المقالات
قراءة في دلالات وأبعاد إعلان قيام دولة القبائل في الجزائر
- مايو 21, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
اعداد/ ريهام محمد
باحثة متخصصة في شؤون الوطن العربي
في وقتٍ ينصبُ فيه الاهتمامُ نحو الأحداثِ المتلاحقة في حرب غزة، ابتعدَ الاهتمامُ بمتابعةِ تطوراتٍ هامةٍ أخرى تجرىِِ فى الجناحِ الغربيِ من وطننِا العربيِ، ترتبطُ هذهِ التطوراتُ الأخيرة بالمسألة الأمازيغية التي تمسُ نسبةً كبيرةً من سكانِ الشمالِ الإفريقيِ، ففي مفاجأةٍ غيرِ متوقعةٍ للنظامِ الجزائريِ أعلنَ فرحات مهني، رئيسُ الحركةِ من أجلِ استقلالِ منطقةِ القبائلِ المعروفةِ اختصاراً بـ “الماك”، يومَ السبتِ الموافقِ ٢٠ أبريلَ الماضي، منْ أمامِ مقرِ الأمم المتحدة بالولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ قيام دولة القبائل، ما يعنىِ انفصالَ منطقةِ القبائلِ الواقعةِ شرقَ الجزائرِ والتي يقطنُها جزءْ من أمازيغِ الجزائرِ؛ عنْ الدولةِ الجزائريةِ، فما هي أبعادُ تلكَ الخطوةِ ؟
في البدايةِ جديرٌ بالإشارةُ الى أنَّ الأمازيغَ هم منْ سلالةِ سكانِ شمالِ أفريقيا قبلَ وصولِ العربِ، يعيشونَ في مجتمعاتٍ متفرقةٍ في المغربِ والجزائرِ وتونس وليبيَا ومصرَ ومالي والنيجر وموريتانيا، يتحدثونَ لهجاتٍ أمازيغيةً مختلفةً، وينتشرونَ على مساحاتٍ شاسعةٍ تمتدُ منْ غربِ مصرَ إلى جزرِ الكناريِ الإسبانيةِ، ومنْ ساحلِ المتوسطِ الجنوبيِ إلى أعماقِ الصحراء الكبرى، في النيجرِ ومالي، ويشكلُ الأمازيغُ جزءاً مهماً منَ النسيجِ الاجتماعيِ الجزائريِ، ودائماً ما تنددُ جماعاتُ الأمازيغِ بالتهميشِ ومعاناتِها من فقدانِ تقاليدِها ولغتِها بسببِ التعريبِ، بالرغمِ منْ تطوراتِ مواقفِ النظمِ السياسيةِ في الشمالِ تجاهَ المكونِ الأمازيغيِ، أبرزُهم اعترافُ الدستورِ الجزائريِ لعامِ 2020، بالأمازيغيةِ كإحدىَ اللغاتِ الرسميةِ للبلادِ، إضافة إلى اعترافِ الحكومةِ بها عام 2017.
أبرزُ محطاتِ المسألةِ الأمازيغيةِ في شمالِ افريقِيا(المغربُ، الجزائرُ وليبيا):
مرتْ القضيةُ الأمازيغيةُ بعدةِ مراحلَ مختلفةٍ، ففي البدايةِ، كانتٓ تمثلُ قضيةً ثقافيةً لغويةً، تمثلتْ في سعىِ النشطاءِ الأمازيغَ إلى إنقاذِ لغتهِم من التهميشِ والإقصاءِ الذي عانتٍ منهُ في اعتقادهِم خلالَ انتشارِ اللغةِ العربيةِ منذُ ظهورُ الإسلام، إلى أن تطورَ الوضعُ ليصبحَ مطلبًا سياسيًا تتبناهُ كياناتٌ ومؤسساتٌ مختلفةٌ، وتفاعلتْ المطالبُ خلالَ العقدينِ الأخيرينِ من القرنِ الماضيِ وتمَ التعبيرُ عنهَا في مناطقَ جغرافيةٍ مختلفةٍ، واختلفَ تعاملُ النظامِ الحاكمِ في الجزائرِ معَ مطالبِ الحركةِ الأمازيغيةِ عن النظامِ الحاكمِ في المغربِ وليبيا، ففي ليبيا والمغربِ التي