أظهرتْ استطلاعاتٌ للرأي – مؤخراً- أن “كامالا هاريس” تتقدمُ على “ترامب” بأربعِ نقاطٍ في ثلاثٍ من الولاياتِ الحاسمةِ، وهي “ويسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان”، لكن اتجاهَ الاستطلاعاتِ لا يزالُ متقلباً وقابلاً للتغيرِ خاصةً في الأشهرِ المقبلةِ، فبشكلٍ عامٍ، يُفَضلُ الناخبون “ترامب” في عددٍ من القضايا الأساسيةِ مثل الهجرة والاقتصادِ، في حين أن “هاريس” تُحْرِزُ تقدماً بفضلِ تعهداتِها بشأنِ قضيةِ الإجهاضِ، ومن ناحيةٍ أخرى، مَنحَ انسحابُ بايدن وترشيحُ هاريس واختيارُ حاكمِ ولايةِ مينيسوتا “تيم والز” ليكون نائبهَا زخماً كبيراً لحملةِ الحزبِ الديمقراطي[1]، بعد أن حَظِىَ ترامب باهتمامٍ إعلاميٓ ضخمٍ بعد محاولةِ اغتيالهِ الفاشلةِ التى حَمَلتْ تأثيراً إيجابياً علي فُرَصِ نجاحِ الرجلِ في الانتخاباتِ.
لكنّ المُهمَّ والثابتَ الآن أن دخولَ هاريس في السباقِ الرئاسيِ حَقَقَ قفزةً بنسبةِ ستةٍ في المئة من نسبةِ الديمقراطيين الذين سيصوتون في الانتخاباتِ، وهي نِسْبةٌ تقتربُ من نسبةُ الجمهوريين الذين يقولونَ الشيءَ نفسهَ، كما ارتفعتْ الحماسةُ بين أعضاءِ الحزب،ِ الذين كانوا محبطين ويقللون من فُرَصِ الفوزِ إذا استمَر َبايدن في السباق، وانعكست هذه الحماسةُ في التبرعاتِ وفي حملةِ هاريس التي نَشِطَتْ حديثاً، وعبرَ مسؤولو الحملةِ عن عددِ المتطوعين المتزايدِ[2]، وقد جمعتْ “هاريس” مبلغاً قياسياً قدرهُ 310 ملايين دولار في يوليو، مما يَمْنَحُها ميزةً ماليةً على ترامب، وُيبْرِزُ تدفقَ الأموالِ على هاريس قدرتَها على حَشْدِ الناخبين الديمقراطيينَ والمانحين، بعد أن توقفتْ التبرعاتُ لبايدن قُربَ نهاية حملته، مع انزعاجِ المانحين من أدائهِ الكارثيِ في المناظرةِ أمامَ ترمب.
وتُمَثّلُ حصيلةُ الأموالِ التي جمعتهَا هاريس تطوراً مقلقاً لحملةِ ترامب، فقد حصلت هاريس على دعمِ بعضِ المانحينَ الديمقراطيين البارزينَ، كما فعلَ مؤيدو الحزبُ في وول ستريت وهوليوود، بجانبِ المليارديرات مارك كوبان وريد هوفمان وفينود خوسلا وأكثر من 200 من مستثمريِ رأسِ المال الجريءِ، وأنفقتْ الحملةُ مبالغَ كبيرةً على الدَعَايةِ والإعلانِ عبر وسائلِ الإعلامِ لحثِّ الناخبين على الخروجِ إلى صناديقِ الاقتراعِ، كما تُنفِقُ الحملةُ 50 مليون دولار على وسائلِ الإعلامِ المدفوعةِ قُبَيلَ المؤتمرِ الوطنيِ الديمقراطي الذي يبدأُ في شيكاغو في 19 أغسطس[3].
