المقالات
قراءةِ نقديةٌ لدراسة بعنوان ” Kurdistan: A double-edged sword for Turke”
- ديسمبر 28, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد/ هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
تتميزُ العلاقاتُ بين تركيا وإقليم كردستان العراق بالتعاون الاقتصادي منذ التسعينيات وعلى الرغمِ من هذا التعاونِ الاقتصاديِ، تظل القضايا الأمنيةُ مصدرَ توترٍ بين الجانبين، خاصة فيما يتعلقُ بنشاط حزب العمال الكردستاني (PKK) في المنطقة، منذ التسعينيات، أنشأتْ تركيا قواعدَ عسكريةً في إقليم كردستان العراق لتنفيذِ عملياتٍ ضد حزب العمال الكردستاني، مما يعكسُ الأهميةَ التي توليها أنقرة للاعتبارات الأمنية في علاقاتها مع الإقليم، كما لعبتْ تركيا دورًا محوريًا في الخلافات النفطية بين بغداد وأربيل، حيث دعمت تصديرَ النفط من الإقليم بشكلٍ مستقلٍ عبر أراضيها، وقد أثَّر هذا الدور على العلاقات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، بشكلٍ عامٍ، تتسمُ العلاقاتُ التركية-الكردستانية بمزيجٍ من التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والتوترات الناجمة عن القضايا الأمنية، مما يترك تأثيرًا كبيرًا على الاستقرار الإقليمي والسياسات الداخلية في كل من تركيا والعراق[1].
في هذا الإطار تأتي دراسة الباحث المتخصص في القانون الدولي “لقمان رادبي” والذي ركّزتْ دراساته بشكلٍ خاصٍ على قضية كردستان والأبعاد القانونية والسياسية الدولية لحق تقرير المصير للشعوب والأمم، دراسة بعنوان” Kurdistan: A double-edged sword for Turkey” والتي تشير إلى أن إقليمَ كردستان العراق يمثلُ سيفًا ذا حدين بالنسبة لتركيا، حيث يعكسُ مزيجًا معقدًا من المصالحِ الاستراتيجية والتحديات الأمنية، من جهة، يُعتبرُ الإقليمُ شريكًا اقتصاديًا مهمًا لتركيا، حيث يوفر فرصةً للتوسّع التجاري والوصول إلى موارد الطاقة، مما يعزّزُ الاعتماد الاقتصادي المتبَادل بين الطرفين.
من جهةٍ أخرى، يمثّل وجودُ حزب العمال الكردستاني (PKK) في المنطقة تحديًا أمنيًا كبيرًا، يعتمدُ الاستقرارَ في هذه العلاقة على توازنٍ حساس؛ إذ قد يؤدي أيُّ تصعيدٍ سياسيٍ أو أمنيٍ بين بغداد وأربيل، أو بين أربيل وأنقرة، إلى تعريض المصالح التركية في المنطقة للخطر، الدراسةُ تسلطُ الضوءَ على تعقيدِ هذه الديناميكية، حيث تستفيد تركيا من التعاون مع الإقليم لتحقيق مكاسبَ اقتصاديةٍ واستراتيجية، لكنها تواجهُ تحدياتٍ أمنيةً وسياسيةً مستمرةً تُهدد استدامة هذا التعاون.
ثنائية “القمعُ مقابل الاعتراف”: قراءة أحادية لواقع معقد
تُركز الدراسةُ بشكلٍ كبيرٍ على خيارين رئيسيين أمام تركيا: إما القمع المستمر للأكراد أو تبنّي الاعتراف القانوني بحقوقهم، هذا الطرحُ يبدو تبسيطيًا للمسألة الكردية، حيث يغفلُ عن إمكانية وجود سيناريوهاتٍ وسيطة قد تتبناها أنقرة، حيث يشير المقال إلى أن التغيراتِ الدستوريةَ في تركيا ضروريةٌ لمعالجةِ قضية كردستان، ويبرز التعارض بين مواد من الدستور التركي التي تؤكد على الطابعِ التركيِ للدولة، وبين حق الأكراد في الاعتراف بهويتهم الثقافية والسياسية.
فعلى سبيل المثال، يمكنُ لتركيا اتباعُ سياساتٍ تسويةٍ تدريجيةٍ مع الأكراد دون الحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية في دستورها، يمكن لهذه السياسات أن تتضمنَ تعزيزَ حقوق التعليم باللغة الكردية أو تقديمَ المزيد من الحكم المحلي دون المساس بالهوية القومية التركية، غياب مناقشة هذه الخيارات يجعلُ التحليلَ يفتقرُ إلى الشمولية، خاصةً بالنظر إلى أن الحكومة التركية غالبًا ما تعتمد تكتيكات مرنة حسب الظروف السياسية.
كما أن القضيةَ الكرديةَ ليست مجردَ نصوصٍ قانونيةٍ تحتاج إلى تعديل، بل هي متجذرة في التصور الثقافي التركي للأكراد، تم تعزيز هذا التصور عبر عقودٍ من السياسات التعليمية والإعلامية التي صورت الأكرادَ كمصدر تهديد للوحدة الوطنية، تغييرُ هذا التصورُ يتطلبُ جهدًا ثقافيًا كبيرًا يمتد إلى التعليم والإعلام والسياسات الاجتماعية، وهو ما لم تتطرق إليه الدراسة.
إغفالُ السياقِ الداخليِ التركي: مركزية القومية وتأثير المعارضة
تُركزُ الدراسةُ بشكلٍ مفرط على الديناميكيات الإقليمية ودورِ القوى الكردية خارج تركيا (مثل البيشمركة ووحدات حماية الشعب)، بينما تغفلُ عن السياق الداخلي التركي وتأثيراته على صنع القرار.
تركيا ليست دولةً أحاديةَ القرار في ملف الأكراد؛ إذ تُعتبر القوميةُ العرقيةُ عنصرًا راسخًا في السياسات التركية منذ تأسيس الجمهورية. القومية التركية ليست مجردَ خيارٍ سياسيٍ، بل جزء من الهويةِ الوطنية التي تتبناها أغلبية الشعب التركي، مما يجعلُ أيَّ محاولةٍ لتعديل الدستور أو تغيير تعريف الهوية الوطنية تواجه معارضةً شرسة من الأحزاب القومية وحتى بعض التيارات الإسلامية.، من الأمثلة البارزة على ذلك هو الدورُ المحوري لحزب الحركة القومية (MHP) في دعم الحكومة الحالية، والذي يستند في جزءٍ كبيرٍ من شعبيته إلى معارضته لأي تنازل تجاه الأكراد.
الاستراتيجيةُ الإقليميةُ: دور كردستان في توازن القوى
رغم أن الدراسةَ تشير إلى تغيٌرٍ الديناميكيات الإقليمية ودور الكيانات الكردية في العراق وسوريا، إلا أنها لم تقدمْ تحليلًا كافيًا لكيفية تأثير هذه الديناميكيات على سياساتِ تركيا الخارجية.
على سبيل المثال، تتعاملُ تركيا مع حكومة إقليم كردستان في العراق كشريكٍ اقتصاديٍ واستراتيجي، حيث تعتمدُ على أهمية النفط الموجودة في الإقليم. لكن في الوقت نفسه، تُعارض بشدة أي محاولات لتعزيزِ الاستقلال الكردي أو توسيعِ دورِ الأكراد في سوريا، هذه الازدواجية تُبرز تعقيدَ العلاقةِ التركية مع الملف الكردي وتُظهرُ أن تعاملَ أنقرة مع القضية ليس ثنائيَ الأبعاد كما تقترح الدراسة.
الديناميكياتُ الإيرانيةُ: مقارنةٌ محدودة بالموقف التركي
تشيرُ الدراسة إلى أن إيران، مثل تركيا، تتبنى سياساتٍ قمعيةً تجاه الأكراد، لكنها لم تقدمْ مقارنةً مفصلةً بين النهجين التركي والإيراني. إيران تواجه تحديات مختلفة تتعلقُ بالتعددية القومية داخل حدودها، وتشمل الأكراد، والبلوش، والعرب، وغيرهم.
على عكس تركيا، تعتمدُ إيران على سياسةِ احتواءٍ أكثر شمولية للأقلياتِ عبر استراتيجيات الترغيب والتهديد، وتستخدمُ الدين كوسيلةٍ لتوحيد المجتمع. مقارنة هذا النهج بالسياسات التركية كان يمكن أن يُثري التحليل ويقدمَ صورةً أوضح عن الاختلافات والتشابهات بين الدولتين.[2]
استشرافُ المستقبل: هل تتجهُ تركيا نحو العزلة؟
تُحذر الدراسة من أن استمرارَ تركيا في سياسات الإنكار تجاه الأكراد قد يؤدي إلى عزلةٍ دبلوماسيةٍ. ورغم وجاهة هذا الطرح، إلا أنه لا يأخذُ في الحسبان قدرةَ تركيا على المناورة السياسية.
تركيا تُدركُ أهميةَ موقعها الجيوسياسي كجسرٍ بين الشرق والغرب، وتستخدمُ هذا الموقع للضغط على المجتمع الدولي لتجاهلِ بعض سياساتها الداخلية، بما في ذلك قضية الأكراد، على سبيل المثال، تُعدُ تركيا شريكًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعضوًا رئيسيًا في الناتو، هذا يمنحها مساحة لمواجهة بعض الضغوط الدولية بخصوص حقوق الأكراد، خاصة في ظل تزايد التوترات بين القوى الكبرى في المنطقة.
فـــــي الخـــــتـــــام، رغم أن الدراسةَ تقدم نقاطًا مثيرةً للاهتمام حول أهمية كردستان في تحديدِ مستقبل الشرق الأوسط، إلا أنها تُعاني من القصور في تقديم رؤية متكاملة تشملُ الأبعادَ الداخلية والخارجية للملف الكردي، غياب التحليل العميق للسياقات الثقافية والاجتماعية، والتفاعل مع الديناميكيات السياسية التركية والإقليمية، يجعل الدراسة تبدو جزئيةً في تناولها لهذه القضية المعقدة. تحتاج مثل هذه القضايا إلى معالجةٍ متعددة الأبعاد تأخذ في الحسبان التوازنات الداخلية، والاعتبارات الإقليمية، والتفاعلات الدولية.
المصادر:
[1] Soner Cagaptay, Christina Bache Fidan, Ege Cansu Sacikara, Turkey and the KRG: An Undeclared Economic Commonwealth, Washington institute, Mar 16, 2015, Turkey and the KRG: An Undeclared Economic Commonwealth | The Washington Institute, Access Dec 21, 2024.
İdris Okuducu, Turkey’s Anti-PKK Operation and “Development Road” in Iraq Are Two Sides of the Same Coin, Washington institute, Apr 8, 2024, Turkey’s Anti-PKK Operation and “Development Road” in Iraq Are Two Sides of the Same Coin | The Washington Institute, Access Dec 21,2024.
“دوافع التقارب المرحلي بين تركيا والعراق”، مركز المستقبل، 11 يناير 2017، مركز المستقبل – دوافع التقارب المرحلي بين تركيا والعراق، الدخول 21 ديسمبر 2024.
[2] Rahim Hamid, Iran’s Ethnic Minorities Are Finding Their Own Voices—America Can Help, Washington institute, MAR 22, 2019, Iran’s Ethnic Minorities Are Finding Their Own Voices—America Can Help | The Washington Institute, Access DEC 21, 2024.