تبنتْ التعدديةَ استطاعتْ أنْ تدمجَ وتستوعبَ مطالبَ الأمازيغِ وتعاملتْ معَ قضاياهُم بإقرارِ عددٍ منَ الحقوقِ، علي عكسِ الجزائرِ الذي لم يحاولْ استيعابَ أو التعاملَ معَ مطالبِ الأمازيغِ بلْ إنهُ قامَ بتجاهلِ وتهميشِ ذلكَ التمايزِ بينَ العربِ والأمازيغِ، أما في تونسَ وموريتانيا، فلم تتجلىَ هذه الإشكاليةُ رغمَ دخولهِما المنطقةِ الأمازيغيةِ لأسبابٍ محددةٍ. ومن ثمَ يمكنُ عرضُ أبرزِ المحطاتِ الأمازيغيةِ في ليبيا والمغربِ والجزائرِ على النحوِ التاليِ:
مراحلُ المسألةِ الأمازيغيةِ بالمغربِ:
المطالبةُ بالاعترافِ: شهدتْ المسألةُ الأمازيغيةُ بالمغربِ تطوراتٍ مهمةً خلالَ العقدينِ الماضينِ، بدأتْ في مارسَ ٢٠٠٠، على إثرِ إصدارِ رئيسِ جمعيةِ الثقافةِ الأمازيغيةِ المغربيةِ محمد شفيق بياناً يطالبُ فيهِ بالاعترافِ باللغةِ الأمازيغيةِ كلغةٍ رسميةٍ، وإدخالِها في مناهجِ التعليمِ، بالإضافةِ الى المطالبةِ بتخصيصِ أوقاتِ في وسائلِ الإعلامِ المغربيةِ للتعريفِ بالثقافةِ الأمازيغيةُ، بجانبِ رفعِ الحظرِ عنْ تسجيلِ المواليدِ بأسماءٍ أمازيغيةٍ، وانعاشِ التنميةِ الاقتصاديةِ بالمناطقِ الفقيرةِ التي يسكنُ فيها الأمازيغُ، تلاهُ مطالبةُ نشطاءِ أمازيغِ في أبريلَ من العامِ ذاتهِ خلالَ بيانِ رسميِ لمطالبةِ الحكومةِ المغربيةِ بالترخيصِ لإنشاءِ محطةِ تلفزيون خاصةً بأمازيغِ المغربِ، والاعترافِ بحقوقهِم الثقافيةِ، وإعادةِ الاعتبارِ للتراثِ الأمازيغيِ في المغربِ.
اعقبهُم في أوائلِ مايو ٢٠٠٠، طوافُ مسيرةٍ سلميةٍ بشوارعِ الرباطِ للمطالبةِ بالاعترافِ رسمياً بالهويةِ الأمازيغيةِ وتدريسِ اللغةِ الأمازيغيةِ في المدارسِ، وقد كانَ في مقدمةِ المتظاهرينَ رئيسُ الكونغرسِ العالميِ الأمازيغيِ آنذاكَ “رشيد راخة”.
وصولاً إلى خطابِ “أجدير” الذي ألقاهُ العاهلُ المغربيُ الملكُ محمد السادس عام 2001 وأكدَ فيه على أنَّ النهوضَ بالأمازيغيةِ “مسؤوليةٌ وطنيةٌ”، مروراً بدسترةِ اللغةِ الأمازيغيةِ عامَ 2011 ووصولاً إلى قرارٍ ملكيٍ بإقرارِ رأسِ السنةِ الأمازيغيةِ عيداً وطنياً وعطلةً رسميةً مؤدىَ عنها.[1]
الأمازيغيةُ والتعليمُ، تأسيسُ المعهدِ الملكيِ للثقافةِ الأمازيغيةِ: في ينايرَ ٢٠٠٢، تمَّ تأسيسُ معهدِ الثقافةِ الأمازيغيِ بغرضِ الحفاظِ على التراثِ الأمازيغيِ، وأكدَ الملكُ محمد السادس خلالَ افتتاحِ المعهدِ أنَّ الهويةَ المغربيةَ متعددةٌ لأنها بُنيتْ على روافدَ عدةٍ أمازيغيةٍ وعربيةٍ وصحراويةٍ أفريقيةٍ وأندلسيةٍ، وفي ينايرَ ٢٠٠٣، اعترافُ الملكِ محمد السادس بحرفِ “تيفيناغ” كحرفٍ رسميٍ للكتابةِ الأمازيغيةِ تنفيذاً لتوصيةِ المعهدِ الملكيِ للثقافةِ الأمازيغيةُ، وعليهِ تمَّ الاعترافُ باللغةِ الأمازيغيةِ كلغةٍ رسميةٍ وظهرتٰ مطبوعاتٌ عدةٌ بها، بجانبِ البدءِ في تطبيقِها على نحوِ 300 مدرسةٍ ابتدائيةٍ مغربيةٍ تمهيداً لتعميمِ تدريسِها في جميعِِ المدارسِ، اعقبَها في سبتمبرَ منَ العامِ ٢٠٠٣، ندوةُ بالرباطِ طالبتْ بالتوسعِ في تدريسِ الأمازيغيةِ في كلِ مدارسِ المغربِ، شريطةَ ألا يكونَ ذلكَ على حسابِ المطالبِ السياسيةِ والثقافيةِ للأمازيغِ، وفي اكتوبرَ من العامِ ذاتهِ عُقدَ مؤتمرٌ أمازيغيٌ تحتَ شعارِ “من أجلِ تعليمٍ أمازيغيٍ موحدٍ”.[2]
مراحلُ المسألةِ الأمازيغيةِ بليبيا:
قانونُ منعِ الأسماءِ الأمازيغيةِ: في ٢٠٠١، صدرَ القانونُ رقمُ 24 لعامِ ٢٠٠١ والذي بموجبهُ يُمنعُ التسمي بالأسماءِ غيرِ العربيةِ في السجلاتِ الحكوميةِ، وفي سبتمبرَ ٢٠١٩ أعلنتْ مصلحةُ الأحوالِ المدنيةِ في الجهةِ الغربيةِ (باعتبارِ أنَّ ليبَيا منقسمةٌ إلى غربِ وشرق)، منعَ استعمالِ الأسماءِ غيرِ العربيةِ (الأمازيغية) مطلعَ ديسمبرَ منْ عامِ ٢٠١٩ وفقَ المادةِ من القانونِ رقم 24 لعامِ 2001، وفرضَ عقوبةٍ بغرامةٍ ماليةٍ تقدرُ بـ 1000 دينارٍ ليبيٍ لمنْ يخالفُ هذا القانونَ، في خطوةٍ وصفَها الأمازيغُ بغيرِ القانونيةِ، لا سيَّما أنهَا تتجاوزُ التحويراتِ التي أُدخلتْ على قانونِ السجلُ المدنيِ بعد سقوطِ نظامِ معمرِ القذافي.[3]
المعارضةُ الليبيةُ في الخارجُ: نظمتْ المعارضةُ الخارجيةُ الليبيةُ يوم ١٦ يناير ٢٠٠٤ مظاهرةً شاركَ فيها نشطاءُ أمازيغُ للمطالبةِ بالكفِ عن قهرِ الأمازيغِ سياسياً وثقافياً، وعن اضطهادِ أتباعِ المذهبِ الإباضيِ، والسماحِ بإقامةُ مؤسساتٍ تعليميةٍ ودينيةٍ للإباضيةِ، وفي سبتمبرَ ٢٠٠٤، عقدَ المؤتمرُ الليبيُ للأمازيغيةُ اجتماعاً موسعاً في مدينةُ لندن استمرَ ثلاثةَ أيامٍ، وقدْ أوصىَ باستمرارِ حملةِ “الحقُ الأمازيغيُ” تحتَ شعارِ “لا تقتلوا اسمي الأمازيغي”، وفي ديسمبرَ منَ العامِ ذاتهِ، أصدرَ المؤتمرُ بياناً نددَ فيه بإعدادِ السلطاتِ الليبيةِ قوائمَ سوداءَ تضمُ نشطاءَ الحقِ الأمازيغيِ داخلَ وخارجَ ليبَيا، والمطالبينَ بالاعترافِ باللغةِ الأمازيغيةِ، في ضوءِ التحريضِ على ملاحقتهُم داخلياً وخارجياً.[4]
الاعترافُ بإقصاءِ الأمازيغِ: اعتبَر سيفُ الإسلامِ القذافي نجلُ الزعيمِ الليبيِ في سبتمبر ٢٠٠٥ أنَّ الأمازيغيةَ جزءٌ من الثقافةِ الليبيةِ، وانتقدَ أثناءَ زيارتهِ للمناطقُ الأمازيغيةِ في اغسطسَ ٢٠٠٤، القانون رقم 24 الذي يمنعُ التسميِ بالأسماءِ الأمازيغيةِ.
وفي نوفمبرَ من العامِ ٢٠٠٥، استقبلَ العقيدُ معمر القذافي رئيسَ الكونغرسِ العالميِ الأمازيغيِ الدكتور “بلقاسم لوناس”، على الرغمِ من عدمِ اعترافِ أيٍّ من دولِ المغربِ العربيِ بالمؤتمرِ الذي ضمَّ ناشطينَ أمازيغ منَ الجزائر والمغرب وليبيا ومالي والنيجر.
وفي العام ٢٠٠٧ صدرَ قرارٌ عن اللجنةِ الشعبيةِ العامةِ يسمحُ بالتسميِ بالأسماءِ البربرية في ليبَيا على غرارِ الأسماءِ العربيةِ.[5]
مراحلُ المسألةِ الأمازيغيةِ في الجزائرُ:
مسألةُ التعريبِ: بدئتْ أولى مراحلِ التعريبِ في الجزائرِ (إدخالُ اللغةِ العربية كلغة وطنيةٍ بعدما كان الاستعمارُ الفرنسيُ قد أعلنَها لغةً أجنبية في الجزائرِ عامَ 1936) في عهدِ أحمد بن بلة، ففي ٥ يوليو ١٩٦٢، اعتبرَ إعلانُ الرئيسِ الجزائريِ الأسبقِ أحمد بن بلة في خطابهِ حولَ مسألةِ التعريبِ كضرورةٍ لأنهُ لا اشتراكيةَ بلا تعريبٍ ولا مستقبلٍ لهذا البلدِ دونَ التعريبِ، والذي شكلَ حينَها بدايةَ تفاعلِ المسألةِ الأمازيغية في تاريخِ الجزائرِ الحديثِ.
وبدأتْ أولى المواجهاتِ بينَ دعاةِ الأمازيغيةِ والسلطةِ حولَ المسألةِ اللغويةِ في عهدِ الرئيسِ الجزائريِ “بومدين”، وباتتْ فرنسا حينَها مركزاً للتعبيرِ عن المطلبِ الأمازيغيِ حيثُ أنشئتْ في نهايةِ الستينياتِ بباريسَ الأكاديميةُ البربريةُ، ففي يومِ ٢٦ ابريلَ ١٩٦٨، وقعَ الرئيسُ الجزائريُ “بومدين” مرسوماً يلزمُ كلَ الموظفينَ الجزائريينَ بأن يكونوا على معرفةٍ كافيةٍ باللغةِ الوطنيةُ (العربية) عندَ توظيفهِم، ومنعتْ السلطاتُ الجزائريةُ بينَ عاميِ 1974 و1975 التسميِ بأسماءٍ غيرِ عربيةٍ.
وفي 19 يونيو 1977 أثناءَ مباراةٍ بحضورِ الرئيسِ بومدين، رفعَ مناصروُ فريقِ “شبيبة القبائل” شعاراتٍ معارضةً مثلَ “اللغة الأمازيغية ستعيش” وقد أدىَ الحادثُ إلى تغييرِ اسمِ فريقِ شبيبة ِالقبائلُ إلى فريقِ “إلكترونيك تيزي وزو”.
الربيعُ الأمازيغيُ: أو كمَا يطلقُ عليهِ باللغةِ الأمازيغيةِ (فقسوت أمازيغ) والذي يمثلُ عنواناً لمواجهاتٍ اندلعتْ بينَ قواتِ الأمنِ الجزائريةِ، وبين الطلبة ونشطاءِ الحركةِ الأمازيغيةِ بولايةِ تيزي وزوو، والتي جاءتْ على إثرِ منعِ السلطاتِ الجزائريةِ في مارسَ 1980 الروائيِ والأديبِ مولود معمري منْ إلقاءِ محاضرةٍ في الشعرِ الأمازيغيِ القديمِ بجامعةِ حسناؤه في مدينةِ تيزي وزوو.
وفي عامِ 1990 شهدتْ منطقةُ القبائلِ أو الأمازيغِ إضراباً واسعَ النطاقِ من قبلِ سكانِ المنطقةِ، تمثلـ في امتناعِهم عن إرسالُ أبنائهِم للمدارسُ ما تسببَ في إلغاءِ العامِ الدراسيِ، الأمرُ الذي دفعَ السلطةَ الجزائريةَ على تلبيةِ مطلبِ تدريسِ اللغةِ الأمازيغيةِ في المدارسِ الواقعةِ بالمدنِ ذاتِ الأغلبيةِ الأمازيغيةِ، ويعتبرُ هذا الإنجازُ أولَ انتصارٍ للحركِة الأمازيغيةِ بالجزائرُ.
لكنْ لم يخمدْ الحراكُ المطلبيُ، وعادَ أكثرَ شراسةٍ وقوةٍ فيما سُميَ بــ “الربيعِ الأسودِ”، حيثْ اندلعتْ احتجاجاتٌ واسعةٌ ومواجهاتٌ عنيفةٌ بين المتظاهرينَ وقوىَ الأمنِ بعدَ مقتلِ الشابِ “ماسينيسا قرباح”، في أبريلَ ٢٠٠١ داخلَ مقرِ الدركِ الوطنيِ.
