المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > قمةٌ أوروبيةٌ في بريطانيا
قمةٌ أوروبيةٌ في بريطانيا
- يوليو 22, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
مصطفي أحمد مقلد
باحث فى العلوم السياسية
انعقدتْ قمةُ المجموعةِ السياسيةِ الأوروبيةِ علي يومينِ نهايةَ الاسبوعِ الماضيِ بقصرِ بلينهايم ببريطانيا مسقطِ رأسِ وينستون تشرشل خلالَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، بحضورِ 45 قائدٍ سياسيٍ أوروبيٍ للتباحثِ حولَ قضايا دعمِ أوكرانيا والدفاعِ عن الديمقراطيةِ، والهجرةِ والطاقةِ والأوضاعِ في الشرقِ الأوسطِ من خلالِ التركيزِ على تطوراتِ حربِ غزة، بجانبِ ذلك، فللمرةِ الأولى يشاركُ في القمةِ حلفُ شمالِ الأطلسيِ ومنظمةُ الأمنِ والتعاونِ في أوروبا ومجلسِ أوروبا.
وتمثلُ القمةُ منصةً دبلوماسيةً تجمعُ قادةَ الدولِ الأوروبيةِ سواءٌ الدولُ داخلَ الاتحادِ أو خارجهِ، باستثناءِ روسيا وبيلاروسيا، في إشارةٍ واضحةٍ بأنه تجمعٌ مناهضٌ لروسيا، فقد انطلقت بدعوة من ماكرون عام 2022 بعد بدءُ الحربِ الأوكرانيةِ، بهدفِ السماحِ للدولِ غيرِ الأعضاءِ في الاتحادِ الأوروبيِ، وخاصةً أوكرانيا، التي كانتْ بدأتْ مواجهةٌ ضد الغزوِ الروسيِ حينهَا، بالمشاركةِ في تعاونٍ أوثقٍ مع بروكسل، وهي القمةُ الرابعةُ حتى الآنَ.
والغرضُ الحقيقيُ للمجموعةِ ليس اتخاذَ قراراتٍ رسميةٍ أو صياغةِ بياناتٍ، بل توفيرُ فرصةٍ لاجتماعٍ فضفاضٍ بينَ رؤساءِ الدولِ والحكوماتِ، لتعزيز ِالحوارِ ولتقريبِ وجهاتِ النظرِ تجاهَ القضايا المطروحةِ.
وتُعقدُ هذه القمةُ بعد أقلَ من أسبوعينِ على تسلمِ كير ستارمر، زعيمِ حزبِ العمالِ البريطانيِ، رئاسةَ الحكومةِ، وهو ما يمثلِ فرصةً ثمينةً، خاصةً في ظلُ حديثهِ عن ضرورةِ الحفاظِ علي العلاقاتِ مع أوروبا وترفيعِها، وهو ما كانً واضحاً خلالَ بيانٍ أدليَ به قبلَ القمةِ معتبراً أن القمةَ “ستمثلُ بدايةَ النهجِ الجديدِ لهذهِ الحكومةِ تجاهَ أوروبا”[1]، كذلك يسعَى ستارمر منذُ بدايةِ ولايتهِ إلى إظهارِ أن حكومتَهُ ستحافظُ على الدعمِ لكييف الذي بدأَ في عهدِ أسلافهِ المحافظينَ[2].
لكن من ناحيةٍ أخري، تأتيِ القمةُ وسطَ أجواءٍ سياسيةٍ تترقبُ فيها أوروبا الانتخاباتِ الرئاسيةَ الأميركيةَ التي من الممكنِ أن تُوصلَ دونالد ترمب مجدداً إلى البيتِ الأبيضِ وما يمثلهُ ذلك من تهديدٍ لمواصلةِ الدعمِ الأميركيِ لأوكرانيا.
واستضافَ “ستارمر” القادةَ الأوروبيينَ بعد أيامٍ فقط من ذهابِ الوزير ِالجديدِ للعلاقاتِ مع الاتحادِ الأوروبِي “توماس سيموندز” إلى بروكسل لبدءِ محادثاتٓ حولَ اتفاقِ “بريكست” جديد[3]، حيثُ عبرَ رئيسُ الوزراءِ البريطانيِ عن رغبتهِ في إعادةِ بلورةِ العلاقاتِ بينَ بلادهِ والاتحادِ الأوروبِي – بعد توترٍ سادَ العلاقاتِ في عهدِ حكوماتِ المحافظينَ- من خلالِ عقدِ اجتماعاتٍ بشكلٍ منتظمٍ مع قادةِ الاتحادِ الأوروبِي، لصياغةِ ترتيباتٍ أمنيةٍ أوثقِ، وتحسينِ اتفاقيةِ التجارةِ البسيطةِ بعدَ خروجِ بريطانيا من الاتحادِ الأوروبِي التي توصلَ إليها بوريس جونسون، رئيسُ الوزراءِ الأسبقِ، وإتاحةِ تعاونٍ أكبرَ في مجالِ الدفاعِ والهجرةِ والطاقةِ.
وقالَ وزيرُ العلاقاتِ الأوروبيةِ البريطانِي أن الجانبين “سيضعانِ بعضَ أسسِ هذهِ الشراكةِ في الخريفِ المقبلِ”، وأن المحادثاتِ مع بروكسلِ ستشملُ جهودَ إزالةِ الحواجزِ التجاريةِ الناجمةِ عن “بريكست”، وهو ما تحتاجهُ الشركاتُ البريطانيةُ والحكومةُ من قبلهِا لدفعِ معدلاتِ النموِ كأحدِ أهدافِ ورهاناتِ حكومةِ حزبِ العمالِ عبرَ تقليصِ الحواجزِ التي تعوقُ التجارةَ، ويجريِ الإعدادُ لعقدِ أولِ قمةٍ بينَ بريطانيا والاتحادِ الأوروبِي منذ “بريكست” لإقرار الشراكة الجديدة، ويتوقعُ مسؤولون أن تُعقدَ القمةُ في وقتٍ مبكرٍ من العامِ المقبلِ[4].
كذلك التقىَ ستارمر وماكرون وناقشَا سبلَ مكافحةِ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ لمنعِ آلافِ المهاجرينَ كلَ عامٓ من القيامِ برحلاتٍ محفوفةٍ بالمخاطرِ عبرَ القناةِ الإنجليزيةِ من فرنسا، ويشكلُ هذا اللقاءُ خطوةً لرسمِ الأطرِ وللتمهيدِ وإعادةِ تأهيلِ العلاقاتِ بين المملكةِ المتحدةِ وأوروبا، ومن الطبيعيِ أن تكونَ فرنسا أولَ المرحبينَ بعودةِ بريطانيا لتعزيزِ العلاقاتِ مع أوروبا، فلدى البلدانِ معاهدةُ تعاونٍ وشراكةٍ صناعيةٍ ودفاعيةٍ تعرفُ بمعاهدةِ “لانكاستر هاوس”.
وقد احتضنتْ القمةُ مساعيَ زيلينسكى وخطابَه، وقد حثَ خلالَ حديثهِ أثناءَ القمةِ، نظراءَه الأوروبيين على الحفاظِ على جبهةٍ موحدةٍ في دعمِ دفاعِ أوكرانيا ضد العدوانِ الروسي، وشددَ على أهميةِ التضامنِ بين الدولِ الأوروبيةِ في مواجهةِ الصراعِ المستمرِ.
وبدونِ تسميةِ فيكتور أوربان، الذي كانَ في القمةِ، انتقدهُ زيلينسكي واقترحَ أنه يمكنُ تهميشُه من قِبَلِ الحلفاءِ الغربيينَ[5]، بعدما أثارَ رئيسُ الوزراءِ المجري غضبَ قادةِ الاتحادِ الأوروبيِ الآخرينَ بزيارتهِ لفلاديمير بوتين في إطارِ ما سماهُ “مبادرةَ سلامٍ” لم يتمْ الاتفاقُ عليها من جانبِ دولِ الاتحادِ الأوروبيِ، وقد خرجَ فيكتور أوربان – بزيارتهِ لموسكو- عن الموقفِ الأوروبيِ المتمثلِ في أبداءِ الدعمِ الكاملِ لكييف وعزلِ روسيا[6]، وجاءَ ذلك بعدما تولتْ المجرُ الرئاسةَ الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي منذ الأول من يوليو الجاري، وهي مهمةٌ تقومُ على تنسيقِ العملِ التشريعيِ ولا تسمحٰ لها بالتحدثِ نيابةُ عن الأوروبيينَ على الساحةِ الدوليةِ.
واحتجتْ رئيسةُ وزراءِ إستونيا التي اختيرتْ أخيراً مسؤولَ السياسةِ الخارجيةِ الأوروبية، بقولهِا “إن فيكتور أوربان لا يمثلُ الاتحادَ الأوروبيَ بأي صورةٍ من الصورِ، وأنه يستغلُ رئاسةَ الاتحادِ الأوروبيِ لإحداثِ ارتباك”، وهو ما سيدفع الدبلوماسيون الأوروبيينَ لتنسيقِ جهودهِم لإقناعِ ترامب في حالُ فوزهِ بالانتخاباتِ بالحفاظِ على موقفٍ تفاوضيٍ جيدٍ لإنهاءِ الحربِ بشروطٍ معقولةٍ لكييف، باعتبارِ أن أي مسلكٍ غيرِ ذلك سيوفرُ لروسيا وضعاُ مهيمناً، مما يضعفُ موقفَ ترامب نفسهِ وفقَ محللينَ.
لم يكنْ هناك بيانٌ رسميٌ للقمةِ، ولكن تمَّ عقدُ مؤتمرٍ صحفيٍ ختامٍي وصفَ فيه ستارمر القمةَ بأنهَا “ناجحةٌ ومثمرةٌ”، وأضافَ أن القادةَ أكدوا مجدداً التزامَهم تجاهَ الرئيسِ زيلينسكي “مهَما استغرقَ الأمرُ”، مضيفاً أن بلادَه تقاتلُ من أجلِ “الحريةِ والديمقراطيةِ وسيادةِ القانونِ، وبالتاليِ فإن أمنَنا يبدأُ في أوكرانيا”.
المجموعةُ لا تزالُ ناشئةً وهي تفتقرُ إلى الهياكلِ الرسميةِ، علي أن يستفادَ من تصميمِها باعتبارِها شكلاً مرناً للتفاهمِ والحوارِ لكنَها بذلك معرضةٌ لأن تفشلَ في تحقيقِ نتائجَ ملموسةٍ، وهو الاتهامُ الذي يشير ُبه كثيرونَ نحوَها.
ختاما، فإن المستفيدَ من القمةِ هو ستارمر شخصياً وبريطانيا، فالدورُ الذي حاولَ ستارمر التعبيرَ عنه خلالَ القمةِ، كمدافعٍ عن الدولِ الأوروبيةِ ضد العدوانِ الروسيِ أعطاهُ فرصةً سانحةً للتأكيدِ على الأهميةِ الأمنيةِ للمملكةِ المتحدةِ بالنسبةِ لأوروبا خاصةً في ضوءِ التهديدِ بفكِ الارتباطِ الأمريكيِ مع الحديثِ عن احتماليةِ عودةِ ترامب للسلطةِ، لكن من ناحيةٍ أخري، سيجدُ نفسَهُ مضطراً للتعاملِ بحذرٍ خلالَ محاولتهِ إعادةَ ضبطِ العلاقاتِ مع الاتحادِ الأوروبِي، فمن ناحيةٍ، يسعيَ الرجلُ لتحقيقِ خطواتٍ إيجابيةٍ فيما يتصلُ بتحسينِ علاقاتِ الاتحادِ الأوروبيِ بما يعنيِ دفعَ الاقتصادِ للأمامِ وما ينطوي عليه ذلك من تحقيقِ وعودهِ لناخبيهِ، ومن ناحيةٍ أخرى، سيتعينُ عليه عدمُ الوقوعِ في فخِ الظهورِ بمظهرِ “التاجر” عبرَ جعلِ دعمِ أوكرانيا مشروطاً بالتنازلاتِ الاقتصاديةِ من جانبِ أوروبا.
المصادر:
[1] UK hosts Macron-inspired summit aimed at ‘resetting’ European relations… https://n9.cl/sxhj5
[2] European leaders discuss migration and Ukraine at a UK summit as concern grows about direction of US…. https://n9.cl/fgn2j
[3] مخاوف مستجدة من دور “بريكست” في استنزاف الاقتصاد البريطاني… https://n9.cl/dry5h
[4] حكومة ستارمر تسعى لإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي… https://n9.cl/ggdd8
[5] Russia Threat Reaches ‘Across Europe,’ U.K. Leader Tells Summit… https://n9.cl/9uay8
[6] أوروبا الغاضبة من أوربان تريد الحد من هامش المناورة لديه… https://n9.cl/6ci0xo