المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > قراءة في خطاب ترامب أمام الكونجرس
قراءة في خطاب ترامب أمام الكونجرس
- مارس 6, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: أكرم السيد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
جاء خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الكونجرس – في الرابع من مارس – وسط سياق سياسي مضطرب، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على مستوى العالم، لاسيما وأنه أتى بعد عودته إلى البيت الأبيض إثْر فوزه على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وبعد فترة طويلة من الملاحقات القضائية التي لاحقته خلال السنوات الماضية، وفي خلال كلمته، أكَّد ترامب أن الولايات المتحدة تسير على الطريق الصحيح، مشدِّدًا على عزمه المضي قدمًا في تنفيذ سياساته الداخلية والخارجية، رغم الانقسامات الحادَّة التي تشهدها البلاد.
السياق السياسي للخطاب: استعراض مبكر للإنجازات
جاء خطاب ترامب أمام الكونجرس مختلفًا عن خطاب “حالة الاتحاد” التقليدي، الذي يلقيه الرئيس سنويًّا ليستعرض إنجازاته منذُ تولِّيه السلطة ويحدد ملامح سياساته المستقبلية، لكن نظرًا لأن ترامب لم يكمل سوى أسابيع قليلة في البيت الأبيض، كان من المتوقع أن يكون خطابه بمثابة عرْضٍ لرؤية إدارته الجديدة حول كيفية التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية في السنوات القادمة.
لكن وبسبب العدد الكبير من الأوامر التنفيذية التي وقَّعها ترامب منذ 20 يناير الماضي، والجدل الحادّ الذي صاحب كثيرًا منها، بدا الخطاب أقرب إلى خطاب “حالة اتحاد” يُلقيه رئيس أمضى فترةً طويلةً في السلطة ويستعرض ما حققته إدارته من إنجازات، وليس مُجرَّد عدة أسابيع؛ إذ استغل ترامب الخطاب لاستعراض قراراته التي اتخذها خلال أسابيعه الأولى، في رسالة واضحة، مفادها؛ أن إدارته بدأت بالفعل في تنفيذ وعودها الانتخابية، وأن هذه مُجرَّد خطوة أولى في مسار طويل “لإعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
وكان من اللافت أيضًا، محاولة ترامب حاول تقديم خطاب أقرب إلى إعلان انتصار، متحدثًا عن قراراته وكأنها بالفعل أدَّت إلى تغييرات جوهرية، رغم أن كثيرًا منها لا يزال محلَّ جدل سياسي وقانوني، بطريقة جعلت هذا أكثر من مُجرَّد خطاب يحدد خارطة الطريق القادمة، بل محاولة لتثبيت شرعية نهْجه السياسي، خاصَّةً في ظل المعارضة الشرسة التي تواجهها إدارته من الديمقراطيين وبعض الأوساط الإعلامية.
وفي هذا السياق، بدا الخطاب أيضًا كرسالة موجهة لقاعدته الشعبية أكثر من كوْنه خطابًا لرئيس يخاطب أمةً منقسمة؛ حيث حرص ترامب على التأكيد أن القرارات التي اتخذها – حتى الآن – ليست سوى جزء صغير من خطته الأكبر، وأنه بصدد اتخاذ خطوات أخرى “تضع أمريكا على الطريق الصحيح” وتجعل “الحلم الأمريكي” حقيقة ملموسة، وفقًا لرؤيته الخاصة.
أسلوب الخطاب: مواجهة مباشرة وترويج انتخابي
جاء خطاب ترامب هذه المرة أقرب إلى دعاية انتخابية صريحة منه إلى تقديم رؤية سياسية واضحة كرئيس يتحدث عن مستقبل إدارته، وكعادته، لم يكن خطابه هادئًا أو تصالحيًّا، بل جاء مباشرًا وصداميًّا، مستغلًّا الفرصة للهجوم على الإدارة الديمقراطية السابقة؛ حيث لم يكتفِ فقط بانتقاد سياسات بايدن، بل ذهب إلى حدِّ وصفه، بأنه “أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة”.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحدِّ، فقد حاول ترامب استفزاز الديمقراطيين الحاضرين في الكونجرس، داعيًا إياهم إلى الانضمام إلى صفوف الجمهوريين، زاعمًا أن إنجازاته خلال الأسابيع القليلة الماضية تخدم أمريكا ككل، حتى وإن كانوا – بحسب قوله – غير قادرين على الاعتراف بذلك علنًا.
