قراراتُ ترامب الجمركية: صدمةٌ اقتصاديةٌ تهزُ أسسَ التجارة العالمية

إعداد: إسراء عادل

باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية

في خُطوةٍ مثيرةٍ للجدل، اتخذ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قراراً بفرضِ تعريفاتٍ جمركيةٍ عالية على واردات بعض الدول، بما في ذلك الصين وكندا والمكسيك، وجاءت تلك القرارات في إطار سعيه لتغيير الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة عبر استراتيجيةٍ تجاريةٍ تهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية.

ومن هنا شكّلتْ السياسةُ التجاريةُ للرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترامب” نقطةَ تحولٍ تاريخية في مسار العلاقات التجارية العالمية، فخلال فترة رئاسته الأولى من (2017-2021) اتخذ ترامب سلسلة من القرارات الحمائية غير المسبوقة، بدأتْ بفرْضِ رسومٍ جمركيةٍ على الصلب والألمنيوم وتطورت إلى حرب تجارية شاملة مع الصين، واستمر في الدفاع عن هذه السياسات مؤكداً أنها ساهمت في حماية الصناعات الأمريكية وتحسين الميزان التجاري للولايات المتحدة.

وفي سياق حملته السياسية لانتخابات الرئاسة الأمريكية في 2024، دافعَ ترامب بقوةٍ عن سياساته التجارية السابقة، معتبراً أن التعريفاتِ الجمركيةَ كانت أداةً فعالةً في مواجهة ما وصفه بالممارسات التجارية غير العادلة للصين وكندا والمكسيك، بدعوى حماية الاقتصاد الأمريكي من المنافسة غير العادلة وتقليل العجز التجاري.

ولكن هذه القرارات التي كانت جزءاً من سياسة “أمريكا أولاً”، أثارت جدلاً واسعاً من قِبلِ الدول المستهدفة، والتي سارعت إلى فرْضِ رسومٍ مماثلةٍ على السلع الأمريكية، مما أدى إلى اندلاعِ حربٍ تجاريةٍ عالميةٍ خلّفتْ تداعياتٍ اقتصاديةً وسياسيةً هائلةً. وفي هذا الإطار تبرز عدة تساؤلات حول دوافع وأهداف ترامب من فرض التعريفات الجمركية، ومدى تأثيرها على الاقتصاد العالمي؟، وكيف واجهت الدول المستهدفة تلك القرارات ؟، وهل نجحت هذه السياسات في تحقيق أهدافها أم أنها أضرت بالنظام التجاري العالمي؟

أولًا: دوافعُ وأهدافُ ترامب من فرْضِ التعريفات الجمركية: “بين الاقتصاد والسياسة”

شكّلت السياسةُ التجاريةُ لترامب تحولاً جذرياً في النهْجِ الأمريكي تجاه التجارة العالمية، فقد مزجت بين الأهداف الاقتصادية المباشرة والطموحات السياسية الأوسع، مما أدى إلى إعادة تشكيل العلاقات التجارية العالمية بشكلٍ غير مسبوق. وبالتالي تتمحورُ دوافعُ وأهداف الرئيس ترامب حول قيامه بفرض الرسوم الجمركية على الواردات من كندا والمكسيك والصين، فضلاً عن تهديداته المستمرة بفرْضِ رسومٍ على وارداتِ الاتحادِ الأوروبي أيضاً فيما يلي:

1- تبريرُ ترامب للتعريفاتِ الجمركية:

اعتمدَ ترامب في تبريره للتعريفات الجمركية على حُجةِ حمايةِ الأمنِ القومي الأمريكي، مستنداً إلى المادة 232 من قانون التوسّع التجاري لعام 1962، والتي تمنح الرئيس الحق في تجاوز اتفاقيات التجارة الحرة إذا كانت التعريفاتُ الجمركيةُ تخدمُ مصلحةَ الأمن القومي. كما ركّز ترامب في خطاب تنصيبه على ضرورة حماية الصناعات الاستراتيجية الأمريكية من المنافسة الأجنبية غير المتكافئة، مؤكداً أن الوارداتِ الرخيصةَ، وخاصةً من الصين، تهددُ القاعدةَ الصناعيةَ الأمريكية وتضر بالعمال الأمريكيين.^[1]

