المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > قراءة في الحرب “الروسية – الأوكرانية” ومستقبل اتفاقية السلام
قراءة في الحرب “الروسية – الأوكرانية” ومستقبل اتفاقية السلام
- نوفمبر 3, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: عبد الرحمن أنور
باحث في وحدة الشؤون الدولية
شهد أكتوبر من العام الجاري، تطورات متناقضة بين السعي تجاه إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية ودعم أوكرانيا عسكريًّا، وجاءت على رأس المساعي لإنهاء الحرب مكالمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة للقاء الإيجابي بين “ترامب، وزيلينسكي” في البيت الأبيض، ومكالمة وزير خارجية روسيا لافروف ونظيره الأمريكي ماركو روبيو، وإرسال بوتين مبعوثة الخاص كيريل دميترييف إلى أمريكا لبحْث إنهاء الحرب مع نظرائه الأمريكان، علاوةً على تكثيف الناتو دعمه لأوكرانيا عسكريًّا، وتهديد الاتحاد الأوروبي بتكثيف دعم أوكرانيا بشتَّى الوسائل. وقد أفضت مكالمة بوتين وترامب إلى اتفق بعقْد قمة بينهما في العاصمة المجرية “بودابست”، ولكن أخذت هذه التطورات منحنى منخفض بعد إعلان ترامب إلغاء اللقاء؛ بسبب توقُّعه بأن لا يصلوا إلى نتيجة إيجابية.
وفي ضوء ذلك نستعرض آخر تطورات الحرب “الروسية –الأوكرانية” ومستقبل السلام بين الدولتين.
أولًا: حلول ترامب لإنهاء الحرب
الحلول الفردية:
يعتمد ترامب في سعيه لإنهاء الحرب منذ انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة على قدراته الشخصية وعلاقته بالرئيس الروسي بوتين، وقد بدت توقٌّعاته في حملته الانتخابية مرتفعة إزاء الأزمة، فقد كان دائمًا يردد أنه قادر على إنهاء الحرب خلال أيام، وهو ما ثبت استحالته عندما اصطدم بالواقع الميداني المغاير؛ فروسيا ترغب في إنهاء الحرب على أساس الواقع الميداني مع تعهُّدات بعدم سعي أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو، ومنع تزويدها بأسلحة الناتو المتطورة، خاصَّةً الصواريخ بعيدة المدى، والتخلِّي عن فكرة وجود ضمانات أمنية لإنهاء الحرب، بنشْر قوات حفظ سلام أو قوات أمريكية في مناطق النزاع الحالية؛ حيث تراهم روسيا سواء.
وعلى الجانب الآخر، تريد أوكرانيا استعادة أراضيها التي تسيطر عليها روسيا، وإنهاء الحرب مع وجود ضمانات أمنية لإلزام موسكو بالاتفاق الذي سيُفضي لإنهاء الحرب.
يجد ترامب نفسه في مأزق بين طرفين عنيدين وواقع مأزوم، كما يرفض ترامب فكرة وجود ضمانات أمنية؛ لأن ذلك سيعني التزامها بمجابهة روسيا، في حال خرق الاتفاق، وبالرغم من ذلك يواصل ترامب جهوده للتوصُّل لحل لإنهاء الحرب، وقد كان من المقرر أن تعقد قمة بالعاصمة المجرية “بودابست”، إلا أنها لغيت في اللحظات الأخيرة.
عقوبات اقتصادية:
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في 22 أكتوبر 2025، عقوبات على شركة روسنفت Rosneft Oil Company وشركة لوك أويلLukoil OAO الروسيتين، وقالت الوزارة: إن تلك العقوبات جاءت نتيجة عدم التزام روسيا باتخاذ خطوات إيجابية تجاه عملية السلام، وستواصل الولايات المتحدة الضغط من أجل السلام حتى تتفاوض روسيا لإنهاء الحرب. وقد صرَّحَ ترامب، بأنه سيضغط على الدول التي تستورد مواردها من الطاقة من روسيا، خاصة الصين والهند. وقد حثَّ الرئيس الأوكراني نظيرة الأمريكي بالضغط على الرئيس الصيني شي جين بينغ لتقليص دعمه لروسيا، ولكن احتمالية حدوث ذلك مستبعدة؛ نظرًا للعلاقات “الروسية – الصينية” الوثيقة، في ظل انعدام الثقة المشترك بين الدولتين في الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية الليبرالية القائمة.[1]
كما يهدد الاتحاد الأوروبي باستخدام الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي التي تتراوح بين 210 إلى 230 مليار دولار، لدعم أوكرانيا، ويوجد نقاش حاد داخل دول الاتحاد الأوروبي بخصوص الإقدام على هذه الخطوة، وقد هددت موسكو الاتحاد الأوروبي وتوعَّدت بالرَّدِّ حال اتخاذ تلك الخطوة.[2]
دعم عسكري لأوكرانيا:
استغلَّ الرئيس الأوكراني لقاءه بترامب في البيت الأبيض، وعرض صراحةً تزويد الولايات المتحدة بمسيرات مقابل صواريخ “توماهوك” الأمريكية بعيدة المدى، ولكن قد رفض ترامب ذلك ضمنيًّا، وقال “من السابق لأوانه تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك”، وأشار أنه يركز حاليًا على عقد اتفاق مع روسيا يُفضي بإنهاء الحرب.
