المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات التركية > قمة غابالا 2025: منظمة الدول التركية كقوة جيوسياسية محورية
قمة غابالا 2025: منظمة الدول التركية كقوة جيوسياسية محورية
- أكتوبر 14, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات التركية
لا توجد تعليقات

إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
عقدت القمة الثانية عشرة لرؤساء دول منظمة الدول التركية (OTS) في 7 أكتوبر 2025 بمدينة غابالا الأذربيجانية، تحت شعار محوري هو “السلام والأمن الإقليميان”، وقد كشفت القمة عن ثلاث مسارات استراتيجية تحدد توجه المنظمة في المرحلة المقبلة. يتمثل الأول في تعزيز البناء المؤسسي من خلال اعتماد إعلان غابالا وإطلاق صيغة “منظمة الدول التركية+” (OTS+)، وهي آلية مرنة تهدف إلى توسيع نطاق الشراكات الخارجية مع الحفاظ على وحدة الكتلة. أما المسار الثاني فيركز على الأمن الإقليمي، حيث رحبت القمة بقرب التوصل إلى اتفاق سلام في القوقاز، واقترحت تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة عام 2026 لربط القدرات الدفاعية بالبنى اللوجستية. بينما يرتكز المسار الثالث على تسريع الترابط اللوجستي، إذ جرى التأكيد على أن الممر الأوسط يمثل أولوية جيوسياسية عليا، خاصة بعد الزيادة الملحوظة في حركة الشحن عبره منذ عام 2022، تعكس مخرجات القمة أبعادًا جيوسياسية متشابكة؛ فتعاظم التنسيق داخل الكتلة التركية يثير حذر موسكو، في حين يعزز اهتمام بكين بالممر الأوسط بوصفه بديلاً حيوياً للممرات الشمالية التقليدية.[1]
رمزية قمة غابالا:
عكست قائمة الحضور في قمة غابالا اتساع نطاق نفوذ منظمة الدول التركية وعمقها الرمزي، فقد شارك في القمة قادة الدول الأعضاء: تركيا، أذربيجان، كازاخستان، قيرغيزستان، وأوزبكستان، إلى جانب عدد من الدول والأطراف ذات صفة المراقب.
برز البعد الرمزي بوضوح في مشاركة الزعيم الوطني لتركمانستان، إذ جاءت مشاركته رغم تقارير روسية سبقت القمة وأبدت قلق موسكو من انخراط عشق آباد المتزايد في مسار التعاون التركي، أما مشاركة رئيس جمهورية شمال قبرص التركية فقد شكلت تطوراً لافتاً، إذ أتاح لها الاجتماع منصة سياسية نادرة على المستوى الدولي. ويعد جلوس هذا الكيان غير المعترف به دولياً إلى جانب الدول الأعضاء مكسباً رمزياً لتركيا وشركائها داخل المنظمة، كما يمثل خطوة تتحدى الأطر الدبلوماسية التقليدية وتضيف بعداً جديداً للتفاعلات الإقليمية، خصوصاً في ظل حساسية الموقف لدى القوى الكبرى مثل روسيا.[2]
أقرت قمة غابالا حزمة من الوثائق المؤسسية التي تحدد الاتجاهات المستقبلية للتعاون بين الدول الأعضاء، وفي مقدمتها “إعلان غابالا” وقرار تأسيس آلية التعاون الجديدة ضمن إطار المنظمة.
إعلان غابالا ومبادئ السيادة الإقليمية:
اعتمد القادة الإعلان الختامي الذي شدد على التزام دول المنظمة بتعزيز التضامن والاستقرار الإقليمي. ومن الناحيتين القانونية والسياسية، أعاد الإعلان التأكيد على مبادئ احترام السيادة الوطنية، ووحدة الأراضي، وعدم المساس بالحدود الدولية، إلى جانب الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما أبرز أهمية الهوية التركية المشتركة التي تجمع الدول الأعضاء من خلال الروابط التاريخية والثقافية والقيم المتقاربة.
وشملت المواقف الإقليمية التي نص عليها الإعلان التوافق على العمل المشترك لتحقيق الأمن والسلام والتنمية في المنطقة، مع الإشارة إلى دعم وحدة واستقرار سوريا باعتبارها جزءاً من الأمن الإقليمي الأوسع.
