المقالات
قراءة حول تنامي الدور الأوكراني في الحرب السودانية
- أبريل 18, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
بدأت الحرب السودانية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع باجتذاب لاعبين دوليين جدد يبحثون عن أرض لتصفية حساباتهم في السودان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لا سيما بعد التقارير التي تشير إلى مشاركة القوات الأوكرانية في الحرب السودانية وتوسيعها نطاق القتال ضد روسيا خارج حدودها، في وقت يشتد فيه الاستقطاب الدولي والإقليمي وصراع المحاور والموارد، مما قد يدفع بحرب السودان إلى مسارات أوسع نطاقاً في وسط محيط إقليمي هش وممتلئ بالنزاعات.
انخراط أوكراني في الحرب السودانية
نشرت صحيفة ” وول ستريت جورنال الأمريكية” أن قوات أوكرانية خاصة تقوم بتدريب عناصر في الجيش السوداني على بعض التكتيكات القتالية التي مكنتهم من صد تقدم القوات الروسية في ساحة الحرب الأوكرانية، مثل استخدام الطائرات غير المأهولة المتفجرة التي تنفجر عند إصابة الهدف، بالإضافة إلى تزويدهم بطائرات غير مأهولة تركية متطورة من طراز “بيرقدار تي بي 2″ والتى تمتلك القدرة على شن ضربات جوية دقيقة، وأشارت الصحيفة ذاتها أن قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، عندما وجد نفسه محاصراً من قبل قوات المتمردين في عاصمة البلاد، الصيف الماضي، اتصل بحليف غير متوقع للمساعدة، هو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي السياق ذاته ذكرت الصحيفة بأن أول المهام التى تسلمتها القوات الأوكرانية في السودان كانت المساعدة في إخراج البرهان من الخرطوم، حيث حاصرته قوات الدعم السريع وبعد وقت قصير من وصولهم، توجه البرهان في قافلة إلى المجمع الواقع خارج العاصمة، حيث كان مقر الأوكرانيين وعقب ذلك توجه إلى مدينة بورتسودان الواقعة على البحر الأحمر، والتي لا تزال خاضعة لسيطرة قواته ثم التقى مع زيلينسكي في مطار شانون الآيرلندي بعد بضعة أسابيع، وكان من ضمن مهام القوات الأوكرانية في السودن قطع إمدادات قوات الدعم السريع عن العاصمة الخرطوم عبر مهاجمة الطرق الرابطة بينها وبين المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في غرب السودان بواسطة طائرات غير مأهولة إلى جانب زرع الألغام على طول طرق الإمداد.
كما ذكرت تقرير لصحيفة ” ذا غارديان” البريطانية أن معلومات ومقاطع فيديو أفادت أن قوات خاصة أوكرانية تعمل في السودان لدعم جيش البلاد ضد مرتزقة فاغنر الروس المتحالفين مع قوات الدعم السريع، ونشرت صحيفة ” الإيكونوميست” مقطع فيديو لعملية تحقيق ميدانية يجريها ضابط من القوات الخاصة الأوكرانية مع عناصر من مجموعة فاغنر الروسية، أحدهم روسي الجنسية، داخل السودان الأمر الذي يشير إلى جذب حرب السودان صراعات دولية وأن أوكرانيا تعمل على توسيع نطاق روسيا إلى ما هو أبعد من حدودها.
دلالات التقارب بين الجيش السوداني وأوكرانيا
منذ بدء الحرب السودانية في منتصف إبريل 2023م وهناك دعم أوكراني للجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع وعليه سوف نتناول أشكال الدعم الأوكراني للجيش السوداني فيما يلي:
تقديم أوكرانيا الدعم العسكري الفني لسلاح الجو السوداني: في 19 أغسطس 2023م قام وفد عسكري أوكراني بزيارة قاعدة وادي سيدنا العسكرية في مدينة أم درمان من أجل إجراء أعمال الصيانة الضرورية لمقاتلات سلاح الجو السوداني، الأمر الذي فسره العديد من المراقبين باهتمام أوكرانيا بتقديم الدعم العسكري للجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع التي لا تمتلك أي طائرات وإنما تمتلك أسلحة ودبابات.
انخراط المسيرات الأوكرانية في الحرب السودانية: أشارت تقارير أمريكية في 20 سبتمبر 2023م إلى أن الأجهزة الخاصة الأوكرانية من المحتمل أن تكون وراء سلسلة من الهجمات التي استهدفت قوات الدعم السريع، فقد نقلت شبكة ” سي إن إن” الأمريكية تصريحات لقادة عسكريين أوكرانيين تُفيد بأن عملية الاستهداف كانت عملًا غير سوداني الأمر الذي يشير إلى انخراط أوكرانيا في الحرب السودانية، وأشارت القناة الأمريكية إلى أنها على الرغم من عدم تأكدها بشكل مستقل من تورط أوكرانيا في سلسلة الضربات، لكن لقطات الفيديو كشفت أن هجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت قوات الدعم السريع في أم درمان وما حولها كانت على النمط الأوكراني المتبع مع روسيا، حيث كانت هذه المسيرات تنقض مباشرة على هدفها، وهو تكتيك قتالي غير معهود في السودان وأفريقيا، الأمر الذي يوضح أن أوكرانيا قدمت مساعدة للجيش السوداني في تكتيك التعامل مع قوات الدعم السريع.
الدعم السياسي المتبادل بين أوكرانيا والجيش السوداني في المحافل الدولية: عبرت أوكرانيا في أكثر من مناسبة عن دعمها لقوات الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع، كما عبر السودان في مناسبات عديدة عن دعمه للموقف الأوكراني وخاصة عند التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تدين الحرب الروسية ضد أوكرانيا الأمر الذي يبرهن تقارب وجهات النظر بين الجانبين.