تلاهَا في مايو من العامِ نفسهِ، انسحابُ حزبِ التجمعِ منْ أجلِ الثقافةِ والديمقراطيةِ من الحكومة. والذي يوصفُ ومعهُ حزبُ الجبهةِ الشعبيةِ الاشتراكيةِ بأن قاعدتهَما الشعبيةَ أمازيغيةٌ في الأساسِ.[6]
تنسيقيةُ العروشِ والاعترافُ باللغةِ الأمازيغية: كانتْ الأحداثُ السابقةُ سبباً في ظهورِ “تنسيقيةِ العروشِ” والتي تأسستْ في يونيو ٢٠٠١ وضمتْ أبرزَ العائلاتِ في القبائلِ الأمازيغيةِ وممثلينَ عن الفعالياتِ البربريةِ المختلفة، خاصةً منظماتِ المجتمعِ المدنيِ. أيضاً هي الحركةُ التي بموجِبها أجبرتْ السلطةَ على فتحِ حوارٍ معهَا، ففي سبتمبر ٢٠٠١، دعَا الرئيسُ الجزائريُ عبد العزيز بوتفليقة “تنسيقية العروش” الى تسليمِ عريضةِ مطالبَ سمتْ بـ”أرضية القصر “، طالبتْ فيها الحركةُ بضرورةِ اعتبارِ اللغةِ الأمازيغيةِ لغةً وطنيةً، مع سحبِ قواتِ الدركِ من منطقةِ القبائلِ، وانتهىَ الحوارُ بإصدارِ الرئيسِ بوتفليقة مرسوماً رئاسياً في مارس/آذار 2003 يدرجُ اللغةَ الأمازيغيةَ كلغةٍ وطنيةٍ في الدستورِ، ومن ثمَّ تمَ الاعترافُ رسمياً باللغةِ الأمازيغيةِ كلغةٍ وطنيةٍ دونَ مساواتِها بالعربيةِ بموافقةٍ برلمانيةٍ، وأصبحتْ وسائلُ إعلامِ الدولةِ تقدمُ نشراتٍ مفصلةً بالأمازيغيةِ منذُ ذلكَ الوقتِ، وفي 3 أكتوبرَ من العامِ ذاتِه، دعَا رئيسُ الوزراءِ علي بن فليس ممثليِ “العروش” ليؤكدَ لهُم الموافقةَ على أربعة ٍمن أصلِ 12 مطلباً، ورغمَ الإنجازاتِ والمكاسبِ التي تحققتْ لأمازيغِ الجزائرِ، إلا أنَّ أهمَّ إنجازٍ هو اعتمادُ لغتهِم كلغةٍ وطنيةٍ ورسميةٍ مساويةٍ للغةِ العربيةِ في آخرِ تعديلٍ دستوريٍ صادقَ عليه البرلمانُ الجزائريُ في 7 فبرايرَ 2016.[7]
حركةُ استقلالِ منطقةِ القبائلِ (ماك)؛ تأسستْ الحركةُ الانفصاليةُ التي عرفتْ اختصاراً باسمِ (الماك) عام ٢٠٠٢، على يدِ فرحات مهنى، للمطالبةِ بالحكمِ الذاتيِ في منطقةِ القبائلِ التي غالبيةُ سكانهِا منَ الأمازيغِ، عندما كانتْ المنطقةُ تعيشُ مشاداتٍ عنيفةً بينَ المواطنينَ ورجالِ الأمنِ ضمنَ أحداثِ “الربيعِ الأمازيغيِ”، واتخذتْ الحركةُ من باريسَ مقراً لهَا، وهي حركةٌ غيرُ مرخصةٍ في الجزائرِ و صنفتَها الحكومةُ في مايو ٢٠٢١ ضمنَ قائمةِ المنظماتِ الإرهابيةِ، وظلتْ الحركةُ تطالبُ بحكمٍ ذاتيٍ، قبلَ أنْ تنتقلَ للمطالبةِ باستقلالِ منطقةِ القبائلِ التامِ عن الجزائر ِفي 2013، وفي خريفِ عامِ 2022 صدرَ حكمْ غيابيْ في الجزائرِ بالسجنِ المؤبدِ بحقِ مهني، واحد من ضمنَ سلسلةً من الأحكامِ على أعضاءِ منظمةِ “ماك”، التي أعلنتَها السلطاتُ “جماعة إرهابية”.[8]
والجديرُ بالإشارةِ ايضاً الى أن أمازيغَ منطقةِ القبائل ليسوا إلا مجموعةً واحدةً فقط من مجموعِ أمازيغِ الجزائرِ، ويمثلونَ الجماعةَ الأكثرَ تسيسًا وتصادمًا معَ الدولةِ، بخلافِ الجماعاتِ الأمازيغيةِ الأخرىَ، اذْ تستمدُ مجموعةُ منطقةِ القبائلِ قوتَها من قدراتِها التنظيميةِ ودورِها التعبويِ، وأيضاً منْ خلالِ الدعمِ الخارجيِ لهَا من الجانبِ الفرنسي، والتي تمثلُ مهدَ ميلادِ حكومةِ الحركةِ، بجانبِ إسرائيلَ التي تلعبُ دورَ الداعمِ الأساسيِ للحركةِ الانفصاليةِ، فلا يخفيِ “مهنّى” علاقتَه الوثيقةَ بتلِ أبيب، الأمرُ الذي أبداهُ على مسامعِ العالمِ أجمعِ عند سؤالهِ في حوارٍ لهُ على شاشةِ News 24 عن علاقةِ الحركةِ بإسرائيلَ وأجابَ نصًا: “صداقتنُا بإسرائيلَ وشعبِ إسرائيلَ ليستْ جديدةً.. هذا شعبٌ عانىَ على مدارِ العصورِ وقاتلَ من أجلِ الحفاظ ِعلى استقلالِ دولتهِ”.
