أعلنت إسبانيا والنرويج وأيرلندا خططًا للاعتراف رسميًا بدولة فلسطين حيث يتم ترسيم حدودها كما كانت قبل 1967، وذلك باعتبار القرار شرطًا أساسيًا لتحقيق سلام دائم فى الشرق الأوسط، وسيدخل الاعتراف حيز التنفيذ فى 28 مايو الجارى فى البلدان الثلاثة، ويأتى القرار وسط غضب دولى بشأن الضحايا المدنيين، والذى بلغ عددهم أكثر من 35800 فلسطينى وإصابة 80011 آخرين بحسب أحدث الإحصائيات التى أعلنتها وزارة الصحة فى غزة، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة وصعوبة تدفق المساعدات الإغاثية مع استمرار العمليات العسكرية.
وأثار الإعلان ردود فعل متباينة، إذ رحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وعدد من الدول العربية بقرارات الدول الثلاث، وحثت حماس الدول الأخرى على أن تحذو حذوها و”تعترف بحقوقنا الوطنية المشروعة، وتدعم نضال شعبنا من أجل التحرير والاستقلال، وإنهاء الاحتلال الصهيونى لأرضنا”، فيما استدعت إسرائيل سفرائها فى الدول الأوروبية الثلاث اعتراضًا على قرارتها، واعتبر رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” أن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون “مكافأة للإرهاب”، ويقول البيت الأبيض ردًا على تلك الخطوة إنه يجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات، “وليس من خلال الاعتراف الأحادى الجانب”.
واعترضت فرنسا باعتبار أن الآن ليس “الوقت المناسب” للانضمام إلى جيرانها الأوروبيين فى الاعتراف بدولة فلسطينية، كما شككت ألمانيا فى القرار، ويقول “مايكل روث”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية فى البرلمان: “لست مقتنعًا بأن الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة هو إجراء مناسب بعد المذابح المروعة التى ارتكبتها حماس فى 7 أكتوبر من العام الماضى”.[1]
سـيـاق مـضـطرب
تتواصل الضغوطات الدولية، فى الآونة الأخيرة، على رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” مع توسيع الهجمات الإسرائيلة على قطاع غزة، وذلك على النحو التالي:
أولًا –محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بوقف هجومها على رفح:
أمرت محكمة العدل الدولية، وهى أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، إسرائيل، بوقف هجومها على رفح جنوبى قطاع غزة، بالإضافة إلى فتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، وتقديم تقرير بالإجراءات المتخذة فى غضون شهر، وجاء القرار نتيجة لطلب جنوب إفريقيا بإصدار أمر بالوقف الفورى للتصعيد الإسرائيلى على رفح بشكل خاص، ووقف جميع العمليات العسكرية فى قطاع غزة بشكل عام، فى إطار قضية أوسع تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وكانت المحكمة قد أمرت إسرائيل بمنع أى عمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلا أن المحكمة لم تصدر أمرها بوقف إطلاق النار، وعلى الرغم من افتقار المحكمة لآلية فعلية لتنفيذ الأحكام الصادرة عنها، إلا أن قرارها يمثل ضربة قوية لإسرائيل فى ظل الضغوطات الدولية المتتالية،[2] وفى حال قررت تل أبيب تجاهل أمر المحكمة، فإن ذلك قد يعرضها لخطر العقوبات الدولية.[3]
ثانيًا – طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين:
يعد طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، “كريم خان”، بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” ووزير الدفاع “يوآف جالانت” من الجانب الإسرائيلى، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من خلال “التسبب فى المجاعة كوسيلة من وسائل الحرب، بما فى ذلك منع إمدادات الإغاثة الإنسانية، واستهداف المدنيين عمدًا فى الصراع”، بمثابة خطوة تزيد من الضغوطات الدولية على حكومة “نتنياهو”، وفى حال إصدار القرار، من شأنه تقليص المساحة التى يتحرك فيها المسؤولان الإسرائيليان على الساحة الدولية، لإمكانية اعتقالهم من قِبل الدول الأطراف، والبالغ عددها 124 دولة، وأن ترسلهم بدورها إلى المحكمة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، وبالتالى تحقيق قدر من العزلة لإسرائيل.[4]
ثالثًا – تصويت الجمعية العامة على مشروع قرار للاعتراف بعضوية كاملة لفلسطين:
يعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، 10 مايو الجارى، لصالح مشروع قرار يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة ويوصى مجلس الأمن بإعادة النظر فى الطلب، هو بمثابة مؤشر لمدى الدعم التى تحظى به فلسطين على المستوى الدولى، حيث صوت لصالح مشروع القرار الذى تقدمت به المجموعة العربية 143 دولة وامتنعت 25 دولة عن التصويت ورفضت القرار تسع دول.[5]
رابعًا – فرض عقوبات غربية على مستوطنين بالضفة الغربية:
مع استمرار الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية، وارتفاع نسبة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين عقب هجمات طوفان الأقصى، فرضت عدد من الدول الغربية عقوبات ضد المستوطنين العنيفين والجماعات اليمينية المتطرفة التى تدعمهم، حيث فرضت الإدارة الأمريكية، فى فبراير الماضى، عقوبات على موقعين استيطانيين إسرائيليين المعروفين باسم “موشيز فارم” و”زفيز فارم” وثلاثة مستوطنين اتهمتهم بتقويض الاستقرار فى الضفة المحتلة، وهو ما تزامن مع فرض المملكة المتحدة وفرنسا وكندا عقوبات على العديد من المستوطنين الإسرائيليين.[6]
خامسًا – تصاعد الحراك الطلابى الداعم لفلسطين:
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا نسبيًا فى الاحتجاجات التى يقودها طلاب الجامعات الأمريكية، والتى بدأت فى جامعة كولومبيا بنيويورك، 17 أبريل المُنصرم، ثم اتبعت أكثر من 130 كلية وجامعة فى 45 ولاية وواشنطن العاصمة خطى جامعة كولومبيا، مطالبين بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة، ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من الشركات الإسرائيلية التى تدعم الجيش الإسرائيلى،[7] وقد امتد الحراك الطلابى ليشمل أستراليا وكندا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة.[8] وهو الأمر الذى من شأنه، كلما طالت مدته، أن يزيد من الضغوط على الإدارة الأمريكية لتبنيها موقف مغاير تجاه إسرائيل.
تـبـعات مُـحـتـمـلـة
قد يستدعى موقف البلدان الثلاث عددًا من التداعيات المحتملة، وذلك على النحو التالي:
أولًا – تزايد التوترات الدبلوماسية بين إسرائيلوالدول الثلاث:
استدعت الخارجية الإسرائيلية سفراء دول إسبانيا والنرويج وأيرلندا على خلفية إعلان عزمهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووجهت لهم توبيخًا شديد اللهجة، فضلًا عن إجبارهم على مشاهدة مقطع فيديو يظهر فيه عناصر من حركة حماس وهم يأسرون مجندات من الجيش الإسرائيلى خلال هجوم السابع من أكتوبر، كما وجه مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، “يعقوب بليتشتاين”، كلمة مباشرة لسفراء الدول الثلاث مفادها “إن اعترافكم بالدولة الفلسطينية لا يجلب السلام، إنه يقوى حماس ويعقد الجهود الرامية إلى تأمين إطلاق سراح المحتجزين”. كما أمر وزير الخارجية، “يسرائيل كاتس”، باستدعاء سفراء إسرائيل فى الدول الثلاث للتشاور.[9] ويُرجح اتخاذ إسرائيل المزيد من الخطوات الدبلوماسية ضد البلدان الثلاث، قد تشمل – على سبيل المثال – إلغاء زيارات وتأشيرات دخول دبلوماسيين من هذه الدول إلى إسرائيل، فضلًا عن محاولة إقناع الدول الأخرى أن لا تحذو حذوها.
ثانيًا – التشجيع على زيادة الاعتراف بفلسطين:
تعترف نحو 144 دولة من بين الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، والتى يبلغ عددها 193، بدولة فلسطين، ويعترف 27 دولة فقط من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بفلسطين، أغلب هذه الدول شيوعية سابقة، بالإضافة إلى قبرص والسويد، مع الدول الثلاث الجديدة، وقد تحفز تلك الخطوة دولًا أخرى فى الاتحاد الأوروبى أن تحذو حذو الدول الثلاث، وخاصةً مالطا وسلوفينيا، والذى أعلنوا من قبل أنها تبحث القيام بذات الخطوة،[10] كما أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبى، “جوزيب بوريل”، عن رغبته فى العمل من أجل «موقف مشترك للاتحاد على أساس حل الدولتين».[11]
ثالثًا – اتخاذ إسرائيل إجراءات عقابية:
توالت ردود الفعل الإسرائيلية مع إعلان الدول الأوروبية الثلاث عن خططها فى الاعتراف بفلسطين، إذ أعلن وزير الدفاع الإسرائيلى، “يوآف جالانت”، إلغاء قانون “فك الارتباط” بالكامل فى شمال الضفة الغربية المحتلة، وهو ما يعنى السماح بعودة المستوطنين إلى ثلاث مستوطنات، تقع بالقرب من مدينتى جنين ونابلس، كان قد تم إخلاؤها سابقًا، وبالتالى لم تعد المستوطنات مناطق عسكرية مغلقة وبات دخول المستوطنين إليها بشكل قانونى لا يتطلب الحصول على أمر عسكرى.[12]
إلى جانب اتخاذ قرارات ضد السلطة الفلسطينية بإعلان وزير المالية، “بتسلئيل سموتريتش”، وقف تحويلات عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، وهو ما يهدد بانهيارها، فضلًا عن طلب “سموتريتش” من رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” إلغاء جميع تصاريح كبار الشخصيات فى السلطة الفلسطينية بصورة دائمة،[13] ويُتوقع توسع إسرائيل فى تبنى قرارات من شأنها أن تعرقل أى مستقبل لحل سياسى.
ومما سبق يمكننا القول، إنه على الرغم من كون خطوة الدول الأوروبية الثلاث رمزية فى مجملها، إلا أنها تحمل وزنًا دبلوماسيًا من شأنه تعزيز القضية الفلسطينية العالمية من خلال زيادة تمثيل الموقف الفلسطينى فى أوروبا، فضلًا عن زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل، خاصةً مع أمر محكمة العدل الدولية بوقف إسرائيل هجومها على رفح، واحتمالية إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق “نتنياهو” و”جالانت”، وهو ما يعمق من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية.
