المقالات
كيف تُشكل حركة “تحرير جنوب الجزائر” تحديًا أمنيًا للاستقرار السياسي في الجزائر ؟
- أغسطس 28, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد/ ريهام محمد
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تشهد الحدود الجزائرية الماليّة – وخصوصًا منطقة تيمياوين – سلسلة من الاشتباكات بين الجيش الجزائري وعناصر الحركة الانفصالية المعروفة باسم “حركة تحرير جنوب الجزائر”، تدخل هذه الأحداث ضمن الإطار العام للاضطرابات التي تعم منطقة الساحل والتي تنشط فيها عدة جماعات مسلحة، وفي تطور خطير يهدد وحدة الأراضي الجزائرية، قامت الحركة المذكورة في 28 يوليو الماضي، طبقا لموقع “هنا الصحراء”، باستهداف جنود الجيش الجزائري في مناطق حدودية مع مالي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة عشر جنديًا جزائريًا وإصابة عدد منهم خلال عمليات عسكرية خاصة قام بها الجيش في مناطق تيمياوين وبرج بادجي مختار وبوغيسا مؤخراً، الأمر الذي شكل دافعا للتساؤل حول الأسباب وراء تصعيد الحركة لعملياتها بهذا التوقيت وهذه الطريقة.[1]
حركة تحرير جنوب الجزائر: ماهي أهدافها؟
برزت حركة تحرير جنوب الجزائر كحركة انفصالية جديدة يمثل أعضاؤها قبائل الطوارق، حيث تتخذ تحرير الصحراء الجزائرية هدفًا رئيسيًا لها، آملةً في إقامة دولة للطوارق، وتمتد “الطوارق” على مساحة شاسعة من الصحراء الإفريقية، والتي تشمل دولاً مثل موريتانيا غرباً وتشاد شرقاً، بالإضافة إلى البلاد المجاورة مثل الجزائر وليبيا والنيجر وبوركينافاسو ومالي. وفي صحراء الجزائر يُعرف الطوارق بـ “الرجال الزرق”، نظراً للون لباسهم الأزرق الذي يميزهم عن بقية القبائل الأمازيغية، وينتشر أفراد هذه الجماعة في عدة مناطق داخل الجزائر، بما في ذلك ورقلة وأدبداب وأيناميناس واليظي وغانت وتمنغست وإدرار ورقان وبرج باجي مختار وتيمياوين وتنظواتن وأينقزام، ويُقدّر عددهم بين ثلاثة إلى أربعة ملايين نسمة.
أهداف الحركة ونشاطاتها: في البداية بدأت مطالب الحركة تتجه نحو الحصول على حكم ذاتي إلا أنها تطورت حالياً لتسعى نحو التحرير الكامل والاستقلال عن الدولة الجزائرية بإنشاء وطن جديد قرب الحدود مع مالي والنيجر، وقد لجأت هذه الحركة إلى الكفاح المسلح خلال الأشهر الأخيرة وأكدت على استمرارها في التصعيد العسكري حتى إتمام هدفها في التحرير الكامل، وعليه؛ قامت الحركة باعتقال أفراد من الجيش الجزائري وقامت بأعمال عدوانية تستهدف مراكز عسكرية بالقرب من الحدود مع مالي تحديدً. وتشير المستجدات الأخيرة إلى تزايد نشاط هذه الحركة الإنفصالية بالتوازي مع الاضطرابات التي شهدتها مالي خلال الأشهر الماضية والتي شهدت توسع مجموعة فاغنر الروسية بالإضافة إلى داعش والجماعات الاسلامية المسلحة الأخرى في المنطقة بعد مغادرة القوات الفرنسية منها، كما أصبحت عمليات تهريب الأسلحة من مالي إلى الجزائر أكثر شيوعًا، مما عزز تسليح المجموعات الإنفصالية وعلى رأسها حركة “تحرير جنوب الجزائر” وهو ما يزيد الضغوط على الحكومة الجزائرية في جهود مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة.[2]
عوامل متداخلة:
تتعدد العوامل التي دفعت الحركة إلى الظهور والتصعيد العسكري ضد الجيش الجزائري في الفترة الأخيرة. من أبرز هذه العوامل:
استغلال دعم الجزائر لجبهة البوليساريو؛ اذ يضع ظهور تلك الحركة الإنفصالية الجزائر في مأزق يصعب الخروج منه يتمثل في تبرير رفضها للمطالب الانفصالية المحلية بينما تدعم سياسياً ومادياً جبهة البوليساريو الراغبة في الانفصال عن المغرب، فضلا عن انتهاج حركة “تحرير جنوب الجزائر” لتشتيت انتباه الجيش في الوقت الذي ينصب فيه اهتمامه على تأمين الحدود، خاصة ان هذا التصعيد يتزامن مع مرحلة حساسة، إذ يشهد شمال إفريقيا تغيرات كبيرة على مستوى التوازنات الدولية.[3] فضلا عن الاعتقاد بإمكانية الاستقلال، اذ يشير استطلاع أجرته إحدى الصحف مؤخراً أن أكثر من 60% من المشاركين لديهم قناعة بقدرة الحركة على تحقيق الاستقلال وإقامة دولة خاصة بهم في جنوب البلاد، وذلك عقب المواجهات الأخيرة بين القوات العسكرية والحركة الانفصالية[4].
التأثر بـ “الطوارق” في مالي؛ فعقب انقلاب عام 2021، يسعى الطوارق شمال مالي للدخول في مفاوضات جديدة مع النخبة العسكرية حول تقاسم السلطة والثروة، بعد اخفاق اتفاق السلام الموقع بين الطرفين برعاية جزائرية في حسم الخلاف واتمام مطالب “الطوارق”، وبلا شك أن الأحداث الجارية في مالي قد أثرت أيضاً على طوارق الجنوب الجزائري، مما دفعهم للاستمرار في ضغوطهم في هذا التوقيت وتصعيد عملياتهم العسكرية سعياً للوصول الى اتفاق مع الحكومة الجزائرية بما يلبي مطالبهم السياسية في تحقيق الحكم الذاتي المطلوب منذ فترة طويلة دون جدوى أو فعل من قبل السلطة الجزائرية.[5]
تنامي الشعور بالتهميش من قبل الحكومة الجزائرية؛ فالجدير بالاشارة ان منطقة الجنوب في الجزائر تمتد على نطاق واسع، وتشمل تقريباً كل احتياطيات النفط والغاز في البلاد، وظل الجنوب الجزائري لفترة طويلة بعيد عن موجات الاحتجاجات الجماهيرية والممارسات المسلحة التي شهدها الشمال منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من ذلك، شهدت المنطقة تحولًا ملحوظًا، حيث أدت تأثيرات الانتفاضات العربية والاحتجاجات المحلية إلى تفاقم الانقسام السياسي في الجنوب منذ عام 2013، وتحولت هذه المنطقة لتصبح بؤرة جديدة للخلاف السياسي، واندلعت احتجاجات متكررة تعبر عن مشاعر الإقصاء والتهميش والحرمان من قبل النظام الجزائري، ناهيك عن زيادة الصراعات والنزاعات القبلية بشكل ملحوظ، لاسيما الاشتباكات المتكررة بين العرب السنة وأقلية البربر التابعة للإباضية، اذ تُعتبر مدينة عين صالح الواقعّة في أقصى الجنوب مركز الحركة الاحتجاجية البيئية الأبرز في المغرب العربي، حيث يتجمع الآلاف للاحتجاج على التنقيب عن الغاز الصخري الذي يُزعم انه تم إخفاؤه من قبل الحكومة، بالإضافة إلى ذلك، أدّى ارتفاع معدلات البطالة في “ورقلة” إلى تفجر أعمال شغب بين الشباب، كل تلك العوامل سهلت بدورها من ظهور حركات انفصالية نجحت في استغلال مشاعر الاستياء لدى سكان الجنوب وتوظيفه في تحقيق مطالبها[6].[7]
إعادة ترتيب الأوراق في منطقة الساحل على خلفية الانسحاب الفرنسي؛ من ناحية أخرى، يأتي التصعيد العسكري الأخير في جنوب الجزائر، في وقت يتميز بالحساسية البالغة، خاصة أن منطقة الساحل الأفريقي تشهد تحولات ملحوظة وإعادة ترتيب للأوراق، وتتزامن هذه التطورات مع تغيير التوازنات الدولية في المنطقة، مما يجعل من الصعب تجاهل التصعيد المستمر خلال الأيام الأخيرة الذي قد يرتبط بالتغيرات الإقليمية والدولية، فمن المحتمل أن يكون هناك سعي من قبل بعض الأطراف إلى إرباك صانع القرار الجزائري والتشويش على خياراته، واثارة التساؤلات حول أسباب التصعيدات العسكرية الأخيرة، وما إذا كانت هناك عناصر خفية قد قدمت الدعم اللوجستي لهذه القوات لمواجهة الجيوش النظامية؛ لا سيما وأن تصاعد حدة الأنشطة الانفصالية يأتي بالتوازي مع تراجع النفوذ الفرنسي في مستعمراتها السابقة بأفريقيا، ومن ثم لم تسمح باريس بانسحاب قواتها من مالي أن يمر “مرور الكرام” ، خصوصاً بالنظر إلى النشاط العسكري الروسي الرسمي المتمثل في انشاء الفيلق الإفريقي في عدة دول في منطقة الساحل، منها مالي المجاورة للجزائر. ما يلقي الضوء على احتمال وجود دعم غير مباشر من باريس لتعزيز حركات الانفصال في تلك المنطقة[8].[9]
تداعياتها على الانتخابات المقبلة:
اذ تمثل حركة “تحرير جنوب الجزائر” تحدياً كبيراً أمام الجزائر قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في سبتمبر المقبل، حيث تؤثر بشكل ملحوظ على الاستقرار السياسي والأمني وقد تُحدث تغييرات في الديناميات الانتخابية. ومن بين الأبعاد الرئيسية لهذا التحدي:
زيادة التوترات الأمنية: فمن جهة، يمكن أن يؤدي نشاط هذه الحركة إلى تصاعد التوترات بين الحكومة وتلك الحركة الانفصالية، مما يزيد من احتمالية حدوث صراعات مسلحة أو مواجهات عنيفة، ومن جهة أخرى، قد تؤدي هذه الحركة إلى تعزيز الانقسام الاجتماعي والعرقي، مما يساهم في زعزعة الاستقرار في المناطق المطالبة بالاستقلال، وربما يجعل من الصعب تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، علاوةً على ذلك، من المرجح أن تعزز الحكومة من الإجراءات الأمنية لمواجهة أي تهديد محتمل يأتي من هذه الحركة، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة وجود القوات الأمنية في مناطق تواجد الحركة؛ الأمر الذي قد يُثير ردود فعل سلبية وزيادة الاستياء من السكان المحليين.
