في ظل أجواء إقليمية متوترة ومشحونة بالتحديات، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء 11 فبراير العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض، في لقاء جمعهما لمناقشة مجموعة من القضايا الهامة المتعلقة بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ومن أبرزها الوضع في قطاع غزة، وتعد تلك الزيارة الأولى التي يقوم بها حاكم عربي إلى واشنطن منذ تولي ترامب منصبه.
عُقد هذا اللقاء في وقت حساس للغاية، بعد أن أثار ترامب جدلاً واسعًا بخططه الخاصة بتهجير سكان قطاع غزة، وهو ما أدى إلى ردود فعل قوية خاصة من الدول العربية، كما تأتي الزيارة في أعقاب تصاعد التوترات بين حركة حماس وإسرائيل، بعد اختراق الأخيرة الهدنة بإطلاقها طائرات مسيرة في سماء غزة صباح الاثنين 10 فبراير، بينما امتنعت حماس عن تسليم الرهائن تعبيرًا عن احتجاجها على عدم الالتزام بالاتفاق.
دلالات توقيت الزيارة:
شهدت زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن توقيتًا بالغ الأهمية بالنسبة للأردن والمنطقة العربية.
بالنسبة للمنطقة، فجاءت الزيارة في ظل تصاعد التوترات في قطاع غزة، نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، فمنذ بدء سريان الاتفاق في 19 يناير 2025، تم رصد أعداد جاسمة من الخروقات الإسرائيلية منذ بدأ سريان الاتفاق وحتى صباح اليوم الأربعاء 12 فبراير الجاري، شملت توغلات عسكرية، وإطلاق نار، وقصف، وتحليق جوي مكثف، إلى جانب تعطيل إدخال المساعدات الإنسانية ومتطلبات إعادة الإعمار. [1]
في المقابل، امتنعت حركة حماس عن تسليم الرهائن المحتجزين لديها، مشترطةً التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وردًا على ذلك، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة، مهددًا بعواقب وخيمة إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن، مما يعزز احتمالات انهيار الاتفاق ويدفع المنطقة نحو مزيد من التوتر والتصعيد.
من جانب اخر؛ أثارت تصريحات ترامب الأخيرة حول نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن ردود فعل قوية وشديدة اللهجة سواء شعبياً أو رسمياً؛ حيث تضمنت تصريحاته اقتراحات تدعو كلا البلدين لاستقبال مزيد من اللاجئين بسبب الظروف الإنسانية الصعبة الناتجة عن التصعيد الإسرائيلي.
كما أعادت تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن ضرورة توطين اللاجئين الفلسطينيين بالأردن فتح النقاش حول موقف المملكة خلال فترة تصاعد أحداث “صفقة القرن” تحت إدارة ترامب عام 2019 حين طلب العاهل الأردني وقتها استضافة عدد أكبر من اللاجئين الفلسطينيين مما دفع العديد من القوى السياسية والبرلمانية والحزبية لإصدار بيانات تندد بأي مشاريع تستهدف تهجير أو حل القضية الفلسطينية.[2]
بالنسبة للأردن، فتعتبر الولايات المتحدة حليفاً استراتيجيًا للأردن، وفي خطوة مثيرة تؤثر على مسار العلاقة بين الولايات المتحدة والأردن، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في نهاية يناير الماضي قرارًا بوقف المساعدات الخارجية القائمة والجديدة لجميع الدول لمدة تسعين يوماً لإجراء مراجعة.
جاء قرار الإدارة الأمريكية الجديدة بتجميد المساعدات المالية للأردن رغم توقيع عمان وواشنطن مذكرة التفاهم المتقدمة والمتعددة السنوات (2023-2029) والتي تتضمن تقديم واشنطن مساعدات مالية سنوية للمملكة تصل إلى 1.45 مليار دولار للفترة بين 2023 و2029، كمساعدات اقتصادية وعسكرية أساسية، مما يمثل زيادة بنسبة 13.7% مقارنة بالمذكرة السابقة؛ كما كان من المتوقع أن تبلغ مساعدات الكونغرس للأردن بحلول عام 2025 حوالي 2.1 مليار دولار.[3]
سبق هذا القرار إعلان آخر للرئيس السابق دونالد ترامب بسحب السفيرة الأمريكية بشكل فوري من العاصمة الأردنية عمان، ولم تتضح الأسباب المباشرة لهذه الخطوة المتعلقة بالسفيرة الشابة يائيل لامبرت التي كانت قد تولت منصبها لفترة قصيرة فقط.
وفي هذا السياق؛ زار ملك الأردن عبد الله الثاني لندن يوم الخميس الموافق السادس من فبراير كجزء من جولة عمل سبقت لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بواشنطن للتأكيد على موقف المملكة الرافض لتهجير الفلسطينيين ودعمهما لحل الدولة الواحدة بعد تصريحات ترامب المثيرة للجدل بشأن غزة.
موقف الأردن من القضية الفلسطينية:
تُعتبر المملكة واحدة من أبرز الدول المؤيدة للقضية الفلسطينية؛ حيث يؤكد الملك عبد الله الثاني باستمرار على الموقف الثابت للمملكة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، كما أن الأردن يستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين؛ إذ تشير التقديرات إلى وجود حوالي 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) داخل المملكة، إضافة الى أن العديد من هؤلاء اللاجئين يحملون الجنسية الأردنية مما يمنحهم إمكانية الوصول للخدمات الاقتصادية والصحية والتعليمية، ويظهر هذا الدعم حرص الأردن على توفير حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين مع الحفاظ على حقهم في العودة والتعويض وفقاً للقرارات الدولية.[4]
بالإضافة إلى ذلك، يرفض الأردن أي حلول مطروحة للقضية الفلسطينية تتعارض مع مصالحه الوطنية، وقد أوضح الملك عبد الله الثاني سابقاً أن “القضية الفلسطينية لن تُحل على حساب المملكة”، مؤكدًا بأن “الأردن واثق بنفسه ويعتمد على وعي شعبه وقوة جيشه وأجهزته الأمنية”.[5]
نتائج لقاء الملك عبد الله الثاني والرئيس ترامب:
أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات تتعلق بالوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
دعم ضم الضفة الغربية وإدارة غزة: أبدى ترامب تأييده لفكرة ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، مؤكدًا أن “الأمر سينجح”، كما صرح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة ستقوم بإدارة قطاع غزة “بطريقة صحيحة”، وأشار إلى أن الفلسطينيين سيتمكنون من العيش بأمان في مناطق أخرى غير القطاع، مُعللًا الأمر بأن غزة لم تعد ملاذًا آمنًا بالنسبة للفلسطينين، مدللًا على ذلك بموافقة كلٍ من الأردن ومصر لإيواء سكان غزة، ونفى نية الولايات المتحدة شراء غزة قائلاً: “لن نقوم بشرائها، لكننا سنسيطر عليها ونديرها بشكل صحيح جداً”، وأضاف أن خطته تهدف لجلب السلام للمنطقة، وعندما سُئل عن الجهة التي تخول له السيطرة على غزة، ذكر ترامب أنها ستكون “بموجب السلطة الأمريكية”.
التعاون مع مصر: عبّر ترامب عن ثقته الكبيرة بنسبة 99% بقدرة الوصول إلى حل مع مصر، مشيرًا إلى إمكانية وجود أراضٍ في الأردن ومصر يمكن للفلسطينيين العيش فيها، وزعم أيضًا أن العديد من القادة العرب يوافقون على فكرته ويعتبرونها وسيلة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
فضلا عن ذلك، لفت الرئيس الأمريكي الانتباه إلى الدعم المالي الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة لكل من الأردن ومصر ملمحًا بنفي واشنطن أي تهديدات بشأن هذه المساعدات.[6]
من جانبه أكد الملك عبد الله الثاني على عدة نقاط يمكن توضيحا كالتالي:
موقف الأردن الثابت تجاه القضية الفلسطينية: خلال الزيارة، أكد الملك عبدالله الثاني على موقف الأردن الرافض بشدة لأي محاولات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، وشدد على أهمية بقاء الفلسطينيين في أراضيهم ورفض أي حلول أحادية تناقض حقوقهم المشروعة، مشيرًا إلى ضرورة الوصول إلى سلام عادل شامل يستند على حل الدولتين مع إقامة عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية.
– أعلن الملك أيضًا استعداد بلاده لاستقبال ألفي طفل فلسطيني من المرضى من غزة، وهو ما وصفه الرئيس ترامب بأنه “لفتة جميلة”.
موقف الأردن بشأن مقترح التهجير:أفاد العاهل الأردني بأن العرب سيقومون بتقديم رد فعل حول الاقتراح المذكور، لافتًا أنه يعتزم إجراء مشاورات بهذا الخصوص في السعودية، وأكد الملك عبدالله على أن “علينا التفكير بطريقة تحقق مصلحة الجميع”، مضيفًا أنه “من الضروري الانتظار حتى نرى ما ستقدمه مصر بالنسبة لوضع قطاع غزة”.[7]
وفي ضوء التوقيت السياسي الراهن، تعكس هذه التصريحات ترقب الأردن للقمة العربية المزمع عقدها في 27 فبراير، والتي من المتوقع أن تشهد تنسيقاً عربياً موسعاً لبحث القضية المطروحة، وبالتالي، يمكن فهم تصريحات الملك على أنها دلالة على أن الموقف الرسمي الأردني سيتشكل بناءً على نتائج المشاورات العربية المرتقبة، لا سيما الأشقاء في مصر والسعودية.
التأكيد على الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة: أعرب الملك عبدالله الثاني عن بالغ أهمية العلاقة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة مؤكدًا بأن التعاون يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل بعيداً عن التهديد أو الضغط.
– وقد ناقش العاهل الأردني والرئيس الأمريكي سبل تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بينما شدد بشكل خاص على أن الأردن شريك وليس تابع للولايات المتحدة.[8]
ختامًا:
يمكن استنتاج أن زيارة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن جاءت في إطار محاولة لجسّ النبض حيال موقف الإدارة الأميركية الجديدة، ليس فقط من منظور أردني بل أيضًا نيابة عن الدول العربية الشقيقة، بشأن اقتراح التهجير القسري للفلسطينيين، ومن المتوقع أن تتضح تفاصيل الموقف العربي بشكل أوسع بعد القمة المزمع عقدها في 27 فبراير الجاري، حيث ستشكل مخرجاتها أساسًا للتعامل مع هذه التطورات الحساسة.
