المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > قراءة في تطورات التصعيد بين الهند وباكستان
قراءة في تطورات التصعيد بين الهند وباكستان
- أبريل 27, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أكرم السيد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
أسفر الهجوم الذي وقع في 22 أبريل الجاري في منطقة كشمير الهندية عن مقتل 26 شخصًا معظمهم من المواطنين الهنود باستثناء مواطن نيبالي، مما أعاد التوترات بين الهند وباكستان إلى الواجهة من جديد، حيث أدى الهجوم إلى اتخاذ الهند عددًا من الإجراءات التصعيدية على المستويين الدبلوماسي والعسكري، بينما ردت باكستان بإجراءات مماثلة تمثلت في إغلاق حدودها ومجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وهو ما يعكس حجم الاستنفار والقلق من تصاعد الأوضاع بين الجارتين النوويتين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم يأتي في وقت حساس، حيث تتزايد المخاوف من أن يؤدي التصعيد إلى نشوب صراع أكبر بين الهند وباكستان. وفي ظل هذه التوترات، تتوالى ردود الفعل الدولية التي تتراوح بين الإدانة والتأكيد على ضرورة تهدئة الموقف، كما تثار التساؤلات حول مدى قدرة القوى الدولية على لعب دور في احتواء هذه الأزمة، بإلاضافة احتمالية استغلال أطراف معينة هذه الأوضاع لتحقيق مصالح استراتيجية في المنطقة.
ردود فعل متبادلة
تنوعت ردود الأفعال حول الهجوم الإرهابي، ما بين ردود فعلت هندية وأخرى باكستانية متفاعلة معها، بالإضافة إلى ردود الفعل الدولية. يمكن الإشارة إلى ذلك السياق التالي:-
١-ردود فعل الهند
في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في كشمير الهندية، اتخذت الهند سلسلة من الإجراءات التصعيدية، حيث أعلنت الحكومة الهندية في 23 أبريل تعليق العمل باتفاقية مياه نهر السند التي تم توقيعها عام 1960، متضمنةً وقف مشاركة بيانات تدفق الأنهار وتعليق التحذيرات من الفيضانات، فضلاً عن الانسحاب من الاجتماعات السنوية، مع إمكانية بناء سدود كهرومائية على الأنهار المخصصة لباكستان. كما ألغت الهند تأشيرات الدخول لمواطني باكستان وأغلقت المعابر الحدودية الرئيسية، مما أدى إلى تعليق حركة التجارة والنقل بين البلدين. كذلك، أفادت التقارير بأن القوات الهندية أطلقت النار على مواقع باكستانية عبر خط السيطرة في كشمير المتنازع عليه.
٢-ردود فعل باكستان
في المقابل، ردت باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، مما أثر على حركة الطيران بين البلدين، كما أعلنت تعليق التجارة مع الهند، مما أدى إلى توقف التبادل التجاري بين الجانبين. بالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير بأن القوات الباكستانية أطلقت النار على مواقع هندية عبر خط السيطرة في كشمير، مما يعكس التبادل المستمر للنيران بين القوات العسكرية للطرفين. وفي خطوة أخرى، طالبت باكستان بإجراء تحقيق دولي محايد في الهجوم الإرهابي، معربة عن استعدادها للتعاون الكامل مع أي تحقيق دولي[1].
٣-ردود الفعل الدولية
وفيما يتعلق بأبرز ردود الفعل الدولية، تجدر الإشارة إلى أنها اتسمت باستنكار الهجوم الإرهابي في كشمير، كما تضمنت تصريحات كل من الولايات المتحدة والصين تنديدا بالحادث دون تقديم أي تلميحات أو آراء حول التوتر القائم بين الهند وباكستان. ورغم ذلك، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا بأن كلا البلدين قادران على حل المشكلة بينهما، معتبرًا أن الصراع بين الهند وباكستان ليس جديدًا وأنه يتكرر بين الحين والآخر[2].
