إعداد : أكرم السيد
في الرابع عشر من مارس الماضي تلقت إسرائيل واحدة من أكبر الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها وفقا للهيئة الوطنية للأمن السيبراني ، حيث طالت هذه الهجمة مواقع عدة وزارات وهيئات رسمية لا سيما مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت. ويأتي هذا الهجوم في إطار سلسلة من الهجمات السيبرانية التي تتلقاها إسرائيل بين فترة تلو والأخرى، تُستهدف فيها المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء وهو ما يدفع تل أبيب إلى إلقاء أصابع الاتهام إلى إيران وأذرعها من ناحية ، والمضي في تطوير منظومة دفاعها السيبراني من ناحية أخرى.
من الردع النووي إلى الردع السيبراني
كان الاهتمام بمجال الأمن السيبراني حاضرا على أجندة الحكومات الإسرائيلية على اختلاف وزرائها بشكل أصبحت فيه مهمة ضمان الأمن السيبراني لإسرائيل مسألة استراتيجية ومن متطلبات الأمن القومي لها ، واتضح هذا جليا في أن أصبحت إسرائيل أكبر دول العالم على الإطلاق في امتلاكها للمؤسسات العاملة في مجال الأمن السيبراني، إذ تمتلك تل أبيب 250 شركة سيبرانية فضلا عن 15 مركزا للبحث والتطوير عبر الإنترنت.
وفي ذات السياق، صرح رئيس الوزارء الإسرائيلي السابق “نفتالي بينت” قائلا “على المستوى الوطني، يعمل نظام الدفاع السيبراني الإسرائيلي مع الشركات لمساعدتها على الدفاع عن نفسها، ومثلما يوجد ردع نووي، سيكون هناك ردع سيبراني”، وترتكز هذه التصريحات على فكرة مفادها تحقيق التعاون بين القطاعين المدني والعسكري وكذا تطويره، ولما كان القطاع المدني يفتقر إلى ميزات يمتلكها القطاع العسكري كتوافر المعلومات التي تتاح لديها من خلال أجهزتها الاستخباراتية، فإن ثمة جهود من قبل الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى معالجة فقدان القطاع المدني إلى هذه الميزات بشكل يجعل القطاعين معا يعملان بصورة متناغمة هدفها الأساسي هو التعامل مع المخاطر السيبرانية باحترافية عالية.
يذكر أن إسرائيل في العام 2003 أنشأت ما يسمى بمديرية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، وهي هيئة تابعة للجيش الإسرائيلي، وتتولى مهمة الدفاع الإلكتروني، وتضم أربع وحدات، من ضمنهم وحدة مسئولة عن الدفاع السيبراني.
قبة سيبرانية على غرار القبة الحديدية
أعلنت الحكومة الإسرائيلية في أبريل من العام ٢٠١٠ ، عن تطوير منظومة دفاع جوي متطورة أطلقت عليها اسم “القبة الحديدية” وهذه القبة يتلخص عملها في اعتراض الصورايخ قصيرة المدى الموجهة إلى الداخل الإسرائيلي، وتعمل هذه القبة من خلال ثلاث مستويات ، أولها تتبع المقذوفات القادمة إلى الداخل ، ثانيها من خلال عملية تتبع المقذوفات تتوافر لدى القبة منظومة بيانات تجعلها قادرة على التنبؤ بالمكان الذي تستهدفه المقذوفات ، وثالثها تتولى وحدات إطلاق الصواريخ مهمة اعتراض المقذوفات.
وعلى غرار هذه القبة عملت إسرائيل على تطوير نظام دفاع سيبراني شامل أطلق عليه “القبة السيبرانية”، ويتشابه عمل القبة السيبرانية إلى حد كبير من حيث الفكرة مع القبة الدفاعية ، بل إن عمل القبة السيبرانية يكتسب صفة الشمولية، بمعنى أنه لا يتعلق بالتصدي للهجمات السيبرانية التي تستهدف الأجهزة الأمنية على اختلافها فحسب ، بل يشمل عمل القبة السيبرانية القطاعين المدني والعسكري ، المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ، المؤسسات السيادية وغير السيادية ، وبعبارة أخرى فإن القبة السيبرانية بمثابة منظومة تضافرية بين القطاعين العام والخاص معا، تتضافر من خلالها جهود القطاعين معا، وتعبأ لأجلها الموارد من أجل التصدي للهجمات السيبرانية التي كثيرا ما تتعرض لها إسرائيل ، فمن خلال عملية التنبؤ بالهجمات يمكن للمنظومة السيبرانية ممثلة في القبة السيبرانية التصدي للهجمات بفاعلية.
تعاون مع الشركات العالمية
لم يقتصر العمل الإسرائيلي الهادف إلى تطوير المنظومة السيبرانية عند مجرد تعبئة الموارد الداخلية لإتمام هذا الهدف فحسب ، بل تطرق الأمر إلى انفتاح إسرائيل على الشركات الرائدة في هذا المجال للاستفادة من خبراتهم، وتمثلت هذه المساعي في تعاون المؤسسات الإسرائيلية مع كبريات الشركات وعلى رأسهم العملاقتين جوجل وأمازون ، حيث وقع الجيش الإسرائيلي في أبريل الماضي عقدا معهما بقيمة مليار دولار تتولى بموجبه الشركتان تطوير المنظومة السيبرانية لدى تل أبيب. وفي سياق متصل ، تصادمت المساعي الإسرائيلية هذه مع دعوات تصدرتها منظمات حقوقية معارضة لمد الشركات العالمية يد العون إلى إسرائيل بهدف تطوير المنظومة السيبرانية، فضلا عن اعتراض موظفين من داخل جوجل وأمازون نفسهما، حيث أعقب التوقيع المبرم مع إسرائيل تنظيم موظفين يعملون لدى جوجل وأمازون مظاهرات معارضة لهذه الخطوة، بالإضافة إلى ذلك انضمت منظمة “لا لتنكولوجيا الفصل العنصري” إلى هذه التظاهرات ونظمت وقفات احتجاجية تعارض مساعدة شركات التكنولوجيا لإسرائيل في تطوير منظومة سيبرانية سوف يستهدف المدنيين بسببها ، فضلا عن توجيهها بصوب الفلسطنيين.
لماذا تطور إسرائيل منظومتها السيبرانية؟
تعدد الفاعلون من الدول ومن غير الدول الذين يمتلكون القدرة على تحقيق هجمات سيبرانية ناجحة ، وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تأـي إيران في مقدمة هؤلاء، بالإضافة إلى أذرعها والموالين لها كحزب الله وحماس، وتعتبر العمليات التي تستهدف الداخل الإسرائيلي من أفراد ومؤسسات وقطاعات حيوية والتي في الأغلب ما يلقى بأصابع الاتهام لإيران هي الدافع الأبرز الذي يقود تل أبيب إلى تطوير منظومة الدفاع السيبراني لديها.
وللوقوف بصورة أقرب على حقيقة ما تتعرض له إسرائيل من هجمات من هذا النوع ، يعتبر تعطل جميع مواقع الوزارات الحكومية في مارس الماضي لا سيما الوزارات السياسية خير شاهد على ذلك، وبطبيعة الحال لم تخلو إسرائيل من التعرض لهذه الهجمات قبل هذا التاريخ وبعده، إذ تعرضت تل أبيب في أبريل الماضي لهجمة سيبرانية مشابهة لما حدث في مارس ، حيث اخترقت عدة مواقع حكومية بوساطة قراصنة، حيث نشروا بعد هذا الهجوم ما يفيد بأن ثمة حرب إلكترونية إيرانية تستهدف إسرائيل، وهو ما يقابل من إسرائيل برد فعل يتمثل على مستويين، تطوير منظومة سيبرانية من شأنها إفشال مثل هذه الهجمات هذا من ناحية، واستخدام ما لديها من قدرات في توجيه ضربات بعينها ضد مواقع معادية والتي تعتبر إيران في القلب منها هذا من ناحية أخرى.
ختامًا
إن النظر إلى منظومة الدفاع السيبراني على أنها من قبيل الرفاهية، وإعطاء المنظومة الدفاعية التقليدية الاهتمام ومن ثم تجاهل المنظومة السيبرانية التي هي بمثابة القوة الدفاعية الناعمة للدولة لهو من الأخطاء الجسيمة في عالم إدارة الصراعات والأزمات اليوم، إذ يمكن لمنظومة سيبرانية عالية الكفاءة توفير الكثير من الجهود العسكرية التقليدية الهادفة إلى تحقيق هدف ما على الأرض، فضلا عن إعاقة حركة خصوم الصراع في حال نجحت المنظومة السيبرانية في اختراق بياناتهم ونظم التحكم لديهم. وبناء على هذا، ندرك جيدا سعى إسرائيل الحثيث في تطوير منظومتها السيبرانية حتى أصبحت أكثر دول العالم من ناحية امتلاكها للمؤسسات العاملة في هذا المجال.