إعداد: شيماء عبد الحميد
في مسعى جديدٍ، بشأن عودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، ووسط زخمٍ وحراكٍ عربيٍّ واسعٍ، تجاه تطبيع العلاقات السورية العربية، استضافت مدينة جدة السعودية، يوم 14 أبريل الجاري، اجتماعًا تشاوريًّا؛ لبحث مسألة عودة دمشق إلى الجامعة العربية، بعد أكثر من عقْد على تعليق عضويتها في 2011، وقد عُقد الاجتماع بدعوة من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، وبمشاركة ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب مصر والعراق والأردن.
البيان الختامي للاجتماع
أصدرت وزارة الخارجية السعودية بختام الاجتماع التشاوري، في فجر 15 أبريل، بيانًا مشتركًا، عبَّرت فيه عن رؤية الدول المشاركة، تجاه ملف الأزمة السورية، وفيما يلي أبرز ما جاء في البيان بهذا الشأن:
– ضرورة إنهاء أزمة اللاجئين؛ اتفق الوزراء على أهمية حلِّ الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات، التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
– إنهاء وجود الميليشيات المسلحة والتدخلات الخارجية؛ أكدت وفود الدول المشاركة في الاجتماع على أهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وأهمية قيام مؤسسات الدولة، بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها؛ لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
– التمسك بالحل السياسي للأزمة؛ أكد الوزراء على ضرورة التوصل إلى حلٍّ سياسيٍّ للأزمة السورية؛ لأنه السبيل الوحيد لحل الأزمة، والذي من شأنه أن ينهي كافة تداعياتها، ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، كما أكدوا على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية، بما يكفل نجاح هذه الجهود.
قراءة في دلالات الاجتماع
بالنظر إلى السياق الإقليمي والحراك المتزامن مع انعقاده، يكْمُن في اجتماع جدة التشاوري، عدة دلالات بشأن الموقف العربي من دمشق؛ من بينها:
– مقدمة لعودة سوريا المحتملة في قمة مايو المقبل؛ يُعقد اجتماع جدة، قبل نحو شهر من انعقاد القمة العربية في السعودية، وبالتزامن مع الزيارات المكوكية، التي قام بها وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، لعددٍ من العواصم العربية، ومن قبلها التقارُب والحراك الدبلوماسي، الذي شهدته الساحة السورية، في أعقاب زلزال 6 فبراير الماضي، والذي أسهم في تليين المواقف العربية من النظام السوري؛ حيث بات عدد الدول العربية الممانعة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، أقل من أيِّ وقتٍ مضى.
وفي ظل تشكُّل إرادة سياسية عربية لتطبيع العلاقات مع سوريا، قد يكون اجتماع جدة اللقاء الفاصل بشأن القرار العربي، حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وحضورها القمة العربية المقبلة في الرياض.
– استدارة سعودية نحو سوريا؛ يعبر الاجتماع عن مواصلة السعودية لجهودها لعودة سوريا إلى محيطها العربي، خاصَّةً أنه يأتي بعد يوميْن فقط من زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى السعودية للمرة الأولى، منذ بداية الأزمة في سوريا، وانقطاع العلاقات بين البلديْن، والتي تُعدُّ أحدث مؤشر على انخفاض حِدَّة التوتُّرات بين الرياض ودمشق؛ حيث تم الاتفاق خلالها، على بدْء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلديْن.
ويمكن تفسير هذه الاستدارة، برغبة المملكة في تخفيف التوتُّر في المنطقة، وتهدئة حالات الاستفزاز والتوتر بين إسرائيل من جهة، وإيران وميليشياتها من جهة أخرى، على الأرض السورية، والتي إذا استمرت فقد تؤدي إلى حدوث اشتباكات موسعة، قد تتحول لحرب إقليمية، ليست في مصلحة المنطقة، وذلك عن طريق استعادة الأمن في سوريا، وإخراج القوات الأجنبية والميليشيات منها، فضلًا عن رغبة الرياض في إنهاء أزمة الداخل السوري، والإسهام في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتعزيز الجهود القائمة لمكافحة الإرهاب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن سوريا والدول العربية، ووقف عمليات تهريب المخدرات والاتجار بها.