تصعيد محسوب
تشهد العلاقات الهندية الباكستانية تصعيدًا متزايدًا على خلفية الهجوم الإرهابي الأخير في كشمير، ويمكن قراءة هذا التصعيد في السياق التالي:-
١-قراءة التصعيد الهندي
تسعى الهند من خلال التصعيد الحالي إلى الحفاظ على صورتها كقوة صاعدة ذات ثقل متزايد. لذلك، لم يكن من المتوقع أن تكتفي بإدانة الهجوم الإرهابي الذي أسفر عن سقوط عشرات الضحايا دون اتخاذ خطوات تصعيدية. ومن هذا المنطلق، فإنه يُتوقع أن تواصل الهند مزيد من التصعيد بشكل مدروس، بحيث لا يؤدي إلى انفلات الأوضاع أو انزلاق الأزمة نحو استقطاب إقليمي أوسع. ومن المرجح أن يتجسد الرد في شكل مواجهات عسكرية محدودة، أو تبادل لإطلاق النار عبر الحدود كما هو الحال الآن، أو تصعيد دبلوماسي داخل أروقة مجلس الأمن الدولي كنوع من إثبات الموقف الرسمي. وتجدر الإشارة أنه على الرغم من عدم وجود أدلة رسمية تثبت مسؤولية باكستان عن الهجوم، إلا أن هناك جذورًا تاريخية وقناعات متبادلة بين الطرفين، تدفع كلاً من الهند وباكستان إلى تبادل الاتهامات والتصعيد مع كل حادثة من هذا النوع، بحيث يسعى كل طرف إلى تعزيز الروايات الرسمية له فيما يتعلق بالنزاع حول كشمير وادعاءات السيادة عليها.
٢-قراءة التصعيد الباكستاني
أما فيما يتعلق بتصعيد باكستان، فيمكن قراءته في سياق الخطوات التصعيدية التي اتخذتها الهند كرد فعل لها. حيث أنه من بين الخطوات التصعيدية الهندية، يبرز تهديد نيودلهي بمنع تدفق المياه إلى باكستان من خلال تعليق العمل باتفاقية نهر السند، وهو تهديد بالغ الخطورة بالنظر إلى أن أكثر من ثلثي الموارد المائية الباكستانية تأتي عبر الهند[3]. ورغم الإعلان الهندي، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى مضي الهند قدمًا في تنفيذ هذه الخطوة، أم أنها مجرد مناورة سياسية سرعان ما يتم التراجع عنها، حيث أن مسألة المياه بالنسبة لباكستان مسألة بالغة الأهمية، وأي تهديد بتقليص الموارد المائية من المرجح أن يُقابل بردود فعل تصعيدية قد تصل إلى مواجهات عسكرية وربما ما هو أخطر، خاصةً وأن باكستان سبق وأن أعلنت أن تعليق الهند لاتفاقية تقاسم المياه يعد بمثابة “إعلان حرب”[4]. بالإضافة إلى ذلك فإن التلويح باستخدام المياه كسلاح ضغط سياسي هو سلوك مخالف للأعراف الدولية، ومن شأنه أيضا أن يؤدي إلى تدويل الصراع، نظرا لوجود قضايا مماثلة في مناطق جغرافية مختلفة في العالم.
وبشكل عام، يمكن النظر إلى قراءة التصعيد المتبادل باعتباره جزءًا من “حرب كلامية”، لاسيما وأنها جاءت في أعقاب هجوم دموي، وهو ما يفسر حدة التصريحات والتصعيد الإعلامي المصاحب لها.
خيار الأسلحة النووية
تكتسب التوترات الحالية بين الهند وباكستان طابعًا جديدًا، وذلك بسبب امتلاك الدولتين للأسلحة النووية. ففي الحروب التي نشبت بين البلدين في الماضي، كانت الخلافات تدور في فترة ما قبل امتلاك الأسلحة النووية، حيث كانت المواجهات تتم وفقًا للأساليب التقليدية، وأدت في مجملها إلى خسائر بشرية ومادية ضخمة للطرفين. ولكن وبالنظر إلى الواقع الحالي، فإن المعادلة قد تغيرت بشكل جذري بعد أن أصبحت البلدان دولًا نووية، وهذا التطور الهائل ساهم بشكل أساسي في تغيُر النظرة إلى طبيعة التوترات بينهما.
لكن ومن زاوية أخرى، فعلي الرغم مما قد يشكله امتلاك الطرفين للسلاح النووي من مخاطر، إلا أنه يمكن اعتبار الخيار النووي لديهما أداة ردع متبادلة تساهم بشكل فعال في الحفاظ على توازن القوى بين البلدين، وفي تقليص احتمالات التصعيد إلى مستويات خطيرة قد تؤدي إلى حرب شاملة سيكون لها تداعيات كارثية على الإقليم والعالم.
وفي هذا السياق، فإنه حتى في حالة صدور تصريحات متبادلة من الجانبين -مع تطور التصعيد الحالي وارتقائه إلى مستوى إعلان الحرب- تهدد باستخدام الأسلحة النووية، فإنها غالبًا ما ستظل هذه التصريحات في إطار المناورات السياسية والردود الإعلامية، ولن ترتقي إلى مرحلة التنفيذ الفعلي.
