المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > كابول بين العزلة والانفتاح: قمة “صينية – باكستانية – أفغانية” لإعادة ضبط التوازنات الإقليمية
كابول بين العزلة والانفتاح: قمة “صينية – باكستانية – أفغانية” لإعادة ضبط التوازنات الإقليمية
- أغسطس 22, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في ظلّ بيئةٍ إقليميةٍ تتسمُ باضطرابٍ أمنيٍ متواصل وتحدياتٍ اقتصادية خانقة، تحتضنُ العاصمة الأفغانية كابول في 20 أغسطس 2025 قمةً ثلاثيةً تجمع الصين وأفغانستان وباكستان، في توقيتٍ يعكس عمق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة. فبين تصاعد تهديدات الإرهاب العابر للحدود، وتنامي مشاريع إعادة الإعمار والربط الإقليمي ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، وسعْي كابول للخروج من دائرةِ العزلةِ الدولية، تبرزُ القمةُ كمنصةٍ لإعادة رسْمٌ خريطة التوازنات في جنوب ووسط آسيا.
وفي هذا السياق، تتباين أهداف الأطراف المشاركة؛ إذ تسعى بكين إلى تعزيز نفوذها وضمان أمن ممراتها الاقتصاديةِ، فيما تطمحُ باكستان إلى تثبيتِ موقعها كبوابةٍ استراتيجيةٍ، أما أفغانستان فتسعى إلى ترسيخِ شرعيةٍ دوليةٍ جديدة وتجاوز أزماتها الداخلية عبر الانخراط في شراكات إقليمية. ومن هنا يبرز السؤال الرئيسي:
إلى أي مدى تمثّل قمة كابول الثلاثية منعطفاً محورياً لإعادة صياغة معادلات الأمن والتنمية في الإقليم، وفتْحِ مساراتٍ جديدةٍ للتعاون في مواجهة الإرهاب وتعزيز التكامل الاقتصادي؟
أولًا: دلالات انعقاد القمة والظروف المحيطة بها
تنعقد قمة كابول الثلاثية، التي تجمعُ وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ونظيره الباكستاني إسحاق دار، إلى جانب القائم بأعمال وزير خارجية طالبان أمير خان متقي، في لحظةٍ إقليميةٍ فارقةٍ تتقاطع فيها رهاناتُ الأمن والتنمية. وتتزامن القمة مع خطواتٍ ملموسةٍ في العلاقات الثنائية بين كابول وإسلام آباد، إذ رفعت الدولتان التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء، مما يعكسُ رغبتَهما في إعادة الثقة وتأسيسِ مرحلةٍ جديدةٍ من التعاون بعد سنواتٍ من التوتر الأمني والتحديات عبر الحدود، خاصةً في الأقاليم الباكستانية الغربية المحاذية لأفغانستان.
وتحملُ القمةُ جملةً من الدلالات السياسية والأمنية والرمزية في آنٍ واحد، وذلك على النحو التالي:
– من الناحية السياسية: يعكسُ انعقادُ القمة في العاصمة الأفغانية كابول رغبةَ بكين وإسلام آباد في التعامل المباشر مع حركة طالبان كسلطةِ أمرٍ واقع، بصرف النظر عن الاعتراف الدولي الرسمي بها، وهو ما يمنحُ الحركةَ قدراً من الشرعية السياسية ويضعها في قلب التوازنات الإقليمية. كما تكتسبُ القمةُ دلالةً إضافيةً لكونها تأتي بعد إلغاء زيارة متقي إلى باكستان في 5 أغسطس، بسبب بعض القيود المفروضة عليه من قِبلِ مجلس الأمن الدولي، الأمرُ الذي عزّز من إصرار الأطراف الثلاثة على عقْدِ اللقاء في قلب أفغانستان التي كرّست طالبان سيطرتها عليها منذ أربعة أعوام. وبذلك، حملَ انعقادُ القمة رسالةً سياسيةً واضحةً مفادها أن الحوار الإقليمي لا يمكن تعطيله بقرار أممي أو بضغوط غربية، بما يضفي عليها بعداً رمزياً إضافياً يتمثّل في إعلان قدرة الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها الصين، على صياغة أجندتها بمعزل عن الإرادة الدولية.[1]
– من الناحية الرمزية: تحمل القمة دلالاتٍ رمزيةً واضحة، إذ تشير إلى رغبة الحكومة الأفغانية في إثبات قدرتها على إدارة علاقاتٍ إقليميةٍ متوازنةٍ، وكسْر دائرة العزلة الدولية عبر توطيد شراكاتها مع الصين وباكستان. وفي السياق ذاته، يعكس الحضور الصيني والباكستاني حرْصَ الطرفين على احتواء التهديدات الأمنية المنطلقة من الداخل الأفغاني عبر ربطها بمصالح استراتيجية أوسع تتعلق بأمن الممرات والطاقة وحماية الاستثمارات.