اللافت في أسلوب ترامب هذه المرة، أنه لم يكن يتحدث كرئيس جديد عن ملامح وسمات فترة ولايته ويمتلك دستوريًّا أربع سنوات قادمة، بل بدا وكأنه يؤسس لعهدٍ طويل المدى؛ حيث قدَّم نفسه كقائدٍ لمرحلة “جديدة” من العظمة الأمريكية، لدرجة يمكن القول من خلالها: إن خطابه أقرب إلى بيان سياسي لحركة قومية تمتدُّ إلى ما هو أبعد من مُجرَّد دورة انتخابية.
ورغم حديثه المتكرر عن إعادة حرية التعبير للأمريكيين بعد ما وصفه بمحاولات الديمقراطيين لقمعها خلال عهْد بايدن، إلَّا أن الخطاب نفسه شهد واقعةً مناقضةً تمامًا لهذا الطَّرْح؛ حيث تمَّ طرْد أحد أعضاء البرلمان بعد اعتراضه على خطاب ترامب، وتكشف هذه المفارقة بعض التناقضات التي شابت خطابه؛ حيث يرفع شعار حرية التعبير، لكنه لا يتسامح مع أيِّ صوت معارض داخل القاعة نفسها.
القضايا التي ركز عليها الخطاب: أولوية للداخل على حساب الخارج
جاء خطاب ترامب موجَّهًا للداخل أكثر منه للخارج؛ حيث طغت القضايا المحلية على حديثه، في حين لم يحظَ ملف السياسة الخارجية إلا بإشارات محدودة وعابرة، وبرزت في الخطاب ثلاث قضايا رئيسية، كانت بمثابة الأعمدة الأساسية لرؤية ترامب: الاقتصاد، الهجرة والأمن القومي، والسياسة الخارجية، يمكن الإشارة إليهم في السياق التالي:-
أولًا: الاقتصاد رهان ترامب الأساسي:-
كان الاقتصاد محورًا رئيسيًّا في خطاب ترامب، وهو أمر متوقع ومنطقي، باعتبار أن الأوضاع الاقتصادية كانت أحد الأسباب الحاسمة التي أوصلته إلى البيت الأبيض، وكعادته، عكس حديثه عن الاقتصاد توجُّهه الأيديولوجي القائم على الحمائية الاقتصادية وإعادة الهيمنة للصناعة الأمريكية، وقد تناول ترامب الملف الاقتصادي من عدة زوايا، كان أبرزها: –
-
خفْض الضرائب: شدَّد على عزْمه خفض الضرائب إلى أدنى مستوى ممكن، داعيًا الكونجرس إلى دعم هذا الإجراء باعتباره ضروريًّا لتحفيز الاقتصاد.
-
التضخُّم وغلاء المعيشة: ألقى ترامب باللوم بالكامل على إدارة بايدن، مُحمِّلًا إياها مسؤولية ارتفاع معدلات التضخُّم، وتعهَّد بمعالجة الأزمة عبْر “سياسات اقتصادية أكثر كفاءة”.
-
الطاقة والثروات الطبيعية: أكَّد التزامه بخفض أسعار الطاقة، والعمل على استغلال الثروات الأمريكية من النفط والغاز والمعادن، ولفت إلى أنه بمجرد تولِّيه المنصب، أعلن حالة الطوارئ في قطاع الطاقة، وشكَّل لجنة متخصصة لإدارته بطريقة “تخدم المصالح الوطنية”.
-
إزالة العقبات البيئية: تعهَّد بتخفيف القيود البيئية التي تعوق الشركات، مؤكِّدًا أن الإدارة الجديدة لن تسمح بأي عوائق بيروقراطية تعطل عجلة الإنتاج.
-
حماية الصناعة الأمريكية: شدَّد على أن الولايات المتحدة ستدخل “عصرًا جديدًا للصناعة”؛ حيث ستزدهر مُجدَّدًا؛ بفضل سياسات الحماية التجارية، وعلى رأسها فرْض التعريفات الجمركية على الواردات.
-
إدارة الكفاءة الحكومية: في هذا السياق، أشار إلى دور إيلون ماسك في “مكافحة الهدر في الإنفاق الحكومي”، وقيادة جهود إصلاح البيروقراطية، بما يضمن إدارة أكثر كفاءة للموارد.