أبعاد محتملة للتوتر
تعكس التطورات الراهنة بين الهند وباكستان محاولات متبادلة لتوظيف الهجوم الأخير وربما تضخيمه، إذ يبدو أن كلا الجانبين يتعاملان مع الواقعة باعتبارها فرصة أو ذريعة لتعزيز مواقفهم التصعيدية بما يخدم تحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية أوسع نطاقًا. ويعزز الطرح السابق هو عدم تناسب الإجراءات التصعيدية مع حجم الحادث الأخير، خاصةً وأن حوادث مماثلة كانت قد تكررت خلال السنوات الماضية دون أن تشهد ردود فعل مشابهة، مما قد يثير افتراضات تدعم احتمالية أن يكون التوتر الحالي مدفوعًا، ولو جزئيًا، بتدخلات أو تحفيزات خارجية تستغل هشاشة الوضع الإقليمي.
وفي سياق متصل، تظل منطقة جنوب آسيا واحدة من أكثر المناطق حساسية في النظام الدولي، حيث يمثل توازن القوى الهش بين الهند وباكستان ملفًا دائم الاشتعال. ويمتد تأثير هذا التوتر خارج حدود الدولتين، مما يفسر الانخراط الإقليمي والدولي المتسارع في محاولة لاحتواء الأزمة قبل انزلاقها نحو مواجهة مفتوحة قد تتجاوز آثارها الإقليم.
وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الدور الصيني المحتمل، حيث يُتوقع أن تدعم بكين باكستان على انتهاج نهج ربما أكثر تصعيدًا في مواجهة الهند، مستفيدة من التحولات الجارية في المشهد الدولي، وسعيها لتوسيع نفوذها في مناطق التماس مع المصالح الغربية والهندية. وإذا ثبتت هذه المؤشرات، فإن التوتر القائم لن يكون مجرد مواجهة ثنائية، بل قد يتحول إلى جزء من معادلات أوسع تتداخل فيها رهانات قوى دولية على مستقبل التوازنات في آسيا. علاوة على ذلك، فإنه في الوقت الذي تتراجع فيه بعض مظاهر الالتزام الغربي التقليدي تجاه باكستان، قد تسعى الأخيرة إلى استغلال الوضع الحالي لإعادة رسم ملامح التوازن مع الهند. وفي المقابل، ترى نيودلهي أن الظرف الراهن مواتٍ لتعزيز مكانتها الإقليمية عبر فرض معادلات جديدة على الأرض، كل هذه عوامل تفسر طبيعة التصعيد الجاري وأهدافه الكامنة.
إجمالا
من المتوقع أن تستمر ردود فعل كل من الهند وباكستان في سياق تصعيدي لاسيما وأنه لم تمض سوى بضعة أيام فقط على الهجوم الأخير، لكن هذا التصعيد سيظل محكومًا بحدود معينة، نظرًا لأن كلا البلدين يدركان تمامًا أن زيادة مستوى التصعيد قد يؤدي إلى نتائج سلبية على مختلف الأصعدة تفوق المكاسب المحتملة لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المضطربة،
ومن هنا، يمكن أن يلعب المجتمع الدولي دورًا محوريًا في تهدئة الوضع القائم، وذلك من خلال ضمان عدم انزلاق التصعيد إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، وذلك عبر الوساطات الإقليمية والدولية، سواء من خلال الأمم المتحدة أو عبر وسطاء آخرين مثل الصين والولايات المتحدة، وذلك لإيجاد تسوية سياسية تضمن استقرار المنطقة.
وعلى أي حال، يبقى التساؤل الأهم هو حول مدى نجاح الفاعلين الدوليين من فرض ضغوط كافية على كلا الطرفين لتجنب التصعيد العسكري أم أن الوضع سيظل رهينة للمصالح السياسية الداخلية والإقليمية التي قد تعرقل أي محاولات جادة للتهدئة.
المصادر:
[1] Kashmir attack updates: Pakistan open to Pahalgam ‘neutral’ investigation, Aljazeera,
https://www.aljazeera.com/news/liveblog/2025/4/26/kashmir-attack-live-india-pakistan-trade-fire-as-pahalgam-gunmen-hunted
[2] ترامب يعلّق على تصاعد التوترات بين الهند وباكستان، اليوم، ٢٦-٤-٢٠٢٥
[3] الهند تعلق معاهدة المياه وتخفض علاقاتها مع باكستان بعد هجمات مسلحة، اقتصاد الشرق، ٢٤-٤-٢٠٢٥
https://linksshortcut.com/jUnFX
[4] باكستان تضع خطا أحمر للهند وتعتبر تجاوزه إعلانا للحرب، الجزيرة، ٢٤-٤-٢٠٢٥