– على الصعيد الأمني: فرغم التصريحات الناعمة عن التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب، إلا أن الملفاتِ الأمنيةَ تشتعلُ بين الأطراف الثلاثة لا سيَّما بعد تأكيد الأمم المتحدة أن أفغانستان لا تزالُ تشكّلُ ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية، من تنظيم “داعش – ولاية خراسان” إلى “القاعدة” وحركة “طالبان – باكستان”، وهو ما يعزّز المخاوفَ من تحولِ الأراضي الأفغانية إلى منصةٍ عابرةٍ للحدود تهددُ أمنَ واستقرارَ دول الجوار. فبالنسبة لإسلام آباد، تظل الهجمات التي تنفذها حركة “طالبان – باكستان” مصدرَ قلقٍ دائمٍ وسط اتهاماتٍ مباشرةٍ لنظام طالبان بدعمها سراً. أما بكين فتخشى من تسلّلِ مسلحين من أقلية الأويغور عبر الحدود واستخدام الأراضي الأفغانية لشنِّ عملياتٍ ضدها في إقليم شينجيانغ، الأمرُ الذي يضعُ استقرار أقاليمها الغربية في دائرة الخطر. وفي المقابل، لا تُبدي طالبان استعداداً لتقديم تنازلاتٍ كبيرةٍ حيال تلك الملفات بحكم روابطها التاريخية مع بعض هذه الجماعات. وهكذا يتحول شعار “مكافحة الإرهاب” إلى ساحة شدٍّ وجذْبٍ بين بكين وكابول وإسلام آباد، أكثر من كونه أرضيةً للتوافق الفعلي.
ثانيًا: أهداف القمة وأهميتها
تأتي قمة كابول في إطار المساعي المتبادلة لإعادة بناء قنوات الحوار السياسي والاقتصادي بين الأطراف الثلاثة في ظلّ تحدياتٍ معقّدةٍ، بحيث تسعى كلُ دولةٍ إلى توظيف القمة بما يخدم أولوياتها الملحّة، مما يعزّز الاستقرار ويدعم التنمية. وتتنوع الأهداف الأساسية للقمة فيما يلي:
تعزيزُ التعاون الاقتصادي الإقليمي مع التركيز على دمْج أفغانستان في مشاريع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني، ومناقشة خطط البنية التحتية المشتركة مثل مشروع السكة الحديد “أوزبكستان–أفغانستان–باكستان” الممول من الصين، بما يمنح كابول منفذاً حيوياً للاندماج في شبكات التجارة العابرة للحدود.
مكافحةُ الإرهاب وتعزيزُ الأمن المشترك، خاصةً في ظل تصاعد هجماتِ حركة “طالبان باكستان” ضد القوات الباكستانية انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، وهو ما يجعلُ الملف الأمني عنصراً محورياً في جدول أعمال القمة.
