المقالات
كيف نقرأ قرار تصنيف باكستان جماعة “لواء زينبيون” منظمة إرهابية ؟
- أبريل 18, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب
إعداد: جميلة حسين
فى تطور لافت لإسلام أباد أعلنت السلطات الباكستانية إدراج جماعة “لواء زينبيون” التابعة للحرس الثورى الإيرانى (منظمة إرهابية)، تلك الجماعة الشيعية التى قامت إيران بتكوينها من أجل الانخراط فى الحرب الأهلية فى سوريا. وسبق أن أضافتها وزارة الخزانة الأمريكية إلى قائمتها السوداء المالية في يناير 2019. وجاء القرار باعتبارها خطراً على الأمن القومى الباكستانى وتمارس أنشطة تضر بالداخل الباكستانى وفقاً لتصريحات الأجهزة الأمنية الباكستانية. ولكن يثير ذلك القرار عدد من التساؤلات حول دوافع هذا التصنيف ودلالاته بعدما كانت تتجنب السلطات الباكستانية من التعليق بشكل رسمى عن تحركات ذلك اللواء وتجنيد مواطنيها، وكذلك توقيته لاسيما مع التصعيد المتبادل بين طهران وإسلام أباد مطلع هذا العام، فضلاً عن التهديدات الإرهابية على أراضيها خاصة فى المناطق الحدودية.
ماهية لواء زينبيون؟
فى إطار سعى الحرس الثورى الإيرانى بتأسيس ميليشيات مسلحة لخدمة مصالح وأهداف النظام الإيرانى فى المنطقة، تم تكوين ميليشيات أفغانية وباكستانية وعراقية ولبنانية من أجل حماية النظام السورى، وفى إطار ذلك قام الحرس الثورى بتقديم الدعم المالى وتوفير الموارد والأسلحة والتدريبات العسكرية لتلك الميليشيات. وعليه جاء تشكيل اللواء بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011 بغرض حماية العتبات المقدسة الشيعية في العاصمة السورية دمشق ولكن يكمن من باطنه تعزيز النفوذ الإيرانى وترسيخ وجودها.
ويتكون لواء الزينبيون من آلاف المقاتلين الباكستانين الشيعة الذين تم استقطابهم من المناطق القبلية على الحدود الباكستانية الغربية يقع أغلبهم من منطقة “باراتشينار” ذات الأغلبية الشيعية، و”خيبر بختونخوا” فضلاً عن أولئك القانطين فى إيران. وقد عمد الحرس الثورى فى تجنيده لهؤلاء على بث الكراهية الطائفية تجاه المجمواعات السنية المعارضة فى سوريا والتشجيع على حماية العتبات المقدسة، كذلك التركيز على العنصر المادى ووعدهم بتوفير فرص عمل ومستوى معيشى أفضل لهم ولعائلاتهم، واستغلال تدهور الأوضاع الاقتصادية فى بلدهم الأم لاسيما هؤلاء الذين اضطروا إلى اللجوء إلى الأراضى الإيرانية.
وقد لعبوا دورًا أساسيًا بجانب الميليشيات المدعومة من إيران فى سوريا مثل “لواء فاطميون” الأفغانى، وحزب الله اللبنانى، والميليشيات العراقية مثل “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” و”منظمة بدر”، وذلك فى الإنجازات العسكرية لنظام الأسد خاصة فى حلب وجنوب سوريا ودير الزور وتدمر وشرق سوريا. وحتى بعد تطور الأوضاع السورية واعادة ترسيم الخريطة فى سوريا، وكذلك إعادة التوجه الإيرانى لترتيب أوراقه وميليشاته فى المنطقة، وعودة معظم المقاتلين إلى موطنهم الأصلى تراجع أنشطة اللواء الميدانية إلا أنه ما زال يحافظ علىى هيكله.
دوافع التصنيف الباكستانى
توترات إيرانية باكستانية مسبقة:
فى منتصف يناير الماضى قامت طهران بشن ضربات على إقليم بلوشستان الباكستانى باستخدام صواريخ باليستية ومسيرات أدت إلى سقوط طفلين وإصابة أخرين بإدعاء أنها تقوم باستهداف معاقل لجماعة “جيش العدل” السنية التى تتهمها إيران بتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، الأمر الذى أثار غضب باكستان واعتبرته انتهاك فاضح للقانون الدولى وتهديد للعلاقات الثنائية للبلدين، مما حملها على الرد السريع عبر القصف الجوى على الجماعات الانفصالية البلوشية الممثلة بـ”جيش تحرير بلوشستان” و”جبهة تحرير بلوشستان” اللذين يتخذان من إقليم سيستان البلوشى الإيرانى منطلقًا لنشاطاتهما ضد الأراضى الباكستانية. وعليه أثارت تلك الهجمات المتبادلة تصعيد عسكرى بين البلدين وأزمة دبلوماسية بعد استدعاء إسلام أباد سفيرها من طهران وتعليق جميع الزيارات رفيعة المستوى، الأمر الذى شكل مفاجأة بالنسبة لطهران التى ظنت أن الرد الباكستانى لن يتعدى الإدانات والتصريحات، وفى حقيقة الأمر أن تأثير تلك الضربات وصل إلى الشارع الباكستانى الذى أجمع على ضرورة الرد وردع إيران عن تحركاتها.
تزايد الهجمات في بلوشستان:
يشهد إقليم بلوشستان باكستان ذات الأقلية العرقية تصاعد فى عدد الهجمات العنيفة ضد قوات الأمن الباكستانية وكذلك المصالح الأجنبية لاسيما الصينية مع توالى المشاريع التنموية الصينية، من قبل المسلحين من “جيش تحرير بلوشستان” و”جبهة تحرير بلوشستان” التى تتحدى السلطات الباكستانية، وتستهدف عبر عملياتها التفجيرية البنية التحتية والمواقع الأمنية فى الإقليم وفى الداخل الباكستانى كالهجمات فى “لاهور” و “بانجور” و”ناوشكى” و”برخان”، وأخرها ذلك التفجير الذى استهدف مدينة “كويتا” الواقع جنوب غرب باكستان فى يوم العاشر من الشهر الحالى وأسفر عنه سقوط 4 أشخاص وإصابة 15 آخرين، وقد أعلن “جيش تحرير بلوشستان” الانفصالي مسؤوليته عن هذه العملية. وتتهم باكستان إيران بتوفير الملاذات الآمنة والدعم لتلك الجماعات الأمر الذى تقوم إيران بدحضه ورفع المسؤولية عنها، فضلاً عن إشارة الحكومة الباكستانية عن التعاون الوثيق بين حركة طالبان الباكستانية والمتمردون فى الأقليم من أجل بناء شبكة تحالفات قوية فيما بينهما، وتكثيف عدد واسع من العمليات.
الخلاف السنى الشيعى على الحدود:
تستغل الحركات المتطرفة والميليشيات المسلحة الانقسامات الطائفية التى تنشأ بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعة خاصة فى المناطق القبلية وعلى الحدود، وتعمل على تأجيجها ويسعى مقاتلين انفصالين على اتباع تلك الخاصية فى استراتيجيتهم بشكل مستمر، وقد شهدت البلاد توترات طائفية متكررة فى السنوات الأخيرة وأسفرت عن سقوط آلاف الأشخاص، وبعد تشكيل الحرس الثورى الإيرانى ل” لواء زينبيون” من العناصر الشيعية، تخوفت الحكومة الباكستانية من أن يزيد هذا من تفاقم الصراع الطائفى فى البلاد والاسناد إلى مجموعات شيعية داخل باكستان كوكلاء تحت الرعاية الإيرانية، وإمكانية استخدام اللواء فى أى صراع سنى شيعى محتمل لاسيما على الحدود فى المناطق التى يقطن فيها أغلبية الشيعة، وذلك بعد عودة المقاتلين إلى باكستان وتوجيهه كجبهة قتال داخلية، من أجل تحقيق أهداف إيران الإيدولوجية، مما يترتب عليها الفوضى والتهديد الأمنى للداخل الباكستانى.
عودة مقلقة للمقاتلين المسلحين فى قلب باكستان:
بعد تحول ديناميات الصراع وتغير خريطة المشهد السورى والتساؤل حول مصير تلك الميليشيات المسلحة التى حاولت تدعيم وترسيخ الأهداف الإيرانية فى المنطقة، عاد عدد كبير من عناصر اللواء إلى باكستان مرة أخرى بطرق غير قانونية عبر الحدود بعد تخفيف الرقابة على المعابر الحدودية بين باكستان وإيران قبل إعادة إغلاقها مطلع العقد الحالى، ولكن لم تقم إسلام أباد باتخاذ موقف واضح وصريح وإن كان عبر الوسائل الدبلوماسية بشأن هؤلاء منذ اقتتال مواطنيين باكسانيين فى الداخل السورى بجانب الميليشيات الإيرانية، على الرغم من انتقاد بعض المؤسسات الوطنية فى باكستان وكذلك حلفائها الإقليمين حالة “لواء زينبيون” والرعاية الإيرانية لتجنيدهم وتدريبهم على القتال.
وقد ثبت تورط عناصر من اللواء فى أنشطة إرهابية فى البلاد، ومن أبرز الهجمات هجوم مارس 2019 على المفتى (محمد تقي عثماني) فى مدينة “كراتشى” أدت إلى مقتل اثنين من حراسه الأمنيين وإصابة رجل دين آخر ومثل زعزعة للسلام وإصارة للتوترات الطائفية فى باكستان، وقد ألقت وكالات إنفاذ القانون القبض على العديد من المسلحين المنتمين إلى لواء زينبيون، حيث قامت إدارة مكافحة الإرهاب فى إقليم السند فى يناير المنصرم بإلقاء القبض على عنصر مشتبه به فى “لواء زينبيون” بتهمة المشاركة في هجوم 2019 ومحاولة اغتيال رجل دين بارز “المفتى”. وعلى أثر قرار السلطات الباكستانية بتصنيف اللواء ضمن المنظمات الإرهابية قامت الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب فى باكستان بتحديث قائمتها الرسمية للمنظمات المحظورة.
مما سبق؛ بالرغم من الخطر الذى يشكله لواء زينبيون فى باكستان لاسيما بعد العودة إلا أن إسلام أباد كانت تؤجل الحديث بشأن التساؤلات حول مصير هذا اللواء بشكل صريح والتخوف من إعادة توظيفه كجبهة قتال داخلية بمساندة إيرانية للقتال داخل باكستان، وذلك من أجل تجنب توتر علاقاتها مع طهران، ولكن حملت التطورات الأخيرة مع إيران والتصعيد المتبادل بينهما من ناحية واشتداد الهجمات وحوادث العنف على أراضيها من ناحية أخرى، تغير فى النهج الباكستانى المتبع مع إدارك الخطر الذى يمكن أن تشكله تلك العناصر على السلم والأمن المجتمعى لاسيما مع استغلال وجود أغلبية سنية وأقلية شيعية، والتأكيد على عدم السماح لعناصر الزينبيون بممارسة أنشطة تزيد من عرقلة مهام القضاء على الإرهاب المتغلل فى باكستان.