دوافع الانخراط الأوكراني في الحرب السودانية
توسيع أوكرانيا نطاق الحرب ليشمل الساحة السودانية: تشير التحركات وزيارات الوفود العسكرية الأوكرانية إلى السودان إلى رغبة أوكرانيا في توسيع نطاق الحرب لتشمل الساحة السودانية، وذلك بغرض تشتيت الجهد الروسي في الحرب على جبهات عديدة، حيث تدور الحرب الروسية بشكل أكبر على الساحة الأوكرانية ما يمنحها نطاقاً أقل في الرد العسكري، ويبدو أن أوكرانيا ترغب في توسيع نطاق ردها العسكري على الضربات الروسية كي لا يشمل الأراضي الروسية فقط وإنما الرد العسكري في مناطق وساحات أخرى.
استهداف تحالف فاجنر والدعم السريع في السودان: ففي الوقت الذي تسعى فيه أوكرانيا للرد على عمليات فاجنر داخل الأراضي الأوكرانية فإن الجيش السوداني يعمل على طرد فاجنر من السودان باعتبار أن قوات الدعم السريع تعتمد بشكل كبير على دعم هذه المجموعة العسكرية في السودان، وفي الوقت نفسه تعتبر كييف أن موسكو تعتمد على الدعم المالي المقدم من قوات الدعم السريع ونشاط فاجنر في استخراج وتجارة الذهب في السودان وترغب في قطع هذه الإمدادات عن موسكو، ومن ثمّ يبدو أن هذا التنسيق العسكري بين أوكرانيا والجيش السوداني يستهدف نشاط وعمليات فاجنر ومحاصرة وجودها في السودان.
رد الجميل السوداني: عقب اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022 قدم البرهان دعمًا عسكريًا لكييف الأمر الذي دفع الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى الاستجابة لنداء البرهان عقب أسابيع قليلة من مكالمة هاتفية بينه وبين الأخير، وذلك عبر إرسال قوات الكوماندوز الأوكرانية إلى السودان في منتصف أغسطس 2023، لدعم قوات الجيش السوداني في وقف تقدم قوات الدعم السريع في الخرطوم، والتي ضمت نحو 100 جندي، معظمهم من وحدة “تيمور” التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كما زودت القوات الأوكرانية قوات الجيش السوداني ببنادق «إيه كيه إم» المزودة بكواتم الصوت الجديدة.
غناء السودان بالموارد الطبيعية: تتمتع السودان بمقومات جذب لأوكرانيا فيتواجد بها الذهب والأسلحة ففي عهد الرئيس المعزول عمر البشير تحولت الساحة السودانية إلى سوق متنام من الأسلحة مع النشاط الواسع للحركات المسلحة، وتعدد مناطق الصراع الداخلي، خاصة المنطقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا وإريتريا التي تُعد مركزًا تاريخيًا رئيسيًا لتجارة السلاح، لا سيما منطقة سهل البطانة، الممتدة من شرق السودان حتى العاصمة الخرطوم، وتمر بولايات كسلا والقضارف والجزيرة ونهر النيل، وتُعد ممرًا حيويًا لتهريب الأسلحة، وفي إطار ذلك أصبح سوق السلاح السوداني محل اهتمام أوكراني خاصة في ظل احتياج كييف إلى كافة أنماط الأسلحة مما دفعها إلى البحث عن مناطق الصراع التى تتنامي فيها تجارة السلاح بكافة أشكالها مما دفع كييف لتنمية آفاق التعاون مع السودان.
كما يشكل الذهب السوداني عامل جذب للجانب الأوكراني في الانخراط في الحرب السودانية وذلك لأن السيطرة على الذهب السوداني تعني الحصول على مصدر تمويل مهم ورئيسي لأنشطة القوى الدولية المسيطرة عليه حيث تنتج السودان ما يزيد عن 100 طن سنويًا من الذهب وتعتبر الخرطوم من أهم منتجي الذهب في أفريقيا حيث تملك احتياطات من الذهب تصل إلى 1550 طنًا ويتم تقاسم عائدات الذهب بين الحكومة السودانية بقيادة البرهان وحميدتي نحو خمس شركات أو أكثر تعمل في مجال التنقيب عن الذهب، وبالتالي أصبحت السودان إحدى مناطق الاستقطاب والتنافس الروسي الأوكراني التى تعكس رغبة أوكرانيا في الرد على روسيا ومنافستها في مناطق نفوذها.
ختامًا
يشير التقارب بين أوكرانيا وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان إلى تنسيق وتعاون عسكري وسياسي متنامٍ في مواجهة السياسة الروسية، ويبدو أن هناك ثمة تفاهمات مشتركة بين قائدي البلدين تتمثل حول ضرورة الرد على هذه السياسة من خلال التعاون العسكري لتوجيه ضربات عسكرية لكل من فاجنر التي يقاتل عناصرها في أوكرانيا وتنخرط في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع في السودان، حيث يحقق هذا التنسيق العسكري أهداف ومصلحة الجيش السوداني والأوكراني في مواجهة خصم مشترك على الساحة السودانية، الأمر الذي يشير إلى احتمالية تنامي الدعم العسكري الأوكراني في السودان خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يدفع إلى زيادة الدعم الروسي لفاجنر وقوات الدعم السريع في السودان مما يشير إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية قد انتقلت بالفعل إلى الساحة الأفريقية من بوابة السودان.