تطورُ الموقفِ الجزائريِ تجاهَ المكونِ الأمازيغيِ:
يجبُ التمييزُ بوضوحٍ بينَ موقفِ النظامِ الجزائريِ تجاهَ المجتمعِ الأمازيغيِ ككلٍ قبلَ عامِ 1988 وبعدهُ. فقبلَ ذلكَ الوقتِ، كان تهميشُ المجتمعِ الأمازيغيِ في السياسةِ والثقافةِ هو الموقفُ السائدُ في الجزائرِ، وراحَ القبائليونَ ينددونَ بالتهميشِ ويطالبونَ نظامَ بلادهِم بإيجادِ تسويةٍ نهائيةٍ للمسألةِ الأمازيغيةِ وطالبوا بضرورةِ الاعترافِ بحقوقِ الأمازيغِ اللغويةِ والاقتصاديةِ والديمقراطيةِ بصفةٍ عامةٍ ، لكن سرعانَ ما كانَ النظامُ الجزائريُ يمارسُ ضدهَم القمعَ والترهيبَ لتظلَ معضلةَ القبائلِ حاضرةً تهدأُ لفترةِ ثم تعودُ إلى العصيانِ لتذكرَ حكامَ الدولةِ بأنَ القضيةَ لم تنتهْ ولن تنتهِ أبداً دونَ حصولِ توافقٍ بينَ الأمازيغِ وبينهُم.[9]
وبعدَ أن ألغىَ دستورُ عامَ 1989 ديكتاتوريةَ الحزبِ الواحدِ وانتقلَ إلى نظامِ التعدديةِ الحزبيةِ، تمَّ الاعترافُ بالأحزابِ العرقيةِ الأمازيغيةِ وبدأتْ تلعبُ دورًا نشطًا في المشهدِ السياسيِ الجزائريِ، في الوقتِ نفسهِ، أزيلتْ القيودُ المفروضةُ على تعليمِ اللغةِ الأمازيغيةِ وتعلمِها، إلى أنَّ نصَ دستورِ عامَ 2016 على الاعترافِ رسمياً بإحدىَ اللهجاتِ الأمازيغيةِ .كلغةٍ وطنيةٍ، وأنْ تعملَ الدولةُ على تعزيزِها وتطويرِها بكل تنوعهِا.
والجانبُ الأكثرُ أهميةً هو تحصينُ المادةِ المتعلقة باللغة الأمازيغية كلغةٍ وطنيةٍ ورسميةٍ إلى جانبِ اللغةِ العربيةِ، وجعلهَا من الموادِ التي ستُعفى من التغييرِ نتيجةً لتعديلاتِ الدستورِ الجزائريِ لعامِ 2020، الأمرُ الذي يعنيِ أنهُ مهما تغيّر رأسُ النظامِ الجزائريِ، لا يمكنُ التراجعُ عن هذهِ الميزةِ الكبرىَ، وقد واجهَ هذا التعزيزُ الدستوريُ معارضةً شرسةً من المدافعينَ المتشددينَ عن اللغةِ العربيِة في الجزائرِ، وعارضَهم النظامُ، فمنَ الإنصافِ إذن أن نذكرَ تطورَ موقفِ النظامِ الجزائريِ من القضيةِ الأمازيغيةِ.[10]
فرحات مهنى رئيسُ حركةِ “الماك” يعلنُ ميلادَ دولةِ القبائلِ:
في يومِ السبتِ الموافقِ ٢٠ أبريلَ الجاري، أعلنَ فرحات مهنى رئيسُ الحركةِ من أجلِ استقلال منطقة القبائل والمعروفة باسمِ “الماك”، من أمامِ مقرِ الأممِ المتحدةِ بنيويورك؛ قيامَ دولةِ جمهوريةِ القبائلِ الديموقراطيةِ وعاصمتُها تيزي وزو، الواقعةُ شرقَ الجزائرِ والتي يسكنُها جزءٌ من أمازيغِ الجزائرِ، وذلكَ بعد سنواتٍ من القمعِ والاضطهادِ السياسي الممارسينِ عليهم، وتمَ رفعُ أعلامٍ وطنيةٍ للجمهوريةِ ذاتهِا في مقرِ الأممِ المتحدةِ، ورددَ الحضورُ النشيدَ الوطنيَ لدولتهِم، تلاهُ إعلانُ “مهنى” عنْ قيامِ دولتهِ والتمسَ من جميعِ دولِ العالمِ الدعمَ والمساندةَ، وكشفتْ المعطياتُ ذاتُها أن جمهوريةَ القبائلِ باتتْ تتوفرُ على ممثلةٍ باسمِها داخلَ الأممِ المتحدةِ وتدافعُ عن القضيةِ، ومن المقررِ أن ترفعَ تقاريرُ عن الوضعِ المتأزمُ في اعتقادِهم الذي يعيشهُ شعبُ القبائلِ، مؤكداً أن القبائلَ تعتبرُ المغربَ أولويةً وتتطلعُ لفتحِ تمثيلٍ دبلوماسيٍ لهَا في الرباطِ، معتبراً أن تيزي وزو تقدمُ فرصة ًذهبيةً للمغربِ لوقفِ عملياتِ التوسعِ الجزائريةِ. [11]
