المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > كيف ينظرُ ترامب ومنافستهُ هاريس إلى الصين
كيف ينظرُ ترامب ومنافستهُ هاريس إلى الصين
- نوفمبر 4, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: عبد الرحمن محمد أنور
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
تعدُ العلاقاتُ الأمريكية الصينية من أهم التحديات للسياسة الخارجية الأمريكية التي قد يتمُّ إعادة تشكيلها بشكلٍ واضحٍ بعد حسْمِ نتيجة الانتخابات الأمريكية التي ستجرى يوم الثلاثاء القادم ٥ نوفمبر، بين كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب مرشّح الحزب الجمهوري. وبشكلٍ عام لا يخفى التنافس القوي بين واشنطن وبكين حول مختلف القضايا سواء الحرب التجارية الشرسة فيما بينهم، أو تنافسهم في منطقةِ الإندو-باسيفيك، وأيضا المصالح المتضاربة بالنسبة لموقف الولايات المتحدة الأمريكية والصين في تايوان والتعامل المختلف للحزب الديموقراطي والجمهوري بشأن تلك القضية، فبالتالي سيكون للانتخابات الرئاسية المرتقبة تأثيرٌ كبيرٌ على مستقبل العلاقات الصينية الأميركية في تحديد توجهات واشنطن في التعامل مع بكين.
هاريس واستمرار سياسة جو بايدن الخارجية
حملت السنوات الأخيرة من فترةِ الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية جو بايدن عمليةَ إذابةِ جليد العلاقات الملتهبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين عن طريق تبني إدارة جو بايدن الاتجاه نحو التهدئةِ النسبية في العلاقات مع بكين ، حيث شهدت الفتراتُ الماضية لقاءاتٍ بين مسئولي الجانبين مثل الاجتماع الذي دار بين وزير الخارجية الصيني “وانج يي” بالرئيس الأمريكي “جو بايدن” و”انطوني بلينكن” وزير الخارجية الأمريكي، و”جيك سوليفان” ومستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض في أواخر شهر أكتوبر ٢٠٢٣، بخلاف زيارة بلينكن إلى بكين في يونيو ٢٠٢٣، وتلك اللقاءات تَعكسُ بدورها الرغبةَ المشتركة في إعادة العلاقات وإصلاح خطوط الاتصال بين الجانبين لضمان إدارة التنافس بينهما بشكلٍ سلمي بعيدا عن أي تقديرات خاطئة من شأنها أن تُؤديَ إلى نتائج كارثية على العلاقات بين البلدين وعلى الاقتصاد العالمي وطريقة إدارة الملفات الإقليمية والدولية التي ينخرط بها الطرفان، ولذلك تُوّجت تلك الجهود بلقاء “بايدن” و”شي جين بينج” رئيس الصين منتصف نوفمبر ٢٠٢٣ في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي “أبيك” بسان فرانسيسكو، واتفق الطرفان خلالها على مواصلة الحوار السياسي والاتصالات المفتوحة والزيارات رفيعة المستوى بين الطرفين والتشاور المستمر في الشؤون التجارية والاقتصادية وأسيا والمحيط الهادي واستئناف المحادثات العسكرية لتجنّبِ سوء الفهم خصوصا في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى إنفاذ مراقبة الصادرات بما يضمنُ تخفيف حدّةِ التوتر بين الجانبين وتحقيقَ استقرار غير مسبوق في العلاقات بين الطرفين. [1]
لذا من المرجّح أن هاريس سوف تنتهج سياسات جو بايدن في التعامل مع الصين على مستوى الحوار السياسي والدبلوماسي وتعزيز قيم الديمقراطية في التعامل بين الدولتين.