وبناءً عليه، وقّع الرئيس “دونالد ترامب” في مطلع فبراير الجاري، أوامر تنفيذية بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات المكسيكية والكندية باستثناء واردات الطاقة الكندية التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 10%، كما فرض رسوماً بنسبة 10% على السلع القادمة من الصين.

وبررَ ترامب هذه الإجراءات باتهامِ الدول الثلاث بلَعبِ دورٍ في أزمة الفنتانيل في أمريكا (وهي مادة مخدرة قاتلة من مشتقات الأفيون)، حيث وجّه ترامب اتهاماتهِ للصين بأنها تصدرُ المكونات الأساسية للعقار إلى المكسيك، مما يُتيحُ لعصابات المخدرات المكسيكية تصنيع الفنتانيل الذي يتمُّ بيعهُ بعد ذلك في الولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر، انتقد ترامب أيضاً المكسيك وكندا لعدم سيطرتها بشكلٍ فعالٍ على تدفقات الهجرة غير النظامية. وبذلك هاجم ترامب الشركاء التجاريين الرئيسيين الثلاثة الذين يمثلون مجتمعين أكثر من %40 من واردات تدخلُ الولايات المتحدة، وطالبهم بوقْفِ تدفقِ عقار الفنتانيل والمهاجرين غير الشرعيين، ليُشعلَ حرباً تجاريةً قد تقوّضُ النمو العالمي وتؤجج التضخم.^[2]

2- الخطابُ السياسيُ والإستراتيجية الداخلية:

تميزَ الخطاب السياسي لترامب بتركيزه على مفهوم “أمريكا أولاً” في السياسة التجارية، فقد نجح في تأطير القضايا التجارية كمعركةٍ لحمايةِ المصالح الأمريكية وإعادةِ المجد للصناعة الوطنية، واستهدف خطابه بشكلٍ خاصٍ العمالَ في المناطق الصناعية التقليدية، واعداً بإعادة إحياء القطاعات المتضررة من العولمة، كما ربطَ بشكلٍ مباشرٍ بين السياسات التجارية والأمن الاقتصادي للطبقة العاملة الأمريكية.

3- الأبعادُ الإستراتيجيةُ والجيوسياسية:

امتدتْ أهدافُ السياسةِ التجارية لترامب إلى ما هو أبعدُ من الاقتصاد المباشر، فقد استخدم التعريفات كأداةٍ للضغط في المفاوضات الدولية، خاصة مع الصين، سعياً لتحقيق تنازلات في مجالات مثل حماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا، وشملتْ استراتيجيتهُ أيضاً إعادةَ تشكيلِ سلاسل التوريد العالمية لتقليل الاعتماد على الصين. ومن جهةٍ أخرى هدفتْ سياساتهُ إلى إضعاف المشروع الاقتصادي الصيني العالمي، وخاصةً مبادرة “الحزام والطريق” والتي تُعدُ من أبرز الأسباب التي تدفع واشنطن لمحاولة زعزعة استقرار الصين، فهذه المبادرة التي تربط آسيا وإفريقيا وأوروبا بشبكة من الممرات الاقتصادية، تمثل تحدياً مباشراً للهيمنة الأمريكية.^[3]

وبناء على ما سبق، فقد أظهرتْ سياسةُ ترامب التجارية تشابكاً معقّداً بين الأهداف الاقتصادية والسياسية، حيث استخدم القضايا التجارية كأداةٍ للسياسة الخارجية، مزجاً بين المصالح التجارية والأمنية، كما وظف المفاوضات التجارية للضغط على الشركاء والمنافسين في قضايا تتجاوز التجارة، مثل التعاون الأمني والسياسي، وقد أدى هذا التداخل إلى تغيير جوهري في طبيعة العلاقات التجارية العالمية.