وفي البدايةِ لم يُسْرِعْ الرئيسُ الأمريكيُ السابقُ باراك أوباما ورئيسةُ مجلسِ النوابِ السابقةِ نانسي بيلوسي إلى تأييدِ كامالا هاريس كمرشحةِ الحزبِ الديمقراطِي، إلا أنه في ضَوْءِ الزَخَمِ الذي حققتهُ هاريس خاصةً مع حصولهِا على الفورِ على تأييدِ الرئيسِ السابقِ بيل كلينتون ووزيرةِ الخارجيةِ السابقةِ هيلاري كلينتون لتكون المرشحة، فقد أعلن أوباما وبيلوسي دعمهمَا، لتُسْتَكمَلَ بذلك سلسلةُ دعمٍ من أبرزِ شخصياتِ الحزبِ تشملُ قادةَ الأحزابِ في الكونجرس والحكامَ الديمقراطيين الذين يُعتبَرونَ نجومًا صاعدةً في الحزبِ، مثل حاكمةِ ميشيغان “غريتشن ويتمر”، وحاكمِ كاليفورنيا “جافين نيوسوم”، وحاكمِ كنتاكي “آندي بشير”، حتى إن أيَّ ديمقراطيٍ آخرَ لم يُعلنْ عن ترشّحهِ للرئاسة[4].
وبينما استخدمَ الجمهوريون وحملةُ ترامب عُمْرَ بايدن كمشكلةٍ، مع خروجِ بايدن من السباقِ، أصبحَ ترامب الآن أكبرَ مرشحٍ رئاسيٍ في التاريخِ، كذك كان ترامب نفسهُ في يوم ما من مؤيديِ هاريس حين تَبرّعَ بمبلغِ 6000 دولار لحملتِها لإعادةِ انتخابِها كمدعٍ عامٍ في كاليفورنيا، لكن أمامَ تلك نقاطِ القوة التي تَملِكُها حملةُ هاريس، تواجهُ هاريس تحدياتٍ، ففيما تُركّزُ “هاريس” حملتهَا على الدفاعِ عن الديمقراطيةِ وسيادةِ القانونِ وحقوقِ الإنجابِ، فإن هذه الاستراتيجيةُ وحدَها لا تكفي، فيرى “مايكل ساندل” وهو أستاذُ الفلسفةِ السياسيةِ في جامعةِ هارفارد في مقالٍ له في “نيويورك تايمز” ضرورةَ إعادةِ تشكيلِ خطابِ الحزبِ الديمقراطيِ، فعلى رغمِ نجاحاتِ “إدارة بايدن” في مجالِ الاستثماراتِ العامةِ والتصنيعِ والطاقةِ النظيفةِ وإصلاحاتِ العملِ، إلا أن سياساتِ بايدن “تَفْتقِرُ إلى سَردٍ موحدٍ وفَشِلتْ في صياغةِ رؤيةٍ لوضعِ مشروعٍ ديمقراطيٍ جديدٍ”، ولتحقيقِ الفوزِ يَجِبُ عليها معالجةُ المظالمِ التي يستغلهُا ترمب، مثل المتعلقةِ بالناخبينِ من الطبقةِ العاملةِ الذين يشعرونَ بالإهمالِ من قِبَلِ النُخَبِ، ومعالجةُ الاختلالاتِ الاقتصادية والاجتماعيةِ[5].
وبصفتِها نائبةٌ للرئيسِ، فهي مرتبطةٌ بسجلِ إدارةِ بايدن، الذي لا يحظىَ بشعبيةٍ واسعةٍ على الرغمِ من التشريعِ الذي أقرتهُ لتصنيعِ الرقائقِ والاستثمارِ في الطاقةِ الخضراءِ، لذا تحتاجُ إلى الردِّ على هجومِ ترمب بشأنِ الهجرةِ بشكلٍ مباشرٍ ووضعِ أجندةٍ سياسةٍ داخليةٍ أكثر طموحًا، ومعالجةِ ارتفاعِ معدلاتِ التضخمِ، وفواتيرِ السياسةِ الصناعيةِ الكبيرةِ، وهي أمورٌ سيسعىَ الجمهوريون إلى إلصاقهِا على هاريس أيضًا.[6]