إطلاق صيغة “منظمة الدول التركية” (OTS+)
جاء قرار إنشاء صيغة “OTS+” كإحدى أبرز الخطوات المؤسسية في القمة، حيث تم تصميمها كآلية مرنة تتيح للمنظمة توسيع نطاق التعاون مع الشركاء الخارجيين في المجالات ذات المصالح المتبادلة. يهدف هذا الإطار إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية للمنظمة، وهو ما يعكسه الدعم المالي الذي قدمته أذربيجان بقيمة مليوني دولار لتمويل البرامج والمشروعات المشتركة.
تمثل صيغة OTS+ مقاربة مبتكرة لإدارة التوازنات الجيوسياسية المعقدة، إذ تدرك المنظمة أن تطوير الممر الأوسط يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، ما يفرض ضرورة الشراكة مع قوى اقتصادية ولوجستية كبرى مثل الصين. ومع التمسك بمبادئ السيادة التي نص عليها إعلان غابالا، تتجنب المنظمة منح عضوية مراقبين قد تتعارض توجهاتهم السياسية مع تماسكها الداخلي. وبذلك توفر صيغة OTS+ إطاراً عملياً يتيح الاستفادة من الشراكات الاقتصادية دون المساس بالقرار السياسي الداخلي، مما يمنح المنظمة مرونة في جذب التمويل الخارجي مع الحفاظ على استقلالها.
القمة كركيزة لاستقرار القوقاز
جاء انعقاد قمة غابالا بعد فترة وجيزة من التوقيع الأولي على اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا في واشنطن بتاريخ 8 أغسطس 2025، وهو تطور بارز أعادت من خلاله الدول التركية تأكيد دعمها لمسار التسوية في جنوب القوقاز. وقد اعتبر القادة هذا الاتفاق خطوة أساسية نحو تحقيق سلام دائم وتنمية شاملة تمتد آثارها إلى ما بعد الإقليم، وشهدت القمة تركيزاً على الترابط بين الأمن والتنمية الاقتصادية، حيث عبّر الرئيس إلهام علييف عن رؤيته لتحويل جنوب القوقاز إلى “منطقة سلام وازدهار”، بما يضمن مرور شبكات النقل والتجارة عبر المنطقة في بيئة مستقرة وآمنة.
وفي سياق تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الاقتصادية، طرحت القمة مبادرة جديدة لتوسيع نطاق التعاون العسكري بين الدول الأعضاء، فقد دعا الرئيس الأذري إلى تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة عام 2026 في أذربيجان، في خطوة تهدف إلى رفع مستوى التنسيق الدفاعي وبناء قدرة جماعية على مواجهة التحديات الأمنية المعاصرة، ويمثل هذا المقترح امتداداً لمفهوم الأمن الشامل الذي تبنته القمة، حيث لم يعد الأمن مقتصراً على البعد السياسي أو العسكري، بل أصبح يشمل ضمان استدامة الممرات التجارية والربط اللوجستي، ولا سيما في ظل مرور الممر الأوسط عبر مناطق تتسم بحساسية أمنية مثل القوقاز.
ومن هذا المنطلق، ينظر إلى التعاون العسكري المقترح باعتباره أداة لحماية البنية التحتية الاقتصادية وتأمين مسارات الطاقة والنقل، مما يعزز الاستقرار ويمنح المنظمة ثقلاً استراتيجياً أكبر في مواجهة النفوذ الروسي التقليدي في المنطقة.
كما مثلت قمة غابالا نجاحاً دبلوماسياً لأذربيجان، إذ استطاعت من خلال استضافتها للقمة بعد توقيع اتفاق السلام المبدئي أن تؤكد دورها المحوري كضامن للاستقرار في جنوب القوقاز، وبطرحها مبادرة الدفاع المشترك، رسخت باكو موقعها كقوة قائدة في صياغة المرحلة الجديدة لما بعد النزاع، ومركز رئيسي في منظومة الترابط الجيوسياسي والاقتصادي للمنطقة.[3]
الممر الأوسط كمرتكز للرؤية الاقتصادية المشتركة
يُعد قطاع النقل واللوجستيات عبر الممر الأوسط أحد الأعمدة الرئيسة في الرؤية الاقتصادية لمنظمة الدول التركية، إذ أكد الرئيس الكازاخستاني خلال القمة على ضرورة رفع مستوى التعاون في هذا المجال بما يعزز كفاءة الترابط الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
الممر الأوسط وتأمين سلاسل الإمداد
جددت القمة التأكيد على الأهمية الاستراتيجية للممر الأوسط أو ما يُعرف بالممر العابر لبحر قزوين، باعتباره شرياناً حيوياً للتجارة يربط آسيا بأوروبا. وتشير البيانات الحديثة التي استعرضتها القمة إلى زيادة لافتة في حجم الشحن عبر هذا الممر نتيجة التحولات الجيوسياسية التي دفعت شركات النقل إلى الابتعاد عن الممر الشمالي الخاضع للنفوذ الروسي نتيجة العقوبات والصعوبات المتزايدة في العبور عبر روسيا وبيلاروسيا.