ثانيًا: التأثيرُ الاقتصاديُ على الولايات المتحدة: “بين المكاسب والخسائر”

شكّلتْ التعريفاتُ الجمركيةُ التي فرضها ترامب تجربةً اقتصاديةً غير مسبوقة للاقتصاد الأمريكي، حيث أحدثت تأثيرات متباينة على مختلف القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية، وقد أظهرت الدراسات الاقتصادية نتائج متناقضة حول فعالية هذه السياسة.

فمن ناحية، أدت التعريفات الجمركية إلى تغييراتٍ هيكليةٍ في القطاع الصناعي الأمريكي، فقد استفادت بعض الصناعات، خاصة في قطاع الصلب والألمنيوم، من الحماية المتزايدة ضد المنافسة الأجنبية، وشهدت بعض المصانع إعادة تشغيل خطوطِ إنتاجٍ كانت متوقفةً، خاصة في ولايات الحزام الصناعي.

ولكن على الجانب الأخر، واجهت الصناعات التي تعتمدُ على الموادِ الخام المستوردة ارتفاعاً في تكاليف الإنتاج، مما أثّر سلباً على قدرتها التنافسية، خاصة مع تنّوع المنتجات التي تستوردها أمريكا من الدول الثلاث، فالنسبة لكندا، تعتمد الولايات المتحدة على مواد البناء الكندية كالأخشاب والفحم، والحبوب، والألومنيوم والصلب، وكذلك المشروبات الكحولية. أما المكسيك، فقد تتركز الواردات على المنتجات الغذائية والزراعية، وفيما يتعلق بالصين، فقد تُشكّلُ الإلكترونيات جزءاً كبيراً من الواردات، إلى جانب الألعاب، والأحذية، والمنتجات المنزلية.

وظهر ذلك جلياً، حيث أدتْ الرسومُ الجمركيةُ إلى زيادةٍ كبيرةٍ في تكاليف السيارات والالكترونيات الاستهلاكية المستوردة من الصين، الأمر الذي أدي إلى ارتفاع الأسعار، وأثّرَ على المستهلكين الأمريكيين. وبالنسبة لقطاع البناء، فقد شهد أيضاً زيادةً كبيرةً في التكاليف بسبب الرسوم على المواد المستوردة من المكسيك مثل الجير والجص، وتشير التوقعات إلى أن هذه الزيادة قد تصل إلى 4 مليارات دولار، ما قد يرفعُ أسعارَ المواد الخام ويؤثر على مشاريع البناء.^[4]

ومن هنا، يبدو أن استراتيجيةَ ترامب التجارية التي تقوم على فرْضِ الرسومِ الجمركيةِ، تسببت في حلقةٍ مُفرغةٍ من ارتفاع التكاليف وانخفاض الطلب، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وبالتالي فإن هذه الخطوة تركت آثاراً سلبيةً على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، وأثرت على الشركات والمستهلكين الأمريكيين الذين يعانون بالفعل من التضخم. فعلى الرغم من الهدف المعلن بتخفيض العجز التجاري، لم تحققْ التعريفاتُ الجمركيةُ النتائجَ المرجوّةَ في هذا المجال، لذلك من المتوقع في الفترة المقبلة ان تؤدي هذه الرسوم إلى انخفاضٍ حادٍ في النمو الاقتصادي الأمريكي على مدى عامين على الأقل، مع توقعات بانخفاض الناتج الاقتصادي بنسبة 1.5% في عام 2025، وتراجع إضافي بنسبة 2.1% في عام 2026.^[5]

ثالثًا: ردودُ الفعلِ الدوليةِ: كيف واجهت الصين وكندا والمكسيك الحرب التجارية؟

أثارتْ السياساتُ التجاريةُ الأمريكيةُ تحت إدارة ترامب موجةً من ردود الفعل الدولية، خاصةً من الشركاء التجاريين الرئيسيين، وقد تنوعت هذه الردود بين إجراءات انتقامية مباشرة واستراتيجيات اقتصادية طويلة المدى لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكي.