تعزيزُ التنسيق السياسي والدبلوماسي في ظلّ غياب اعترافٍ دوليٍ كاملٍ بحكومة طالبان، حيث تسعى بكين إلى لَعبِ دور وسيط لا غنى عنه لفتْحِ قنواتِ تواصل وضمان استقرار النظام السياسي في أفغانستان، بما يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية.[2]
ومن هذا المنطلق، تكتسبُ القمةُ أهميةً استراتيجيةً باعتبارها فرصةً مهمةً لإعادة صياغة العلاقات الثلاثية على أسس أكثر واقعية تُراعي التحدياتِ الأمنيةَ والمصالح الاقتصادية المشتركة. كما تُعد القمةُ بمثابة اختبار لمدى قدرة الأطراف الثلاثة على التوصل إلى تفاهماتٍ تقلّصُ التوتراتِ الثنائية خاصة بين كابول وإسلام آباد، وتفتح المجال أمام شراكةٍ إقليميةٍ أكثر توازناً في قضايا البنية التحتية، والطاقة، والأمن.
وبالتالي تمثّل القمةُ نقطةَ التقاءٍ بين متطلباتٍ أمنيةٍ ملحّة وفرصٍ اقتصاديةٍ استراتيجيةٍ تُسهمُ في رسْمِ ملامح التوازنات المستقبلية في جنوب ووسط آسيا. فبينما تنظر باكستان إلى هذا التقارب باعتباره أداةً لتعزيز جهودها في مواجهة الجماعات الإرهابية وقطْعِ الطريق أمام أي محاولاتٍ هنديةٍ للتواصل مع طالبان، تنظر الصين إليه باعتباره وسيلةً لتحجيم النفوذ الهندي داخل أفغانستان وحمايةِ مصالحها الاستراتيجية المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق” والممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني، فضلاً عن محاولتها لتهدئة التوترات بين طالبان وإسلام آباد، وتكريس دورها كوسيطٍ لا غنى عنه في منطقة تتراجعُ فيها قبضة واشنطن.[3]
ثالثًا: أجندة القمة ومحاور النقاش
ناقشَ وزراء خارجية الصين وباكستان وأفغانستان خلال قمة كابول عدداً من الملفات الحيوية ذات الأولوية المشتركة، والتي تعكسُ طبيعةَ المصالح المتشابكة بين الأطراف الثلاثة. وفيما يلي أبرز الملفات التي طُرحت على جدول أعمال القمة:
– الملف التجاري والاقتصادي: احتلّ ملف التجارة موقعَ الصدارة في محادثات كابول، حيث أكد وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار، على الحاجةِ إلى تعزيز التبادل التجاري بين الدول الثلاث، مشيراً إلى التطور الإيجابي في العلاقات السياسية والاقتصادية مع كابول، خاصةً بعدما شهدتْ التجارةُ بين أفغانستان وباكستان نمواً لافتاً خلال السنة المالية 2024-2025 بنسبة 25%، ليصلَ حجم التبادل التجاري إلى نحو ملياري دولار، مقارنةً بـ 1.6 مليار دولار في العام السابق. كما ارتفعت صادرات باكستان إلى أفغانستان في يونيو 2025 بنسبة 90% مقارنةً بالعام السابق، لتصلَ إلى 142 مليون دولار، بينما تراجعت الواردات 29%، ليبلغ إجمالي التبادل التجاري للشهر 158 مليون دولار بزيادة 62%.[4]
وفي السياق ذاته، ركّزت بكين خلال اللقاء على أهمية فتْحِ ممراتٍ تجاريةٍ آمنةٍ لتمكين الشركات الصينية من الاستثمار في مجالات البنية التحتية والطاقة في كابول وإسلام آباد. كما تمَّ بحْثُ مقترحاتٍ لتيسير إجراءاتِ العبور الجمركي، وإزالة العوائق غير الجمركية، بهدف تحويل المنطقة إلى منصة للتكامل الاقتصادي.
