إعداد: جميلة حسين محمد
يتعاظم خطر عرب 48 بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية مع كل حدث يهدد وجودها وأمنها القومى كالعملية الأخيرة فى قطاع غزة المعروفة بـ”طوفان الأقصى”، فتتمادى بالتحريض على المواطنين العرب وتتعامل معهم كجبهة أخرى من الحرب ترتكب ضدهم إجراءات غير قانونية، حيث تبدأ بوضع إستراتيجية واضحة تحمل فى طياتها مظاهر تحريضية وعنصرية تجاه هؤلاء المواطنين من الشريحة الفلسطينية التى مُنعت من الاحتجاج والتظاهر تضامنًا مع أبناء شعبهم فى غزة والضفة الغربية، وكثفت من سياسات وحملات الترويع والترهيب والقمع غير المسبوق.
العدو الاستيطانى الأول
شهدت العلاقات بين إسرائيل المحتلة وفلسطينى 48 الذين ظلوا فى أراضيهم بعد النكبة عام 1948 قدرًا واسعًا من الطغيان والإذلال، نتاجًا من ممارسات الاحتلال الذى صادر منازلهم وأراضيهم وحولهم صناع القرار إلى أقلية متنازلة عن المساواة وعن الشخصية العربية الكاملة ومواطنين من الدرجة العاشرة، على الرغم من أنهم أصحاب الأرض الأصليين.
وبعد تحديد الخط الأخضر للفلسطينيين ومحاصرتهم وتحجيمهم ديموغرافيًا وإعادة تشكيل هويتهم الثقافية واجهوا تمييزًا وعنصريًا فى معظم المجالات الرئيسية حيث الخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية فضلًا عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة.
ليعبر هذا المشهد عن افتقار هذا الجمع إلى قيادة سياسية موحدة ومؤسسات وطنية وإستراتيجية حقيقية متعددة المستويات تعبر عن نضال الشعب الفلسطينى.
بالنسبة للعدوان الإسرائيلى فينظر إلى فلسطينى 48 على أنهم عقبة فى طريق إقامة الدولة اليهودية الذين يشكلون 21% من سكانها بما يعادل 1.7 مليون نسمة وفقًا لإحصائيات عام 2022، تلك الدولة التى تمتاز بالنقاء العرقى والقومية الواحدة وفقًا لاعتقادهم، والتى دومًا ما حاولت سلطات الاحتلال أن تستخدم العديد من الأساليب والإجراءات ضدهم لإحجامهم وطردهم بشكل كامل من الأراضى التى رفضوا الخروج منها، ولكن باءت السياسات الإسرائيلية بالفشل الذريع.
إجراءات ممهنجة
تعديل قانون محاربة الإرهاب:
اتخذت اللجنة الوزارية للتشريع فى دولة الاحتلال الإسرائيلى إجراء جديد يتعلق بتوسيع قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2016 ويسمح لوزير الدفاع بتصنيف جمعية كمنظمة إرهابية أو أنشطتها كأعمال إرهابية، جاء هذا التحرك بعد إعلان وزير الدفاع الإسرائيلى “يوآف غالانت” ووزير العدل “ياريف ليفين” رغبتهما فى طرح نسخة موسعة من قانون مكافحة الإرهاب للتصويت عليه فى الكنيست فى خضم الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وبمجرد إقرار هذا القانون فى الكنيست سيتمكن الاحتلال الإسرائيلى من تطبيقه على أى ناشط منفرد فى إطار قانون مكافحة الإرهاب، وليس المنظمات فقط، فى إطار تسهيل عملية اعتقال وملاحقة وقمع النشطاء الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية، والتأكد من خضوعهم لنفس العقوبات التى يتم تطبيقها على المنظمات الإرهابية سواء.
وقبل إقرار القانون من الكنيست تفتح سلطة الاحتلال تحقيقات ضد العشرات من فلسطينى الداخل بذريعة نشر كلمات دعم وإشادة بأعمال المقاومة، وتقوم بتلك التحقيقات بطريقة لا مهنية دون موافقة مسبقة من النيابة العامة، باعتبار أنها قضايا تهدد الأمن القومى وتقتل أفرادها وتدعم الأعمال والمنظمات الإرهابية.