مستقبلُ الحربِ التجارية بين الولايات المتحدة والصبن في حال فوز هاريس
شَهِدَ لقاء بايدن بالرئيس الصيني في نوفمبر ٢٠٢٣ التحذيرَ من كارثة لانفصال الاقتصادي بين الدولتين الذي بدوره سيشكّل أزمةً للاقتصاد العالمي باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم لذلك أكدوا على نية البلدين في عدم الانفصال الاقتصادي ومناقشةُ التعاون التجاري بينهم خصوصا وأن الصين تشهد تراجعاً اقتصادياً نسبياً، وبما يمكّنُ أيضا الإدارةَ الأمريكية من مكافحةِ التضخم وإعادة الاقتصاد الأمريكي إلى المسار الصحيح، وفي المقابل أعلنت بكين استعدادها للتعاون مع واشنطن لحماية قواعد التجارة الدولية. [2]
كما انتقدتْ هاريس في المناظرة الرئاسية بينها وبين ترامب الرسومَ التي فرضها في عام ٢٠١٨ على الصين وقالت إن زيادةَ التعريفات الجمركية على الصين سيُعدُّ إضراراً واضحاً للمستهلكين الأمريكيين الذين سيواجهون صعوبةً بالغةً في الحصول على هذه السلع الرخيصة في ظلِّ التضخم الذي يعانيه الاقتصاد الأميركي، واتهمته بافتعال واشعال حربٍ تِجاريةٍ وأن تلك السياسات سمحت بإرسال الرقائق الأمريكية إلى الصين ما أدّى إلى تعزيز قوة الجيش الصيني وزيادة إمكانياته التكنولوجيا.[3]
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لمستقبل العلاقات الأمريكية الصينية إلا أن تلك المسألة لم تحظْ باهتمامٍ كبيرٍ في المناظرة بين هاريس وترامب إلا في نقطة التعريفات الجمركية، ولكن لم يوضحْ أيُّ مرشحٍ بشكلٍ كافٍ سبُلَ التعامل مع زيادة النفوذ الصيني وتمدده العسكري.[4]
كما أعلن بايدن وشي عن استئناف المحادثات العسكرية مما سيساعد كثيرا في تجنّبِ سوء الفهم والصراعات خاصةً في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى التعاون في مواجهة التحديات العالمية عابرة الحدود مثل التغير الُمناخي واستقرار الاقتصاد العالمي والتحرك المشترك للحدِّ من تَبِعات انبعاثات غاز الميثان والغازات الدفيئة والتوجّهِ إلى الطاقة المتجددة وزيادة قدراتها بمقدار ثلاث أضعاف بحلول عام ٢٠٣٠، بالإضافة إلى التعاون في مكافحة “الفنتانيل” الذي أدى إلى وجود أزمة إدمان مخدرات في الولايات المتحدة، كما اتفقوا على إقامةِ حوارٍ دوليٍ بخصوص الذكاء الاصطناعي، كل ذلك من المرجّح أن تقوم هاريس باستئنافه والالتزام به والعمل على تطبيقه وتطويره مع الحكومة الصينية التي تُعدُّ منفتحةً للغاية على تلك المحادثات مع الجانب الأمريكي. [5]
هناك توقعٌ آخر بقيام هاريس بالإبقاء على التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب سابقاً مع منْعِ تصدير السلع ذات التقنية العالية إلى الصين خصوصا السلع المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي ومناهضة أنشطة التجسس الصينية، أي أن جهودَ التقارب التي قام بها بايدن متوقعٌ أن تستكملَها هاريس في حال قوزها بالانتخابات الأمريكية المقبلة إلا أنها قائمة على مجموعة شكوكٍ متبادَلَة بين الطرفين ويحكمها شعورٌ بعدم الثقة وافتراضِ سوء النية وهذا هو جوْهرُ العلاقات التنافسية بين الصين وأمريكا.[6]
التهدئةُ النسبيةُ والتصعيدُ المنضبط
من المرجّح أن هاريس ستواصل نهْجَ بايدن في التعامل مع الصين عن طريق التهدئة النسبية والدبلوماسية المكثفة والتصعيد المنضبط، حيث أن ما ذكرته لا يعني أن أمريكا والصين أصبحوا دول حلفاء وأنه ليس هناك أي سبلٍ للتصعيد، بل إنه من الممكن أن تكون هناك عدة محدِدات يمكنها أن تُؤديَ إلى تصعيدٍ منضبط يأتي من واقع الصعود المتنامي للصين اقتصاديا وسياسيًا وأيديولوجيًا وعسكريًا مما يشكّل تهديداً كبيراً لوضع الولايات المتحدة باعتبارها القوى الأعظم حاليا في النظام العالمي. [7]
