المقالات
قمة بكين: بين إدارة التوتر وبناء شراكة متوازنة
- يوليو 25, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية

إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في ظلِّ مشهدٍ دوليٍ مضطربٍ يتّسمُ بتصاعدِ التوترات الجيوسياسية والاقتصادية وتزايد الاستقطاب بين القوى الكبرى، تستضيفُ العاصمة الصينية بكين القمة الـ 25 بين الصين والاتحاد الأوروبي في 24 يوليو 2025، في توقيتٍ بالغِ الحساسيةِ يعكسُ حاجةَ الجانبين لإعادة ضبط بوصلة العلاقات الثنائية، حيث تأتي القمة وسط ملفاتٍ شائكةٍ تتراوحُ بين التنافس التجاري والتكنولوجي، والحرب في أوكرانيا، والعقوبات الأوروبية الأخيرة التي طالتْ شركاتٍ صينيةً بسبب علاقتها مع روسيا.
وبين رغبة بكين لكسْر عزلتها الغربية وتعزيزِ مكانتها كشريكٍ اقتصاديٍ لا غنى عنه، ومحاولات الاتحاد الأوروبي لتحقيقِ توازنٍ بين الشراكة وتقليل الاعتماد الاستراتيجي على الصين، تبرز أهمية القمة بوصفها اختباراً لقدرة الطرفين على تجاوز فجوات الثقة والانخراط في مسارٍ أكثر استقراراً. ومن هنا يبرز السؤال الرئيسي:
إلى أي مدى تمثّل قمةُ بكين محطةً حاسمةً لإعادة تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين الصين والاتحاد الأوروبي، في ظل التوترات المتفاقمة والتحديات الاقتصادية والأمنية المتبادلة؟
أولاً: دلالات انعقاد القمة
تنعقدُ قمةُ بكين التي تجمعُ الرئيسَ الصينيَ “شي جينبينغ”، ورئيس مجلس الدولة الصيني “لي تشيانغ” من جهةٍ، ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون ديرلاين”، ورئيس المجلس الأوروبي “أنطونيو كوستا” من الجهة الأخرى، بمناسبة مرور 50 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين بروكسل وبكين. ولكنها تأتي أيضاً في ظروفٍ استثنائيةٍ بالغةِ الأهميةِ، إذ تفاقمت حدة الخلافات بين الطرفين في السنوات الأخيرة على خلفية العقوبات التي فرضتها بروكسل على مسؤولين صينيين بسبب مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ، وهي خطوةٌ شهدتْ عقوباتٍ انتقاميةً مماثلةً من بكين، الأمرُ الذي ألقى بظلاله على العلاقات الثنائية بين الجانبين. كما شابتْ العلاقاتُ نزاعاتٍ تجاريةً حادْةً تتعلقُ بملف السيارات الكهربائية الصينية والأجهزة الطبية وقيود الواردات الزراعية والمعادن النادرة، مما أدي إلى توقف التبادلات التجارية الثنائية.[1]
وازدادتْ العلاقاتُ تعقيداً بفعل الموقف الأوروبي من الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيَّما بعد إعلان بروكسل الأسبوع الماضي عن حزمةٍ جديدةٍ من العقوبات استهدفتْ صادراتِ النفط الروسية وقطاعها المصرفي، وامتدت لتشملَ شركاتٍ ومؤسساتٍ ماليةً صينيةً متهمةً بمساعدة موسكو على الالتفاف على تلك العقوبات. وفي المقابل انتقدت وزارة التجارة الصينية هذه العقوبات محذّرةً من تأثيراتها السلبية التي تعصفُ بالعلاقاتِ الاقتصاديةِ والتجارية والتعاون المالي بين الصين والاتحاد الأوروبي.[2]
وفي سياق هذه التطورات، تُخيمُ على أجواء القمة ظلالُ الحربِ التجاريةِ العالميةِ، التي فاقمها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عبر تجديد سياسات الحمائية التجارية وفرض الرسوم الجمركية والضغوط الاقتصادية التي طالت الصين وأوروبا على حد سواء.