– الارتباط بالانفراجة في العلاقات «السعودية – الإيرانية»؛ حيث يصْعُبُ فصْل الجهود الدبلوماسية تجاه النظام السوري عن التقارُب الحاصل بين طهران والرياض، اللتين أعلنتا في 10 مارس الماضي، التوصُّل إلى اتفاقٍ بينهما؛ لاسئناف العلاقات الدبلوماسية، برعاية صينية، وذلك على اعتبار أن إيران حليف رئيسي لـ«بشار الأسد»، ولها نفوذ محوري في دمشق، وبالتالي عودة العلاقات بين الرياض وطهران، أعطت دفعة للزَّخَم السعودي تجاه سوريا.
– القرار يرتهن للبادرة السورية؛ أبدت الدول العربية – على رأسها؛ السعودية والإمارات ومصر- حسن النية، بشأن عودة العلاقات مع سوريا إلى مسارها الطبيعي، ولكن لم يُتخذ قرار استئناف عضويتها في الجامعة العربية إلى الآن؛ حتى يستجيب الجانب السوري لمطالبهم، والتي يأتي في مقدمتها؛ احتواء المعارضة السورية السلمية، وتسهيل إجراء انتخابات شفَّافة، وعودة اللاجئين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لجميع الأراضي السورية، خصوصًا تلك التي يسيطر عليها النظام.
– لا إجماع عربي لعودة سوريا؛ رغم أنه كان يُنتظر أن ينتهي اجتماع جدة التشاوري، بإعلان عودة سوريا للجامعة وحضورها القمة العربية المقبلة، إلى أن البيان الختامي للاجتماع، لم ينص على ذلك، وهذا يرجع إلى وجود دول عربية، رافضة لتطبيع العلاقات مع «بشار الأسد»، وعلى رأسها؛ قطر والمغرب.
حيث أكد رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلةٍ تليفزيونية، عشية الاجتماع، أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مجرد تكهنات، وأنه لا يوجد شيء مطروح حتى الآن، مشددًا أن أسباب تعليق عضوية سوريا ومقاطعة النظام السوري، لا تزال قائمة بالنسبة لقطر، وبالتالي فهي تتمسك بموقفها حتى يتم التوصل لحل سياسي يُنْهي الأزمة السورية.
ومن جانبه؛ يرهن المغرب علاقاته مع النظام السوري باعتباريْن أساسييْن؛ الأول: مرتبط بالقضايا الإنسانية، فقد سبق للمغرب أن وضَّح موقفه، بأن الانتهاكات التي يرتكبها النظام تجعل من الصعوبة أن يبادر إلى المصالحة، وتشجيع عودة سوريا للحضن العربي، والثاني: يرتبط بموقف إيران والنظام السوري من قضية الصحراء؛ حيث لن يغير المغرب موقفه إذا ما رجعت سوريا عن مواقفها، وخرجت عن المحور «الجزائري – الإيراني»، الذي بدأ يتشكل في شمال أفريقيا.
إجمالًا:
يُعدُّ الاجتماع التشاوري الذي استضافته السعودية خطوة جديدة في مسار عودة العلاقات العربية السورية إلى مسارها الطبيعي، ودليل واضح على رغبة المملكة في قيادة جهود تسوية الأزمة السورية، ولكن مدى جدوى الاجتماع وتأثيره يرتهن بالأساس إلى إمكانية تغيير مواقف الدول العربية الرافضة لتطبيع مع «بشار الأسد»، وإلى مدى تلبية سوريا للمطالب العربية، وهو ما سيحكم إمكانية دعوة سوريا لحضور القمة المقبلة أم لا.