إعداد: دينا لملوم
باحثة متخصصة فى الشؤون الإفريقية
فى خضم الحرب الضارية التى تشنها القوات الإسرائيلية على غزة، تتسارع الجهود الدولية المختلفة؛ لمحاولة إيقاف نزيف هذه الحرب والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، حيث تولت العاصمة الجنوب إفريقية زمام المبادرة البريكسية، وتم عقد قمة استثنائية افتراضية عبر تقنية الفيديو كونفرانس لدول تجمع البريكس فى 21 نوفمبر من العام الجارى؛ للتطرق إلى أبرز التطورات الإقليمية فى الشرق الأوسط، لا سيما الوضع فى قطاع غزة.
وذلك الاجتماع جاء فى صورته الأولى بعد قبول عضوية الدول الجديدة، الممثلة فى مصر والسعودية والإمارات وإثيوبيا، إضافة إلى إيران والأرجنتين، وقد انتهى هذا اللقاء للخروج ببعض التوصيات والمخرجات، التى تطالب بإيقاف نزيف هذه الحرب والتوقف عن الانتهاكات بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، وقد تلى هذه الخطوة نجاح الوساطة (المصرية – القطرية) فى التوصل لهدنة لوقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلى وحركة حماس، فضلًا عن الاتفاق على صفقة تبادل الأسرى بين الطرفين، وهو ما يعد تقدمًا ملموسًا بعد سلسلة الانتهاكات التى عصفت بالفلسطينيين ودمرت مقدرات البلاد، وأزهقت آلاف الأرواح.
قمة بريكس الاستثنائية:
ترأست جنوب إفريقيا قمة افتراضية لقادة تجمع البريكس، إضافة إلى مجموعة الدول الجدد التى سبق وتم دعوتها للانضمام فى يناير المقبل خلال القمة الأخيرة التى عُقدت فى جوهانسبرج، كما أن الأمين العام للأمم المتحدة انضم إلى هذه القمة، التى كانت فحواها، إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ووقف الأعمال العدائية الدائرة على الأراضى الفلسطينية؛ تخفيفًا للأزمة الإنسانية المتدهورة، وقد ترأس هذا اللقاء سيريل رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا، الذى أدان محاولات التهجير القسرى سواء الفردى أو الجماعى للفلسطينيين من أراضيهم، وأكد الأعضاء جميعهم أن ذلك يعد جرائم حرب بموجب القانون الدولى الإنسانى، ويشكل انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف.
علاقات دبلوماسية مهددة:
قد سبق وطالبت بريتوريا جنبًا إلى جنب أربع دول أخرى المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق فى الحرب المشتعلة فى غزة وكذا إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، وتعد جنوب إفريقيا من أكثر الدول انتقادًا للقصف الإسرائيلى على قطاع غزة، حيث أعلنت مطلع نوفمبر استدعاء دبلوماسيها فى تل أبيب للتشاور؛ كنتيجة للفظائع المُرتكبة فى حق الفلسطينيين العُزل، وتلى هذا التصرف، قيام البرلمان الجنوب إفريقى فى 21 نوفمبر الحالى بإجراء تصويت لإغلاق السفارة الإسرائيلية فى بلاده وقطع كافة العلاقات مع الجانب الإسرائيلى حتى تنفيذ وقف إطلاق النار.
وبالفعل نجحت مساعى مصرية قطرية فى التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك، وهو ما يوحى باحتمالية التراجع النسبى عن هذا القرار، ولكن قد لا تعود العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعى، فقد آلت هذه الأحداث إلى تعكير صفو هذه العلاقات، والتى قد غذتها سياسة الفصل العنصرى “الأبارتهايد”، التجربة المشتركة بريتوريا وتل أبيب، ففى الوقت الذى عملت فيه الأخيرة على تطبيق هذه الآلية عبر شعار “أرض بلا شعب” فى إشارة إلى حلم إسرائيل القديم الرامى إلى الفصل بين اليهود والفلسطينيين وتأسيس وطن نقى يقطنه اليهود فقط بلا منازع آخر، وهو ما اتضح فى مساعى إخلاء القطاع من مواطنيه ومحاولات الزج بهم نحو سيناء، عاد ذلك الواقع الأليم إلى ذاكرة جنوب إفريقيا؛ ليذكرها بسياسة الفصل العنصرى الذى اتبعته حكومة الأقلية البيضاء فى البلاد عام 1948.
وقد استندت هذه السياسة على مبادئ الفصل العنصرى بين المستوطنين البيض الحاكمين وبين السكان السود أصحاب الأرض الأصليين، وبالتالى جاءت فكرة رفض وسخط بريتوريا على الأعمال التى قامت بها إسرائيل ضد سكان الأرض الفلسطينيين.
مساعى مصرية قطرية واتفاق وقف إطلاق النار:
تمكنت الجهود المصرية القطرية المشتركة من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مؤقتًا لمدة أربع أيام، يتم بموجبه إبرام صفقة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، علاوة على وقف كافة الأعمال العسكرية للجيش الإسرائيلى فى جميع أنحاء غزة، والتوقف عن سلسلة التوغلات فى القطاع، وقد شمل الاتفاق أيضًا السماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية والوقود، إلى غزة بأكملها، وإطلاق سراح 50 أسيرًا إسرائيليًا من النساء والأطفال دون سن الـ19 عامًا، مقابل الإفراج عن 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين دون سن الـ19 عامًا أيضًا من سجون الاحتلال، وذلك كله حسب الأقدمية، وأكدت حماس أنه خلال فترة الهدنة، يلتزم الجانب الإسرائيلى بعدم إيذاء أحد أو اعتقال آخر، وضمان حركة المواطنين من شمال القطاع إلى جنوبه على طول شارع صلاح الدين، وقد يعد هذا التحرك بارقة أمل تشير إلى انفراجة قريبة فى مسار هذه الأزمة.
مخرجات قمة بريكس:
- المطالبة بهدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدى إلى وقف الأعمال العدائية على خلفية القصف المتواصل لقطاع غزة.
- التأكيد أن الحل العادل والدائم للصراع الإسرائيلى الفلسطينى لا يمكن تحقيقه إلا بالوسائل السلمية.
- مطالبة المجتمع الدولى بدعم المفاوضات المباشرة على أساس القانون الدولى، بما فى ذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة ومبادرة السلام العربية، من أجل التوصل إلى حل الدولتين.
- التنويه إلى ضرورة التوقف عن زعزعة الاستقرار وتصعيد العنف، بما فى ذلك امتداد الصراع إلى المنطقة، ودعوة جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
- تأكيد أهمية الحل السلمى للخلافات والنزاعات من خلال الحوار والمشاورات الشاملة بطريقة منسقة وتعاونية ودعم كافة الجهود بما يؤدى إلى التسوية السلمية للأزمات.
- الدعوة إلى الإفراج الفورى وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانونى، وضمان سلامتهم ورفاهيتهم، ومعاملتهم معاملة إنسانية والامتثال للقانون الدولى فى ذلك.
- إدانة كافة أعمال العنف التى تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما فى ذلك جرائم الحرب، والهجمات العشوائية واستهداف البنية التحتية المدنية، فضلًا عن جميع الأعمال الاستفزازية، والتحريض والتدمير.
- التنديد بمحاولات النقل القسرى والترحيل الفردى أو الجماعى للفلسطينيين من أرضهم سواء إلى داخل غزة أو إلى الدول المجاورة.
ختامًا:
لقد كانت قمة بريكس حدثًا فريدًا من نوعه، حيث يعد الخطوة الأولى للدول الجدد فى التجمع، واستكمالًا لسلسلة الجولات التفاوضية التى سعت لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وتلاها أخيرًا نجاح الوساطة بين القاهرة والدوحة وواشنطن فى التوصل لاتفاق لخفض التصعيد الجارى فى غزة، والذى يعد بداية حقيقية نحو مسيرة التعافى الجزئى بما قد يعقبه من تعافى كامل من هذه الأزمة، وذلك التقدم المحلوظ ينضم إلى باكورة المساعى المصرية الجادة والتى لم تتوانَ أبدًا عن التخلى عن الشعب الفلسطينى، وطرقت كافة الطرق لإغاثة أرواحهم واتباع جميع السبل الدبلوماسية والتفاوضية من أجل إيقاف نزيف هذه الحرب بأى ثمن كان، فضلًا عن المساعدات الإنسانية التى لم تتردد مصر فى إرسالها إلى سكان القطاع، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها، وفى ظل تقاعس العديد من الدول الإقليمية، والتى أظهرت الحرب مدى تخاذلها وموقفها السلبى تجاه عمليات الإبادة الجماعية التى قام بها الجيش الإسرائيلى.
إلا أنه وفى النهاية اتضحت ملامح الحل القريب لهذه الأزمة، بعد الانفراجه الحقيقية التى تمت على أراضٍ مصرية، وقد يكون ذلك أول مرحلة فى سلسلة وقف هذا الصراع القائم، وتشجيع الأطراف الدولية والإقليمية على التحرك لدعم هذا المسار؛ للوصول إلى وقف كامل لإطلاق النار فى غزة.