– ملف الربط الإقليمي والبنية التحتية: برزت مشروعاتُ الربط الإقليمي باعتبارها محوراً أساسياً في أجندة القمة، إذ طرحت الصين رؤيةً لتعزيز دمْجِ أفغانستان في مشروع “الحزام والطريق” عبر ممراتِ النقل والسكك الحديدية العابرة للحدود والتي يأتي في مقدمتها الممرُ الاقتصادي الصيني – الباكستاني، كما أعربت بكين عن اهتمامها أيضاً ببدء أنشطةِ التعدين في أفغانستان، لاسيَّما في مواردها المعدنية القيمة مثل الليثيوم والنحاس والحديد، بما يُسهمُ في فتْحِ آفاقٍ جديدةٍ للاستثمار والتنمية. في المقابل أكدت كابول أن ذلك يُتيح لها التحوّلَ من دولةِ عبورٍ إلى حلقة وصلٍ إقليميةٍ بين جنوب ووسط آسيا. ومن جانبها، شددت باكستان على أهمية الإسراع في تنفيذ مشاريع الربط الطاقوي مثل خط أنابيب الغاز “TAPI” وخطوط نقل الكهرباء، معتبرة أن هذه المشاريع يمكن أن تسهم في تقليص أزمات الطاقة ودفع عجلة التنمية المشتركة.[5]
– ملف الأمن ومكافحة الإرهاب: شكّلَ التعاونُ الأمني أحد أكثر القضايا إلحاحاً في النقاشات، حيث أعربت الصين عن قلقها المتزايد من أنشطة “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” التي تنشطُ عبر الحدود الأفغانية – الباكستانية، مؤكدةً أن ضمان الاستقرار الأمني شرطٌ أساسيٌ لأي تعاونٍ اقتصاديٍ. كما شددت باكستان على مخاطر تصاعد نشاط “طالبان باكستان” الذي يهدد أمنها الداخلي، مطالبة حكومة طالبان باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الجماعات المسلحة وبالتحديد حركة “طالبان باكستان” (TTP) و”جيش تحرير بلوشستان/لواء مجيد”. من جهته، أكد وزير خارجية طالبان أمير خان متقي التزام حكومته بمنْعِ استخدام الأراضي الأفغانية كمنصةٍ لتهديد أمن الجوار، داعياً في الوقت نفسه إلى دعم المجتمع الدولي في مجالات بناء القدرات ومكافحة التطرف.[6]
رابعًا: أبرز مخرجات القمة
اختُتمت قمة كابول بجملةٍ من التفاهمات والتعهدات التي عكستْ محاولةَ الأطراف الثلاثة لإعادة ضبط مسار العلاقات السياسية والاقتصادية، وتخفيف حدة التوترات المتراكمة. وفيما يلي أبرز مخرجات القمة:
التزامُ الأطراف الثلاثة بتعميق التعاون في مجالات التجارة والعبور والتنمية الإقليمية، إلى جانب الصحة والتعليم والثقافة.
الاتفاقُ على تمديد الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني ليشملَ أفغانستان، بما يعزز الارتباط بين مبادرة “الحزام والطريق” ومشروعات البنية التحتية في المنطقة.
التأكيدُ على تعزيز التعاون والتنسيق الأمني للتصدي للجماعات الإرهابية العابرة للحدود ومكافحة التهديدات التي تستهدف استقرار الدول الثلاث.
الاتفاق على تكثيف الجهود المشتركة لمكافحة الاتّجار غير المشروع بالمخدرات، بوصفه أحدَ مصادر تمويل الجماعات المتطرفة.
التوافقُ على مواصلة الحوار الثلاثي بانتظامٍ كآليةٍ مؤسسيةٍ لمعالجة الخلافات الثنائية والإقليمية، وتطوير أفق تعاون طويل المدى.