والجديرُ بالذكرِ أنَّ “مهنى” الذي يقيمُ في فرنسَا من سنواتٍ طويلةٍ قد اتخذَ عدةَ خطواتٍ قبلَ الإعلانِ عن قيامِ دولتهِ والانفصالِ، اذ بدأَ في عامُ ٢٠١٠ في منفاهُ في فرنسَا بتأسيسِ حكومةٍ لأمازيغِ منطقةِ القبائلِ، تلاهُ وضعُ دستورٍ للحكومةِ، وعزمَ على استخراجِ بطاقاتِ هويةٍ لأمازيغِ القبائلِ واتخذَ لهم نشيدًا وطنيًا، في خطواتٍ أظهرتْ الانفصالَ كتطورٍ طبيعيٍ مترتبٍ على سلسلةِ التطوراتِ السالفةِ، وإن كانَ تطوراً بالغَ الخطورةِ على مستقبلِ الدولِ الوطنيةِ العربية ِليس فقط مستقبلَ الجزائرِ.
وبررَ “مهنّى” اقبالهَ على اعلانِ خطوةِ الانفصالِ وتبنيهِ هذا الخيارَ بإرجاعهِ إلى أمرينِ؛ الأمرُ الأولُ باعتبارِ أن فرنسَا هي التي ضمّتْ منطقةَ القبائلِ إلى الجزائر ولم تكنْ جزءًا منها قبل ذلك، وأنَّ حركتَهُ كانتْ بالفعلِ تطالبُ بالحكمِ الذاتيِ ولم تلقْ دعوتُها استجابةً، الأمرُ الذي طوّرَ مطالبَ الحركةِ نحوَ الانفصالِ عنْ الجزائرِ.[12]
دلالةُ التوقيتِ، وردودُ الفعلِ الجزائريِ حولَ اعلانِ قيامِ دولةِ القبائلِ :
كانَ لاختيارِ “مهنى” ليومِ الإعلانِ عن دولتهِ محملًا بإشاراتٓ هدفُها استحضارُ التاريخِ الأمازيغيِ لمنطقةِ القبائلِ، وذلكَ بمناسبةِ “تافسوت إمازيغن”، التي تصادفُ 20 أبريل من كلِ سنةٍ، والمعروفِ باسمِ “الربيعِ الأمازيغي” على خلفيةِ اصطدامِ أمازيغِ المنطقةِ بقواتٍ منَ الأمنِ لمنعِ ندوةٍ للشاعرِ الأمازيغيِ “مولود معمري” كمَا أشرنَا سلفًا، وتشيرُ الساعةُ التي أعلنَ مهنى حينَها عن قرارهِ، في الساعةِ ٦:٥٧ مساءا لتوقيتِ إحدىَ معاركِ أمازيغ المنطقةِ مع الاستعمارِ الفرنسيِ في ١٨٥٧، ومن ثمَّ فإنَّ الحمولةَ التاريخيةَ لإعلانِ نشأةِ الدولةِ والانفصالِ كانتْ ذاتَ دلالةٍ واضحةٍ.[13]
وقد شهدتْ الجزائرُ ردودَ فعلٍ ساخطةٍ بعدَ إعلانِ الحركةِ عن تنظيمِ دولةِ القبائلِ وجديرٌ بالذكرِ أنَ حركةَ الماكِ تُعدُ منَ التنظيماتِ المصنفةِ إرهابياً، اذ وصفَ الحزبُ الجزائريُ “جبهةَ التحريرِ الوطنيِ” أصحابَ المسعىَ الانفصاليِ بـ “الحركيِ الجددِ”، في إشارةٍ إلى المتعاونينَ مع الاستعمارِ الفرنسيِ خلالَ حربِ التحريرِ. وعبّرَ الحزبُ المقرَّبُ منَ السلطةِ، في بيانٍ مساءَ الخميسِ، عنْ توقعهِ المسبقِ لتلكَ الخطوةِ الخطيرةِ التي أقدمتْ عليهَا “الماكُ”، مؤكدا “انهُ لم يتفاجأْ من خطوةِ إعلانهِا المزعومِ بشأنِ منطقةِ القبائلِ، التي تشكلُ جزءاً لا يتجزأُ من الجزائرِ الواحدةِ والموحدةِ”؛ كما استنكرتْ “حركةُ مجتمعِ السلمِ” الإسلاميةِ ما عرفتهُ بأنهُ “انسلاخاً وارتداداً خطيراً، وطعنةً غادرةً لتضحياتِ الملايينَ من شهداءِ الجزائرِ”. [14]