ويعتمد نجاح الممر الأوسط على تطوير بنية تحتية متكاملة يجري العمل عليها بشكل مكثف، خاصة في أذربيجان التي تستثمر في ميناء ألات البحري وخط سكة حديد باكو–تبيليسي–قارص، إلى جانب توسعة شبكة المطارات الدولية التي تجاوز عددها تسعة مطارات، كما تولي المنظمة أهمية لتعزيز الإطار القانوني والتنظيمي للتعاون، مع التركيز على رقمنة خدمات النقل عبر تطبيق أنظمة مثل التصريح الإلكتروني
(e-Permit) والمذكرة الإلكترونية للشحن (e-CMR) لتقليل التكاليف وتسهيل حركة البضائع، وتشمل الجهود المشتركة أيضاً تعزيز التعاون بين الموانئ، من خلال مبادرات مثل “الموانئ الشقيقة” التي تربط بين موانئ باكو وأكتاو وسامسون، بهدف توحيد الإجراءات وتكامل الخدمات اللوجستية عبر البحر الأسود وبحر قزوين.
ولكن على الرغم من النمو السريع في حركة الشحن، إلا أن القدرة الفعلية للممر الأوسط ما زالت محدودة مقارنة بالممر الروسي وهذا يُظهر أن نجاح الممر الحالي يعتمد بدرجة كبيرة على الظروف السياسية الاستثنائية، ما يجعله نجاحاً هشاً ما لم يتم تعزيزه باستثمارات طويلة الأمد ترفع من كفاءته وتخفض تكلفته التشغيلية.
ولتجنب أن يظل الممر مجرد بديل مؤقت للمسارات التقليدية، يتعين على المنظمة استثمار الزخم السياسي الذي وفرته قمة غابالا لتأمين تمويلات ضخمة لتوسيع البنية التحتية ورفع الطاقة الاستيعابية.
وختامًا، تمثل قمة غابالا 2025 نقطة مفصلية في مسار منظمة الدول التركية، إذ أعادت صياغة موقعها كفاعل إقليمي صاعد يمتلك رؤية متكاملة تجمع بين الاستقرار السياسي، والأمن الدفاعي، والتنمية الاقتصادية، أظهرت القمة أن المنظمة لم تعد تقتصر على التنسيق الرمزي أو الثقافي بين الدول الناطقة بالتركية، بل أصبحت إطاراً جيوسياسياً عملياً يسعى إلى بناء تكتل متماسك له حضور مؤثر في القوقاز وآسيا الوسطى والبحر الأسود.
وقد أكدت مخرجات القمة على أن الممر الأوسط يمثل القلب الاقتصادي لمشروع التكامل التركي، في حين يشكل التعاون العسكري المقترح لعام 2026 بعده الأمني الضامن لاستدامة هذا المشروع، أما إعلان غابالا وصيغة OTS+ فيضعان الأساس القانوني والمؤسسي لتوسيع الشراكات دون التفريط في استقلال القرار الداخلي للمنظمة.
وبينما تستفيد المنظمة من التحولات الجيوسياسية العالمية التي أعادت رسم طرق التجارة وموازين النفوذ، فإنها تواجه في الوقت ذاته تحديات بنيوية تتعلق بتمويل مشروعاتها الضخمة وإدارة تباينات أعضائها، إلى جانب ضرورة الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع كلٍّ من موسكو وبكين والغرب.
المصادر:
[1] Leaders of Turkic States Meet in Azerbaijan – The Times Of Central Asia, Accessed 10 Oct. 25, https://timesca.com/leaders-of-turkic-states-meet-in-azerbaijan/
[2] Why has Russia feared Turkic states? – Modern.az, Accessed 10 Oct. 25, https://modern.az/en/analitika/537617/why-has-russia-feared-turkic-states/
[3] Aliyev proposes 2026 joint military drills of Turkic states – Daily Sabah, https://www.dailysabah.com/politics/diplomacy/aliyev-proposes-2026-joint-military-drills-of-turkic-states