تتابع كوريا الشمالية الحرب في أوكرانيا عن كثب، من منظور دعمها لروسيا، وما يحمله ذلك من فرص إستراتيجية. ومع ذلك، فإن أي تقارب روسي-غربي قد يُرجع بيونغ يانغ إلى عزلتها، مما يزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية عليها. لذا تنظر كوريا الشمالية إلى الجهود الأمريكية لوقف الحرب في أوكرانيا بعدم إرتياح وترقب.
تطورات الأحداث:
خلال الحرب، دعمت كوريا الشمالية روسيا بطرق متعددة، بما في ذلك إرسال ذخائر وأسلحة، ونشر آلاف الجنود في روسيا للمساعدة في العمليات العسكرية ضد أوكرانيا. وهذا الدعم العسكري منح كوريا الشمالية فرصة لاكتساب خبرات قتالية وتطوير قدراتها العسكرية، وزاد احتمال حصول كوريا الشمالية على تقنيات عسكرية متقدمة من روسيا، بما في ذلك تكنولوجيا الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وفي مارس 2024، استخدمت روسيا حق النقض ضد تجديد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للجنة التي تراقب العقوبات المفروضة على برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية. وفي أكتوبر من ذلك العام، وصف وزير الخارجية الروسي نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بأنه قضية “مغلقة”، متخليا صراحة عن معارضته الطويلة الأمد للاعتراف ببيونج يانج كقوة نووية.[1]
بناءًا على ذلك، ستعتبر كوريا الشمالية أن أي جهود أمريكية لوقف الحرب في أوكرانيا يؤدي إلى تقليص النفوذ الذي اكتسبته بيونغ يانغ من خلال دعمها لموسكو، وسيقلل من اعتماد روسيا على بيونج يانج، وبالتالي تقلل روسيا من الفوائد الاستراتيجية التي تحصل عليها بيونغ يانغ، كما أن روسيا قد تجعل ملف العلاقات مع كوريا الشمالية ورقة تفاوض في المحادثات بين موسكو وواشنطن، وتقدم تنازلات مثل منع كوريا الشمالية من الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية والمساعدات الاقتصادية التي تحصل عليها من موسكو. لذا، فإن استمرار الحرب الأوكرانية يظل يصب في مصلحة كوريا الشمالية، حيث يعزز موقفها ويمنحها مساحة أكبر للمناورة في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية.
وسيزيد الضغط على كوريا الشمالية، حيث أن الصين، الحليف الأهم والأكبر لبيونغ يانغ، لم تكن راضية تمامًا عن ازدياد علاقات كوريا الشمالية مع روسيا. فبكين تنظر بحذر إلى أي تحركات كورية قد تؤثر على توازن القوى الإقليمي أو تجرها إلى صراع غير محسوب مع الغرب، بالتالي قد تقوم الصين بتوبيخ كوريا الشمالية، فبكين تفضل الحفاظ على استقرار الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وهي ليست مرتاحة تمامًا لسياسات كوريا الشمالية التصعيدية، لكنها دعمتها بحذر باعتبارها ورقة ضغط ضد الولايات المتحدة.
كذلك فإن انتقادات ترامب لحلف الناتو تُمثّل تطورًا تراه الصين مطمئنًا، إذ تعكس إمكانية تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها العسكرية تجاه حلفائها التقليديين، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية. وكان التحالف الثلاثي بين واشنطن وطوكيو وسيول يُشار إليه أحيانًا بـ”الناتو الآسيوي”، وهو ما أثار مخاوف بكين من تحوّل هذا التعاون إلى تهديد استراتيجي مباشر لها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ففي ظل إدارة بايدن، عززت الولايات المتحدة تعاونها مع اليابان وكوريا الجنوبية لمواجهة النفوذ الصيني، لكن عودة ترامب واحتمالية إعادة النظر في التزامات واشنطن تجاه حلفائها تُضعف هذا المسار. خاصة أن ترامب سبق أن أبدى استياءه من تحمّل الولايات المتحدة لتكاليف الدفاع عن حلفائها، مما يعطي بكين انطباعًا بأن الضغط العسكري الأمريكي في المنطقة قد يتراجع، وبالتالي قد يتراجع حجم الدعم الصيني لكوريا الشمالية، هو ما يزيد الضغط على كوريا الشمالية التي لن تجد مسوغ لنهجها التصعيدي، لكنها قد تستمر في هذا النهج كوسيلة للضغط الإقليمي والدولي.
ما القادم؟
قطع نظام كيم كل المحادثات مع الولايات المتحدة منذ أكتوبر 2019، وفي ظل إدارة بايدن، أكدت الولايات المتحدة على تعزيز الردع من خلال الشراكات التحالفية مع كوريا الجنوبية واليابان والدول ذات التفكير المماثل لاحتواء وإدارة التهديد الكوري الشمالي. ومع ذلك، فشل هذا النهج في إعادة بدء المفاوضات لتعزيز هدف نزع السلاح النووي.[2]
وفي عام 2024، تخلت كوريا الشمالية أيضا عن سياستها التي استمرت خمسة عقود من أجل الوحدة السلمية مع كوريا الجنوبية، وحددت سيول باعتبارها “العدو الرئيسي”.
الآن، عاد ترامب إلى البيت الأبيض، وقال إنه يرغب في إعادة التواصل مع كيم، لكن لم تُجر بيونج يانج أي تغييرات سياسية جوهرية تجاه إدارة ترامب لأنها تحدد ما إذا كانت تحركات ترامب ستكون مربحة بما يكفي.
فترامب لم يكن راغباً في منح بيونج يانج تخفيف العقوبات أو غيرها من التنازلات الاقتصادية في المرة الأخيرة، لكن التدريبات العسكرية المشتركة بين أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان يعتبرها استفزازية تجاه كوريا الشمالية.
وانطلاقا من أن الحرب الأوكرانية جعلت كوريا الشمالية شريكًا مهمًا لروسيا، وأن روسيا إذا تحركت روسيا نحو تسوية سياسية في أوكرانيا، فقد تفقد بيونغ يانغ أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للكرملين، فإن هذا قد يدفع كوريا الشمالية إلى البحث عن دعم خارجي بديل، مما قد يجعلها أكثر انفتاحًا على محادثات مع الولايات المتحدة.
إذن رغم مخاوف كوريا الشمالية من انهاء الحرب في أوكرانيا وما ستعكسه من تداعيات إقليمية في شرق آسيا، إلا أن ذلك قد يحمل فرصة إيجابية تتمثل فى تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة مع انتظار ما يعنيه ذلك على وجه الدقة. كما تتوقع كوريا الشمالية أن صفقة ترامب-بوتين لن تعيق توظيف روسيا للقوات والعمال الكوريين الشماليين أو نقل التكنولوجيا الحساسة من روسيا.[3]
يأتي ذلك في ظل ظهور مبدأ “أميركا أولاً” للمرة الثانية، والتحديات العاصفة للتحالف الأمريكي الياباني الكوري الجنوبي، فبالنسبة لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، يبدو الاستقرار السياسي هدفاً بعيداً. ففي اليابان، يشغل الحزب الديمقراطي الليبرالي وشريكه الأصغر كوميتو أقلية من المقاعد في البرلمان، الأمر الذي يضع حكومتهما في موقف محفوف بالمخاطر حيث يتعين عليها التأثير في أحزاب المعارضة المختلفة لتمرير مشاريع القوانين وصياغة الميزانيات. وفي الوقت نفسه، تواجه كوريا الجنوبية واحدة من أكبر الأزمات في تاريخ البلاد، حيث ينتظر الرئيس يون سوك يول حكم المحكمة الدستورية بشأن عزله. بعد أن تم اعتقاله بتهمة التمرد.[4]
ختامًا:
رغم أن كوريا الشمالية تبدو مستفيدة حاليًا من الصراع الأوكراني عبر تعزيز علاقاتها مع روسيا، إلا أن أي تحول في مواقف موسكو قد يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية. ومع احتمالية تغير سياسات الولايات المتحدة تجاه كوريا الجنوبية واليابان، تبقى بيونغ يانغ في موقع محفوف بالتحديات. ستحتاج القيادة الكورية إلى إعادة تقييم تحالفاتها بدقة لضمان الحفاظ على نفوذها دون المخاطرة بخسارة شركائها الأساسيين.
المصادر:
[1] Friends with Benefits: How Russia’s Opportunistic Partnerships Stymie Nonproliferation Efforts.. https://2u.pw/zoMZYYpm