من ناحيةٍ أخري تواجهُ هاريس تحدياتٍ جديدةً، فقد أدت خَيبَةُ الأملِ تجاهَ الرئيسِ بايدن – نتيجةَ اقتراحهِ فرضَ ضريبةٍ بنسبةِ 25% كحدٍ أدنى على المليارديرات، والخوف من أن يبالغَ في تنظيمِ الذكاءِ الاصطناعي، فضلاً عن أن عداوتَه الواضحةَ للعملاتِ المشفّرةِ- إلى تحولٍ أيديولوجيٍ في “وادي السيليكون” تِجاهَ التيارِ اليميني خلالَ السنواتِ القليلةِ الماضيةِ، يقودُه عددٌ من مستثمري رأسِ المالِ الجريءِ، وهو ما يُمَثّلُ نقطةَ قوةٍ لترامب ونائبةِ “دي فانس” الذي يَربِطُ نفسَهُ بعلاقاتٍ ماليةٍ قويةٍ مع قطاعِ التكنولوجيا، بعد أن كانت كاليفورنيا معقلاً للديمقراطيين.[7]
وواجهَ الحزبُ الديمقراطي حَيْرةً بشأنِ اختيارِ هاريس والز نائباً لها، فبينما أوضحَ الجَناحُ اليساريُ داخلَ الحزبِ الديمقراطيِ رغبتهُ في اختيارِ والز، إلا أن آخرين اعتبروا أن الحزبَ يجبُ أن يسعىَ لكَسْبِ أصواتِ المعتدلين وبخاصةٍ في ولايةِ بنسلفانيا المتأرجحةِ وأصواتِها الانتخابيةِ الـ19 من خلال اختيارِ شابيرو، حاكمِ الولايةِ، وهي أهمُّ ولايةٍ بين الولاياتِ المُتأرْجِحةِ الثلاث مع ميشيغان ووسكنسن، التي تسمى ولايات الجدار الأزرق، لأنها تُقدمُ مُجْتمعةً 44 صوتاً في المُجَمّعِ الانتخابيِ، لكن شابيرو أثارَ انتقاداتِ التقدميين والأميركيين العربِ الذين تحتاجُ إليهم هاريس للفوزِ في ميشيغان، بسببِ دعمهِ علانيةً حربَ إسرائيل ضد حركةِ “حماس” ولكونه انْخَرطَ بصفوفِ الجيشِ الإسرائيلِي في الماضي، كما سببَ دعمُ شابيرو تخصيصَ أموالٍ عامةٍ للمدارسِ الخاصةِ مزيداً من انتقاداتِ الجناحِ اليساريِ في الحزبِ.
(كامالا هاريس وتيم والز خلال تجمع انتخابي – بلومبرغ)
وما يُعزِّزُ المخاوفَ حولَ اختيار “والز” أن ترامب يحاولُ أيضاً الفوزَ بولاياتِ “الجدار الأزرقِ” باختياره السيناتور “جي دي فانس” نائباً له من ولايةٍ مجاورةٍ هي “أوهايو”، الذي كان ينتمي إلى عائلةٍ فقيرةٍ ويُخاطبُ الطبقةَ العاملةَ البيضاءَ ويُركّزُ في حملتهِ الانتخابيةِ إلى حدٍ كبيرٍ على الولاياتِ المُتأرجِحةِ، كذلك اعتبرت حملةُ ترمب أن اختيارَ والز ضَاعَفَ من رؤيةِ هاريس الجِذْريةِ لرفعِ الأسعار، وفتحِ الحدودِ الجنوبية للمهاجرين المجرمين وعصاباتِ المخدرات.[8]
وعلى الرغمِ من كلِ ما يَتمَتعُ به شابيرو من شعبية، فإن تَرشّحَه إلى جانب هاريس، يزيدُ القلقَ من أن يكونَ الثنائيُ هاريس–شابيرو أكثرَ عرضةً لهجماتِ الجمهوريين الذين قد يصفوهم بالنخبويينَ الثقافيين[9]، ويبدو أن هاريس ارتأت أنها ستكسبُ دعماً سياسياً أكبرَ باختيار ِ”والز” إذ يبدو أن حملةَ هاريس تَعْتَمدُ على حقيقةِ أن والز تَمَّ انتخابهُ مرارًا لعضويةِ الكونجرس من منطقةٍ جمهوريةٍ، ونتيجةً لذلك، سيُمثّلُ دفعةً في ولاياتِ الغربِ الأوسطِ التي تحتاجُ هاريس للفوزِ بها أكثرَ ممّا ستحصدهُ إذا ما ركزتْ على الفوزِ بولايةٍ متأرجحةٍ بعينهِا، خاصةً أن المواطنين ما عادوا يدلون بأصواتهِم حسب قربِهم من السياسيين المحليين في ولاياتهِم، بل حسب الأجواءِ السياسيةِ العامةِ في البلادِ ونظرتهِم إلى المرشحِ الرئاسيِ.