ومن غير المرجح أن تحارب الولايات المتحدة من أجل أوكرانيا، فقد سمَّى ترامب في وقت سابق تلك الحرب “بحرب بايدن”، ووصفها بالغلطة الاستراتيجية لإدارة بايدن، بأن تشجع أوكرانيا على الدخول في حلف الناتو، والذي افتقر إلى التنبؤ بردِّ الفِعْل الروسية بشنِّ حربٍ على أوكرانيا لمنْع حدوث هذا الانضمام.
وقد يكون طلب زيلينسكي لصواريخ توماهوك علنًا مناورة متفق عليها لتعزيز الأوراق الأوكرانية على طاولة المفاوضات، وإرسال رسالة مباشرة بأن الولايات المتحدة لديها من أوراق الضغط العسكرية ما يمكنه أن يؤرق روسيا، وأن عليها ألا تختبر صبر واشنطن حتى لا تزود أوكرانيا بصواريخ توماهوك وغيرها من الصواريخ بعيدة المدى.
ثانيًا: معوقات انهاء الحرب
الفكر الواقعي الروسي:
تستكمل روسيا شنَّ غارات عسكرية قوية على أوكرانيا، معتمدةً في ذلك على الدعم العسكري من كوريا الشمالية والصين، حلفائها الموثوقين، وقدراتها الخاصة العسكرية الشاملة، والتي تمكنها من المضي قُدُمًا في الحرب الجارية، حتى سيطرت على 20% من مساحة أوكرانيا؛ أيْ تقترب من السيطرة على ربع مساحة الدولة، وتركز روسيا عملياتها الحالية على بوكروفسك بمقاطعة دونيتسك شرق أوكرانيا، في إطار محاولة فرْض واقع ميداني أكثر تعقيدًا على أوكرانيا.
وتسيطر روسيا على شبه جزيرة القرم منذ عام 2014، والذي يعني أن روسيا قد طوقت الأراضي الأوكرانية وجعلت تواجدها على البحر الأسود مقتصر بشكلٍ شِبْه كُلِّيٍّ على ميناء أوديسا، ليتحوَّلَ ميثاق خاركيف عام 2010 الذي جدَّد عقْد الإيجار لروسيا للميناء، من اتفاقية إلى أمرٍ واقعٍ، بوجود الأسطول الروسي في ميناء سيفاستوبول بالبحر الأسود، والذي يمكن موسكو من الوصول السريع إلى البحر المتوسط عبْر مضيقيْ “البوسفور، والدردنيل” التركييْن، ولم يكتفِ بوتين بذلك، فبعد بدْء الحرب “الروسية – الأوكرانية” في 24 فبراير 2022، سارع بالاستحواذ على منطقة خيرسون التي تمُدُّ شِبْه جزيرة القرم بمياه نهر دنبير Dnieper /Dnepr عبر قناة شمال القرم.
وبذلك يصبح الواقع الميداني في صالح روسيا، ويملك ذلك موسكو ورقة الضغط الأكبر على طاولة المفاوضات، فهي تعد الطرف المنتصر في معادلة الحرب الحالية قياسًا على أهدافها، حتى في ظل تلقِّيها ضربات متكررة، واستمرارية عزْلها اقتصاديًّا وفرْض عقوبات طائلة عليها.
طلب بوتين من ترامب خلال مكالمته الهاتفية مع ترامب تخلِّي أوكرانيا بشكلٍ كاملٍ على إقليم دونيتسك شرق أوكرانيا، مقابل انسحاب روسيا من أجزاء من خيرسون وزابوريجيا، وقد يكون هذا الطلب مرفوض بالنسبة للجانب الأوكراني؛ حيث تمثل دونيتسك بالإضافة إلى لوغانيسك رُبْع الناتج المحلي الأوكراني؛ لذلك تحاول أوكرانيا بشتَّى الطرق استعادة أراضيها، وترفض إنهاء الحرب بالشروط الروسية؛ لأنها ترى في ذلك إعلان هزيمةٍ وتخلٍّ أبديٍّ عن أراضيها.[3]
الانتهاء التاريخي لحالة الحياد الأوكراني: