في منحىً تصعيديٍّ يضعُ المنطقةَ على حافَّةِ حربٍ إقليميةٍ مُوسَّعةٍ لن تُحْمَدَ عواقبُها، شنَّت إيران اليوم الأول من أكتوبر 2024، هجومًا بمئات الصواريخ الباليستية، طال كافَّة أنحاء إسرائيل؛ والذي وصفته طهران، بأنه الدفعة الأولى فقط من ضرباتها الصاروخية.
وفي أول تعليق على الهجوم، أكَّد الحرس الثوري الإيراني، أن الهجوم الصاروخي يأتي ردًّا على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، واصفًا إياه، بأنه “يتماشى مع القوانين الدولية والحقوق القانونية والمشروعة للدولة الإيرانية”، مُبيِّنًا أنه تمَّ تحت إشراف هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وبمساندةٍ ودعْمٍ من الجيش الإيراني ووزارة الدفاع[1].
وكذلك حذَّر بيان الحرس الثوري، إسرائيل، من أنها “ستواجه هجماتٍ قاسيةً ومدمرةً؛ في حال الرَّدِّ على هذا الهجوم، والذي جاء بعد فترة من ضبْط النَّفْس أمام انتهاك سيادة إيران باغتيال “هنية” على يد تل أبيب، أثناء تواجُده في طهران، وبناءً على حقِّ البلاد في الدفاع المشروع عن نفسها، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة”.
في المقابل؛ أكَّد الجيش الإسرائيلي، في بيانٍ له، أنه لم يعُدْ هناك تهديدٌ من إيران في الوقت الحالي، وأنه ليس هناك تقارير عن وقوع إصابات؛ جرَّاء إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، باستثناء إصابتيْن طفيفتيْن بشظايا في منطقة تل أبيب، وبعض الإصابات الطفيفة، في أنحاء أخرى من البلاد، أثناء الانتقال إلى أماكن آمنة.[2]
ويمكن قراءة الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل اليوم، من خلال إبداء بعض الملاحظات؛ أهمها:
1- التمادِي الإسرائيلي يأتي بثماره، ويُورِّطُ إيران في الحرب الدائرة حاليًا؛ حاولت طهران كثيرًا أن تنْأَى بنفسها عن أيِّ تصعيدٍ، وألا تتدخل بشكلٍ مباشرٍ في حربيْ “غزة، ولبنان”؛ خوفًا من تَبِعَات هذا الأمر عليها، خاصَّةً فيما يخُصُّ احتمالية التدخُّل الأمريكي العسكري ضدها لحماية إسرائيل، فضلًا عن رغبتها في الحصول على بعض التنازُلات مقابل صمتها هذا، خصوصًا فيما يخُصُّ الملف النووي وإحياء اتفاق 2015.
ولكن راهنت إسرائيل على استدعاء الخطر الإيراني، ونقْل الحرب من داخل غزة إلى خارجها، وهذا من خلال تجاوُز كُلِّ الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك التي التزمت بها الدولتان على مدار سنين عِدَّة؛ فاغتالت حسن نصر الله وإسماعيل هنية، وفجَّرت أجهزةَ البيجر، وقرَّرت بدْءَ عمليةٍ عسكريةٍ محدودةٍ في جنوب لبنان.
كل هذا وَضَعَ إيران في مأزقٍ صعبٍ وتحت ضغطٍ شديدٍ، أجبرها أن تدافع عن صُورتها أمام محور المقاومة، الذي ظلَّت تُشكِّلُه منذ قيام الثورة الإسلامية وحتى الآن، خاصَّةً بعد المظاهرات التي خرجت تطالب طهران بالانتقام لموْت حسن نصر الله، والاتهامات التي توجَّهت للمرشد، بأنه تخلَّى عن حلفائه؛ من أجل مصلحة بلاده، وبالتالي؛ حصلت تل أبيب على ما أرادته، وورَّطت إيران في الحرب، وبات لها كاملُ الحقِّ أن ترُدَّ كيفما تشاء تحت غطاء “مبدأ الدفاع عن النَّفْس”.
2- تمسُّك إيران بدبلوماسية الصواريخ؛ نفَّذت طهران هجومًا صاروخيًّا محسوبًا وعقلانيًّا، يحفظ ماء الوجه، وفي الوقت نفسه، لا يسبب ضررًا كبيرًا يستدعي تدخُّلًا أمريكيًّا حتميًّا ضدها، فرغم مئات الصواريخ التي أُطلقت، كانت نتائجُ الهجوم هزيلةً للغاية، كما أن معلومة الهجوم تمَّ الكشْف عنها قبْل وقوعه ببضْع ساعات، من قِبَلِ مسؤولين أمريكيين في تصريحاتٍ صحفيةٍ، وهذا أعطى إسرائيل الفرصة للاستعداد وتفعيل منظومة الدفاع “القُبَّة الحديدية”، وقد ساعد كل هذا في أن تكون نتيجة الهجوم غير مُكْلِفَةٍ لا لإسرائيل ولا لطهران.
3- خوْفٌ إيرانيٌّ واضحٌ من الرَّدِّ الإسرائيلي؛ يبدو أن إيران أقْدمت على الهجوم وهي مجبورةٌ، وتعلم أنه قد يُكلِّفُها الكثير، وهذا يتضح من بيان الحرس الثوري، وتحذير بعثتها في الأمم المتحدة، من أن أيِّ ردٍّ من إسرائيل، سيكون له عواقب وخيمة، فضلًا عن الأنباء الواردة من قِبَلِ مصادر إيرانية، بأنه تمَّ نقْل المرشد علي خامنئي إلى مكانٍ آمنٍ سِرِّيٍّ، وكل هذا يدُلُّ على خوْفٍ واضحٍ من قِبَلِ طهران، بأن تُغَامِرَ تل أبيب إلى الحدِّ الذي تكون فيه الضربة الإسرائيلية القادمة على الأراضي الإيرانية، وأن تكون عملية التصفية التالية هي اغتيال مرشد الثورة، والذي لا يُعدُّ أمرًا مُسْتَبْعَدًا في ضوْء حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي الفاضح لإيران.
4- تعقيد الوضع الأمني في المنطقة؛ قد يفتح هذا الهجوم، الباب أمام حرب استنزافٍ طويلةٍ بين إيران وأذرعها من جانبٍ، وإسرائيل من جانبٍ آخرَ، وهذا من شأنه، تهديد أمْن المنطقة ووضْع استقرارها على حافَّة الهاوية، وهذا يتضح من قرار الأردن، بإغلاق مجالها الجوي، بعد أن اخترقته الصواريخ الإيرانية أثناء مرورها به، وسقوط صاروخيْن في أراضيها، فضلًا عن أوامر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى قواته في المنطقة، بالتحرُّك إلى حماية أمْن إسرائيل، ومساعدتها في التصدِّي وإسقاط الصواريخ الإيرانية؛ ما يعني أنه قد تتورَّط أطرافٌ أُخرى في هذا التصعيد الراهن.
إجمالًا:
تشهدُ المنطقةُ اختبارًا صعبًا وتصعيدًا مُحْتَدَمًا، يُنْذِرُ بأن الأوضاع في المرحلة المقبلة قد تؤُولُ إلى مشهدٍ أكثرَ خطورةً، تتخلَّف عنه تَبِعَاتٌ كارثيةٌ، أهمها؛ إطالة أَمَدِ الحرب الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان؛ ما قد يُرْغِمُ طهران وحزب الله وحكومة نتنياهو على اتخاذ رَهَانٍ ستكون كُلُّ أطرافه خاسرة بالتأكيد.