الملاحقة الإلكترونية لفرض الرواية الصهيونية:
يحاول العدوان الإسرائيلى استخدام أسلوب القمع وتكميم الأفواه وسلب الحريات لعرب 48 من خلال ملاحقة من يعبرون عن التضامن من خلال منشورات فى صفحات على شبكات التواصل الاجتماعى، وكتابة تغريدات مناهضة للحرب ومنددة بالمجازر الإسرائيلية ومن أبرز النماذج التى تم اعتقالها الممثلة الفلسطينية (ميساء عبد الهادى) بعد نشرها منشورات عديدة ضد الاحتلال بتهمة “نشر تحريض وتأييد للإرهاب.
وكما أشار المدعى الإسرائيلى العام إلى أنها قاعدة عامة “عدم التسامح مطلقًا مع من ينشر” سواء كان صراحة أو ضمنًا فى إشارة إلى نتائج الهجوم الذى قامت به حركة “حماس” فى السابع من أكتوبر، ويتم التعامل مع ذلك بكافة الوسائل المتاحة من ما وصفه البعض بأنها أعمال وحشية.
وعلى صعيد آخر، فرضت السلطة أنظمة الأحكام العرفية والطوارئ وفق الأمر رقم (8) الذى طبقًا له سحبت وألغت جميع الحقوق الأساسية من حرية التعبير والتظاهر وحرية التضامن، وأصبحت المجموعات اليهودية الصهيونية المشاركة فى أى مظاهرة أو أى برنامج أو على مواقع التواصل الاجتماعى ينددون بشعار “الموت للعرب” أو “الدواعش العرب”.
تسليح فرق داخلية:
منذ اندلاع الأزمة فى قطاع غزة قامت سلطات الاحتلال بتشكيل وتسليح العديد من الفرق الأمنية داخل إسرائيل وصل عددهم إلى 527 فرقة وصدر أمر بتوزيع 20 ألف سلاح على هذه الفرق، وسيعقب ذلك توزيع 20 ألفًا أخرى، بالإضافة إلى سترات واقية وخوذات، وذلك تحسبًا لوقوع أى خلل واضطرابات داخلية بين الإسرائيليين والعرب بسبب تطور الأحداث الجارية خاصة مع حملة وزير الأمن القومى (إيتمار بن غفير) الذى سمح للشرطة بإطلاق الرصاص الحى على كل من يتظاهر للتنديد بما يجرى فى قطاع غزة.
حملة اعتقالات وفصل واسعة:
صعدت حكومة الاحتلال الإسرائيلى استهدافها لفلسطينى 48 من خلال الاعتقالات والفصل التعسفى عن العمل والاقصاء عن الجامعات كنتيجة حتمية لدعم المقاومة والتضامن مع الفلسطينيين فى قطاع غزة، حيث تم اعتقال أكثر من 160 شخصًا، ومنع المفوض العام للشرطة الإسرائيلية “كوبى شبتاى” أى شكل من التظاهر للفلسطينيين داخل إسرائيل تضامنًا مع غزة مع تصاعد الأحداث فى القطاع بشكل كارثى، كما فعَّل قانون “الاعتقال المانع” الذى يعطى الشرطة الحق فى اعتقال الأشخاص لمجرد تفكيرهم أو تخطيطهم للتظاهر، حيث صرح قائلًا “نحن فى حالة حرب، والتعليمات واضحة بعدم التسامح مع أى حادثة تحريض، ولا يوجد تصريح للقيام باحتجاجات”.
وقد سجل المركز القانونى لحماية حقوق الأقلية العربية فى إسرائيل “عدالة” أكثر من 120 طالبًا وطالبة تعرضوا لإجراءات تأديبية صارمة أو تم إبعادهم عن مسارهم التعليمى من قبل إدارات الجامعات الإسرائيلية دون اتخاذ إجراء مسبق معهم يمكنهم من الإدلاء بموقفهم والاستماع إلى الادعاءات ضدهم والدفاع عن أنفسهم طبقًا للتعليمات الداخلية لتلك الجامعات.
كما أفادت نقابة العمال بأن هناك مواقع عمل إسرائيلية قامت بتقديم 37 حالة فصل من العمل بشكل تعسفى من العمال والموظفين العرب بدعوة ” تأييدهم حماس ودعمهم الإرهاب” سواء من خلال احتكاكهم مع العمال اليهود فى موقع العمل أو من خلال كتابة منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعى.
التداعيات المحتملة
تفرض تلك السياسة القمعية والتحريضية التى ينتهجها العدوان الإسرائيلى المحتل ضد فلسطينى الداخل لإخماد الأصوات الرافضة للحرب والتدمير فى قطاع غزة عددًا من التداعيات يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلى:
أولًا: الرغبة فى طرد عرب 48 إلى الخارج
تلك الفكرة ليست وليدة اللحظة بل تتكرر من فترة لأخرى ويطرحها عدد من الوزراء فى الحكومة الإسرائيلية فى إطار تأمين الدولة من الداخل فى مواجهة التحديات الراهنة والأخطار والحفاظ على أمنها القومى واستقرارها الداخلى، خاصة فى خضم الأوضاع الحالية المشتعلة من عدم الاستقرار واحتمالية المواجهة الحقيقة مع فلسطينى 48.
ومن ناحية أخرى الدعوة إلى نقاء الدولة اليهودية دون وجود العرب، والتماسك المجتمعى الحقيقى لها دون وجود شريحة مجتمعية أخرى حاصلة على الجنسية الإسرائيلية التى لا ينتمون بأى شكل لها، ولكن يبقى السؤال هنا إلى أين يذهب هؤلاء الفلسطينيين؟
ثانيًا: ضعف فلسطينيو الداخل عن التضامن مع العدوان على غزة
نتيجة لحرص سلطة الاحتلال الإسرائيلى من عدم تكرار تجربة معركة “سيف القدس” فى مايو 2021 مع حركة حماس فى قطاع غزة، والتى عُرفت بأحداث كرامة وأفشلت مخططات إسرائيلية استخبارية وكشفت هذه المعركة نقاط ضعف فى المجتمع الإسرائيلى، وأثبتت مدى الحضور القوى والإسناد الشعبى الذى وفره فلسطينيو الداخل لنصرة المقاومة والشعب الفلسطينى فى القطاع لغزة الأمر الذى تسبب فى خسارة إسرائيل لهذه الجولة بعد أن اضطرت لوقفها تحت ضغط الاحتجاجات الداخلية.
ومن أشكال التضامن الذى أبداه فلسطينيو الداخل فى ذلك الوقت أيضًا تنفيذ عصيان مدنى وإضراب عن العمل، واحتجاجات شملت اقتحام المقرات الحكومية، لذلك يبدى الإسرائيليون فى حربهم الحالية مع غزة حرصًا على اتخاذ إجراءات دقيقة فى الداخل، تفاديًا لتكرار سيناريو “هبة الكرامة” من جديد.
مما سبق؛ على الرغم من ديمومية ممارسة القمع والاعتداءات والتمييز العنصرى ضد فلسطينو الداخل من جانب كل من سلطات الاحتلال الإسرائيلى والشعب الصهيونى، إلا أن هؤلاء الفلسطينيين لهم دور بارز فى كافة الأحداث التى تشهدها فلسطين، وتشهد المدن الفلسطينية المحتلة فى الداخل احتجاجات ومظاهرات عامة وواسعة ويستدل على ذلك “انتفاضة الحجارة 1987 / انتفاضة الأقصى 2000 / حى الشيخ جراح 2021 / طوفان الأقصى 2023″، وتبقى الحقيقة الأكيدة وفقًا لمعطيات المراجعات التاريخية هي ثبات تلك المواجهة رغم محاولات التضييق عليهم وطمس هويتهم وعمقهم العربى الفلسطينى، وسيستمر هاجس الخوف الإسرائيلى من فلسطينى 48 ما دامت قضية الشعب الفلسطينى باقية.