المقالات
لأول مرة منذ 20 عامًا.. ما وراء زيارة رئيس حكومة الوحدة الليبية إلى إثيوبيا؟
- أبريل 27, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
في زيارةٍ غامضةٍ لم يتم الإعلان عنها مُسْبقًا، وصل رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، مساء الخميس 25 أبريل، الى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، رِفْقَةَ وزراء المالية والمواصلات والعمل والشباب، ولم يتم الإعلان عنها إلا صباح يوم الجمعة 26 أبريل؛ حيث وصفتها وكالة أنباء الدولة الرسمية “وال”، أنها زيارة عمل لدولة إثيوبيا ومفوضية الاتحاد الأفريقي.
وقال بيان المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا: إن رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، ناقش مع رئيس الحكومة الإثيوبي، آبي أحمد، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عددًا من الملفات الاقتصادية والسياسية المشتركة، أبرزها استئناف التعاون بين البلديْن بعد قطيعةٍ دامت أكثر من عقديْن من الزمن.
كما أشار البيان، بأن “الدبيبة” أكَّد خلال اللقاء “رغبة بلاده في عودة التعاون مع إثيوبيا في كافَّة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، من خلال التشاور والتواصل بين الحكومتيْن، والتنسيق حول مختلف القضايا الإقليمية ذات الاهتمام”.
وأضاف البيان، أنه خلال استقبال رئيس الحكومة الإثيوبي لـ”الدبيبة” في القصر الرئاسي في العاصمة أديس أبابا، ناقش الطرفان “عقد اللجنة العليا الليبية الإثيوبية التي لم تُعقد منذ العام 2004 ، بين المؤسسات المختلفة”، إثر خلافات بين البلديْن إبان عهد الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، كما أضاف البيان، أن الجانبيْن “ناقشا كذلك عددًا من الملفات المشتركة، أهمها تنظيم العمالة الوافدة الإثيوبية، وعودة الخطوط الجوية الإثيوبية للعمل في ليبيا، والقروض الليبية الممنوحة لإثيوبيا، وجدولة سدادها”.
ووجَّه “الدبيبة” دعوةً لرئيس الوزراء الإثيوبي لزيارة ليبيا “؛ بهدف استمرار التنسيق والتعاون بين البلديْن”.، من جانبه، رحَّب آبي أحمد بزيارة “الدبيبة” لإثيوبيا، معتبرًا أنها “خطوةً مهمةً؛ لعودة التعاون بين البلديْن، بعد توقُّفٍ بلغ أكثر من عشرين عامًا”، حسب البيان الليبي.
سياق الزيارة
تأتي الزيارة في سياقٍ زمنيٍّ مهمٍ؛ حيث جاءت بالتزامن مع التطورات الأخيرة التي تشهدها السَّاحة الليبية، والتي منها الآتي:
استقالة المبعوث الأممي في ليبيا
تأتي الزيارة في ظل استمرار الأزمة السياسية في ليبيا، ووصولها إلى نَفَقٍ مظلمٍ؛ باستقالة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، الذي أعلن مؤخرًا تأجيل مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية، الذي كان مقررًا عقْدُه في 28 أبريل الجاري، بمدينة سرت، إلى أجلٍ غير مسمى، لكنه لاحقًا، أعرب خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي عن أسفه لإبلاغ المجلس بتأجيل هذا المؤتمر إلى موعدٍ لاحقٍ، بعدما “ظهرت الانقسامات بين القادة الليبيين مرةً أُخرى بشأن هذه القضية الحاسمة، مُعبِّرًا عن “شعور عميق بخيبة الأمل”.
تحرُّكات جديدة لمجلس النواب لتشكيل حكومة موحدة
شرع مجلس النواب في ليبيا في القيام بتحرُّكات جديدة؛ من أجل تشكيل حكومة مؤقتة، تُوكل إليها مهمة تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ حيث قال العضو في مجلس النواب، عبد المنعم العرفي، في تصريحات خاصة: بأن المؤسسة التشريعية استقبلت فيما يقارب من خمسة ملفات لمترشحين، تتوفر فيهم الشروط السياسية والقانونية المطلوبة، لتشكيل حكومة جديدة.[1]
وعبَّر مجلس النواب الليبي في أكثر من مناسبة، عن عدم اعترافه بشرعية حكومة الوحدة الوطنية؛ حيث يتهمها بـ”تعطيل مشروع الانتخابات في البلاد”، فيما يرفض رئيسها عبد الحميد الدبيبة الاستقالة من منصبه قبْل إجراء الانتخابات العامة.