التأثير على المشاركة الانتخابية وحملات الناخبين: في ظل الأوضاع المتوترة، قد يشعر الناخبون في المناطق التي تطالب بالانفصال بعدم الأمان أو الإحباط تجاه العملية الانتخابية، الشعور الذي من شأنه يمكن التأثير بشكل كبير على نسبة المشاركة في الانتخابات؛ اذ انه في حالة اعتقاد المواطنين بأن أصواتهم لن تُحتسب أو أن الانتخابات ستكون غير عادلة، فإنهم ربما يتجنبون التصويت، بالإضافة إلى ذلك، ربما تواجه الأحزاب السياسية ضغطاً للتعامل مع قضايا الانفصال ضمن برامجها الانتخابية؛ فقد تتبنى بعض الأحزاب استراتيجية لاستغلال هذه القضايا لكسب تأييد الناخبين بينما تسعى أحزاب أخرى لتهدئة الوضع العام مع اقتراب موعد الانتخابات، من جانب اخر، قد تضطر الحكومة الجزائرية لإجراء مفاوضات مع الحركة الانفصالية أو تقديم تنازلات معينة لتخفيف حدة التوترات القائمة؛ وهو ما سيكون له تأثير مباشر على السياق العام قبل إجراء الانتخابات.
في النهاية، يمكن القول إن حركة “تحرير جنوب الجزائر” تؤثر سلبًا على الأوضاع الأمنية في الجزائر، ولا تزال الحكومة الجزائرية تصنف حركة تحرير الجنوب باعتبارها تنظيمًا إرهابيًا وتدرج عملياتها ضمن قائمة العمليات الإرهابية، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، يبدو أن السيناريو المرجح هو تجنب الجيش الجزائري التصعيد العسكري مع هذه الحركة، وبدلا من ذلك، ربما تتجه الحكومة نحو تنفيذ حملة اعتقالات داخل المنطقة نفسها مع العمل على فتح قنوات للحوار السياسي مع القيادات الطوارقية المعتدلة وتحقيق استجابة حكومية مدروسة تهدف إلى معالجة المطالب المشروعة للسكان في الجنوب، مع الحفاظ على الوحدة الوطنية، على أمل احتواء التصعيد ضد القوات المسلحة في تلك المناطق.
المصادر:
[1] عبد الباقي، حركة تحرير جنوب الجزائر تقتل 13 جنديا جزائريا بمعارك جنوب البلاد، هنا الصحراء، يوليو 2028. https://short-link.me/JyKr
[2] ما هي حركة تحرير جنوب الجزائر الإنفصالية؟، مجلة أمناي، أغسطس 2023. https://short-link.me/JyCy
[3] من تكون حركة تحرير جنوب الجزائر التي أعلنت الحرب على النظام الجزائري؟، اخبارنا المغربية، مارس 2022. https://www.akhbarona.com/world/345822.html
[4] بديع الحمداني، استطلاع رأي: أكثر من 60% يعتقدون أن “حركة تحرير جنوب الجزائر” قد تنجح في تحقيق “الاستقلال”، الصحيفة، فبراير 2024. https://short-link.me/LN3Q
[5] حمدي بشبر،ىسياقات محفّزة: لماذا صعدت حركة تحرير الجنوب من عملياتها العسكرية ضد الجيش الجزائري؟، ابريل 2022. https://short-link.me/LN4y
[6] المرجع السابق
[7] حمد مرواني، الاحتجاجات في جنوب الجزائر: الأسباب والتداعيات، منتدى فكرة، أغسطس 2018. https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/alahtjajat-fy-jnwb-aljzayr-alasbab-waltdayat
[8] صباح موسى، انفصاليو مالي يتصدون لهجوم الجيش.. هل تقف قوة خارجية خلفهم؟، العين الإخبارية يوليو 2024. https://al-ain.com/article/army-mali-kidal-terrorism-wagner
[9] علي ياحي، من يحرك الانفصاليين في جنوب الجزائر؟، اندبندنت عربية، مارس 2022. https://short-link.me/LMUR