ثانيًا: الهجرة والأمن القومي: خطاب ترامب التقليدي في أشرس صوره
لم يكن مفاجئا أن يحتلَّ ملف الهجرة والأمن القومي مكانةً بارزةً في خطاب ترامب، فهذه القضية كانت دائمًا إحدى ركائز خطابه السياسي، سواء خلال حملته الانتخابية أو بعد وصوله إلى السلطة. وكعادته، قدَّم رؤيته لهذا الملف بلهجةٍ صداميةٍ، مؤكِّدًا أن سياساته في هذا المجال “غير قابلة للتفاوض”، مشيرًا إلى عدة نقاط في هذا الصدد:-
-
تناقص معدلات الهجرة غير الشرعية: شدَّد ترامب على أن معدلات الهجرة غير الشرعية تراجعت بشكلٍ كبيرٍ منذ فوزه بالانتخابات، معتبرًا ذلك “دليلًا واضحًا على نجاح إدارته في ضبْط الحدود”.
-
إلغاء سياسات بايدن للهجرة: هاجم سياسات الهجرة التي تبنتها الإدارة الديمقراطية السابقة، ووصفها بأنها “أحد أسوأ الأخطاء السياسية في تاريخ الولايات المتحدة”، متعهِّدًا بإلغائها وإعادة العمل بسياسات “الحدود المغلقة”.
-
تشديد إجراءات اللجوء والتجنيس: أشار إلى أن نظام الهجرة في بلاده “لن يعود كما كان”، مؤكِّدًا أن طلبات اللجوء ستخضع لمراجعات أمنية أكثر صرامةً، وأن إجراءات منْح الجنسية والإقامة سيتمُّ تعديلها “لحماية المصالح الوطنية”.
-
ربط الأمن القومي بالهجرة: ربط ترامب بشكلٍ مباشرٍ بين ملف الهجرة و”تهديد الأمن القومي”، زاعمًا أن “سياسات التساهُل مع المهاجرين غير الشرعيين” تساهم في ارتفاع معدلات الجريمة، وهو خطاب يعكس مواقفه السابقة في هذا الملف.
ثالثًا: السياسة الخارجية: إنهاء الصراعات للتفرُّغ للاقتصاد
على عكس القضايا الداخلية، لم يشغل ملف السياسة الخارجية حيِّزًا كبيرًا في خطاب ترامب؛ حيث اكتفى بإشارات مقتضبة لبعض القضايا الدولية؛ ما يعكس تركيزه الأساسي على الداخل الأمريكي. ومع ذلك، كان هناك بعض النقاط اللافتة في حديثه عن السياسة الخارجية: –
-
الشرق الأوسط: لم يتطرق بالتفصيل إلى ملفات الشرق الأوسط، واكتفى بالإشارة العابرة إلى “اهتمام إدارته بالمنطقة”، دون تقديم رؤية واضحة حول الملفات العالقة هناك، وفي المقابل ذهب بعيدًا عن المنطقة وجدَّدَ دعوته في السيطرة على جرينلاند وقناة بنما.
-
أوكرانيا والحرب مع روسيا: أبدى اهتمامًا خاصًّا بالملف الأوكراني، مشيرًا إلى أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، أبلغه باستعداده لتوقيع “اتفاق المعادن” والانخراط تحت قيادة واشنطن؛ من أجل التوصُّل إلى تسوية تنهي الحرب مع روسيا. وهذه التصريحات تُمثِّلُ تحوُّلًا عن التوتُّر الذي شهدته العلاقات بين ترامب وزيلينسكي قبْل أسبوع، بعد الجدل الذي دار بينهما حول الدعم العسكري الأمريكي لـ”كييف”.
-
التصعيد الاقتصادي كأداة من أدوات السياسة الخارجية: أشار ترامب إلى دول مثل الصين، والهند، والبرازيل، وكندا، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، لكن الإشارة إليهم لم تكن في سياق التعاون أو التحالفات التقليدية، بل جاءت في إطار “التصعيد الاقتصادي”؛ حيث أعلن ترامب بوضوح، عزْمه فرْض رسوم جمركية جديدة على المنافسين والحلفاء على حدٍّ سواء، في خطوةٍ تعكس سياسته الاقتصادية القائمة على “أمريكا أولًا”، ورؤيته بأن “الحروب الكبرى ليست عسكرية، بل اقتصادية”.