الردُّ الصيني: “إستراتيجية متعددة المحاور”

عبّرتْ بكين عن استيائها الشديد ورفْضِها القوي لقرارات ترامب بفرْضِ الرسوم الجمركية، كما أكدت على أنها ستتقدم بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية وستتخذ التدابير المضادة المناسبة لحماية حقوقها ومصالحها. وبالتالي يبدو أن الصين ستواجهُ التعريفاتِ الأمريكيةَ باستراتيجيةٍ شاملةٍ تجمع بين الإجراءات قصيرة وطويلة المدى. فعلى المستوى المباشر، ستقوم بكين بفرْضِ تعريفاتٍ انتقاميةٍ على البضائع الأمريكية بقيمة تتجاوز 110 مليار دولار تقريباً، مستهدفةً على وجه التحديد المنتجات الالكترونية والسيارات. وعلى المدى الطويل، ستقوم الصين بتنفيذ استراتيجية “التعميم المزدوج” التي تهدفُ إلى تعزيز الاستهلاك المحلي وتطوير القدرات التكنولوجية الذاتية.^[6]

وعلى الجانب الآخر، أدّتْ الحربُ التجاريةُ التي أشعلها ترامب إلى تحولاتٍ جوهريةٍ في العلاقات التجارية الصينية، فقد عززت بكين علاقاتها التجارية مع دول آسيا وأوروبا، فضلاً عن توقيع اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، كما سعت أيضاً إلى تكثيف استثماراتها في مبادرة “الحزام والطريق” لتنويع شبكات التجارة والاستثمار.

ردُّ المكسيك وكندا:

من جهتها، تعهدتْ رئيسةُ المكسيك “كلاوديا شينباوم” بفرْضِ رسومٍ جمركيةٍ انتقاميةٍ على الولايات المتحدة، وتدابير أخرى دفاعاً عن مصالح المكسيك، كما رفضت “شينباوم” الافتراءات التي وجهها البيت الأبيض بأن الحكومةَ المكسيكيةَ لها تحالفاتٌ مع المنظمات الإجرامية. وفي المقابل، اتهمت “شينباوم” شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية ببيع أسلحة إلى هذه الجماعات الإجرامية في المكسيك.

ومن جانبه، أعلنَ رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو”، أن كندا ستردُ بفرْضِ رسومٍ جمركيةٍ مماثلةٍ بنسبة 25% على سلع أمريكية بقيمة 155 مليار دولار، بما في ذلك البيرة والنبيذ والأخشاب والأجهزة، كما حذّرَ ترودو المواطنين الأمريكيين من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب سترفعُ تكاليفَ المواد الغذائية والبنزين بالنسبة لهم، الأمر الذي يؤدي إلى إغلاق مصانع تجميع السيارات والحدِّ من إمدادات السلع مثل النيكل والبوتاس واليورانيوم والصلب والألمنيوم. وحثَّ مواطني كندا أيضاً على الامتناع عن السفر إلى الولايات المتحدة ومقاطعة المنتجات الأمريكية.^[7]

ومن هنا، يبدو أن الدولَ المتضررةَ ستسعى إلى تنويع علاقاتها التجارية لتقليل اعتمادها على السوق الأمريكي. فبالنسبة لكندا ستقوم بتعزيز علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، أما المكسيك ستقوم بتكثيف جهودها لتنويع صادراتها وتعزيز التجارة مع أمريكا الجنوبية وآسيا.

وبالتالي، فقد أظهرتْ ردودُ الفعلِ الدولية تحولاً في النظام التجاري العالمي نحو مزيد من الإقليمية والتعددية القطبية، فقد أدت الحرب التجارية إلى تسريعِ عمليةِ إعادة تشكيل العلاقات التجارية العالمية، وتعزيز التوجه نحو تكوينِ تكتلاتٍ اقتصاديةٍ إقليميةٍ، وزيادة الاهتمام بتنويع الشركاء التجاريين وتقليل الاعتماد على أسواق محددة.