ويبدو أن آراءَ والز المعتدلةَ في الشرقِ الأوسطِ كانت بمثابةِ إشارةٍ إيجابيةٍ للناخبين المهتمين بالحربِ في غزة الذين يتوقون إلى رؤيةِ تغييرٍ في السياسةِ الخارجيةِ الأميركيةِ، خصوصاً العربَ والمسلمين الأميركيين المحبطين بسببِ استمرارِ دعمِ واشنطن لإسرائيلَ الذين أدلوا بأصواتهِم “غير الملتزمة” في الانتخاباتِ التمهيديةِ، في إظهارٍ للغضبِ إزاءَ رفضِ إدارةِ بايدن دعمَ وقفِ إطلاقِ النارِ الدائمِ في غزة أو وضعِ شروطٍ على المساعداتِ العسكريةِ لإسرائيل، كذلك يُمثّلُ اختيارُ والز الذي تتماشي أراؤهُ مع نهجِ إدارةِ بايدن-هاريس إلى أنه في حالِ فوز هاريس، فإن إدارتَها ستكونُ حليفًا ثابتًا ويمكنُ الاعتمادُ عليه لشركاءِ أمريكا في الخارجِ.[10]
على الجانبِ الآخرِ، فإنه على الرغمِ من التصريحاتِ العامةِ التي تُوحيِ بالثقةِ في حسمِ سباقِ انتخاباتِ الرئاسةِ الأمريكيةِ، فإن مستشاري ترمب يشعرون بقلقٍ كبيرٍ من كيفيةٍ أدائهِ في المناسباتِ العامةِ منذُ محاولةِ الاغتيالِ الفاشلةِ، إذ يبدو متذبذباً وعنيفاً، ولا يؤدي أحياناً بشكلٍ مميزٍ، بعد أن كان يبدو وكأنه المرشحُ الأوفرُ حظاً وَفَقَ ما أوردهُ موقعُ “أكسيوس”، وحذروه من أنه إذا لم يعملْ على تحسينِ استراتيجيتهِ ضدَ هاريس، وتحديد نقاط الهجوم بشكل واضح، فإن المرشحةَ الديمقراطيةَ قد تَكْتَسِبُ مزيداً من الدعمِ، والشعبيةِ، مما سيجعلُ التحدي أكثرَ صعوبةً.[11]
وفي المقابلِ، رَكّزَ الديمقراطيون بمن فيهم هاريس خطابهَم على ربطِ ترمب بالدعواتِ اليمينيةِ التي تبثُها “مؤسسةُ التراثِ” الفكريةُ، وهو مخططٌ محافظٌ لإعادةِ تشكيلِ الحكومةِ الفيدراليةِ وخَفْضِ حجمِها بشكلٍ حادٍ استناداً إلى الانتماءاتِ الأيديولوجيةِ، رغم أن ترامب نفسَهُ ندّدَ علناً بأجزاءٍ غيرِ محددةٍ من الخطةِ، وردّدَ المتحدثون باسمِ حملتهِ تلك التنديداتِ في محاولةٍ لخَلْقِ مسافةٍ بين الرئيسِ السابقِ و”مشروعِ 2025″.
ومنذ ترشيحِ هاريس عن الحزبِ الديمقراطيِ، وهي تسعى مع حزبهِا لتصويرِ الثنائي ترامب وجي دي فانس على أنهما “غريبا الأطوار”، ويبدو أن أسلوبَ الهجومِ هذا بدأَ يؤتي ثِمارَهُ، إذ بدأتْ أرقامُ ترامب تتراجعُ في استطلاعاتِ الرأيِ فجأةً، فيما يواجهُ فانس انتقاداتٍ على خلفيةِ بعضِ تعليقاتهِ.
(رويترز)
فيما حاولَ دونالد ترامب قَطْعَ التركيزِ على الحشودِ في الولاياتِ المُتَأرجِحةِ التي اجتذبتهَا نائبةُ الرئيسِ كامالا هاريس، من خلالِ الموافقةِ على مناظرةٍ، وأكدَ ترامب أنه سيلتقي بهاريس في 10 سبتمبر المقبل في حدثٍ تستضيفهُ شبكةُ ABC، في وقتٍ لا تزالُ هاريس تملأُ الفجواتِ حول أجندتهِا ونهجِها، وقد تجنبتْ في الغالبِ الخَوْضَ في التفاصيلِ خلال الأسابيع التي قضتَها في حملتِها الانتخابيةِ، كما أنها لم تَعْقِدْ مؤتمرًا صحفيًا رسميًا أو تَجلِسْ لإجراءِ مقابلةٍ.
