في ثلاث تغريدات منفصلة، انتقد المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، الجبهة اليزيدية (التي تُمثِّلُ أنصار الخليفة الأموي يزيد بن معاوية)، وذلك في سياق تصاعُد الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وتوقُّعات لردِّ فِعْلٍ إيرانيٍّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران.
جاءت هذه التغريدات بالتزامن مع احتفالات الشيعة بذكرى أربعينية الإمام الحسين بن علي، فلماذا يتمُّ الكشْف عن الجوانب الخفية للطائفية في هذه المرحلة؟ وما الذي يستدعي إثارة مثل هذا الإفصاح بما قد يُؤجِّجُ حالةً من القلق العام؟
محتوى تغريدات خامنئي:
في سلسلة تغريدات كتبها المرشد الأعلى في إيران، “خامنئي”، عبْر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، بتاريخ 27 أغسطس 2024، أوضح عبْرها، أن الإمام الحسين قد حدَّد هدف “الجبهة الحسينية” خلال خروجه إلى كربلاء؛ وهو مواجهة الظلم والعدوان، وأشار إلى وجود جبهةٍ أُخرى تتسم بالجوْر وخرْق العهود الإلهية، كما أكّد أن الصراع بين الجبهتيْن الحسينيّة واليزيدية يتخذ أشكالًا متعددة: ففي عصور السيوف والرماح كان له شكلٌ خاصٌّ، وفي عصر الذرة والذكاء الاصطناعي يأخذ شكلًا مختلفًا، وأضاف “خامنئي” أنه في عصر الإعلام والدعاية، يتم التعبير عن هذا الصراع من خلال الشعر والكلام البيانات؛ بينما يتخذ شكلًا آخر داخل فضاءات الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، وأكَّد مجددًا استمرار المعركة بين الجبهتيْن الحسينية واليزيدية، تلت تلك التصريحات المثيرة تغريدات أُخرى، استهدفت تقليل التأثير الطائفي الصريح، من خلال التركيز على مفهوميْ العدل والظلم، وأشار إلى أن الجبهة الحسينية تواجه اليوم نظيرتها اليزيدية، والتي تُمثِّلُ جبهة الظلم والطغيان، ومع ذلك، لم تتمكن هذه التغريدات من التخفيف من وقْع الأبعاد الطائفية، لا سيما أنه كان خطابًا مباشرًا ومُوجَّهًا للجميع؛ ما يعكس بوضوحٍ “الطائفية” التي أصبحت واقعًا ملموسًا في إيران منذ ثلاثة وأربعين عامًا، بعد ما عُرف بـ”الثورة الإسلامية”.[1]
فيما عدّت تلك التغريدات بمثابة إعلان حربٍ مفتوح ضد العرب السُّنَّة بلا نهاية مُحدَّدة، وتُشكِّلُ خطرًا جسيمًا على المنطقة وشعوبها جميعًا، بيْدَ أن استدعاء التاريخ بصورةٍ طائفيةٍ، تَحمل عواطف الكراهية؛ يُنذر بتصاعُد الصراعات في المنطقة؛ نتيجةً لتلك الخطابات القابلة للاشتعال، ومن الجدير بالذكر، أن تصريحات مشابهة كانت قد أطلقها سابقًا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، عام 2006، والذي أسهمتْ كلماتُه في تأجيج النزاعات بين الطوائف المختلفة، وخصوصًا الشيعة والسُّنَّة، مؤديةً إلى مآسٍ استمرت لسنوات، ويأتي تصريح الخامنئي ليعيد ذات المشهد مرَّةً أُخرى؛ إذ يُعدُّ بمثابة الضوء الأخضر للبدْء بإزالة إرْث التعايش الوطني المتعدد والتطلُّع نحْو وطنٍ أُحاديِّ اللون مذهبيًّا.[2]
ردود أفعال متباينة:
أثارت التغريدات التي نشرها المرشد الإيراني موْجةً واسعةً من الغضب والاستياء بين الناشطين في المنطقة على منصَّات التواصُل الاجتماعي، وقد عبَّر هؤلاء الناشطون عن مشاعرهم، من خلال تغريداتهم على حساباتهم الشخصية، بموقعيْ فيسبوك وإكس، وقد تناقلوا العديد من الوسوم، أبرزها #خامنئي، ووجَّه المتفاعلون اتهاماتٍ للمرشد الإيراني بتأجيج الفتنة الطائفية؛ حيث اعتبروا أن خامنئي يستحضر الخلافات الطائفية بدلًا من التركيز على مواجهة العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة، الذي بدأ منذ 7 أكتوبر 2023، ورأت بعض الجهات، أن هذه التصريحات قد تؤدي إلى جرِّ السُّنَّة والشيعة نحْو حربٍ أهلية طويلة الأمد، فيما استنكر ناشطون صمْت حكام الدول السُّنية وعلماء السُّنَّة والمشايخ على تغريدات “خامنئي”، وتجاهل الجهات والهيئة المعنيّة بشؤون السُّنَّة، مهاجمين من يدافعون عن الشيعة[3].
في هذا السياق، أعرب “سعيد بن ناصر الغامدي” رئيس منظمة سند الحقوقية والداعية السعودي المعارض، عن استغرابه إزاء ردود فعل خامنئي بعد القصف والانفجارات داخل إيران وعمليات اغتيال العلماء النوويين والشخصيات المهمّة؛ فقد كان ذلك الرَّدُّ خارج كُلِّ التوقُّعات المرتبطة بالمتغيرات الحالية.[4]
من جهتها؛ استنكرت “جماعة الإخوان المسلمون في سوريا” تصريحات خامنئي، ووصفتها، بأنها تعبيرٌ عن “الطائفية المُقيتة”، وأكَّد المجلس أنه يتضح من خلال هذه التصريحات، أن عداء نظام الملالي ليس مُوجَّهًا تجاه الكيان المحتل أو الولايات المتحدة فحسب، بل هو يعكس أيضًا عداءً مستمرًا للمسلمين الصادقين؛ انتقامًا لأحقادٍ تاريخيةٍ مزعومةٍ[5].
ما الذي حملته تصريحات خامنئي؟
تُستخدم التصريحات ذات الطابع الطائفي كوسيلةٍ لتحويل الخطاب العام نحْو قضايا تتعلق بالعداء الطائفي؛ ما يُسهم في تعزيز حالة الاستقطاب بين السُّنَّة والشيعة، وبالتالي يشغل الانتباه عن الإخفاقات السياسية والعسكرية، ويعكس الإفصاح الإيراني الحالي، بشأن المسائل الطائفية تجلّيات السياق السياسي والعسكري والاقتصادي للمنطقة بشكلٍ عامٍ، وطهران بصورةٍ خاصَّةٍ، فقد أصبح من الواضح، أن هذه الإستراتيجيات تهدف إلى تشويش المشهد، وتسليط الضوء على قضايا جانبية؛ لتغطية الفشل المتعدد الجوانب في طهران؛ إذ يواجه محور المقاومة خسائر متعددة على مختلف الأصعدة.
سياسيًّا:تكشف التنسيقات السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما سبق أن أوضح الرئيس السابق دونالد ترامب، وتصرُّفات إدارة بايدن الحالية، وعلى المستوى العسكري، تعرُّض هذا المحور لهزائم أمام إسرائيل، التي استهدفت كل عناصره وأتباعه بالمنطقة، بدْءًا من قطاع غزة عقب تراجُع المقاومة هناك، وصولًا إلى جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني؛ حيث واجه حزب الله تداعيات مُوجِعة نتيجة الضغوط العسكرية، والغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قتْل عددٍ كبيرٍ من قياداته ورموزه.[6]
علاوةً على ذلك، شهدت المنطقة تصاعُد الهجمات ضد الرموز السياسية لهذا المحور داخل إيران نفسها، وفي قلب طهران تحديدًا، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية”، كل هذه التطورات جعلت خطاب هذا المحور ضعيفًا ومكشوفًا أمام أتباعه وجماهيره؛ ما فرض ضرورة دخولهم في صراعات لافتة تُشتت انتباه هؤلاء الأتباع وتُعكِّرُ صفْوَ التركيز، خاصَّةً مع استمرار الانتظار الإقليمي والدولي للرَّدِّ العسكري الإيراني المتوقع، منذ مقتل هنية أواخر يوليو الماضي.
في الختام:
يتضح أن التصريحات التي أدْلى بها “خامنئي” في الذكرى السنوية لمقتل الحسين، تعكس إستراتيجية إيران؛ الرامية إلى تأجيج الخلافات بين السُّنَّة والشيعة، وهذا النَّهْج من شأنه، زيادة الانقسامات في المنطق، وتعقيد الأوضاع السياسية، خاصَّةً بعد مقتل هنية في طهران، وفي ظل ما يُظهره العالم من اهتمامٍ كبيرٍ بالرَّدِّ الإيراني المحتمل؛ ما يضع المنطقة في مهبِّ الريح.
كما يُعتبرُ الفشل العسكري لإيران بمثابة دليلٍ إضافيٍّ على الصعوبات التي تواجهها لتحقيق أهدافها الإقليمية، ومن خلال هذا السياق الدقيق، يتضح أن طهران تسعى رغم التحديات المستمرة إلى استخدام الخطاب الطائفي كوسيلةٍ لتعزيز نفوذها وتأثيرها في المنطقة.
وبناءً على ما تمَّ طرْحُه، يمكن القول: إن تصريحات خامنئي تتجاوز كوْنها مُجرَّد موقفٍ سياسيٍّ؛ فهي تُشكِّلُ جُزءًا من إستراتيجية أوسع، تهدف إلى استغلال الدين كأداةٍ ضِمْن النزاعات السياسية، ومن هنا؛ تبْرُزُ الحاجة المُلِحَّة للحوار والتفاهُم بين مختلف الطوائف؛ بهدف تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