رابعًا: التداعياتُ العالميةُ: هل أسهمتْ سياسات ترامب في إضعاف النظام التجاري العالمي؟

شكّلتْ السياساتُ التجاريةُ لإدارة ترامب نقطةَ تحول محورية في النظام التجاري العالمي، متجاوزة تأثيراتها المباشرة لتؤسس لتغييرات هيكلية في العلاقات الاقتصادية الدولية وقواعد التجارة العالمية. ومن هنا تتمحور التداعيات الناتجة عن قرارات ترامب بفرض رسوم جمركية وإشعال حرب تجارية عالمية:

– تحول النظام التجاري العالمي: فقد شهدَ النظامُ التجاري العالمي تحولاً جذرياً نتيجة السياسات الأمريكية، وتراجعَ الالتزامُ بمبادئ التعددية والتجارة الحرة التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأدى هذا التحول إلى صعود نزعة الحمائية التجارية عالمياً، حيث تبنّتْ العديدَ من الدول سياسات حمائية مماثلة، مما أدّى إلى زيادة التعريفات الجمركية العالمية بنسبة 27% خلال فترة إدارة ترامب.

– أزمةُ منظمةِ التجارة العالمية: إن الفرضَ الأحاديَ للرسوم الجمركية من قِبلِ الولايات المتحدة ينتهكُ بشكلٍ خطيرٍ قواعدَ منظمة التجارة العالمية، حيث شكلت هذه الرسوم تحدياً للنظام متعددِ الأطراف الذي تعتمد عليه المنظمة، خاصة أن هذه الإجراءات لم تُتخذْ عبر منظمة التجارة العالمية، بل كانت خطوة أحادية من الولايات المتحدة، مما أثارَ تساؤلاتٍ حول فعالية المنظمة في حل النزاعات التجارية. وقد تقدمتْ دولٌ مثل الصين بشكاوى إلى المنظمة، معتبرة أن هذه الرسوم انتهاك للقواعدِ المُتفقِ عليها، مما أضعفَ الثقةَ في قدرةِ المنظمةِ على حماية مصالح الدول الصغيرة والمتوسطة. ومن ثمَّ فهذه التداعياتُ دفعتْ العديدَ من الدول إلى إعادة التفكير في ضرورةِ تحديثِ قواعد التجارة الدولية لمواجهة التحديات الراهنة في ظل تزايد النزعة الحمائية من قبل بعض الدول الكبرى.

– تحولُ سلاسل التوريد العالمية: أحدثت التوترات التجارية الحالية تحولاتٍ عميقةً في هيكل سلاسل التوريد العالمية، فقد دفعتْ حالةُ عدم اليقين الشركات متعددة الجنسيات إلى تبنّي استراتيجياتٍ جديدةً للتكيف مع الواقع التجاري، وقد شهدت سلاسل التوريد تحولاً تدريجياً من النموذج العالمي إلى النموذج الإقليمي، حيث فضلت الشركات تقصير مسافات التوريد وتقريب مراكز الإنتاج من أسواقها النهائية.

– تأثيرُ السياساتِ على الأسواق الناشئة: شهدتْ الأسواقُ الناشئةُ تحولاتٍ جوهريةً في مكانتها ضمن الاقتصاد العالمي، فقد استفادت دول جنوب شرق آسيا، وخاصة فيتنام وماليزيا وتايلاند، من إعادةِ توجيهِ سلاسل التوريد العالمية، وسجّلتْ هذه الدول زيادةً كبيرةً في الاستثمارات الصناعية المباشرة، ولكن هذا النمو صاحبَه تحدياتٍ كبيرةً للاقتصادات الناشئة الأخرى، التي عانت من تراجع التجارة العالمية وارتفاع تكاليف التمويل نتيجة حالة عدم اليقين الاقتصادي.

