تحت شعار ” العدالة للأفارقة وللمنحدرين من أصلٍ أفريقيٍّ من خلال التعويضات”، افتتحت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعمال القمة العادية الـ38 للاتحاد الأفريقي، في يوميْ (15، 16) فبراير الجاري، بحضور قادة الدول الأفريقية وممثلين عن منظمات دولية وإقليمية، وتأتي هذه القمة في ظل تواترات إقليمية مُعقَّدة للغاية، أبرزها زيادة التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواند على خلفية الصراع في شرق الكونغو، ولذلك سعت القمة إلى معالجة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتعزيز الوحدة والتكامُل بين الدول الأعضاء، وإجراء الإصلاحات المؤسسية اللازمة لتفعيل دور الاتحاد الأفريقي في مواجهة التحديات التي تعصف بالقارة.
ظروف انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي الـ38
تأتي هذه القمة في ظل تحديات دولية وقارية متفاقمة، أبرزها التطورات الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية، التي أجبرت الرئيس الكونغولي فليكس تشيسيكيدي على إلغاء مشاركته في القمة، بالإضافة إلى مُستجدَّات الأوضاع في السودان وتمكُّن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على العديد من المواقع الحيوية في الخرطوم، كما تتزامن القمة أيضًا مع المطالبة بالتعويض عن الانتهاكات والعمل على كتابة التاريخ وتحقيق السيادة عبْر الاستقلال في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى ارتفاع الأصوات في عديد من الدول بضرورة الاعتراف بالأخطاء التاريخية والعمل على إصلاحها من قِبَلِ الدول الاستعمارية[1].
أبرز الدول المشاركة في القمة
حضر القمة رئيس جمهورية الجزائر السيد عبدالمجيد تبون، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الرئيس السابق للاتحاد، والرئيس الأنجولي جواو لورنسو الذي تسلم رئاسة الاتحاد الأفريقي، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، والرئيس التشادي محمد ديبي، ورئيس غانا جون ماهاما، ورئيس ليبيريا جوزيف نايومه بواكاي، ونظيره من موزمبيق دانييل فرانسيسكو تشايو، ورئيس بوتسوانا موكجويتسي ماسيسي، ورئيس وزراء موريشيوس نافينتشاندرا رامغولام، والرئيس الفلسطيني محمود عباس فضلًا عن قادة ورؤساء دول وحكومات أفريقية، وممثلين عن منظمات دولية وإقليمية.
على الجانب الآخر، غاب عن القمة ملك المغرب محمد السادس، والرئيس التونسي قيس سعيد، وتشمل قائمة الغياب أيضًا قادة 6 دول أفريقية تمَّ تجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي، وهي السودان وبوركينا فاسو ومالي وغينيا والنيجر والغابون؛ وذلك نتيجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول السنوات الأخيرة.
آلية التصويت داخل الاتحاد الأفريقي
وفقا للمادة 42 من لوائح الاتحاد الأفريقي، يتمُّ اختيار الرئيس أولًا ثم نائب الرئيس، قبْل تعيين المفوضين الذين ينتخبهم المجلس التنفيذي، المُكوَّن من وزراء الخارجية أو المسؤولين الحكوميِّين المكلفين من الدول الأعضاء، وفي حال عدم حصول أيِّ مرشح على أغلبية الثلثيْن بعد 3 جولات من التصويت، يتمُّ استبعاد المرشح الأقلّ أصواتًا، وتُجرى جولات إضافية حتى تحقيق النصاب المطلوب، أمَّا إذا لم يتمكن المرشح الوحيد من الفوز بالأغلبية المطلوبة بعد 3 جولات، يتمُّ تعليق الانتخابات.
وفي حالة التعليق، يتولَّى نائب الرئيس مهام الرئاسة مؤقتًا، وإذا لم يكن هناك نائب، يتولَّى أقدم المفوضين من حيث مدة الخدمة أو الأكبر سِنًّا المنصب مؤقتًا لحين إجراء انتخابات جديدة، وتتميز انتخابات قيادة المفوضية الأفريقية لهذا العام بتغييرٍ جذريٍّ، مقارنة بالانتخابات السابقة التي تجري كل 4 سنوات؛ إذ تمَّ تقييد الترشح لمنصبي رئيس المفوضية ونائب رئيس المفوضية من دول شرق أفريقيا وشمال أفريقيا على التوالي، في حين بقيت المناصب الستة للمفوضين مفتوحة لباقي دول القارة[2].
أهم القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة
تناقش القمة عددًا من القضايا الملحة التي تواجه القارة، وعلى رأسها السِّلْم والأمن، الإصلاحات المؤسسية والتكامل الاقتصادي، وتحتلُّ قضايا السلم والأمن أولوية في جدول أعمال القمة؛ إذ يناقش القادة تقرير مجلس السلم والأمن حول الوضع العام في القارة، إلى جانب تقييم خارطة الطريق لإسكات البنادق في أفريقيا، خلال الفترة 2023-2024، كما ستتم دراسة التقرير الخاص بالأوضاع في ليبيا والمقترحات المطروحة لدعم الاستقرار هناك، إضافةً إلى بحث سبل تعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية بشأن التدخُّلات الأمنية.
ويحظى التكامُل الاقتصادي بمساحة واسعة من النقاشات؛ حيث سيتم استعراض تقرير حول تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والذي يقدمه الرئيس السابق للنيجر محمدو إيسوفو؛ حيث من المتوقع أن يتبادل القادة الأفارقة الرُّؤَى حول آليات تعزيز التجارة البينية وزيادة الاستثمارات المشتركة في القارة، كما تناقش القمة عددًا من الملفات ذات الأهمية الإستراتيجية، من بينها قضايا التغيُّر المناخي والصحة العامة، ومن المقرر أن يقدم الرئيس الكيني ويليام روتو، تقريرًا عن جهود مواجهة التغيُّر المناخي وتأثيراته على التنمية المستدامة، في حين يتناول تقرير مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا سبل تعزيز قدرات الأنظمة الصحية الأفريقية لمواجهة الأوبئة والتحديات الصحية.
وعلى الصعيد الدولي، يناقش القادة مشروع إعلان للتضامن مع هايتي، في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة التي تواجهها البلاد، إضافةً إلى تقرير المفوضية حول الوضع في فلسطين؛ حيث من المنتظر أن يجدد الاتحاد الأفريقي موقفه الداعم للقضية الفلسطينية، وتتضمن أشغال القمة أيضًا عددًا من القضايا المقترحة من الدول الأعضاء، مثل مبادرة تنزانيا لتسريع الوصول إلى حلول الطهي النظيف، ومقترح كوت ديفوار لإطلاق “جائزة الحسن واتارا للتغذية والأمن الغذائي”، بالإضافة إلى طلب زامبيا استضافة المؤتمر الأفريقي الثالث لتنفيذ الشراكة المائية في ماي 2025[3].
قيادة جديدة للاتحاد الأفريقي
تولى الرئيس الأنجولي جواو لورنسو، رئاسة الاتحاد الأفريقي الدورية خلال افتتاح الدورة العادية الـ38 لجمعية رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، وانتخب زعماء دول الاتحاد الأفريقي أيضًا وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف رئيسًا جديدًا لمفوضية الاتحاد الأفريقي، وقد جاء انتخابه بعد سبع جولات من التصويت السري، حصل خلالها على 33 صوتًا من أصل 49، متغلبًا على رئيس الوزراء الكيني السابق رايلا أودينغا، ووزير خارجية مدغشقر السابق ريتشارد راندريماندراتو، وشهدت عملية الانتخاب منافسة شرسة؛ حيث كان أودينغا المرشح الأوفر حظًّا بعد حملةٍ انتخابيةٍ كُبْرَى، إلا أن إستراتيجية يوسف التي ركَّزت على الدبلوماسية والتواصُل مع مجموعات الدول، لا سيما الدول الإسلامية والعربية، ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في فوزه.
ومن جهة أخرى، تنافست كُلٌّ من الجزائر ومصر والمغرب على منصب نيابة المفوض؛ إذ رشحت الجزائر الدبلوماسية سلمى مليكة حدادي، فيما رشحت مصر الدبلوماسية حنان مرسي، وقدم المغرب السفيرة السابقة لطيفة أخرباش مرشحةً عنه، وحسب نظام الاتحاد، فإنه في حال كان المفوض رجلًا، تكون نائبته امرأة؛ عملًا بمبدأ المساواة، كما يجرى توزيع المناصب بحسب الأقاليم.
وحصلت المرشحة الجزائرية على 33 صوتًا مقابل 24 صوتًا لمرشحة المغرب في الجولة السابعة من التصويت، فيما انسحبت مرشحة مصر في الجولة الرابعة بعد حصولها على صوتيْن فقط، وعملت الجزائر على حشد التأييد لصالح سلمى حدادي، منذ منتصف ديسمبر 2024م؛ حيث زار وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أكثر من عشر دول أفريقية من أجل الحصول على دعمها في هذه الانتخابات، كما أوفد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزراء من الحكومة الجزائرية إلى قادة 20 دولةً أفريقيةً؛ لضمان حظوظ حدادي[4].
ملفات وتحديات يتطلب معالجتها من قبل القيادة الجديدة
تُعدُّ الصراعات الإقليمية من أبرز التحديات التي تنتظر الرئيس الجديد للتعامل معها؛ حيث يواجه يوسف مهمةً شاقَّةً لإدارة الأزمات المسلحة في الكونغو الديمقراطية مع تقدُّم حركة إم 23 واتهام رواندا بدعمها؛ مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي، كما يجب عليه التدخُّل في الأزمة السودانية التي خلفت آلاف القتلى وملايين النازحين، ويتعين على الرئيس الجديد للمفوضية الأفريقية تسريع الإصلاحات المؤسسية، التي بدأت في عام 2017م؛ لضمان تنفيذ قرارات الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك تعزيز دور مجلس السلم والأمن، ومتابعة تنفيذ توصيات القمم السابقة.
ويمثل توفير الدعم الإنساني لملايين المتضررين تحدِّيًا كبيرًا، خاصَّةً مع تزايد الكوارث المناخية والهجرات الجماعية، ويُعدُّ تعزيز التكامل الاقتصادي عبْر تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية، ودعم الاقتصادات الهشة، من خلال إصلاح السياسات المالية وتقديم المساعدات، ويواجه الرئيس الجديد تحدِّي مكافحة الفساد داخل هياكل الاتحاد، ووضع آليات رقابة صارمة؛ لضمان الشفافية والحوكمة الرشيدة وإدارة فعالة للموارد؛ بما يعزز ثقة الدول الأعضاء والمواطنين الأفارقة في الاتحاد الأفريقي.
البيان الختامي لقمة الاتحاد الأفريقي الـ 38
دعا البيان الختامي لقمة الاتحاد الأفريقي الـ38 بأديس أبابا، إلى ضرورة الإسراع إلى إيجاد حلولٍ سياسيةٍ سلميةٍ لمختلف النزاعات بالقارة، كما شدَّد الزعماء الأفارقة على العمل أكثر لإرساء مكانة أفريقيا في العالم، مع مواصلة السعي للنهوض بالاقتصاد وتحقيق التنمية للشعوب، وندَّد البيان الختامي أيضًا بالحرب الإسرائيلية والعدوان الهمجي على غزة، ورفض انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي واستهدافها المدنيِّين والبنية التحتية، ولذلك يجب محاكمة إسرائيل دوليًّا، وانتهى البيان بالتأكيد على أن حلَّ الدولتيْن هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار، والدعوة إلى وقْف التعاون والتطبيع مع إسرائيل حتى تُنهي احتلالها وعدوانها على فلسطين[5].
ختامًا:
شكَّلت قمة الاتحاد الأفريقي الـ38 منصةً مهمةً لتوحيد الجهود الأفريقية نحو تعزيز التعاون المشترك في مواجهة التحديات المُعقَّدة التي تواجه القارة، وكانت القمة فرصةً لإعادة تأكيد التزام الدول الأفريقية بتحقيق الأهداف المشتركة ورغم التحديات العديدة، إلَّا أن القمة قد أظهرت رغبة قوية في تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي، وتحقيق الاستقرار في كافة أنحاء القارة، وتعزيز وحدة أفريقيا، وضرورة العمل بشكلٍ جماعيٍّ للتصدِّي للأزمات، وفي الوقت ذاته، قدمت دعوة لتفعيل إصلاحات مؤسسية تضمن فعالية أكبر للاتحاد في المستقبل، وتمثل هذه القمة أيضًا دعوة عاجلة لإصلاح الاتحاد الأفريقي ليصبح أكثر فاعليةً وقدرةً على مواجهة التحديات الحديثة ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تُركز الرُّؤْية المستقبلية على تعزيز الشفافية داخل مؤسسات الاتحاد، وتفعيل آليات اتخاذ القرارات بسرعة ومرونة أكبر، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات التجارة والاستثمار، وتطوير آليات موحدة لمعالجة التحديات الأمنية والبيئية.
