المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات التركية > قراءة تحليلية لتقرير بعنوان: Strategic Cooperation in Turkey-Egypt Relations
قراءة تحليلية لتقرير بعنوان: Strategic Cooperation in Turkey-Egypt Relations
- نوفمبر 2, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات التركية
لا توجد تعليقات

إعداد/ أماني السروجي
باحث في برنامج دراسات الدول التركية
تتمتع العلاقات المصرية–التركية بأهمية استراتيجية واضحة في السياق الإقليمي الحالي، حيث يعكس التعاون بين البلدين سعيهما لتنسيق السياسات والاستفادة من المصالح المشتركة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد، ويظهر هذا التعاون بشكل خاص في معالجة القضايا الإقليمية الحساسة مثل غزة، ليبيا، والسودان، ما يعكس إدراك كل طرف لأهمية الاستفادة من آليات التعاون الثنائية لتوسيع نطاق تأثيره وتعزيز موقفه الإقليمي.
كما يبرز في العلاقة بين القاهرة وأنقرة توجه نحو بناء شراكات مستدامة في المجالات الاقتصادية والدفاعية، ما يسمح للطرفين بتطوير القدرات المشتركة وتقليل الاعتماد على الأطراف الخارجية في الصناعات العسكرية والتكنولوجية، ويتضح من هذا النهج اعتماد آليات مؤسسية للتنسيق بين البلدين، تسعى إلى دمج البعد السياسي مع الاقتصادي والعسكري، بما يعزز القدرة على التأثير في موازين القوة الإقليمية ويعكس الطابع العملي لشراكة قائمة على مصالح مشتركة واضحة.
وفي هذا الإطار صدر تقرير عن مجلة Politics Today بعنوان “Defense Industry: Strategic Cooperation in Turkey–Egypt Relations” للكاتب إسماعيل نعمان تيلجي، والذي يقرأ تطوّر العلاقات المصرية–التركية خلال 2024–2025 باعتبارها انتقالاً من «تقارب دبلوماسي» إلى شراكة استراتيجية تُشمل السياسة الخارجية والاقتصاد والصناعة الدفاعية، مع إبراز الدور الرمزي والعملي الذي لعبته قضية غزة في تقارب المواقف في مرحلة ما قبل وقف إطلاق النار.
كما يُبرز التقرير كيف أن أنقرة والقاهرة تعملان على تعزيز الثقة المتبادلة من خلال مشاريع دفاعية مشتركة، مثل برنامج المقاتلة التركية من الجيل الخامس KAAN، ويحلّل كيفية استخدام هذا التعاون لتقليل الاعتماد على القوى الغربية، وتعزيز موقعهما كفاعلين إقليميين قادرين على إعادة رسم توازنات القوة في الشرق الأوسط.
أولاً: التقارب السياسي من “المصالحة الدبلوماسية” إلى “تنسيق المواقف”
يرى إسماعيل نعمان أن التقارب بين القاهرة وأنقرة لم يعد مقتصرًا على استعادة التمثيل الدبلوماسي، بل تجاوزه إلى تنسيق سياسي واضح في القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الحرب في غزة، فقد شكّلت زيارات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى القاهرة – والتي تكررت ثلاث مرات خلال عام واحد – مؤشرًا على رغبة تركيا في ترسيخ مسار دائم للعلاقات، كما عكست اللقاءات بينه وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط انتقال العلاقة إلى مرحلة “التشاور الاستراتيجي” حول الملفات الإقليمية الحساسة.
ويشير التقرير إلى أن الملف الفلسطيني شكّل المحرك الرئيسي لهذا التنسيق، إذ تبنّت الدولتان خطابًا مشتركًا في إدانة الهجمات الإسرائيلية ورفض تهجير سكان غزة إلى الأراضي المصرية، ويكشف الكاتب أن الموقف المناهض لإسرائيل في تصريحات وزيري الخارجية لدى البلدين يعكس تبنّي أنقرة والقاهرة سياسة مشتركة بشأن القضية الفلسطينية، حيث برز الطرفان كفاعلين رئيسيين في حماية حقوق الفلسطينيين في وقتٍ ظلت فيه دول الخليج غير متجاوبة نسبيًا، وقدمت الولايات المتحدة دعمها الكامل لإسرائيل.
كما يوضح أن الموقف التركي من هذه القضية يرتبط برؤية أوسع تسعى من خلالها أنقرة إلى ردع إسرائيل عبر تعزيز تعاونها مع الدول العربية والإسلامية الأخرى، بما يرسّخ صورتها كقوة إقليمية ذات التزام مبدئي تجاه القضايا الإنسانية، ويُعد خطاب الرئيس أردوغان الرافض للسياسات الإسرائيلية تعبيرًا صريحًا عن هذا التوجه.
أما بالنسبة لمصر، فيشير تيلجي إلى أنها واجهت ضغوطًا متزايدة من الرأي العام المحلي والإقليمي للاضطلاع بدور أكثر فاعلية في القضية الفلسطينية، خاصة في وقت تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، بالإضافة إلى تحديات إضافية نتيجة الخطة إسرائيلية – المدعومة من الإدارة الأمريكية – والتي هدفت إلى تهجير سكان القطاع إلى الأراضي المصرية، وهو ما فرض عليها موازنة دقيقة بين رفض تلك السياسات والحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع واشنطن ودول الخليج، وفي ضوء هذه المعادلة، سعَت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بناء جبهة إقليمية أكثر تماسكًا تجاه إسرائيل، بالتنسيق مع تركيا، بما يعزّز دور البلدين في إدارة التوازنات الإقليمية.
ثانيًا: من التكامل الاقتصادي إلى الشراكة الصناعية الدفاعية
يشير التقرير أن التقارب بين البلدين لم يقتصر على الجانب السياسي، بل تجسّد في خطوات اقتصادية متسارعة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 8.8 مليارات دولار في 2024، وهو أعلى رقم في تاريخ العلاقات، مع وجود خطة لرفعه إلى 15 مليارًا في المدى القريب، ولا تقتصر أهمية هذه الزيادة على بعدها الكمي، بل تعبّر أيضًا عن انتقال العلاقة من نمط التبادل التجاري التقليدي إلى صيغة أكثر إنتاجية تتضمن شراكات في قطاعات الطاقة والنقل، وصولًا إلى مجال الصناعات الدفاعية.
ويُبرز الكاتب أن التعاون في مجال الصناعات الدفاعية يُعدّ أحد الأبعاد النوعية التي تميّز المرحلة الراهنة من العلاقات، فمصر، على الرغم من امتلاكها أحد أكبر الجيوش في العالم، لا تمتلك مستوىً مماثلًا في قدراتها التقنية الدفاعية أو في منظومة التصنيع العسكري. ويُرجع التقرير ذلك إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، منها القيود الاقتصادية، وتحديات التحديث الصناعي، فضلًا عن القيود المفروضة على استيراد التقنيات المتقدمة نتيجة الخلافات السياسية الخارجية.
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن الخلافات السياسية بين الحين والآخر مع واشنطن تسببت في طرح تساؤلات حول مدى موثوقية الولايات المتحدة كشريك عسكري لمصر، وقد برزت هذه الإشكالية مجددًا في مارس 2025 عندما أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب نيتها تقليص المساعدات العسكرية لمصر ابتداءً من عام 2026، على خلفية معارضة القاهرة لخطة تهجير سكان غزة إلى الأراضي المصرية.
وفي هذه المرحلة ، أصبحت إمكانية التعاون الاستراتيجي بين مصر وتركيا في مجال الصناعات الدفاعية أكثر وضوحًا، واتخذ هذا التوجه طابعًا أكثر وضوحًا مع إحراز تقدم في فكرة التعاون المشترك لإنتاج واستخدام الطائرة المقاتلة التركية من الجيل الخامس KAAN.
ثالثًا: مشروع “KAAN” كرمز للتعاون الدفاعي
يشكّل برنامج المقاتلة التركية KAAN أحد أبرز مظاهر الشراكة الدفاعية الناشئة بين مصر وتركيا، إذ يعكس انتقال العلاقة بين البلدين من مستوى التنسيق السياسي إلى بناء تعاون صناعي–تكنولوجي متقدم.
يوضح إسماعيل تيلجي أن الرئيس السيسي طرح خلال زيارته لأنقرة عام 2024 فكرة التعاون في إنتاج الطائرة، في خطوة تعبّر عن توجه مصري نحو تنويع مصادر التسليح والانفتاح على الشراكات الإقليمية ذات الطابع الإنتاجي، وتبع ذلك زيارة رئيس أركان الجيش الفريق أحمد خليفة إلى تركيا في مايو 2025، حيث اطّلع على مشروعات الصناعات الدفاعية التركية ومجالات نقل التكنولوجيا الممكنة.
كما يشير إلى وجود احتمال لتوقيع اتفاق رسمي بشأن التعاون في الإنتاج المشترك للطائرة قبل نهاية عام 2025، وهو ما قد يمهّد لتأسيس قاعدة صناعية دفاعية مشتركة تتيح للطرفين تطوير منظومات تصنيع متكاملة، تتوزع فيها مراحل التصميم والإنتاج بين القاهرة وأنقرة.
ولا يقتصر هذا التعاون على تبادل المعرفة التقنية، بل يتضمن بعدًا استراتيجيًا يتمثل في بناء شبكات تصنيع إقليمية مستقلة عن المنظومة الغربية، بما يسهم في تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وتعزيز قدرات الردع الإقليمي للطرفين.
أما من منظور تركي، فيمثل المشروع فرصة لتأكيد الريادة الدفاعية لأنقرة ، خاصة بعد نجاحها في تصدير الطائرات المسيّرة مثل Bayraktar TB2 وAkinci، إضافة إلى المركبات البرية والبحرية غير المأهولة، وتطمح تركيا من خلال مشروع KAAN لأن تكون رابع دولة في العالم تنتج مقاتلة من الجيل الخامس بقدرات وطنية كاملة، بما يرسخ مكانتها كقوة صناعية وعسكرية صاعدة في الإقليم.
تقدّم هذه التطورات أن التعاون الصناعي–الدفاعي بين تركيا ومصر يتجاوز الإطار الثنائي ليُحدث تحولات ملموسة في بنية التوازنات الإقليمية. ويمكن رصد أبرز هذه الانعكاسات في ثلاثة محاور رئيسية:
إعادة تشكيل توازنات القوة في الشرق الأوسط
يشير التعاون الدفاعي إلى احتمال تشكّل محور مصري–تركي جديد قادر على موازنة النفوذ الإسرائيلي وإعادة توزيع أوزان القوى في الإقليم، لا سيّما في ظل تراجع فعالية الأطر الأمنية العربية التقليدية بعد حرب غزة، ويُمكن لمشروعات التصنيع العسكري المشترك، وفي مقدمتها مشروع KAAN، أن تضع الأساس لبناء قدرة ردع إقليمية مستقلة تُعزّز المكانة الاستراتيجية للطرفين.
تعميق مفهوم الاستقلال الاستراتيجي
يعكس التعاون الدفاعي سعي القاهرة وأنقرة إلى تقليل الاعتماد على الموردين الغربيين، الذين يربطون الدعم العسكري بشروط سياسية، فمصر تحاول تجاوز القيود المرتبطة بالمساعدات الأمريكية، بينما تواصل تركيا نهج تنويع الشركاء وتوطين التكنولوجيا الدفاعية، ومن ثم، يشكّل هذا التعاون أداة لتعزيز القرار السيادي وتوسيع هامش المناورة أمام الضغوط الدولية.
توظيف الصناعات الدفاعية كأداة نفوذ ناعم
أضحت الصناعات الدفاعية وسيلة لإبراز القوة الناعمة للدولتين؛ إذ تسعى تركيا لتصدير نموذجها الصناعي كرمز للسيادة التكنولوجية، بينما ترى مصر في التعاون مع أنقرة فرصة لتأكيد قدرتها على التحديث العسكري من داخل الإقليم لا عبر الاستيراد الخارجي. ويسهم هذا المسار في ترسيخ صورة البلدين كقوتين إقليميتين فاعلتين قادرتين على صياغة معادلات أمن جديدة انطلاقًا من المبادرات الذاتية لا من الوصاية الدولية.
رابعًا: الدلالات الإقليمية للتعاون الدفاعي المصري–التركي
يشير الكاتب إلى أن التعاون بين تركيا ومصر في الصناعات الدفاعية قد يمهّد الطريق لعهد جديد من التحالفات الإقليمية، ويعزز وجود إرادة سياسية رادعة تجاه إسرائيل، التي تُعدّ مصدر تهديد للعديد من الفاعلين في المنطقة. وتوضح المقالة أن المجازر الإسرائيلية في غزة، وأعمال العنف ضد الفلسطينيين، والسياسات العدوانية في سوريا، أثارت ردود فعل على المستويين الإقليمي والدولي، ما دفع إلى مبادرات لتعزيز الضغط الدولي على تل أبيب لتغيير سياساتها.
ويشير التقرير كذلك إلى أن تركيا سعت، بدعم من مصر وعدد من الدول مثل السعودية والإمارات وقطر وباكستان وإسبانيا، إلى اتخاذ إجراءات رادعة أكثر تجاه إسرائيل. كما يشير إلى أن تطوير مشاريع مثل الطائرة المقاتلة من الجيل الخامس KAAN وأنظمة الدفاع الجوي SİPER يمثل جزءًا من استراتيجية أنقرة لمنع إسرائيل من تكوين تهديد مباشر مستقبلي، وتعزيز القدرة على الردع الإقليمي.
الخاتمة
في ضوء ماسبق يمكن القول إن مسار التقارب بين مصر وتركيا لم يعد مجرد خطوة تكتيكية لتحسين العلاقات، بل هو جزء من إعادة هيكلة للنظام الأمني الإقليمي، حيث تُستخدم الصناعات الدفاعية كأداة لإعادة توزيع النفوذ وبناء الاستقلال الاستراتيجي.
مشروع “KAAN” في هذا السياق ليس مجرد برنامج طائرات، بل رمز لولادة شراكة جيوصناعية عربية–تركية جديدة تسعى لتأسيس بيئة أمنية متوازنة ومتحرّرة من الاعتماد الخارجي، غير أن نجاح هذا المسار سيظل رهناً بقدرة الطرفين على تجاوز القيود السياسية والاقتصادية، وتحويل التفاهمات الخطابية إلى اتفاقات تنفيذية واقعية.
المصادر
- Ismail Numan Telci, Defense Industry: Strategic Cooperation in Turkey-Egypt Relations, politics today , 25 September 2025. https://politicstoday.org