– تعزيزُ التكتلات الإقليمية: شهدتْ الساحةُ الاقتصاديةُ العالميةُ تسارعاً في وتيرةِ التكامل الإقليمي كردِّ فعلٍ على السياسات التجارية الأمريكية، فقد مثل توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في آسيا نقطة تحول مهمة، حيث أنشأت أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، كما عززَ الاتحادُ الأوروبيُ جهوده نحو تحقيقِ استقلاليةٍ استراتيجيةٍ أكبر، خاصةً في مجالات التكنولوجيا والطاقة. وفي أمريكا اللاتينية، أدت التوترات التجارية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي وتطوير آليات جديدة للتكامل التجاري.

– تغيّرُ المشهد الجيواقتصادي: أدتْ السياساتُ التجاريةُ الأمريكيةُ إلى تسريع التحول نحو نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب، فقد عززتْ الصين موقعها كقوةٍ اقتصاديةٍ عالميةٍ من خلال توسيع نطاق مبادرة “الحزام والطريق” وتعميق علاقاتها الاقتصادية مع دول آسيا وأفريقيا. وفي الوقت نفسه، برزت قوى اقتصاديةٌ جديدةٌ، مثل الهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا، كلاعبين مؤثرين في الاقتصاد العالمي، مما أسهم في تشكيل نظام تجاري أكثر تعقيداً وتعددية.

ختامًا يمكن القول:

على الرغم من أن سياساتِ ترامب التجارية هدفتْ إلى تقويةِ الاقتصاد الأمريكي، إلا أن نتائجَها كانت متباينةً، فقد استفادت بعض الصناعات، لكن ارتفاع التكاليف والتوترات التجارية أضرتْ بقطاعاتٍ أخرى. وعلى الصعيد الدولي، فإن التداعياتِ العالميةَ لسياسات ترامب التجارية تُشيرُ إلى استمرارِ تأثيراتها في تشكيل النظام التجاري العالمي لسنوات قادمة، فقد أحدثت تغييرات هيكلية في طبيعة التجارة الدولية، وأعادت تشكيلَ آلياتِ حلٌِ النزاعات التجارية، وغيّرتْ بشكلٍ جذريٍ استراتيجيات الشركات العالمية، كما أسهمت في إعادة توزيع القوة الاقتصادية عالمياً، مؤسسةً لمرحلةٍ جديدةٍ من العلاقات الاقتصادية الدولية تتسمُ بمزيدٍ من التعقيد والتنافسية.

المصادر:

^[1] غنوة كنان، 4 دول عربية ستستفيد من رسوم ترامب الجمركية، إرم بيزنس، 16 ديسمبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/S3gdzwvT

^[2] سكاي نيوز عربية، “الحرب الجمركية” اندلعت.. هجوم دولي ثلاثي على قرارات ترامب، 2 فبراير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/S1kbP9xK

^[3] بسم زكارنه، عودة ترامب: بداية فصل جديد من المواجهة الشاملة مع الصين، وكالة وطن للأنباء، 3 يناير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/BlGWsByJ

^[4] مازن إسلام، بالتضخم وغلاء الأسعار.. الرسوم الجمركية تصيب “أمريكا أولا” في مقتل، القاهرة الإخبارية، 3 فبراير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/sjB49dVH

^[5] سامح جريس، تداعيات كارثية.. اقتصاد ترامب “ضحية محتملة” لحرب الرسوم الجمركية، القاهرة الإخبارية، 2 فبراير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/RSI0VmmL

^[6] العربية، الصين تردّ على قرار ترامب فرض رسوم جمركية عليه، 2 فبراير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/qZJHw0Cz

^[7] الجزيرة، حرب ترامب الجمركية.. الصين تتمهل وكندا ترد والمكسيك تفعّل الخطة ب، 2 فبراير 2025، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/ktAEH