ثانياً: أهداف القمة وأهميتها
تنعقدُ قمةُ بكين في إطار المساعي المتبادلة لإعادة بناء قنوات الحوار السياسي والاقتصادي بين بكين وبروكسل، فضلاً عن معالجةِ عددٍ من الملفات المعقّدة التي أثقلتْ كاهلَ العلاقات بين الجانبين في السنوات الأخيرة. وتتمثل أبرز أهداف القمة فيما يلي:
– تسويةُ النزاعاتِ التجاريةِ العالقة، وعلى رأسها الخلافاتُ حول دعم الدولة الصينية للقطاعات الصناعية، وفرْضُ قيودٍ أوروبيةٍ على الواردات، بما في ذلك السيارات الكهربائية والمعادن النادرة، بما يُسهمُ في خلْقِ بيئةٍ أكثر توازناً في العلاقات الاقتصادية.
– تعزيزُ مجالاتِ التعاونِ المستقبلي، لاسيَّما في قطاعات الطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي والمجالات الخضراء، بما يتماشى مع التزامات الطرفين في مواجهة التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة.
– بحثُ مستقبلِ العلاقات الاقتصادية والتجارية في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على سلاسل التوريد الصينية في الصناعات الحساسة، مقابل رغبة بكين في الحفاظ على انفتاح السوق الأوروبية أمام صادراتها والحفاظ على موقعها كشريك تجاري لا غنى عنه.
– مناقشةُ القضايا الدولية ذاتِ الأولويةِ المشتركة للطرفين، وفي مقدمتها الحربُ في أوكرانيا، حيث تسعى بروكسل للضغط على بكين لوقْفِ دعمها غير المباشرِ لموسكو، في حين تؤكد الصين على التمسك بموقفها الحيادي ورفضها لأي تدخلٍ خارجيٍ في الشؤون السيادية للدول.
ومن هذا المنطلق، تكتسبُ القمةُ أهميةً استراتيجيةً لكونها فرصةً مهمةً للطرفين لمراجعة مسار العلاقات المتشابكة بينهما، والعمل على إعادة ضبط التوازن في ملفات تشهد توتراً متصاعداً في وقتٍ تتزايدُ فيه التساؤلاتُ حول احتمالاتِ تقاربٍ أوروبيٍ أكبر مع بكين، خاصةً مع تراجع الحضور الأمريكي في قيادة النظام التجاري العالمي. كما يُنظر إلى القمة على أنها اختبارٌ حاسمٌ لقدرة الجانبين على تخفيف حدة الخلافات، وفتْحِ المجال أمام تفاهماتٍ مشتركةٍ في قضايا معقّدةٍ، تشمل المناخ، والتكنولوجيا، والسيارات الكهربائية، والأمن الغذائي، وصفقات الطيران.[3]
ثالثاً: أجندة القمة ومحاور النقاش
تضمنتْ قمةُ بكين عدداً من الملفات والقضايا ذات الأولوية المشتركة للجانبين، وفيما يلي أبرز الملفات التي ناقشها المشاركون خلال اللقاء:
– الملف التجاري والاقتصادي: تصدرَ الاختلالُ الكبيرُ في الميزان التجاري مع الصين جدول أعمال القمة، حيث بلغ العجز نحو360 مليار دولار لصالح بكين خلال عام 2024، وسط مخاوفَ أوروبيةٍ من إغراق السوق بسلعٍ صينيةٍ مدعومةٍ وغير منافسةٍ، ولذلك طالبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بكين بفتح الأسواق أمام الشركات الأوروبية وتخفيف القيود على صادرات المعادن النادرة، معتبرةً أن العلاقة وصلتْ إلى نقطةٍ حاسمةٍ وتتطلبُ إصلاحاتٍ حقيقيةً. كما دعا رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، إلى إحرازِ تقدمٍ ملموسٍ في ملفات التجارة والاقتصاد، ووصف القمة بأنها فرصة لإعادة توازن العلاقة الثنائية لمصلحة جميع الأطراف.[4] وفي المقابل، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ، على ضرورة احترام قواعد التجارة الحرة وتجنّبِ تسييس العلاقات الاقتصادية، داعياً قادةَ أوروبا إلى اتخاذ “الخيار الاستراتيجي الصحيح” عبر تعزيز التعاون والثقة المتبادلة مع بكين، في محاولة لتهدئة الخلافات العميقة التي تخيم على العلاقات الثنائية.[5]