وبناءً علي ما سبقَ، فإنَّ اعلانَ حركةِ الماكِ عن انفصالِ منطقةِ القبائلِ وتشكيلهِا دولةً أمازيغيةً مستقلةً عن الجزائرِ، يُعد تطوراً خطيراً لم يحظْ باهتمامٍ عربيٍ مناسبٍ في ظلِّ الأحداثِ الجارية في قطاعِ غزةَ، وتجاهلُ مثلِ هذا الإعلانِ له تداعياتهُ باعتبارِ أن الأمازيغَ جماعةٌ قوميةٌ كبيرةٌ تتوزعـ على كلِ الشمالِ الإفريقيِ، ويعدُ تطورا بالغَ الخطورةِ على مستقبلِ الدولِ العربيةِ أجمعِ ليسَ فقط مستقبلَ الجزائرِ، الأمرُ الذي يعنيِ تيسيرَ خطوةَ الانفصالُ لكلِ أقليةٍ تختلفُ قومياً مع الأغلبيةِ العربيةِ او دينيًاً معَ الأغلبيةِ المسلمةِ السنيةِ في ظلِ التنوعِ الشديدِ الذي يميزُ الدولَ العربيةَ والذي باتَ موضعَ تهديدٍ لها، ومن ثمَّ فإنَّ المسألةَ الأمازيغيةَ تحتاجُ معالجتَها إلى حذرٍ شديدٍ حتى لا يتمادىَ الوضعُ من دولةٍ الى اخرى.َ
المصادر:
[1] من “التجاهل” إلى “الاعتراف”.. المسألة الأمازيغية بين عهدين في المغرب، صحيفة أصوات مغاربية، مايو ٢٠٢٣. https://shorturl.at/ciyD9
[2] محطات أمازيغية، قناة الجزيرة، يناير ٢٠١٦. https://shorturl.at/JUVX1
[3] كريمة ناجي، أسماء الأمازيغ ممنوعة في ليبيا… بالقانون، اندبندنت عربية، ديسمبر ٢٠١٩. https://shorturl.at/flzHM
[4] محطات امازيغية، مرجع سابق.
[5] المرجع نفسه
[6] الربيع الأمازيغي بالجزائر.. حراك من أجل الهوية، الجزيرة، مارس ٢٠١٦.
[7] ياسين بودهات، بعد سبع وثلاثون عاما من النضال، ماذا حقق أمازيغ الجزائر، منتدى فكرة، أكتوبر ٢٠١٧. https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/bd-sb-wthlathwn-ama-mn-alndal-madha-hqq-amazygh-aljzayr
[8] ماك ورشاد: ماذا نعرف عن هاتين الحركتين ولماذا صنفتهما الحكومة الجزائرية ضمن “قائمة الإرهاب”؟، قناة بي بي سي الاخبارية، أغسطس ٢٠٢١.
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-58269903
[9] عزيز أمعي، ترسيم الأمازيغية في الدستور الجزائري ،هل هو مكسب وطني أم مناورة سياسية؟، منبر هسبريس، يناير ٢٠١٦. https://shorturl.at/tJKPQ
[10] نيفين مسعد، الأمازيغ فى الفضاء المغاربي «1ــ2»، جريدة الأهرام، أبريل ٢٠٢٤.
[11] محمد ايت حساين، فرحات مهني يعلن ميلاد “دولة القبائل”، جريدة هسبريس، أبريل ٢٠٢٤. https://shorturl.at/svCMW
[12] نيفين مسعد، مرجع سابق.
[13] المرجع السابق.
[14] إعلان «دولة القبائل» يثير سخطاً في الجزائر، صحيفة الشرق الأوسط، أبريل ٢٠٢٤.