بعد ثلاثة أيامٍ من تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بشَّر فيها بأن خارطة الطريق لحلِّ الأزمة اليمنية جاهزة للتوقيع في أقرب وقتٍ ممكنٍ، وجَّه قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، الأحد الماضي، تهديدات وتحذيرات وانتقادات للسعودية، هي الأشدُّ لهجةً منذ إعلان الهُدْنة، في أبريل 2022، مُتهمًا الرياض بتنفيذ الأجندة الأمريكية ضد جماعته، والعمل على تجويع اليمنيين عن طريق نقل البنوك من صنعاء إلى اليمن.[1]
رافقت تهديدات الحوثي استعراضًا عسكريًّا كبيرًا لمسلحي الجماعة، بثَّتْه وسائل إعلام تابعة لها، قالت: إنه في مناطق يمنية قريبة من الحدود مع السعودية، كما نشر الإعلام الحربي للحوثيين صور إحداثيات لأبرز المطارات الموانئ السعودية، بعد تلويح زعيم الجماعة عبد الملك، بالردِّ على منشآت المملكة، واستهداف الرياض ومطارات وموانئ المملكة؛ ردًّا على ما وصفه بالتصعيد الاقتصادي ضد مطار صنعاء، ومحاولة نقل البنوك اليمنية من العاصمة صنعاء إلى عدن.
تثير تهديدات الحوثي مخاوف تتخطَّى حدود الصراع اليمني، حتى يمتد إلى خارطة السلام والوساطة الدولية، فتصاعد التوتُّر بين الحوثي والرياض يعرقل الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في اليمن، ويضع عراقيل أمام تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ويمكن فهْم الدوافع الكامنة وراء هذا التصعيد المتزامن مع خُفُوت حرب إسرائيل في غزة، وتبشير السعودية إلى قُرْب التواصُل إلى حلٍّ في اليمن، عن طريق عرْض النقاط التحليلية الآتية:
أولًا: تأتي دوافع التهديدات الحوثية ضد المملكة في هذا التوقيت كمحاولةٍ للالتفاف على الضغوط الداخلية التي تواجهها الجماعة؛ حيث يجد الحوثيون أنفسهم عاجزين عن المواجهة الاقتصادية مع الجانب الحكومي، خاصَّةً بعد قرار البنك المركزي التابع للحكومة الشرعية، بنقل المراكز الرئيسية للبنوك والمصارف بمختلف أنواعها من صنعاء إلى عدن،فتلجأ بالهروب نحو التصعيد الكلامي والسعي للابتزاز، في وقتٍ يتنامى فيه الصراع الداخلي، وتزداد الأوضاع المعيشية للسكان رداءة.
وفي حين تؤكد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا التزامها بنهْج السلام، واتفاق الهُدْنة، وبيَّنت أنها تمارس حقَّها السيادي في المعركة الاقتصادية، التي بدأها الحوثيون منذ عام 2019، بمنع تداول الطبعة الجديدة من العُمْلة، ووصولًا إلى ضرب موانئ تصدير النفط.
ثانيًا: يرى الحوثيون أنفسهم ممثلين للشرعية اليمنية منذ سيطرتهم على صنعاء في 2014، ويعتبرون المناطق التي يسيطرون عليها نواة لدولة قوية يجب أن تتوسع في المستقبل، لذا فإن الحوثي ينظر إلى نقل البنك المركزي إلى عدن، على أنه جزء من رغبة سعودية في منعهم من إقامة دولتهم الخاصة، باعتبارهم الطرف الأقوى بمعطيات أرض المعركة بين الأطراف المحلية للصراع.
ثالثًا: يطرح ذلك التصعيد تساؤلات، عمَّا إذا كان هناك علاقة بين انتخاب رئيسٍ جديدٍ في إيران، مسعود بيزشكيان، المحسوب على التيار الإصلاحي، وبين التصعيد الإيراني عبْر اليمن؟ وهل ترغب إيران في التأكيد لكُلِّ من يهمه الأمر، أن شيئًا لم يتغير فيها، وأن “الحرس الثوري”، الذي يُعتبر الحوثيون جزءًا لا يتجزأ من تركيبته، لا يزال صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كُلِّ ما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية وتوجهُّاتها؟
رابعًا: يكشف التلويح باستخدام القوة والتهديد بقصْف منشآت المملكة عن سِمَةِ تلك الجماعة المعتادة في ممارسة الابتزاز والتعنُّت والتنصُّل من أيِّ التزامات، وذلك كلما أبدت الرياض موقفًا مَرِنًا تجاه مختلف الملفات، تجعلها في نظر أنصارها منتصرةً، وتعطي انطباعًا بأن مفاوضات الرياض معها هي بمثابة مفاوضات استسلامٍ لها؛ ما يعني -بحسب منظور الحوثي- فهي تعمل على إظهار أن مفاوضاتها مع السعودية من باب مفاوضات القوي، وأن الرياض تسعى وراء السلام معها بشروطها.
خامسًا: تصريح وزير الخارجية السعودي، أن بلاده تسعى في التوقيع على الخارطة في أقرب وقتٍ، ربما يفسر مخاوفها من تنصُّل الحوثي من التزاماتها، وبالرغم من أن التوقيع قد يحْصُلُ قريبًا فعلًا، لكن أيّ تفاهم أو توافق مع تلك الجماعة قد لا يكون هو الهدف النهائي لما يجري، ولكن ما بعد ذلك هو الغاية الأهم؛ حيث إن أيَّ تفاهمات لا بُدَّ أن تُفْضِي في النهاية إلى سلامٍ حقيقيٍّ على الأرض، وهو الأمر الطبيعي والمتوقع لمثل هذا التوافق، لكن الواقع قد يكون عكس ذلك، هذه المواقف نابعة من كوْن جماعة الحوثي تطغى عليها “الصفة الميليشاوية”، ولهذا من الصعب ضمان أو تأمين جانبها في تنفيذ أية تفاهمات قد لا تُترجم على الواقع، وبالتالي ثمَّةَ شكوك حول أية تسويات قادمة، في ظل احتمالات رفضها من جهة الحوثيين.
وأخيرًا:
يبدو أن العالم – وعلى رأسه الولايات المتحدة- بدأ يدرك جيدًا مدى خطورة الحوثيين وسياسة الابتزاز التي يمارسونها على جميع الأصعدة، وفي ظل هذه التحوُّلات لا يمكن تجاهل أن أحد الأسباب الأخرى التي تدفع الحوثيين إلى التصعيد، هو احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قريبًا، وما يعنيه ذلك من مواقف أكثر تشدُّدًا تجاه إيران.
المصدر:
[1]هدد السعودية بضرب المطارات والبنوك.. عبدالملك الحوثي يُشعل جدلا وهكذا جاءت الردود، سي ان ان بالعربي، 8 يوليو، متاح على الرابط:https://shorturl.at/o75kU