– ملف المناخ والبيئة: أجمعتْ الصين والاتحادُ الأوروبي على ضرورة التصدي للتغيرات المناخية، كما تمَّ الاتفاقُ على توقيعِ بيانٍ مشتركٍ يدعو إلى اتخاذ إجراءاتٍ طموحةٍ قبل مؤتمر COP30، مع التأكيد على تعميق التعاون الثنائي في مجالات الطاقة النظيفة والمياه والتكنولوجيا الخضراء.[6]
– الحرب الروسية الأوكرانية: برزتْ الحربُ في أوكرانيا كإحدى القضايا السياسية الشائكة على هامش القمة، حيث طالبَ رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، بكين بـاستخدام نفوذها على موسكو من أجل إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن استمرارَ الدعمِ الضمْنيِ لروسيا يقوّضُ فرصَ السلام والاستقرار في القارة الأوروبية. وفي المقابل، أكدت الصين على تمسكها بموقفها الحيادي، مشددةً على أنها تدعو إلى تسويةٍ سلميةٍ شاملةٍ، وترفض التدخل في الشؤون السيادية للدول أو الانحياز لأي طرف في النزاع.[7]
– قضايا الشرق الأوسط: ناقشَ القادةُ التطوراتِ الإقليميةَ وتداعياتها على الأمن والاستقرار العالمي، مع التأكيد على ضرورة إيجادِ حلولٍ سياسيةٍ شاملةٍ ومستدامةٍ. وفيما يتعلق بالحرب في غزة، أكد الاتحاد الأوروبي والصين على أهمية إيصال المساعدات الإنسانية بشكلٍ كاملٍ ودون عوائق، وشددا على ضرورة العودة إلى وقف إطلاق النار، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن. كما شدد الطرفان على وجوب احترام إسرائيل لالتزاماتها الدولية، لا سيَّما فيما يخصُ تسهيلَ العمل الإنساني في القطاع. وأعاد الجانبان التأكيد على التزامهما بـحلِّ الدولتين كخيارٍ وحيدٍ واقعيٍ وطويلِ الأمد لتحقيقِ سلامٍ عادلٍ ودائمٍ بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
أما بشأن الملف الإيراني، فقد شدّد الجانبان على أهمية الحفاظ على معاهدة حظْرِ الانتشار النووي باعتبارها حجر الزاوية في منظومة منع انتشار الأسلحة النووية، وأكدا دعمهَما للجهود الرامية إلى منعِ التصعيد والعودة إلى المسار الدبلوماسي. وقد دعا الاتحادُ الأوروبيُ الصين إلى استثمار نفوذها الإقليمي للمساهمة في إعادة إحياء المفاوضات النووية واحتواء التوتر.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، أعربَ القادة عن قلقهم إزاء أعمال العنف الأخيرة، ودعوا إلى تنفيذٍ كاملٍ لعملية الإصلاح السياسي الشامل بما يشملُ مساراتِ التعافي والمصالحة، بهدف تلبية تطلعات جميع السوريين وتحقيقِ سلامٍ مستدامٍ يعيد لسوريا وحدتها واستقرارها.[8]
رابعاً: أبرز مخرجات القمة الصينية – الأوروبية
اختُتمت قمةُ بكين بين الاتحاد الأوروبي والصين بجملةٍ من التفاهمات والتعهدات التي عكستْ محاولة الطرفين إعادةَ ضبطِ مسارِ العلاقة الثنائية وتخفيفِ حدّةِ التوتراتِ المتراكمة. فعلى الرغم من استمرار تباين وجهات النظر في العديد من القضايا، إلا أن الجانبين أبديا التزاماً بتعزيز الحوار والعمل المشترك في عدد من الملفات الجوهرية. وفيما يلي أبرز مخرجات القمة:
اتفقَ الجانبان على البدء بحوارٍ جديدٍ لحلِّ الخلافات المتعلقة بالرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية والقيود على المعادن النادرة والأجهزة الطبية.
رحّبَ القادةُ بالتعاون الثنائي الإيجابي والمثمر في مجال تغير المناخ، اتفقوا على ضرورة قيادة الاتحاد الأوروبي والصين للجهود العالمية الرامية إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
تمَّ الاتفاقُ على تعزيز الحوار حول تنظيم البيانات والحوكمة الرقمية، مع تأكيد التزام الجانبين بتوفيرِ بيئةٍ تنظيميةٍ آمنةٍ وواضحةٍ للشركات في كلا السوقين، مع تجنّبِ توظيف الاعتبارات السياسية كذريعة لفرض قيود رقمية غير مبررة.
أكدَ الاتحاد الأوروبي مجدداً تمسّكَه بسياسة الصين الواحدة، وأعرب عن قلقه إزاء تصاعد التوترات في مضيق تايوان، نظراً لما تسببه من عدم استقرارٍ أمنيٍ في المنطقة، كما عارضَ أيَ محاولاتٍ أحاديةِ الجانب لتغيير الوضع الراهن بالقوة أو الإكراه، مشدداً على حلِّ النزاعات بالوسائل السلمية وفقاً للقانون الدولي.
أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ إزاء حالةِ حقوقِ الإنسان في شينجيانغ، ومعاملةِ المدافعين عن حقوق الإنسان والأشخاص المنتمين إلى الأقليات، بالإضافة إلى استمرار تآكل الحريات الأساسية في هونغ كونغ، حيث يتعين على الصين الوفاء بالتزاماتها السابقة.
ختاماً يمكن القول، إن قمةَ بكين تُعدُّ اختباراً حقيقياً لمسار العلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي، في ظل سياقٍ دوليٍ مضطربٍ، فرغم تعقيد الملفات المطروحة وتزايد حدة الخلافات التي ألقت بظلالها على العلاقات الثنائية، إلا أن القمة نجحت في إعادة تفعيل قنوات الحوار الاستراتيجي، وأظهرتْ قدرةَ الطرفين على إدارة الخلافات ضمن أُطرٍ دبلوماسيةٍ لا تقطع جسور التعاون. وكل ما تم التوصل إليه من تفاهماتٍ بشأن التجارة والمناخ والتكنولوجيا، يعكسُ رغبةَ الطرفين في الحفاظ على الاستقرار في العلاقات، وتجنّبِ الانزلاق نحو مواجهةٍ مفتوحةٍ قد تضر بمصالحهم. ولكن سيظل نجاح هذه التفاهمات مرهوناً بمدى الالتزام بتحويلها إلى خطواتٍ تنفيذيةٍ ملموسةٍ، والقدرة على تجاوز اعتبارات النفوذ والاصطفاف لصالحِ شراكاتٍ اقتصاديةٍ أكثر توازناً.
وبناء عليه، فإن المرحلة المقبلة ستكون بمثابة اختبار فعلي لمدى صلابة العلاقات الثنائية، فإما أن تتجه نحو تسويات تدريجية تعزز إدارة التنافس ضمن أطر مستقرة، أو تنزلق مجدداً نحو تفاقم الخلافات في حال لم تترجم التعهدات المتفق عليها إلى واقع فعلي ينعكس على توجهات الطرفين.
المصادر:
[1] صحيفة الشرق الأوسط، قمة صينية أوروبية في بكين: بحثاً لتسوية نزاعات تجارية وسط فوضى الرسوم، 21 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/nUbse
[2] صحيفة الشرق الأوسط، دول الاتحاد الأوروبي تفرض «واحدة من أقوى حزم العقوبات» ضد روسيا، 18 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/noBBF
[3] عبد الكريم الخياطي، قمة أوروبية صينية.. الحرب التجارية وضغوط أميركا تخيم على علاقاتٍ عمرها نصف قرن، الجزيرة، 23 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/tiNBn
[4] العين الإخبارية، قمة ساخنة في بكين.. هل تذيب التجارة خلافات الصين وأوروبا؟، 24 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://2h.ae/iftJ
[5] Euor News، وسط أزمة ثقة متبادلة.. الصين تحثّ أوروبا على اتخاذ “الخيار الاستراتيجي الصحيح”، 24 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://2h.ae/Jshy
[6] SAM MCNEIL & KEN MORITSUGU, Europe and China agree to take action on climate change during a tense summit in Beijing, AP NEWS, July 24, 2025, Available at: https://n9.cl/exf29c
[7] مونت كارلو الدولية، شي جينبينغ يدعو إلى تعزيز الثقة مع الاتحاد الأوروبي وفون دير لايين تطالب بـ”حلول حقيقية”، 24 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://2h.ae/XoSq
[8] أوروبا والعرب، قمة الاتحاد الاوروبي والصين : التزام بتعميق التعاون لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، 24 يوليو 2025، متاح على الرابط: https://europe-arabs.com/ar/news/6465