بخلاف الانتقاد الذي ستتلقاه هاريس من النواب الجمهوريين ومن الداخل الأمريكي إذا أظهرت سياسةً ناعمةً أمام الصين، لذلك ستتجنب هاريس ذلك مع تجنّبها أيضا لمخاطر التصعيد مع الصين نظراً لأن التصعيد لن يَخدمَ إطلاقا من وجهة نظرها الاقتصاد الأمريكي وذلك مُثْبتٌ حيث إن نهج بايدن الاقتصادي تجاه الصين حقق مكاسب أكبر لأمريكا حيث جاءت واشنطن كأكبر متلقٍ للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام ٢٠٢٣، كما قل العجز التجاري بين بكين وواشنطن ووصل إلى أدنى مستوياته ليبلغَ ٢٧٩ مليار دولار مقارنة ب ٣١١ مليار دولار في عام ترامب الأخير. [8]كما أن هاريس تعي جيدا أن التصعيدَ سيشكّل ضغطاً كبيراً على الولايات المتحدة الأمريكية مع اشتداد الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان واحتمالية التصعيد مع إيران بعد الهجوم الإيراني المباشر الأخير على إسرائيل في الثاني من أكتوبر ٢٠٢٤، وتُعدُ الولايات المتحدة داعماً وحليفاً قوياً سواء لأوكرانيا أو إسرائيل ولن تقبلَ هاريس أن تشكّلَ ضغطاً زائداً على الاقتصاد الأمريكي باختيار التصعيد مع الصين.
ولا تغفلُ هاريس عن التقارب الصيني الروسي منذ بدْء الحرب الروسية الأوكرانية والتنافس الدولي في منطقة الاندو-باسيفيك الذي تحارب فيه الولايات المتحدة زيادة النفوذ الصيني، لذلك ستستمر هاريس فى العمل على تعميق العلاقات مع حلفائها الإقليميين كي تُعزّزَ منافستها وتفوقها على الصين، وفي مقدمة ذلك تعزيز التعاون مع مجموعة السبع والحوار الأمني الرباعي بين استراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، وتحالف “أوكوس” الذي يضم استراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والتعاون الثلاثي بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.[9]
ترامب وتوجهات التصعيد مع بكين
تتزايد احتمالات التصعيد بين الولايات المتحدة والصين إذا وصل ترامب إلى البيت الأبيض، حيث أن ترامب يستغل قضايا السياسة الخارجية للترويج لنفسه على أنه المنقذ للولايات المتحدة الأميركية والقادر على إدارة مختلف الملفات الشائكة الدولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات الشرق الأوسط، وأخيرا كبح جماح بكين في ظل ازدياد النفوذ الصيني بما يراه مرشح الجمهوريين دونالد ترامب على أنه تهديد لوضع الولايات المتحدة الدولي باعتبارها القوى العظمى في النظام الدولي الحالي، مع استخدامه شعارات رنانة مثل MAGA (Make America Great Again)، لذلك من المتوقع اتخاذ ترامب نهج عدواني تجاه بكين وبما يتوافق مع سياسته الخارجية الانعزالية القائمة على شعار “أمريكا أولا”.[10]
كما انتقد معظم القادة الجمهوريين سياسات بايدن تجاه بكين حيث أشارت حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية سابقاً “نيكي هالي” و”رون ديسانتيس” حاكم فلوريدا أنه يجب أن تشتد حدة الخطاب الموجه إلى الصين باعتبار أن ذلك سيجبرها على الرضوخ لسياسات الولايات المتحدة، كما يرى أعضاء الكونغرس الجمهوريين أمثال “جيم ريش” ضرورة معاملة الصين على أنها دولة معتدية وانتقد سياسات بايدن التي يرى أنها قوضت مصالح الأمن القومي الأمريكي.[11]
كما أنتقد “مايك جالاجر” رئيس لجنة التصدي الاستراتيجي للصين و”مايكل ماكول” رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب زيارة وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى بكين وعدها أحد مظاهر الضعف التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، وأشار إلى أن المحاولات المستمرة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع بكين ستضعف من قوة الولايات المتحدة.[12]
