جنوب القوقاز، فتسعى إلى تجنّب الانخراط في أي محورٍ صراعيٍ عبر التزام الحياد، وهو موقفٌ استراتيجيٌ لم يُتناولْ في التقرير رغم حساسيته.
وأخيراً لم يمنحْ التقريرُ مساحةً كافيةً لتحليل التنافس التركي–الروسي داخل القوقاز، والذي يُعد بُعدًا مهمًا لفهم تحولات موازين القوة في المنطقة، كما أغفل التطرقَ إلى أحد الأبعاد الاستراتيجية المهمة المرتبطة بالموقف الروسي، وهو أن تخلّي موسكو عن دعم إيران عسكريًا في مواجهة الضربات الإسرائيلية، على الرغم من عمق الشراكة بين الطرفين في ملفات أخرى كأوكرانيا وسوريا، قد يُفقد روسيا جزءًا كبيرًا من مصداقيتها في غرب آسيا، فبينما وفّرت طهران لموسكو طائراتٍ مسيّرةً وخبراتٍ تقنيةً في حربها ضد أوكرانيا، تكتفي روسيا الآن بعرْضِ دور الوسيط دون تقديمِ دعمٍ موازٍ، وهو ما يخلق انطباعًا بضعف الالتزام الروسي تجاه حلفائها.
هذا التراجع يُغذّي تصورًا إقليميًا بأن موسكو لم تعدْ شريكًا موثوقًا، خاصةً في ظل التآكل المستمر لنفوذها منذ سنوات، وهو ما قد يدفع فاعلين في جنوب القوقاز كجورجيا إلى إعادة تموضعهم السياسي والاستراتيجي، والانفتاح على شركاء جدد قادرين على تقديمِ مظلةٍ أمنيةٍ أو اقتصاديةٍ أكثر فاعلية.
في الختام:
يقدّم التقرير قراءةً معمّقةً لأثر التصعيد الإيراني–الإسرائيلي على جنوب القوقاز، ويتميّز بقدرته على ربط التفاعلات المحلية بالإطار الجيوسياسي الأوسع. ومع ذلك، فإن إغفالَه لبعض الفاعلين الإقليميين والتقاطعات الثنائية الحساسة، لا سيَّما أرمينيا وجورجيا، يحدّ من شموليته. ورغم ذلك، فإن دقتَه في استشراف السيناريوهات وتماسكه التحليلي يمنحانه قيمةً معتبرةً ضمن الأدبيات الجيوسياسية المعنية بالمنطقة.
المراجع
Mahammad Mammadov, Murad Muradov, Simona Scotti, Regional stakes in the Iran–Israel conflict: a view from the South Caucasus, Topchubashov Center, 18 June 2025. https://top-center.org
The Fine Line of Diplomacy: South Caucasus in the Shadow of the Iran-Israel Conflict, BAKU.WS, 21 june 2025. https://baku.ws
Mirian Mirianashvili , Iran-Israel conflict already international, Georgia must stay neutral – Analyst Mirian Mirianashvili, Front News Georgia, 18 june 2025. https://frontnews.ge