المقالات
“قمة البحرين” .. قضايا طارئة وملفات مشتعلة
- مايو 17, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: إسراء عادل
باحثة متخصصة في شؤون الوطن العربي
على وقعِ الحربِ المحتدمةِ في قطاعِ غزةَ بين حركةِ حماسَ والجيشِ الإسرائيليِ منذُ السابعِ من أكتوبرَ الماضي، والصراعِ السودانيِ، والوضعِ في البحرِ الأحمرِ، فضلاً عن التحدياتِ المعقدةِ التي تواجهُ المنطقةَ العربيةَ سواءٌ على مستوى تفاعلاتِ الإقليمِ أو النظامِ الدوليِ، تُعقدُ القمةُ العربيةُ الثالثةُ والثلاثونَ لأولِ مرةٍ في البحرينِ ولا، يوم 16 مايو، وذلكَ لمناقشةِ القضايَا الطارئةِ والملفاتِ المرتبطةِ بالتحدياتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والأمنيةِ التي تلقيِ بظلالهِا على أمنِ واستقرارِ المنطقةِ العربيةِ، وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ هذهِ هي القمةُ العربيةُ الثانيةُ التي تعقد منذُ اندلاعِ الحربِ في قطاعِ غزةَ، حيثُ سبقتهَا القمةُ الطارئةُ المشتركةُ معَ منظمةِ التعاونِ الإسلاميِ التي عُقدتْ في السعوديةِ في نوفمبر الماضي، ولكنَّها عجزتْ عن اتخاذِ قراراتٍ ملموسةٍ لوضعِ حدٍ للحربِ في القطاعِ.
ظروفُ انعقادِ القمةِ العربيةِ الـ 33في البحرين:
عُقدتْ القمةُ العربيةُ الثالثةُ والثلاثون في البحرينِ، 16 مايو 2024، في ظلِّ ظروفٍ استثنائيةٍ حرجةٍ، وتوقيتٍ حساسٍ تشهدُ فيه المنطقةُ العربيةُ والعالمُ العديدَ منَ التحدياتِ الجيوسياسيةِ والاقتصاديةِ والأمنيةِ، التي تجعلُ من التضامنِ العربيِ خياراً لا غنىً عنهُ، حيثُ تتزامنُ القمةُ معَ الأزماتِ والصراعاتِ الإقليميةِ والدولية، والتي يأتيِ في مقدمتِها الحربُ الإسرائيليةُ المحتدمةُ على قطاعِ غزةَ ضدَّ المدنيينَ الأبرياءِ، وتداعياتِها الأمنيةِ والسياسيةِ والإنسانيةِ على المستويينِ الإقليميِ والدوليِ، فضلاً عن التهديداتِ المتواصلةِ باجتياحِ رفحَ التي تُعدُ آخرَ ملجأٍ لسكانِ غزةَ، خاصةً بعدمَا أخفقتْ كلُ الضغوطِ الإقليميةِ والدوليةِ في التأثيرِ على الجانبِ الإسرائيليِ والإدارةِ الأمريكيةِ التي تدعمهُ لإجبارهِ على التراجعِ عنْ الجرائمِ التي تحدثُ في غزةَ وإلزامهِ بقراراتِ وقفِ إطلاقِ النارِ.[1] ومن بينِ التحدياتِ التي تواجهُ القمةَ أيضاً، ملفُ الصراعِ العسكريِ في السودانِ وما تشهدهُ الأوضاعُ في الخرطومِ من تأزمٍ وتراجعٍ في جهودِ التوصلِ إلى تسويةٍ سياسيةٍ تُنهيِ المأساةَ التي يعيشُها الشعبُ السودانيُ ومخاطرُ تقسيمِ البلادِ، مروراً بالأزماتِ السوريةِ والليبيةِ واليمنيةِ التي تمرُ بحالةٍ منَ الجمودِ في مساعيِ التسوياتِ السياسيةِ، والتوتراتِ المتصاعدةِ في لبنان، وما يحدثُ في سوريَا من تدخلاتٍ عسكريةٍ مباشرةٍ أمريكيةٍ وروسيةٍ وتركيةٍ وإيرانية، بالإضافةِ إلى التدخلِ الإثيوبيِ في الصومالِ والذي يشكلُ انتهاكاً صارخاً للأمنِ القوميِ العربيِ، وصولاً إلى تهديداتِ الحوثيينَ للملاحةِ في البحرِ الأحمرِ والتي أثرتْ بالفعلِ على بعضِ الدولِ العربيةِ وليسَ على إسرائيلَ وحلفائهِا فقط. وفيمَا يتعلقُ بالتحدياتِ الاقتصاديةِ، فقدْ تزامنتْ القمةُ أيضاً معَ ظروفٍ اقتصاديةٍ استثنائيةٍ فرضتَها حالةُ الاضطرابِ وعدمِ الاستقرارِ الأمنيِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، بالإضافةِ إلى التأثيراتِ المتسارعةِ للتغيراتِ المناخيةِ وانعكاساتِها السلبيةِ على مجملِ الملفاتِ الاقتصاديةِ والتنمويةِ الأخرى، كما يمثلُ الأمنُ الغذائيُ العربيُ أحدَ أهمِ التحدياتِ التي تواجهُ المنطقةَ العربيةَ، وفقاً للتقريرِ الذي صدرَ في مارسَ 2024 عن كلٍ من أنظمةِ الأغذيةِ والزراعةِ وبرنامجِ الأغذيةِ العالميِ ومنظمةِ الصحةِ العالميةِ ويونيسيف وإيسكوا، إذ وصلتْ مستوياتُ الجوعِ وسوءُ التغذيةِ إلى مرحلةٍ حرجةٍ.[2]
وبناءً على التحدياتِ السابقةِ، يتحتمُ على الدولِ العربيةِ ضرورةُ إيجادِ آلياتٍ تستطيعُ من خلالهِا مواجهةَ التحدياتِ المشتركةِ، وتطويرَ آلياتِ التنسيقِ السياسيِ تحتَ مظلةِ جامعةِ الدولِ العربيةِ، وتعزيز َالتعاونِ الاقتصاديِ والاجتماعيِ لدفعِ عجلةِ التنميةِ في مختلفِ المجالاتِ، والمضيِ قدماً نحوَ تحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ الإقليميِ.
الدولُ المشاركةُ في القمةِ الـ33:
اكتسبتْ القمةُ العربيةُ الثالثةُ والثلاثونَ زخماً دولياً هائلاً في خضمِ مشهدٍ معقدٍ في المنطقةِ تخيمُ عليه الحربُ الإسرائيليةُ على قطاعِ غزةَ منذُ أكثرَ من سبعةِ أشهرٍ، حيثُ توافدَ عددٌ كبيرٌ من القادةِ العربِ إلى المنامةِ للمشاركةِ في أعمالِ القمةِ التي تلتئمُ بقصرِ الصخيرِ، فقد حضرَ قمةَ البحرينِ كلْ منْ رؤساءِ دولِ مصرَ وسوريا والأردن والعراقِ وفلسطين واليمن ولبنان وليبيا وموريتانيا والصومال وجيبوتي وجزرِ القمر والسعوديةِ وقطرِ، كمَا تغيبُ عن القمةِ كلٌ منْ رؤساءِ دولِ الجزائرِ والمغربِ وتونس وسلطنةِ عمان والكويتِ والإماراتِ والسودان، ولكنْ حضرَ من ينوبُ عنهم، وذلك وفقاً لمَا أكدهُ الأمينُ العامُ المساعدُ للجامعةِ العربيةِ السفيرُ حسام زكي.[3]
أهميةُ القمةِ العربيةِ الـ33:
اكتسبتْ قمةُ البحرين أهميةً بالغةً وتقديراً عربياً واسعاً؛ نظراً لما تقومُ به المملكةُ من جهودٍ تدعمُ السلامَ والاستقرارَ وتعززُ التعاونَ، خاصةً في ظلِّ الآمالِ والتطلعاتِ بأنْ تكونَ انطلاقةً جديدةً لمسيرةِ العملِ العربيِ المشتركِ، فقد تشكلُ استضافةُ مملكةِ البحرينِ للمرةِ الأولي لأعمالِ القمةِ العربيةِ الثالثةِ والثلاثينَ أهميةً كبرى وحدثاً سياسياً بارزاً يُضفيِ على هذهِ القمةِ طابعَ الخصوصيةِ منْ حيثُ التأكيدُ على قدرةِ الدبلوماسيةِ البحرينيةِ المتوازنةِ والعريقةِ في العملُ على توطيدِ وتعزيزِ العلاقاتِ العربيةِ – العربيةِ وتوسعةِ آفاقهِا، ودعمِ مسيرةِ العملِ العربيِ المشتركِ نحوَ تعزيزِ أمنِ واستقرارِ المنطقةِ.
وبناءً عليه، فقدْ تتمحورُ أهدافُ القمةِ حولَ تعميقِ سبلِ التعاونِ والترابطِ والدفعِ بآلياتِ العملِ العربيِ المشتركِ، والإبقاءِ على تشاورٍ وتنسيقٍ عربيٍ مستمرٍ معَ الأشقاءِ لبحثِ القضايا ذاتِ الاهتمامِ والمصيرِ المشتركِ، وتغليبِ المصلحةِ العربيةِ، والحفاظِ على أمنِ واستقرارِ الدولِ العربيةِ والتعاونِ والتكاملِ في كافةِ المجالاتِ، بالإضافةِ إلى تعزيزِ الأخوةِ الإنسانيةِ والاحترامِ المتبادلِ بينَ أممِ وشعوبِ العالمِ، ودعمِ الحوارِ والتفاهمِ بينَ الأديانِ والثقافاتِ والحضاراتِ، وتعزيزِ السلمِ والاستقرارِ العالميِ، والتمسكِ بمبادئِ الدينِ الاسلاميِ والقيمِ العربيةِ الأصيلةِ، وتكريسِ التآخيِ والتآلفِ بين دولِ العالمِ لما فيهِ منْ مصالحَ مشتركةٍ للبشريةِ، كما تهدفُ القمةُ أيضاً إلى الالتزامِ بمبادئِ حسنِ الجوارِ، وعدمِ التدخلِ في الشئونِ الداخليةِ، وحلِ الخلافاتِ بالطرقِ السلميةِ، وتوجيهِ الجهودِ نحو تحقيقِ السلمِ والأمنِ والاستقرارِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ.[4]
أهمُ الملفاتِ والقضايا المطروحةِ على جدولِ أعمالِ القمةِ:
في ظلِّ التحدياتِ المعقدةِ التي تواجهُ المنطقةَ العربيةَ، سواءٌ على مستوى تفاعلاتِ الإقليِم أو على مستوى تفاعلاتِ النظامِ الدوليِ، تناقشُ القمةُ العربيةُ في البحرينِ العديدَ من القضايا والأزماتِ المتصاعدةِ في الدولِ العربيةِ والملفاتِ المرتبطةِ بمواجهةِ تلكَ التحدياتِ التي تؤثرُ على مستقبلِ تفاعلاتِ النظامِ الإقليميِ العربيِ داخلياً وخارجياً، وذلكَ على النحوِ التاليِ:
1-القضيةُ الفلسطينيةُ
في ظلِّ استمرارِ الحربِ الإسرائيليةِ الغاشمةِ على الشعبِ الفلسطينيِ في قطاعِ غزةَ وتصاعدِ وتيرتِها، تصدرتْ القضيةُ الفلسطينيةُ جدولَ أعمالِ القمةِ العربيةِ، وذلكَ منٍ خلالِ مناقشةِ العديدِ من المحاورِ الأساسيةِ في مقدمتِها تفعيلُ مبادرةِ السلامِ العربيةِ، والتطوراتِ والانتهاكاتِ الإسرائيليةِ في مدينةِ القدسِ المحتلةِ، ومتابعةِ تطوراتِ الاستيطانِ والجدارِ والانتفاضةِ والأسرى، واللاجئينَ، إضافةً إلى دعمِ الأونروا، والتنميةِ في الأراضيِِ الفلسطينيةِ، وكذلكَ دعمُ موازنةِ فلسطين وصمودُ الشعبِ الفلسطينيِ، وفي السياقِ ذاتهِ، أكدَ الأمينُ العامُ لجامعِة الدولِ العربية أحمد أبو الغيط خلالَ الجلسةِ على الوقفِ الفوريِ والعاجلِ لإطلاقِ النارِ في غزةَ وانسحابِ القواتِ الإسرائيليةِ منهَا، بالإضافةِ إلى تنفيذِ المبادراتِ البحرينيةِ الخمسِ والتي شملتْ حلَّ النزاعاتِ في المنطقةِ وتوفيرَ التعليمِ والخدماتِ الصحيةِ في الدولِ المتأثرةِ بالنزاعاتِ، كما شددَ القادةُ العربُ على ضرورةِ إيجادِ حلولٍ سلميةٍ عادلةٍ وشاملةٍ ومستدامةٍ للقضيةِ الفلسطينيةِ، مؤكدينَ على مواقفهِم الراسخةِ والداعمةِ للقضيةِ، ومؤيدينَ لكافةِ المساعيِ والجهودِ الراميةِ للتوصِل إلى حلٍّ سلميٍ وعادلٍ من خلالِ دعمِ الشعبِ الفلسطينيِ وحقوقِه المشروعةِ في إقامةِ دولتهِ المستقلةِ وعاصمتِها القدسِ الشرقيةِ، وحذرَ الزعماءُ العربُ أيضاً منَ التهديداتِ المستمرةِ لاجتياحِ رفحَ مؤكدينَ على أن هذهِ الخطوةَ بمثابةِ اعتداءٍ صارخٍ على الأمنِ القوميِ العربيِ، وسيؤدي إلى انهيارِ فرصِ السلامِ وتوسيعِ الصراعِ الدائرِ بالفعلِ وامتدادهِ إلى دولٍ أخرى.[5]
2- الأزمةُ السوريةُ
يُعدُ الملفُ السوريُ من أبرزِ الملفاتِ التي تناولتَها القمةُ العربيةُ، نظراً لمعاناةِ سوريا والتي لا تزالُ، من آثارِ الحربِ المدمرةِ التي بدأتْ عام 2011، ورغمَ عودةِ الاستقرارِ الأمنيِ إلى البلادِ بشكلٍ واضحٍ، إلا أنَّ العقوباتِ الاقتصاديةَ التي فرضتَها الدولُ الغربيةُ على دمشقَ دمرتْ الاقتصادَ السوريَ، ولذلك تُعد مشاركةُ سوريا في القمةِ العربيةِ بمثابةِ رسالةٍ واضحةٍ تؤكدُ على عودةِ دمشقَ إلى مكانتِها السابقةِ خاصةً في ظلِّ التحدياتِ المتناميةِ وتزايدِ النفوذِ التركيِ والإيراني والروسيِ، وفي السياقِ ذاتهِ أكدتْ القمةُ العربيةُ على ضرورةِ إنهاءِ الأزمةِ السوريةِ، بما ينسجمُ مع قرارِ مجلسِ الأمنِ رقمِ 2254، وبما يحفظُ أمنَ سوريا وسيادتَها ووحدةَ أراضيها، ويحققُ طموحاتِ شعبهِا، ويخلصُها من الإرهابِ، ويوفرُ البيئةَ الكفيلةَ بالعودةِ الكريمةِ والآمنةِ والطوعيةِ للاجئينَ، إلى جانبِ رفضِ التدخلِ في شؤونِ سوريا الداخليةُ، وأيِ محاولاتٍ لإحداثِ تغييراتٍ ديموغرافيةٍ فيها.[6]
3- الصراعُ العسكريُ في السودان
حضرتْ الأزمةُ السودانيةُ على جدولِ أعمالِ القمة العربية، فمع دخول الصراع السوداني عامهُ الثاني دونَ وجودِ أيِّ أفقٍ سياسيٍ لتوقفِ الحربِ التي تهددُ أمنَ السودانِ واستقلالَه، ووحدتَه وسلامتَه الإقليميةَ في ظلِّ صراعاتٍ وانقساماتٍ داخليةٍ بينَ مكوناتٍ المجتمعِ السودانيِ، بما في ذلكَ مكونهُ العسكريَ الأمنيَ، والتي أدتْ إلى نزوحِ ما يقربُ من ستةِ ملايين ونصفِ سوداني داخلَ السودانِ وخارجِه. لذلكَ فإن هناكَ حاجةً ملحةً لأنْ يتمَ احتواءُ الصراعِ في السودان. وبناءً عليه فقدْ أعربَ إعلانُ البحرينِ الصادرُ عن القمةِ العربيةِ عن كاملِ التضامنِ معَ السودان في الحفاظِ على سيادتهِ واستقلالهِ ووحدةِ أراضيهِ والحفاظِ على مؤسساتِ الدولةِ السودانيةِ وفي طليعتهِا القواتُ المسلحةُ، كَما دعَا البيانُ إلى الالتزامِ بتنفيذِ إعلانِ جدة بهدفِ التوصلِ الى وقفٍ فوريٍ لإطلاقِ النارِ يكفلُ فتحَ مساراتِ الإغاثةِ الإنسانيةِ وحمايةِ المدنيينَ، وحثَ إعلانُ البحرينِ الحكومةَ السودانيةَ وقواتِ الدعمِ السريعِ على الانخراطِ الجادِ والفعالِ مع مبادراتِ تسويةِ الأزمةِ ومن بينِها منبرُ جدةَ ودولُ الجوارِ وغيرُها، من أجلِ إنهاءِ الصراعِ الدائرِ واستعادةِ الأمنِ والاستقرارِ في السودانِ وانهاءِ محنةِ الشعبِ السودانيِ الشقيقِ.[7]
4- الأزمةُ اليمنيةُ
قابلتْ الأزمةُ اليمنيةُ اهتماماً كبيراً من قبلِ الزعماء العرب خلالَ قمةِ البحرين، خاصةً بعدمَا أصبحتْ الأوضاعُ الراهنةُ في اليمنِ مصدراً لعدمِ الاستقرارِ السياسيِ والأمنيِ والاقتصاديِ في المنطقةِ العربية وما تطلُ عليهِ من ممراتٍ مائيةٍ حيويةٍ تضفيِ على الأزمةِ اليمنيةِ بعداً دولياً، فضلاً عنْ معاناةِ الشعبِ اليمنيِ من التداعياتِ الإنسانيةِ الفادحةِ، لذلكَ عبرتْ الدولُ العربيةُ عن تأييدهِا للمساعيِ الأمميةِ والإقليميةِ الراميةِ إلى التوصلِ إلى حلٍ سياسي شامل للأزمة اليمنيةِ وفقَ المرجعياتِ المعتمدةِ دولياً ممثلةً في المبادرةِ الخليجيةِ وآليتِها التنفيذيةِ ومخرجاتِ الحوارِ الوطنيِ اليمنيِ وقرارِ مجلسِ الأمنِ رقمِ 2216، بما يحققُ التطلعاتِ المشروعةَ للشعبِ اليمنيِ في السلامِ والاستقرارِ والنماءِ والازدهارِ.[8]
5- الأزمةُ الليبيةُ
استحوذتْ الأزمةُ الليبيةُ على مساحةٍ كبيرةٍ منْ مناقشاتِ القممِ العربيةِ الأخيرةِ التي شددتْ على أنَّ حلَّ الأزمةِ يكمنُ في المسارِ الانتخابيِ وإخراجِ المرتزقةِ منَ البلادِ، فمنذُ ما يقربُ من 13 عاماً وليبيا حاضرة بقوة على طاولةِ القممِ العربيةِ، إذ لا يزالُ الشعبُ الليبيُ يتلمسُ طريقةً لإعادةِ بناءِ دولتهِ الوطنيةِ المحتفظةِ بكيانِها الموحِد، لذلكَ تعدُ القمةُ العربيةُ الثالثةُ والثلاثون بمثابةِ محطةٍ جديدةٍ لمناقشةِ الأوضاعِ في ليبَيا، حيثُ أعربتْ الدولُ العربيةُ عن دعمِها الكاملِ لدولةِ ليبيا وسيادتهِا واستقلالهِا ووحدةِ أراضيِها ووقفِ التدخلِ في شؤونِها الداخليةِ، وخروجِ كافةِ القواتِ الأجنبيةِ والمرتزقةِ من أراضيِها في مدىً زمنيٍ محددٍ، كمَا أكدتْ دعمَ جهودِ التوصلِ إلى تسويةٍ سياسيةٍ، وصولاً إلى إجراءِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ والبرلمانيةِ في أقربِ وقتٍ، وتوحيدِ مؤسساتِ الدولةِ، لتحقيقِ تطلعاتِ الشعبِ الليبي.[9]
6- الوضعُ اللبنانيُ
استحوذتْ الأوضاعُ في لبنانَ على جدولِ أعمالِ قمةِ البحرينِ، نظراً لما يشهدهُ لبنانُ من توتراتٍ متصاعدةٍ على حدودهِ الجنوبيةِ منذُ أكثرَ من سبعةِ أشهرٍ تزامناً مع ما يُعانيهِ أهالي قطاعِ غزة على خلفيةِ الانتهاكاتِ الإسرائيليةِ المستمرةِ للسيادةِ الوطنيةِ للبلادِ والتماديِ في خرقِ قرارِ مجلسِ الأمنِ الدوليِ رقم 1701، فمنذُ انلاعِ هذه الأحداثِ ولبنان يُبادرُ في إطلاقِ النداءاتِ لوقفِ إطلاقِ النارِ والحفاظِ على الاستقرارِ والهدوء، مُحذراً من أنَّ تماديِ الممارساتِ الإسرائيلية قد تُسهمُ في إشعالِ المنطقةِ، لذلكَ حثتْ الدولُ العربيةُ خلالَ القمةِ، جميعَ الأطرافِ اللبنانيةِ على إعطاءِ الأولويةِ لانتخابِ رئيسٍ للجمهوريةِ، وتعزيزِ عملِ المؤسساتِ الدستوريةِ، ومعالجةِ التحدياتِ السياسيةِ والأمنيةِ، وتنفيذِ الإصلاحاتِ الاقتصاديةِ الضروريةِ، كما حثتْ على تعزيزِ قدراتِ الجيش اللبناني وقوى الأمنِ الداخليِ، للحفاظِ على أمنِ لبنانَ واستقرارهِ وحمايةِ حدودهِ المعترف بهَا دولياً بوجهُ الاعتداءاتِ الإسرائيلية.[10]
7- الأزمةُ الإثيوبيةُ – الصوماليةُ
تناولتْ القمةُ العربيةُ في البحرينِ التوتراتِ الخلافيةِ بينَ إثيوبيا والصومال، حيثُ أثارتْ إثيوبيا توتراً في منطقةِ القرنِ الإفريقيِ من خلالِ انتهاكهِا لحقوقِ دولةِ الصومالِ في أراضيِها وخرقِها للمواثيقِ الدوليةِ، لا سيَّما بعد أن وقّعتْ إثيوبيا اتفاقاً مع إقليمِ أرضِ الصومالِ “غير المعترف به دولياً” لإنشاءِ ميناءِ تجاريِ وقاعدةٍ عسكريةٍ في مدخلِ البحرِ الأحمرِ، ولذلكَ أكد حمزة بري رئيسُ وزراءِ الصومالِ خلالَ الجلسةِ أنَّ استمرارَ تدخلِ إثيوبيا في شؤونِ الصومالِ يُعد بمثابةِ انتهاكٍ لجمهوريةِ الصومالِ وينعكس سلباً على الأمنِ العربيِ، ومضيفاً أن الصومالَ تثمنُ وقوفَ الدولِ العربيةِ الشقيقةِ في الحفاظِ على وحدتِها، كمَا أعربتْ الجامعةُ العربيةُ عن رفضِ وإدانةٍ أيِ مذكراتِ تفاهمٍ تحلُ أو تنتهكُ سيادةَ الدولةِ الصوماليةِ، وأكدَ البرلمانُ العربيُ رفضَهُ التامَ لأيِّ محاولاتٍ لانتهاكُ سيادةِ واستقلالِ ووحدةِ الصومالِ، مطالباً إثيوبيا بالالتزامِ بقواعدِ ومبادئِ حُسنِ الجوارِ، واحترامِ سيادةِ الدولِ وعدمِ التدخلِ في شؤونِها الداخليةِ، بما يحققُ الأمنَ والاستقرارَ في المنطقةِ.[11]
8-الأمنُ المائيُ
وفيما يتعلقُ بالأمنِ المائيِ العربيِ، أكدتْ القمةُ على أنه جزءٌ لا يتجزأُ منَ الأمنِ القوميِ العربيِ، خاصةً بالنسبةِ لمصرَ والسودانِ، كمَا شددتٌ أيضاً على رفضِ أيِ عملٍ أو إجراءٍ يمسُ بحقوقِهما في مياهِ النيلِ، وكذلكَ بالنسبةِ لسوريا والعراقِ فيمَا يخصُ نهريِ دجلةَ والفرات، فضلاً عن التضامنِ معهم في اتخاذِ ما يرونهُ من إجراءاتٍ لحمايةِ أمنهِم ومصالحِهم المائية، وأعربتْ القمةُ عن القلقِ البالغِ من الاستمرارِ في الإجراءاتِ الأحاديةِ التي من شأنهِا إلحاقُ ضررٍ بالمصالحِ المائيةِ لتلكَ الدول.[12]
أبرزُمخرجاتِ القمةِ العربيةِ الـ 33:
جاءتْ أبرزُ نتائجِ القمةِ العربيةِ في البحرينِ إطارُ مستجداتِ العملِ العربيِ المشتركِ، وتطوراتً القضايا السياسيةِ إقليمياً ودولياً، وخاصةً القضيةَ الفلسطينيةَ، إلى جانبِ دعمِ الجهودِ الدوليةِ لمكافحةِ الإرهابِ والتطرفِ، وتعزيزِ أمنِ المنطقةِ بشكلٍ عامٍ وأمنِ البحرِ الأحمرِ والتجارةِ بينَ الدولِ العربيةِ على وجِه الخصوصِ، وفيمَا يليِ أبرزُ مخرجاتِ قمةِ البحرينِ:
- التمسكُ بحريةِ الملاحةِ البحريةِ في المياهِ الدوليةِ وفقاً لقواعدِ القانونِ الدوليِ واتفاقياتِ قانونِ البحارِ، وضمانُ حريةِ الملاحِة في البحرِ الأحمرِ وبحرِ العربِ وبحرِ عمانَ والخليجِ العربيُ، ورفضُ أيِ تعرضٍ للسفنِ التجاريةِ بَما يهددُ حريةَ الملاحةِ والتجارةِ الدوليةِ ومصالحَ دولِ وشعوبِ العالمِ.
- دعوةُ الدولِ العربيةِ إلى نشرِ قواتِ حمايةٍ وحفظِ سلامٍ دوليةٍ تابعةٍ للأممِ المتحدةِ في الأرضِ الفلسطينيةِ المحتلةِ إلى حينِ تنفيذِ حلِّ الدولتينِ، بالإضافةِ إلى دعوةِ كافةِ الفصائلِ الفلسطينيةِ للانضواءِ تحتَ مظلةِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ، الممثلِ الشرعيِ والوحيد للشعبِ الفلسطينيِ، والتوافقِ على مشروعٍ وطنيٍ جامعٍ ورؤيةٍ استراتيجيةٍ موحدةٍ لتكريسِ الجهودِ لتحقيقُ تطلعاتِ الشعبِ الفلسطينيِ لنيلِ حقوقهِ المشروعةِ وإقامةِ دولتهِ الوطنيةِ المستقلةِ
- التأكيدُ على سيادةِ دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ على جزرِها الثلاثِ (طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأبو موسى)، ودعوةِ الجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ إلى التجاوبِ مع مبادرةِ دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ لإيجادِ حلٍ سلميٍ لهذهِ القضيةِ منْ خلالِ المفاوضاتِ المباشرةِ أو اللجوءِ إلى محكمةِ العدلِ الدوليةِ، وفقاً لقواعدِ القانونِ الدولي وميثاقِ الأممِ المتحدةِ، بما يسهمُ في بناءِ الثقةِ وتعزيزِ الأمنِ والاستقرارِ في منطقةِ الخليجِ العربيِ.
- جددتْ الدولُ العربيةُ دعوتَها إلى شرقِ أوسطٍ خالٍ من الأسلحةِ النوويةِ وأسلحةِ الدمارِ الشاملِ، داعيةً الدولَ إلى امتلاكِ الطاقةِ النوويةِ السلميةِ والوفاءِ بالتزاماتِها والتعاونِ الكاملِ معَ الوكالةِ الدوليةِ للطاقةِ الذريةِ.
- دعتْ القمةُ إلى اتخاذِ إجراءاتٍ رادعةٍ في سبيلِ مكافحةِ التطرفِ وخطابِ الكراهيةِ والتحريضِ، وإدانةِ هذهِ الأعمالِ أينمَا كانتْ، لما لهَا من تأثيرٍ سلبيٍ على السلمِ الاجتماعيِ واستدامةِ السلامِ والأمنِ الدوليينِ، وتشجيع لتفشيِ النزاعاتِ وتصعيدِها وتكرارِها حولَ العالمِ وزعزعةِ الأمنِ والاستقرارِ. ودعتْ كافة الدول إلى تعزيزِ قيمِ التسامحِ والتعايشِ السلميِ والإخوةِ الإنسانيةِ، ونبذِ الكراهيةِ والطائفية والتعصب والتمييزِ والتطرفِ بمختلفِ أشكالهِ.
- التأكيدُ على عزمِ الدولِ العربيةِ على مواصلةِ الجهودِ لتعزيزِ الشراكاتِ والحواراتِ الاستراتيجيةِ والتعاونِ المشتركِ مع التكتلاتِ الدوليةِ والدولِ الصديقةِ، في إطارِ مبادئِ الاحترامِ المتبادلِ وعدمِ التدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ والحوارِ البناءِ والتفاهمِ والتنسيقِ المشتركِ، لتعزيزِ المصالحِ المشتركةِ ودفعِ عجلةِ التنميةِ والازدهارِ ولمواجهةِ التحدياتِ المعاصرةِ.
- تأكيدُ الزعماءِ العربِ على تضامنِهم معَ كافةِ الدولِ العربيةِ في الدفاعِ عن سيادتِها ووحدةِ أراضيِها وحمايةِ مؤسساتهِا الوطنيةِ ضدَّ أيةِ محاولاتٍ خارجيةٍ للاعتداءِ أو فرضِ النفوذِ أو تقويضِ السيادةِ أو المساسِ بالمصالحِ العربيةِ.
ختامًا:
يمكنُ القول، إن قمةَ البحرينِ تُعدُ بمثابةِ رسالةِ سلامٍ وتضامنٍ، وطاقةَ أملٍ وتفاؤل للشعوبِ العربيةِ، التي تنتظرُ قراراتٍ ملموسةً لتوحيدِ الجهودِ المشتركةِ تحتَ مظلةِ العروبةِ، والتغلبِ على التحدياتِ القائمةِ، ووقفِ التدخلاتِ الخارجيةِ في الشؤونِ الداخليةِ للدولِ العربية. وبالتالي يبدو أنَّ هذهِ القمةَ قد نجحتْ في تكثيفِ الجهودِ الراميةِ لتعزيزِ التعاونِ العربي المشترك، إلى جانبِ المضيِ قدماً نحوَ اتخاذ كافة الإجراءاتِ لمساندةِ الشعبِ الفلسطينيِ في حربهِ، وذلكَ من خلالِ مطالبةِ المجتمعِ الدوليِ كلهِ بالتدخلِ الفوريِ لوقف الانتهاكات الجسيمة ضدَّ المدنيينَ في غزة، فضلاً عن محاولةِ وصولِ المساعداتِ الإغاثيةِ للقطاع، كما جاءتْ القمةُ بثمارهِا الإيجابيةِ على الدولِ العربيةِ فيمَا يتعلقُ بتنسيقِ العملِ المشتركِ والتكاتفِ معَ الدولِ الشقيقةِ والمنظماتِ الإقليميةِ والدولية، لتجاوزِ خطرِ الجماعاتِ الإرهابيةِ وتأثيراتهِا الكارثيةِ على المنطقةِ، بالإضافةِ إلى تعزيزِ المسانداتِ العربية للدولِ التي تعاني منَ الأزماتِ مثل اليمنِ وسوريا وليبيا ولبنان والصومال والسودان، ومواصلةِ دعمِ الجهودِ القائمةِ لتحقيق الأمن والاستقرار في تلكَ الدولِ، وفي هذا السياقِ، يبدو أنَّ مملكةَ البحرينِ تسعىَ أن تكونَ مساهماً فاعلاً في كلِ جهدٍ يرميِ إلى تعزيزِ وحدةِ الصفِ والموقفِ العربيِ، لا سيَّما أن المنطقةَ والعالمَ تشهدُ العديدَ من التحدياتِ الجيوسياسيةِ والاقتصاديةِ والأمنيةِ، التي تجعلُ من التضامنِ العربيِ خياراً لا غنىً عنهُ.
المصادر:
[1] الكاتبة: دانييلا القرعان، الترقب العربي لقمة البحرين.. هل ستخرج بنتائج إيجابية في ضوء ما يحصل في قطاع غزة؟، وكالة معا الإخبارية، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/fGGAxiDX
[2] Ahmed Murad, Bahrain Summit’ begins today, Palestinian issue tops agenda, Aletihad Newspaper,16 May 2024, available at: https://2u.pw/tJYUN8wr
[3] الجزيرة، انطلاق القمة العربية الـ33 في البحرين، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/TEsbPW9g
[4] الهيئة العامة للاستعلامات، مشاركة الرئيس السيسي في القمة العربية الـ33 بالبحرين، 15 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/1sWCGY3j
[5] آمال رسلان، القمة العربية اليوم.. وفلسطين على رأس أولويات القادة العرب، برلماني، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/8P3LmJcZ
[6] فاطمة الغول، الأسد في قمة البحرين .. ماذا حققت سوريا من عودتها للجامعة العربية؟، منصة المشهد، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/OfKFQWlb
[7] ليلي محمد، ماذا تضمن إعلان البحرين الصادر عن القمة العربية في المنامة عن الأزمة السودانية؟، بوابة الشروق، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/leXIbKQc
[8] ليلي محمد، القمة العربية 33.. إعلان البحرين: ندعم جهود الحكومة اليمنية في سعيها لتحقيق المصالحة الوطنية، 16 مايو 2024، بوابة الشروق، متاح على الرابط: https://2u.pw/7liipJZn
[9] القاهرة الإخبارية، الملف الليبي.. ضيف دائم على طاولة القمم العربية، 15 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/l2QdsMdW
[10] وكالة أنباء البحرين، خلال كلمته أمام “القمة العربية “.. رئيس الحكومة اللبناني: لبنان قادم على بحر من الأزمات وأثق بأن بر العروبة هو الرصيف، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/FRoEcSEW
[11] مؤسسة الأيام، في كلمة أمام «قمة البحرين».. رئيس وزراء الصومال: الاجتماع يأتي في ظل تحديات غير مسبوقة تتطلب تعزيز التعاون المشترك، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/sinz0TGx
[12] سامح فواز، قمة البحرين تؤكد عدم المساس بالحقوق المائية للدول العربية، بوابة أخبار اليوم، 16 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/CDDWosgb