إعداد: دينا لملوم
إيمانًا من القادة الأفارقة بأهمية دعم جهود التكامل بين الدول الإفريقية من خلال تقسيم العمل بشكل واضح وتحقيق التعاون بين الاتحاد الإفريقى والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء، بما يتماشى مع مبدأ التبعية والتكامل والميزة التنافسية، عُقد الاجتماع التنسيقى نصف السنوى للاتحاد بالعاصمة نيروبى، وقد تطرقت هذه القمة إلى قضايا عدة، تصب فى النهاية لصالح إفريقيا وخلق حالة من الاندماج الإقليمى، وبحضور عدة دول من بينها مصر، التى دائمًا تحرص على تحقيق التكامل الاقتصادى عبر الأطر والمؤسسات الإقليمية؛ لضمان تحقيق الأهداف التنموية للقارة ٢٠٦٣.
قمة إفريقية:
استضافت العاصمة الكينية نيروبى فى ١٦ يوليو الجارى الاجتماع التنسيقى نصف السنوى للاتحاد الإفريقى، الذى جاء تحت شعار “تسريع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية”، وبالرجوع إلى الخلفية التاريخية له، نجد أن التصور الأول لانعقاد هذا الاجتماع وضع عام ٢٠١٧؛ وعُقد اجتماعه الأول عام ٢٠١٩ فى النيجر، وقد تمكن العديد من رؤساء الدول والحكومات، فضلًا عن وزراء خارجية الدول الأعضاء والمبعوثين من حضور الاجتماع، كما شهدت القمة أيضًا مشاركة عدد من التجمعات الاقتصادية، مثل الإيكواس والكوميسا والسادك وتجمع النيباد الذى تتولى مصر رئاسته حاليًا، بيد أن الملفات المطروحة تشكل أهمية كبيرة للقارة، خاصة فى ظل الظروف العصيبة التى يمر بها العالم بأسره وتؤثر بشكل أو بآخر على إفريقيا.
ملفات مهمة:
لقد تناول اجتماع الاتحاد الإفريقى عدة ملفات مهمة تهدف إلى دعم أسس التكامل بين دول القارة، وترتيب أجواء التجمعات الاقتصادية والإطار التنسيقى الخاص بالتكامل بين الاقتصادات الإفريقية، ويمكن إجمال هذه الملفات فى الآتى:
1- الوقوف على آخر مستجدات وضع التكامل الإقليمى بين دول القارة السمراء وتسريع وتيرة عملية التكامل التجارى بين دول إفريقيا؛ من أجل تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية بشكل عاجل وفورى.
2- محاولة التوصل إلى تقسيم واضح وفعال لأطر العمل المختلفة بين الاتحاد الإفريقى والمجموعات الاقتصادية والدول الأعضاء.
3- دعم جهود الإصلاح المؤسسى للاتحاد الإفريقى.
4- مناقشة الخطة العشرية لأجندة التنمية المستدامة ٢٠٦٣، وسبل تمويل هذه الأجندة، مع الوضع فى الحسبان ضرورة دعم جهود التعافى الاقتصادى للقارة الإفريقية، وتنفيذ المبادرات الرامية إلى مجابهة التحديات التى تعترى إفريقيا، سواء فيما يخص الزراعة أو البنية التحتية، أو الديون وقضايا الأمن والطاقة والصحة والمناخ.
5- الإيمان بأهمية لعب دور الوسيط فى القضايا العالقة كالحرب الروسية الأوكرانية التى قاربت على كسر حاجز العام ونصف، والتباحث حول عدد من القضايا الإقليمية، من بينها الأوضاع فى منطقتى القرن الإفريقى وحوض النيل، والأزمة السودانية، حيث يتم تناول جهود التنسيق بين المبادرات الهادفة لتسوية هذه الأزمة، كان آخرها قمة دول جوار السودان التى عُقدت فى القاهرة ١٣ يوليو الحالى؛ تكاملًا مع الجهود الإقليمية الأخرى الرامية لإنهاء الصراع عبر حوار سلمى يضمن مصالح الشعب السودانى.
6- قيام رئيس بنك التنمية الإفريقى بعرض أبرز إنجازات البنك، والتى تدور حول المبادرات التنموية التى يسعى إلى تحقيقها فى إفريقيا.
7- إنشاء سوق إفريقية مشتركة تعمل على تحفيز عمليات التبادل التجارى، ومجالات أخرى كالزراعة والأعمال، وتبادل المهارات بين دول القارة.
مشاركة مصرية:
استكمالًا للدور البارز والتاريخى المصرى فى احتواء أزمات القارة ودعم جهود الإصلاح والتكامل، وتعزيز سبل التبادل التجارى بين الدول الإفريقية، إضافة إلى تعزيز التواجد الاقتصادى؛ للتصدى للمخاطر والتحديات التى تعترى الاقتصاد الإفريقى، شارك الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” فى قمة منتصف العام التنسيقية للاتحاد الإفريقى، على خلفية استضافته لقمة المناخ الأخيرة التى عُقدت فى شرم الشيخ نوفمبر المنصرم، ورئاسته أيضًا لتجمع النيباد الذى تسلمت مصر رئاسته على هامش أعمال قمة الاتحاد الإفريقى التى عُقدت فبراير الماضى، وذلك لمدة عامين، كما أن مصر تعد من الدول المؤسسة لهذه المبادرة تحت راية الاتحاد الإفريقى؛ نظرًا للأهمية التى تشكلها هذه القمة من حيث خدمة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التكامل القارى، بما يتناسب مع أجندة ٢٠٦٣، وتطلعات منطقة التجارة الحرة.
أهداف مصرية بناءة:
تسعى مصر من وراء مشاركتها فى هذه القمة إلى الآتى:
1- تعميق التعاون الاقتصادى المصرى الكينى، بوصف كينيا واحدة من أهم المراكز ذات الثقل الاقتصادى فى منطقة شرق إفريقيا، كما أن هذه القمة تهدف إلى تأطير أسس التعاون الاقتصادى بين البلدين.
2- حرص مصر الدائم على تحقيق التكامل الاقتصادى عن طريق إطلاق منصة التجارة الحرة؛ لتقوية الروابط بين دول القارة الإفريقية؛ فنجد أن لمصر دورًا محوريًا فى تفعيل منطقة التجارة، علاوة على تنشيط كافة قرارات البنية التحتية للقطاع الصحى والمجال الصناعى، بشكل يضمن تنفيذ أجندة التنمية.
أبرز مخرجات القمة:
1- التأكيد على أهمية وضع رؤية سياسية وإستراتيجية واضحة لتعزيز التناغم بين عمل الاتحاد الإفريقى وأنشطة التجمعات الاقتصادية الإقليمية، بحيث تتم صياغة هذه الرؤية تحت قيادة الدول الأعضاء لترسيخ ملكيتها لهذه العملية وتأكيد إرادتها السياسية لتنفيذ مخرجاتها، وذلك من خلال آلية تجمع بين الاتحاد الإفريقى، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والآليات والمؤسسات الإقليمية الأخرى المعنية.
2- توحيد الآليات والجهود لمواجهة المخاطر والتحديات الإقليمية والدولية فى مجالات التنمية المستدامة، وتحقيق التعاون بين الدول الإفريقية؛ ضمانًا لتنفيذ الأهداف المرجوة منها على المدى المتوسط وطويل الأجل.
3- التركيز على أهمية التجمعات الاقتصادية الإقليمية كركيزة أساسية فى مشروع الاندماج الإقليمى المشترك الهادف إلى إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية، والتى تمثل أداة محورية لدفع عجلة التنمية والتحديث بالقارة الإفريقية.
4- تبادل الرؤى بشأن سبل توثيق الترابط بين التجمعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الإفريقى من خلال صياغة إطار شامل وخطة عمل واقعية لدفع عجلة التكامل القارى تحت قيادة الاتحاد، مع الأخذ فى الاعتبار المبادئ والغايات الرئيسية المتفق عليها فى أجندة التنمية ٢٠٦٣، والأهداف الإستراتيجية التى توافقت عليها القمم الإفريقية المتلاحقة، وبما يضمن تحقيق الاستفادة المثلى من الميزات التنافسية لكل تجمع ويتغاضى عن الازدواجية وإهدار الجهد والموارد المحدودة.
ختامًا:
تعد هذه القمة إحدى الجهود الرامية إلى إزالة كافة العقبات التى تحول دون تحقيق الاندماج والتكامل القارى، والحيلولة دون تفعيل منطقة التجارة الحرة، التى من شأنها إحداث نقلة نوعية فى مجال التعاون والتبادل التجارى بين دول إفريقيا، خاصة فى ظل امتلاك القارة ثروة طبيعية وبشرية هائلة تمكنها من تحقيق التنمية، وبالتالى لا يمكن التغافل عن أهمية ومحورية الدور المصرى الرائد فى احتضان كافة السبل الداعمة لاقتصاد القارة، كما أنه يمكن الاستفادة من تجربتها الناجحة فى إنشاء الطرق والمحاور والمشروعات العملاقة التى شهدها الاقتصاد المصرى خلال الفترة الماضية، وعليه فلابد من تعزيز الجهود الموجهة نحو إزالة كافة الحواجز الجمركية والعقبات التى قد تعرقل عملية التبادل التجارى بين دول القارة بشكل كامل، ودعم كل ما هو إفريقى، حتى تدخل إفريقيا طورًا جديدًا من التطور والتقدم القائم على أيدى إفريقية، يتيح لها الفرصة لأفرقة العلاقات بين دول القارة على كافة الأصعدة، الأمر الذى بدا واضحًا فى ظل تواجد العديد من القادة والكيانات الاقتصادية الكبرى فى هذه القمة، إشارة إلى مدى التكاتف والتعاضد بين الدول الإفريقية، وإظهار مدى الرغبة الجماعية فى الدفع بالقارة نحو مستقبل أفضل، وهو ما ظهر جليًا فى الملفات التى طُرحت على هامش المؤتمر، ومن المتوقع أن تستمر هذه المحاولات؛ سعيًا وراء تحقيق إنجاز حقيقى وملموس ينهى عصر الظلام ويؤسس لبداية جديدة.