يأتي تحرُّك رئيس المؤسسة التشريعية في ليبيا، عقيلة صالح، في هذا الوقت بالذات؛ تنفيذًا للتعديل الدستوري رقم 13، والذي ينُصُّ على ضرورة تشكيل حكومةٍ تقود البلاد إلى الانتخابات، في الوقت الذي تساءلت فيه جهات أُخرى عن شرعية هذه الخطوة، في ظل غياب مبعوث أممي جديد بعد استقالة عبد الله باثيلي.
تحرُّكات داخلية نشطة لحكومة “الاستقرار ”
حرصت حكومة “الاستقرار” التي يترأسها أسامة حمّاد، والمدعومة من مجلس النواب، والتي تحظى أيضًا بإسنادٍ من المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، خلال الأسابيع القليلة الماضية، على تكثيف جهودها باتجاه «حل أزمات المنطقة الجنوبية المتراكمة منذ سنوات»، بالإضافة إلى إعادة إعمار بعض المناطق، بما يشمل تشييد مساكن جديدة للمواطنين.
وتخصم تحرُّكات حكومة حمّاد المكثفة من رصيد غريمتها بالعاصمة طرابلس، لجهة السيطرة على الجنوب سياسيًّا وعسكريًّا؛ حيث قرَّر “حماد” إنشاء جامعة بمدينة الكفرة، عقب جولات عديدة إلى الجنوب برفقة بلقاسم حفتر، مدير «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا». كما توافد وزراء من الحكومة على مناطق بالجنوب الشرقي، من بينهم وزيرا الصحة الدكتور عثمان عبد الجليل، والداخلية اللواء عصام أبو زريبة، بالإضافة إلى أسامة الدرسي رئيس جهاز الأمن الداخلي، وقيادة من الجيش يتقدمها صدام وخالد خليفة حفتر.[2]
أهداف الدبيبة من الزيارة: ” تسجيل حضور” في أفريقيا
بالرغم من أن زيارة رئيس حكومة الوحدة إلى إثيوبيا زيارة عمل، إلا أنه تُوجد أهداف أخرى خلفها، تتعلق بسعي “الدبيبة” للاستمرار في منصبه كرئيس حكومة؛ عن طريق الحصول على دعم خارجي بعد تصاعد الانتقادات ضده، واتهامه من قِبَلِ معارضيه بوضْع العراقيل أمام الحلول السياسية للازمة في ليبيا، وتشكيل حكومة جديدة؛ تمهيدًا لإجراء الانتخابات التي ستكون مِفْصَليةً لتوحيد المؤسسات الليبية.
يدرك الجميع في ليبيا بأن الاعتراف الدولي هو الأساس لتشكيل أية سلطة جديدة، وبالتالي الحديث عن حلٍّ ليبيٍّ غير مطروح، ولن تكون هناك خطوة أُحادية في ليبيا تتعلق بتشكيل سلطة جديدة دون تلقِّي ضوء أخضر من طرف الجهات الدولية.
وبالرغم من أن مجلس النواب سحب الثقة من حكومة “الدبيبة”، وأصبح غير مُعترفٍ بشرعيتها على الصعيد المحلي والعربي – لبعض من الدول العربية- إلَّا أن الحكومة لاتزال تعترف بها دوليًّا، وهو ما يستغله “الدبيبة” بشكلٍ أساسيٍّ في تحرُّكاته.
وبجانب زيارته إلى إثيوبيا، سعى “الدبيبة” بتعزيز حضوره في القارة الأفريقية خلال الأشهر الماضية حيث قام بالآتي:
المشاركة في القمة “الإيطالية – الأفريقية”
شارك “الدبيبة” في القمة “الإيطالية – الأفريقية” التي عقدت بالعاصمة الإيطالية روما، في أواخر شهر يناير الماضي، التقى فيها بالعديد من الشخصيات الرسمية وممثلي المنظمات الدولية، و كانت تعتبر هذه المشاركة مهمة بالنسبة لـ”الدبيبة”؛ لأنها تتعلق بقضايا القارة الأفريقية وأوروبا، بحضور أكثر من 20 رئيس دولة وحكومة أفريقية وأكثر من خمسين وفد دولي رفيع المستوى من المنظمات المتعددة الأطراف التي تعمل في القارة الأفريقية، بالإضافة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمات الأمم المتحدة؛ الأمر الذي يجعل “الدبيبة” قريبًا من هذه الدول ومن التعامل الدولي معها.[3]
والتقى “الدبيبة” على هامش القمة بوزير خارجية دولة تشاد، وناقشا عدة ملفات، منها إعادة تجمُّع دول الساحل والصحراء، الذي كان قبل عشرة أعوام في ليبيا، وذلك بعودته إلى العاصمة طرابلس، مقرّه الرئيسي بعد نقله إلى تشاد، ومناقشة ملفات الهجرة والاستثمارات الليبية في دولة تشاد، والتأكيد على استمرارها في ظروف إيجابية، وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلديْن.
مساعٍ “شكلية” بتقديم الوساطة في الأزمة السودانية
قام الفريق عبد الفتاح البرهان، بزيارةٍ رسميةٍ إلى مدينة طرابلس الليبية، يوم 26 فبراير الماضي؛ بناءً على دعوةٍ رسميةٍ تلقَّاها من رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفى، جاءت بالتزامن مع إعلان “الدبيبة” عن مبادرة “إحلال السلام ووقْف الحرب في السودان”.
ويجدر بالذكر ، أن المؤتمر الصحفي الذي عُقد حينذاك في طرابلس بين قائد الجيش ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، على ذكر المبادرة التي روَّج لها “الدبيبة”، اقتصر فقط على كلامٍ عامٍ، ركَّز فيه “المنفي” على دعم المجلس الليبي لـ”البرهان” وتأييده في الخطوات التي اتخذها حتى الآن؛ ما يعني أنه لا يمكن هنا الحديث عن وسيطٍ محايدٍ.
لذا يمكن القول: بأن المبادرة التي تحدثت عنها حكومة الوحدة لحل الأزمة السودانية، لا تعدو كوْنها مُجرَّد تسجيل حضور في الفضاء الإقليمي، ومحاولة من حكومة عبد الحميد الدبيبة؛ لصرف الأنظار عن الأزمة التي تتخبط فيها في بيئتها الشعبية والسياسية.
إجمالًا:
يمكن القول: إن الحكومتيْن المتنازعتيْن على السلطة في ليبيا تُكثِّفَان من جهودهما؛ بقصد “التمكين” لكلٍ منهما، وإزاحة الأخرى؛ إذ بدا أن حكومة الاستقرار، التي يترأسها أسامة حمّاد، متمسكة بالتوسّع جنوبًا، في حين يُلاحظ أن غريمتها حكومة الوحدة في العاصمة طرابلس، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ماضية لمزيدٍ من توطيد علاقتها خارجيًّا، مستغلةً الاعتراف الدولي بها؛ فإلى جانب زيارات “الدبيبة” الخارجية، ومن بينها زيارته لإيطاليا وتركيا وقطر ، ودخوله على خط الأزمة السودانية، باستقباله في طرابلس طرفَيْ النزاع هناك، جاءت زيارته إلى إثيوبيا، ولقاؤه برئيس وزرائها آبي أحمد، وذلك في إطار ما وصفته حكومة الوحدة بـإعادةٍ لعلاقات التعاون التي كانت قد توقَّفت قبْل عقديْن من الزمان.
المصادر:
[1] تحركات جديدة للإطاحة بالدبيبة.. هل ستنجح خطة مجلس النواب؟، صحيفة أصوات مغاربية، 26 إبريل، متاح على الرابط: https://shorturl.at/tuvy7
[2] حماد يصدر قرار بإنشاء جامعة بمدينة الكفرة ويكلف الدكتور منصور بو بعيدة رئيساً لها، صحيفة الأنباء الليبية، 26 إبريل، متاح على الرابط: https://www.lananews.com/ar/?p=347957
[3] انطلاق قمة «إيطاليا وأفريقيا» الاثنين لتدشين مرحلة جديدة من التعاون، صحيفة الشرق الأوسط، 27 يناير، متاح على الرابط: https://shorturl.at/epAM3