تقدم الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” بمقترح سلام لكييف والغرب، خلال اجتماعه مع قيادة وزارة الخارجية الروسية، مؤكدًا استعداد موسكو للمفاوضات مجددًا، مشددًا على استحالة التوصل إلى حل سلمى فى أوكرانيا بشكل خاص والأمن الأوروبى بشكل عام دون مشاركة روسيا.
وتم تحديد عدة شروط للتوصل إلى التسوية السلمية فى أوكرانيا، وهى سحب القوات الأوكرانية من الأقاليم الأربعة التى ضمتها روسيا بعد استفتاءات لم يعترف بها، وهى دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا الواقعة فى شرق وجنوب أوكرانيا. والاعتراف بهم، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول، كأجزاء لا تتجزأ من روسيا، وتثبيت ذلك فى المعاهدات الدولية، إلى جانب ضمان حقوق وحريات ومصالح المواطنين الناطقين بالروسية فى أوكرانيا بشكل كامل، فضلًا عن توقف محاولات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسى “الناتو”، وأن تكون دولة محايدة خارجة عن أى تكتل وخالية من الأسلحة النووية، وأخيرًا إلغاء جميع العقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب، مع إعلان كييف استعدادها للاعتراف بالأقاليم الأربعة التى ضمتها موسكو، وأيضًا الإخطار بشكل رسمى عن تخليها عن طموحاتها بالانضمام إلى «الناتو، ستصدر روسيا على الفور أمرًا بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات.
وهو الأمر الذى رفضته أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف «الناتو»، حيث ذكر الرئيس الأوكرانى، “فولوديمير زيلينسكى” أن هذه رسائل تحذيرية لا تختلف عن رسائل الماضى، وأضاف مستشار الرئيس الأوكرانى “ميخايلو بودولياك”، أن “بوتين يعرض على أوكرانيا الاعتراف بالهزيمة والتخلى بشكل قانونى عن أراضيها لروسيا والتوقيع على التنازل عن سيادتها الجيوسياسية”، وأكد وزير الدفاع الأمريكى، “لويد أوستن” فى بروكسل، “إنه –بوتين- ليس فى وضع يسمح له بأن يملى على أوكرانيا ما يجب عليها فعله لتحقيق السلام”. وقال أمين عام حلف «الناتو» “ينس ستولتنبرغ”، إن شرط الرئيس الروسى لوقف إطلاق النار بانسحاب القوات الأوكرانية من المناطق الروسية الجديدة سيكون تحقيقًا لأهداف روسيا.[1]
السياق الراهن
أولًا – استمرار تقدم القوات الروسية على المستوى الميدانى:
تسيطر روسيا تقريبًا على خمس الأراضى الأوكرانية فى السنة الثالثة من الحرب. وشنت مؤخرًا، خلال شهر مايو المُنصرم، هجومًا بريًا كبيرًا فى منطقة خاركيف الواقعة فى شمال شرق البلاد، محققة “نجاحات تكتيكية”، بحسب هيئة الأركان العامة الأوكرانية، وتتمتع موسكو بميزة التفوق العددى على القوات الأوكرانية فى ساحة المعركة، وتعانى كييف من مشكلات تتعلق بالتعبئة والتجنيد والروح المعنوية فى صفوف قواته، وقد سن البرلمان الأوكرانى مؤخرًا قانون يخفض سن التجنيد لدى الشباب من 27 عامًا إلى 25، فضلًا عن تشديد العقوبات على الذين يتهربون من أداء الخدمة العسكرية.[2]
ثانيًا – قمة فى سويسرا لبحث إحلال السلام فى أوكرانيا:
اجتمع اليوم زعماء العالم، فى سويسرا، وذلك على خلفية أعمال قمة دولية لبحث خارطة طريق محتملة للسلام فى أوكرانيا، وذلك وسط غياب لروسيا، ووفقًا لمسؤولين سويسريين، سينضم أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة، بما فى ذلك الرئيس الأوكرانى “فولوديمير زيلينسكى”، ونحو 100 وفد من بينهم الأمم المتحدة وهيئات أوروبية، إلى التجمع فى منتجع “بورغنشتوك” المطل على بحيرة لوسيرن.
وستشارك واشنطن بحضور نائبة الرئيس الأمريكى، “كامالا هاريس”، بينما ترسل المملكة العربية السعودية وتركيا وزيرى خارجيتهما، كما سيتم تمثيل الدول النامية الرئيسية، مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا على مستويات أدنى، بينما تنضم الصين إلى عشرات الدول التى لا تشارك فى المؤتمر باعتبار أن القمة لم تلب مطالب بكين، وتتضمن القمة عددًا من البنود على جدول الأعمال، ومنها السلامة النووية، المساعدة الإنسانية وتبادل أسرى الحرب، والأمن الغذائى العالمى.[3]
ثالثًا – توقيع واشنطن وكييف اتفاقية أمنية لـ10 سنوات:
وقع الرئيس الأمريكى “جو بايدن” ونظيرة الأوكرانى “زيلينسكى” اتفاقية أمنية لمدة 10 سنوات، تهدف إلى تعزيز دفاعات أوكرانيا، وتتلخص أبرز بنودها كالتالى:
أولًا: فى حالة وقوع هجوم مسلح أو التهديد بمثل هجوم روسيا على أوكرانيا، سيجتمع كبار المسؤولين من كلا البلدين فى غضون 24 ساعة للتشاور بشأن الرد وتحديد الاحتياجات الدفاعية الإضافية التى تحتاجها أوكرانيا.
ثانيًا: التزام واشنطن بتقديم دعم مادى طويل الأمد لكييف.
ثالثًا: تقديم التدريب والاستشارات والاستدامة والاستخبارات والأمن والدفاع الصناعى والمؤسسى وأنواع أخرى من الدعم لتطوير قوات الأمن والدفاع الأوكرانية.[4]
رابعًا – مواصلة الدعم الغربى لكييف:
توصل قادة مجموعة السبع G7 إلى اتفاق على “تخصيص 50 مليار دولار” (46,13 مليار يورو) لأوكرانيا من خلال استخدام الأصول الروسية المجمدة، وذلك قبل نهاية العام الحالي،[5] وتعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال منظومة صواريخ باتريوت أخرى إلى أوكرانيا للتصدى للهجوم الروسى المكثف الذى يستهدف منطقة خاركيف شمال شرقى أوكرانيا،[6] كما أنهى وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسى اجتماعًا تنسيقيًا ببروكسيل بهدف حشد المزيد من الدعم المالى والعسكرى لأوكرانيا.[7]
ومما سبق، يهدف توقيت مبادرة الرئيس بوتين – والتى تعد المرة الأولى منذ بدء الحرب فى أوكرانيا– إلى استباق القمة السويسرية التى يسعى من خلالها “زيلينسكى” إلى حشد الدعم الدولى لمقترح كييف لإنهاء الحرب، واستعداد روسيا للتفاوض على الرغم من عدم دعوتها لحضور المؤتمر خوفًا من استغلال حضورها لغرض الاستعراض فقط، ويُتوقع أن يكون مسار إقناع الدولتين للجوء إلى مفاوضات جدية لوقف الحرب فى أوكرانيا مسارًا طويلًا، نتيجة لعدم رغبة موسكو فى إطلاق المفاوضات إلا بعد الاعتراف بالمكاسب التى تم تحقيقها على الأرض، بالإضافة إلى ضمان حياد أوكرانيا، وهو ما يتعارض كليًا مع الشروط التى تضعها كييف فى بدء التفاوض، وتعتبرها بمثابة استرضاء للمعتدى، الأمر الذى يعتبره العديد من المحللين أن كلمة السر الأخيرة ستأتى من الولايات المتحدة.
المصادر:
[1]الخليج، “بوتين يقدم مبادرة سلام عشية مؤتمر سويسرا”، 15 يونيو 2024.