التعريفات الجمركية على الصين:
يرى ترامب ضرورة فرض تعريفات جمركية شاملة على جميع الواردات بنسبة ١٠٪ وعلى الواردات الصينية بنسبة ٦٠٪ حتى ولو كانت واردات لشركات صينية مقرها بالولايات المتحدة، كما هاجم سياسات بايدن وهاريس الاقتصادية وقال “لم أر أسوء من هذه الفترة الزمنية” واتهمها بأنها ماركسية وتلقت تعليمها على يد والدها الأستاذ المركسي المتقاعد من جامعة ستانفورد، ويعتقد ترامب بأنه بتطبيق خططه الجمركية تجاه الصين أنه سيساعد المستثمرين الأمريكيين ويشجع الاستثمارات المحلية في مواجهة الشركات الأجنبية، وبالتالي ذلك سوف يساهم في زيادة فرص العمل للأمريكيين.[13]
هذا النهج العدواني الذي يحمله ترامب واضح وصريح ومتمثل في الرسوم الجمركية التي سيفرضها على بكين مقتنعا بأن ذلك سيخضعها للسياسات الأمريكية ويجبرها على تقديم تنازلات لواشنطن من شأنها أن تشجع الشركات متعددة الجنسيات على العودة إلى الولايات المتحدة والخروج من الصين، كما أكد على نيته فرض قيود شديدة على ملكية الصين لمنشآت حيوية بالداخل الأمريكي وإجبارها على بيع تلك الممتلكات التي يرى بأنها تهديد خطير للأمن القومي الأميركي، ويروج مستشارو حملة ترامب الانتخابية لتلك السياسات التي يرو أنها من شأنها دفع عجلة الإنتاج المحلي وسوف تلحق ضرر كبير بالاقتصاد الصيني.
لا يخفى أن تلك الحرب التجارية التي شنها ترامب سابقاً ضد بكين أدت إلى حدوث خسائر مهولة وصلت إلى نحو ٣١٦ مليار دولار وخسرت الشركات الأمريكية مبالغ وصلت إلى ١.٧ تريليون دولار من قيمة الأسهم وفقد الاقتصاد الأمريكي ٣٠٠ ألف وظيفة، بالإضافة إلى ارتفاع العجز التجاري في عهده بمعدل ٢١٪ ولم تحققْ تلك السياسات العدائية التجارية الشرسة مع بكين أيَّ نتائج اقتصادية إيجابية مرجوةٍ ولكنها عززت مكانةَ ترامب السياسية في الداخل الأمريكي، وعلى الرغم من وجود تلك الاحصائيات والتقديرات السلبية لسياسة ترامب إلا أنه من المتوقّع أن يستكملهَا حال وصوله للبيت الأبيض وسيلغي الوضع التجاري للصين وينهي اعتماد الولايات المتحدة على الصين.[14]
تايوان بين هاريس وترامب:
فيما يتعلقُ بجزيرة تايوان هناك خلافٌ واضحٌ بين ترامب وهاريس في سياستهم الخارجية فيما يتعلق بملف تايوان، حيث إن هاريس تنتهج نفْسَ نهج بايدن في الدفاع عن تايوان وتقديم المساعدة لها حال وقوع أي اعتداء صيني عليها، وستواصل إقامة تحالفات إقليمية ودولية في المنطقة بما يمكنها من تحجيم الصين وتطويقها خصوصاً في منطقة المحيط الهندي والهادي. [15]
على النقيض من ذلك يرى ترامب بأن تايوان تشكل عبء على الولايات المتحدة وقال صراحة أن “تايوان لا تعطينا أي شيء” وأضاف أن أمريكا تتصرف وكأنها شركة التأمين التابعة لها، كما وصفها بأنها منافس اقتصادي لواشنطن مما يشير إلى أن في حال فوز ترامب بالسباق الانتخابي سيقوم بالتخلي عن تايوان مما سيعد ذلك مكسب كبير للصين.[16]
وختامًا،
يمكن القول إن هناك سياساتٍ واضحةً بعض الشيء للاتجاه الذي سيسلكه الحزب الديموقراطي -المتمثل في هاريس إذا حسمتْ الانتخاباتِ الرئاسيةً المقبلة لصالحها -تجاه العلاقات الأمريكية الصينية التي تتمثل في مواصلة المحادثات وعدم اللجوء إلى خَيار التصعيد، ولكن تبقى العلاقات الأمريكية الصينية وجهود جو بايدن في سنواته الأخيرة على المحكّ إذا وصل ترامب الذي يفضّلُ النهٔجٕ التصعيدي إلى السلطة.
المصادر: