المقالات
لعنة الموارد: كيف يساهم الصراع على الذهب في تأجيج الحرب السودانية؟
- مايو 30, 2025
- Posted by: mostafa hussien
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية

إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
لقد لَعِبَ قطاعُ الذَّهَبِ في السودان دورًا مِحْوَرِيًّا في ديناميكيات المشهدِ السياسيِّ والاقتصاديِّ للبلاد لعقودٍ طويلةٍ، خاصَّةً بَعْدَ فُقْدان عائدات النَّفْط، في عام 2011م، عقب انفصال جنوب السودان، لكن بدلًا من أن يكون الذَّهَبُ نعمةً تُسْهِمُ في استقرار البلاد، تَحَوَّلَ في السنوات الأخيرة إلى أداة تمويلٍ للنزاعات، ومصدر صراعٍ بين الأطراف المتحاربة.
فمع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في أبريل 2023م، تصاعد التنافُس للسيطرة على مناطق إنتاج الذهب وطُرُق تهريبه، وسُرْعان ما أصبح الذهب شريانًا حيويًّا يُموِّلُ العمليات العسكرية، ويُوفِّرُ الأموال اللازمة لشراء السلاح وتجنيد المقاتلين، وبذلك ساهم المعدن الأصفر في إطالة أَمَدِ الصراع وتعقيد فرص الحلِّ السياسي؛ حيث أصبحت المصالح الاقتصادية المرتبطة به جزءًا من ِبْنَية الحرب نفسها.
واقع صناعة الذهب في السودان:
يُعَدُّ الذهب من أهم الموارد الطبيعية والاقتصادية في السودان؛ إذ يحتلُّ موقعًا إستراتيجيًّا في الاقتصاد الوطني ويُعتبرُ مُحرِّكُا رئيسيًّا للعديد من الأنشطة الصناعية والتجارية، ويضُمُّ السودانُ أكثر من 40 ألف موقعٍ مُخَصَّص لتعدينه، وتعمل نحو 60 شركةً لتكرير الذهب موزعة على 13 ولايةً، من بينها 15 شركةً تتركز في ولاية جنوب كردفان وحدها، وتعتبرُ المناطق الصحراوية في شمال السودان من أغنى مناطق البلاد بالذهب؛ نظرًا لاحتوائها على احتياطات ضخمة من المعدن الخام، كما ينتشر الذهب في مواقع متعددة تمتدُّ من أقصى الشمال بالقرب من العاصمة الخرطوم، مرورًا بالساحل الشرقي المُطِلّ على البحر الأحمر وسلسلة جبال البحر الأحمر، وصولًا إلى أقصى الغرب عند جبل عوينات ومنطقة الطينة في إقليم دارفور.
ويبلغ الاحتياطي التعديني المكتشف في السودان حوالى 1500 طنٍّ؛ حيث تعمل أكثر من 400 شركة استكشاف وإنتاج بأحجام مختلفة، وتعمل بطُرُقٍ أغلبها غير احترافية؛ لأنها شركات غير متخصصة وبرؤوس أموال أغلبها يسْهُلُ وصْفُهُ بأنها استثمارات من النوع الصغير في صناعة ذات مخاطر عالية وذات استثمار طويل الأجل[1].
حجم إنتاج السودان للذهب:
يحتلُّ السودان المرتبة الثالثة على مستوى القارة الأفريقية في إنتاج الذهب، وبلغ حجم إنتاجه في عام 2022م حوالي 41.8 طن[2]، مُحقِّقًا زيادةً طفيفةً مقارنةً بعام 2019م، وحسب تقديرات وزارة الطاقة والتعدين السودانية، يبلغ احتياطي البلاد من الذهب حوالي 1550 طنًّا، وفْقَ ما أوردته وكالة الأناضول، في أكتوبر 2019م، ومَنَحَ السودان رُخَصًا لأكثر من 85 شركةً للبحث عن الذهب وإنتاجه، في إطار سعْيه لتعزيز إنتاجه من المعادن للحصول على مصادر جديدة لإيرادات الدولة والنقد الأجنبي لتمويل الواردات، وقال وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم: إن السودان أنتج .6364 طن من الذهب في 2024، وصدر رسميًّا 31 طنًّا، وأظهرت الصادرات التي بلغت قيمتها 1.55 مليار دولار، حتى نوفمبر الماضي، نسبةً أعلى من الذهب الذي يغادر البلاد عبْر القنوات الرسمية، وفي بداية عام 2025م، بلغ إنتاج الذهب خلال شهري “يناير وفبراير” حوالى 13 طنًّا[3].
أبرز مناجم الذهب الكبرى في السودان:
يُعَدُّ السودان من أكبر الدول المنتجة للذهب في أفريقيا؛ حيث يُشكِّلُ الذهب أحد أهم موارد الدخل القومي وتنتشر مناجم الذهب في عدد من الولايات، أبرزها “ولاية نهر النيل، البحر الأحمر، جنوب كردفان، الشمالية، ودارفور”، وعليه؛ تتمثَّلُ مناجم الذهب في السودان في الآتي:
-
منجم أرياب
يقع منجم أرياب في شمال شرق البلاد بولاية البحر الأحمر في منطقة تقْطُنُها قومية البجا، وتُعتبر منطقة أرياب من أغنى المناطق بالذهب في السودان، وتديرها شركة أرياب للتعدين، وهي أكبر شركة لتعدين خام الذهب في البلاد، وقد تأسَّست شركة أرياب للتعدين عام 1991م، كشراكة بين حكومة السودان والجانب الفرنسي؛ حيث تمتلك حكومة السودان النصيب الأكبر في الشركة بنسبة 56%، وقد بدأ الإنتاج التجاري للذهب في الشركة عام 1991، وبدأت التصدير في يناير 1992م، وتقوم الشركة باستخراج الذهب والفضة والنحاس من مناجم المنطقة، وتعتبرُ من أوائل الشركات التي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار لعام 1991م في مجال التعدين.
ويحتوي منجم أرياب على أكثر من 40 مليون طنٍّ من الخام بدرجات متفاوتة، ويُمكن استخراج ما يزيد عن 22 طنًّا من الذهب الصافي سنويًّا، ويعتبر الحزام المعدني في أرياب من أهم الإنجازات الجيولوجية في السودان؛ حيث يمتدُّ هذا الحزام بعرْضِ 15–20 كيلومترًا من منطقة مسمار حتى شمال مدينة بورتسودان، ويحتوي على رواسب غنية من الذهب والزنك والفضة[4].
-
منجم هساي (حسي )
يُعَدُّ منجم “هساي” أحد أبرز مواقع إنتاج الذهب في شمال شرق السودان، ويُعتبر المنجم الوحيد العامل في هذه المنطقة الغنية بالمعادن، وتمَّ اكتشافه عام 1993م، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2011م، بلغ إجمالي إنتاجه نحو 2.3 مليون أوقِيَّةٍ من الذهب، وتمَّ استخراجها من نحو 18 حفرةً مفتوحةً، يقع المنجم على بُعْدِ نحو 50 كيلومترًا من الخرطوم، وتعود ملكيته إلى شركتيْن: شركة أرياب للتعدين السودانية التي تمتلك 60% من الحصة، وشركة “لا مانشا ريسورسز” المملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، التي تملك الـ40% المتبقية.
وتُقدَّرُ الاحتياطات المؤكدة والمحتملة في المنجم بنحو 14.09 مليون طنٍّ، بمُعدَّلِ تركيز يبلغ 2.4 غرام ذهب لكل طنٍّ، وتُقدَّرُ الموارد المقاسة والمُشارُ إليها” بـ16.06 مليون طنٍّ بمعدل 2.77 غرام/طن، بينما تصل الموارد المُسْتَنْتَجة إلى 4.3 ملايين طنٍّ بمعدل التركيز نفسه.
وفي السياق ذاته، تقع رواسب الذهب في منجم هساي، ضمن نطاق حزام أرياب الأخضر العائد للعصر البروتيروزوي، وتتميز جيولوجيته بتكويناتٍ صخرِيَّةٍ مُعقَّدَةٍ تشمل صخورًا بركانيةً قاعديةً وحمضيةً، وطفوحًا بركانيةً، إضافةً إلى صخور الغرايواك، وقد تعرَّضت هذه التكوينات لاختراقات من صخور الغرانيت المتأخرة؛ ما يعكس بِنْيَةً جيولوجيةً خصبةً للمعادن الثمينة[5].
-
منجم بلوك
تُعَدُّ منطقة قبقبة الواقعة شمال مدينة أبو حمد بولاية نهر النيل، من أبرز مناطق تعدين الذهب في السودان، وتتصدَّرُ قائمة الإنتاج عبْر التعدين التقليدي الذي يُعَدُّ المصدر الرئيسي للذهب في هذه المنطقة، والأول عبْرَ التعدين الأهلي في البلاد، وفي مارس 2021م، أعلنت شركة مناجم المغربية للتعدين، عن استحواذها على 65% من مشروعات توسعة منجم قبقبة، وذلك بعد إتمام صفقة إستراتيجية مع شركة “وانباو الصينية للتعدين”.
وتوقَّعت الشركة أن تبلغ تكلفة التوْسعة حوالي 250 مليون دولارٍ؛ بهدف رفْع القدرة الإنتاجية للمنجم إلى نحو 200 ألف أونصة من الذهب سنويًّا، وأعلنت الشركة المغربية، أن هذه الصفقة جاءت ضِمْنَ خطة إستراتيجية تهدف إلى توسيع حضورها في السودان والقارة الأفريقية عمومًا، وتتوزع مشاريع الذهب التي تديرها الشركة في السودان على الحدود مع مصر، ضِمْنَ منطقة “فالق كيراف”، المعروفة بإنتاجها الغزير من الذهب منذ العصور الفرعونية، وتمتدُّ الكُتَلُ المعدنيةُ الثلاثُ التي تشملها عمليات الاستكشاف لمساحة إجمالية تُقدَّرُ بـ14 ألفًا و479 كيلومترًا مربعًا، بطولٍ يقارب 300 كيلومترًا، وتشمل ممرَّات جيولوجية عِدَّة غنية بالذهب[6].
-
منجم جبل عامر
يقع المنجم بمحلية السريف التي تبعد 100 كيلومترًا شمال مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ويُقدَّرُ إنتاجه بنحو 50 طنًّا من الذهب سنويًّا؛ ما يجعله ثالث أكبر منجم ذهب في أفريقيا، كما تضُمُّ المنطقة معادن ثمينة أخرى، مثل “الألومنيوم والحديد والبلاتينيوم”، وبعد انفصال جنوب السودان عام 2011، وفُقْدَان السودان نحو 75% من موارده النفطية، بدأ في البحث عن بدائل اقتصادية، وكان الذهب هو الخيار الأنسب والأقرب.
وتحوَّلَتْ المنطقة في وقتٍ قصيرٍ إلى أغلى موردٍ طبيعيٍّ في السودان، وقد أدَّى هذا الاكتشاف إلى تحوُّل منطقة جبل عامر إلى مسرحٍ لصراع مسلح، وسيطرت ميليشيات “الجنجويد”، بقيادة موسى هلال، على المناجم بعد معارك دموية مع قبيلة بني حسين، السكان الأصليِّين للمنطقة، وقد رفض هلال تسليم سلاحه لحكومة عمر البشير، فاعتقلته قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي أحكمت سيطرتها على المنطقة والمناجم.
وقد تغيَّرَ وجْهُ الصراع في دارفور جذريًّا، بحلول عام 2017؛ إذ لم يعُدْ محصورًا في البُعْد السياسي أو الإثْنِي، بل أصبح يدور حول السيطرة على الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها مناجم الذهب، وظهرت خريطة نفوذ جديدة، تتقاسمها قوات الدعم السريع من جهة، والشبكات الروسية، مثل مجموعة فاغنر من جهة أخرى، في معادلة اقتصادية زادت من تعقيد الأزمة المحلية، وعقب سيطرة الدعم السريع، أدارت شركة الجنيد، المملوكة لعبد الرحيم حمدان دقلو شقيق حميدتي، عمليات استخراج الذهب في جبل عامر، ووفْقًا لتحقيقات أجرتها وكالة رويترز، كانت الشركة تبيع الذهب أحيانًا خارج القنوات الرسمية، وأحيانا للبنك المركزي بأسعار تفضيلية؛ ما مكَّنَ الدعم السريع من بناء مصدر تمويل مستقل عن الحكومة[7]
وأدَّى استغلال الذهب إلى تعزيز النفوذ السياسي والعسكري لحميدتي، الذي صَعَدَ سريعًا ليصبح نائب رئيس مجلس السيادة، بعد الإطاحة بالبشير عام 2019م، وأصبح لقوات الدعم السريع استقلالٌ ماليٌّ وعسكريٌّ، استخدمته لاحقًا في تعزيز قوتها داخليًّا وخارجيًّا.
وفي هذا السياق، ظهرت شركة “مروي غولد” التابعة لمجموعة فاغنر الروسية، وأُنشئت لتولِّي عمليات التنقيب عن الذهب في السودان، بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية السودانية، وبدأت هذه الشركة أنشطتها في دارفور، خاصَّةً في المناطق الغنية، مثل جبل عامر، وأعلنت شركة الجنيد تسليم مناجم جبل عامر إلى حكومة الفترة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك في عام 2021م، بعد تنازلها عن التصديق المتبقي لصالح الدولة، وقد اعتبرت الحكومة هذه الخطوة إنجازا نحو استرداد السيطرة على الموارد الإستراتيجية، لكن الواقع على الأرض كان مغايرًا؛ إذ حافظت قوات الدعم السريع وشركة الجنيد على نفوذ غير مباشر في المنطقة[8].
-
منجم بلوك 14
يقع مشروع مياس ساند للذهب في صحراء النوبة شمال السودان، قُرْب الحدود المصرية، على بُعْد نحو 900 كيلومترًا من الخرطوم، ويتمُّ تطوير هذا المشروع عبْر شراكة بين شركة “بيرسيوس للتعدين” الأسترالية (المالكة لـ70% من الحصة)، وحكومة السودان التي تملك نسبة 20%، إلى جانب شركة سودانية محلية تُدْعى “مياس نُب” تمتلك 10% من المشروع، وتقوم أعمال الاستكشاف ضمن نطاق الدِّرْع “العربي – النوبي”؛ حيث تتنوَّعُ التكوينات الجيولوجية بين تضاريس “جابقابا” البركانية الأنديسيتية في الشرق، ورسوبات بَحَرِيَّة تابعة لفالق كيراف في الغرب، ويفصلُ بينهما فالق “جابقابا الشرقي”.
-
مناجم سونغو
تقع مناجم سونغو في منطقة الردوم بولاية جنوب دارفور، على بُعْد 360 كيلومترًا جنوب نيالا، وقد تحوَّلَتْ منذ عام 2016 إلى مركز نشط للتعدين الأهلي، بعد أن كانت منطقة نائية وضعيفة الكثافة السكانية، وتُصَنَّفُ الردوم ضِمْن أغنى مناطق جنوب دارفور بالذهب، وتشهد تنقُّلات متكررة لآلاف التجار والجنود والعمال المحليِّين.
وقد أدَّى الصراع والانفلات الأمني إلى توقُّفٍ شِبْهِ تام للتعدين عام 2023، خاصَّةً مع انقطاع إمدادات الوقود، وانضمَّ كثيرٌ من العمال للدعم السريع، وتُعَدُّ شركة الجنيد المشغل الوحيد النشط في المنطقة، وقد شهدت عملياتها تراجُعا حادًّا؛ بسبب نقْص الوقود؛ ما أجبرها على تقليص قوتها العاملة بنسبة 70%، لينخفض الإنتاج الشهري إلى أقل من طنٍّ من الذهب، ولكن بحلول أكتوبر 2023م، ومع نهاية موسم الأمطار، استُؤْنِفَتْ العمليات بشكلٍ متسارعٍ، وأصبحت المنطقة مجدَّدًا أحد المصادر النشطة للعمالة، رغم استمرار التهديدات الأمنية[9].
كيف يساهم الصراع على الذهب في استمرار الحرب السودانية؟
أصبح الذهب مُحرِّكًا أساسيًّا في استمرار الحرب الدائرة، التي نشبت نيرانها، في أبريل 2023م، بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وينتج السودان أكثر من 100 طنٍّ سنويًّا من الذهب، يعود منه فقط 30 طنًّا إلى خزينة الدولة، بينما يتمُّ تقاسُم الباقي بين طرفيْ الصراع في السودان؛ حيث يلعب الذهب دورًا مهمًا في تمويل الحرب؛ ما يخلق مجالًا خَصْبًا لتدخُّل الدول الأجنبية في السودان، ودعمها لاستمرار الحرب، ولأن الذهب قابلٌ للنَّقْل، ولا يتطلَّبُ استخراجه سوى استثمارات قليلة نِسْبِيًّا، فإن هذه السلعة تشكِّلُ موردًا رئيسيًّا لكلا الجانبيْن، في توفير الموارد والاتصالات العابرة للحدود الوطنية التي تسمح لهما بشراء الأسلحة وغيرها من الإمدادات لاستمرار القتال.
ومع اندلاع الحرب؛ اشتدَّتْ حِدَّة الصراع على الذهب ففي إحدى هجماته الأولى، استولى حميدتي على المنجم الذي باعه للحكومة، وبعد أسابيع، هاجم مقاتلوه مصفاة الذهب الوطنية في العاصمة أيضًا، ونهبوا سبائك ذهب بقيمة 150 مليون دولار، وتهدف معظم العمليات الهجومية التي تشُنُّها قوات الدعم السريع للاستيلاء على مناطق التعدين في البلاد.
على الجانب الآخر، اعتمدت قوات الجيش – هي الأخرى – على مناجم الذهب في مقاومتها لقوات الدعم السريع، فعلى بُعْد مئات الأميال من مناجم الذهب المربحة التي تملكها قوات الدعم السريع في دارفور، يُوجد منجم ذهب كوش الذي يساعد الجيش على مواصلة القتال أيضًا[10]
اتَّجه حميدتي إلى دول إقليمية؛ للحصول على المساعدات، سواء من خلال تقديم الأسلحة أو الإمدادات، وذلك في مقابل تهريب الذهب إليها، وأصبحت هذه الدول بمثابة خط أنابيب للأسلحة وغيرها من الإمدادات، تحت غطاء شحنات المساعدات الإنسانية، ويرتبط اسم روسيا كثيرًا بمُجْرَيَات الحرب في السودان، فمنذُ وصول قوات فاجنر الروسية إلى السودان، في 2017م، تركَّزَتْ أعمال القوات الخاصَّة بفاجنر للسيطرة على مناجم الذهب، وتتعدَّدُ أهداف موسكو في دعمها قوات الدعم السريع؛ حيث نجد في مقدماتها الحصول على الذهب الذي يُمثِّلُ ملاذًا آمنًا في التعاملات الاقتصادية للتحايُل على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ 2014، ولتمويل حربها في أوكرانيا منذ 2022م[11].
وتقوم موسكو بدعم قوات الدعم السريع بالأسلحة والإمدادات لاستمرار الحرب، فبعد فترة وجيزة من نشوب الحرب، بدأ الدعم السريع في تلقِّي شحنات من الأسلحة الثقيلة؛ بما في ذلك صواريخ “أرض – جو” عبْر ليبيا؛ بفضل مجموعة فاجنر الروسية، وكشف تحقيق لقناة “سي إن إن” الأمريكية، في يوليو 2022م، عن نهْب موسكو لكميات هائلة من الذهب، تجاوزت قيمتها مليارات الدولارات ساعدتها في تضخيم احتياطاتها من المعدن الأصفر، وكشفت تقارير أُمَمِيَّة أيضًا عن فَقْد السودان أكثر من 206 أطنان من الذهب، خلال الفترة من 2013 – 2018م؛ بسبب عمليات التنقيب غير القانوني والتهريب، بواسطة شركة فاجنر الروسية، التي تفرض سيطرتها على أكثر من 80٪ من المناجم السودانية.
وأدَّى الارتباط المتزايد بين القادة العسكريِّين في السودان وموسكو إلى ظهور شبكة مُعقَّدة لتهريب الذهب؛ حيث تتبع شحنات الذهب طريقًا بريًّا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى؛ حيث دعمت فاغنر نظامًا قَمْعِيًّا هناك، ويُقال: إنها استخدمت بعضًا من أكثر تكتيكاتها قَسْوَةً على سكان البلاد.
والجدير بالذكر، أن الذهب المُهَرَّبَ يُنْقَلُ عبْر شبكاتٍ مُعقَّدةٍ تشمل مسلحين ووسطاء دوليين، ويُهرَّبُ من مناطق مثل جنوب دارفور إلى دول مجاورة كتشاد، ثُمَّ إلى أسواق خارجية؛ ما يحرم السودان من إيرادات ضخمة كانت ستُستخدم في التنمية ويزيد من الأزمة الاقتصادية، كما أن التهريبَ المحميَّ بالسلاح يُعزِّزُ من تفاقُم الصراع المسلح على السيطرة على مناجم الذهب، ويُطِيلُ أَمَدَ الحرب عبْر تمويل الأطراف المتنازعة، ويُحوِّلُ الذهب إلى شريان حياة للحرب بَدَلًا من أن يكون موردًا اقتصاديًّا للدولة.
ختامًا:
يبدو أن الصراع على الذهب في السودان أضْحَى من مُجرَّد كوْنه تنافُسًا اقتصاديًّا ليصبح أحد المُحرِّكَات الرئيسية لاستمرار الحرب السودانية الممتدَّة منذُ ثلاثة أعوام دون وجود أيَّةِ بوادر للتسوية على المَدَى القريب، فقد أدَّت السيطرة على مناجم الذهب وطُرُق تهريبه إلى تمويل الميليشيات وشراء الأسلحة؛ ما زاد من حِدَّة العُنْف وعُمْق الانقسام بين الأطراف المتحاربة، فتحوَّلَ المعدنُ الأصفرُ أداةً للنفوذ السياسي والعسكري، لا إلى وسيلةٍ لتحسين معيشة المواطنين، ولذلك فإن إنهاء الحرب السودانية لن يكون ممكنًا دون معالجة جذور هذا الصراع، وفي مقدمتها؛ إعادة تنظيم قطاع الذهب تحت مظلَّة الدولة.
المصادر:
[1] مجاهد بلال طه، حرب السودان.. صراع الذهب والموارد، الجزيرة، 2024م، متاح على: https://www.aljazeera.net/blogs/2024/1/4/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-
[2] U.S. Geological Survey, “Gold Production by Country: Sudan”, CEIC Data, Available at: https://www.ceicdata.com/en/indicator/sudan/gold-production.
[3] Sudanese Mineral Resources Company, “SMRC 2024 Achievements, Chatham House, available at, https://www.chathamhouse.org/2025/03/gold-and-war-sudan/03-gold-production-and-trade-during-war.
[4] U.S. Geological Survey, “The Mineral Industry of Sudan in 2017–2018”, 2020, available at: https://pubs.usgs.gov/myb/vol3/2017-18/myb3-2017-18-sudan.pdf
[5] “مناجم الذهب في السودان.. ثروات تتسابق عليها لوبيات محلية وشركات عالمية، الجزيرة نت،2025، متاح على: https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2025/4/9/
[6] التنقيب عن الذهب في السودان.. رحلة الثراء القبيح، العربية نت، 2022. https://www.alarabiya.net/arab-and-world/sudan/2022/06/04/
[7] حمى الذهب في السودان.. مَن يسرق الثروة الكبرى؟، نون بوست، 2024. https://www.noonpost.com/257363/
[8] In War-Torn Sudan, a Gold Mining Boom Takes a Human Toll, Yale Environment 360, March 2025, available at, https://e360.yale.edu/features/sudan-war-gold-mining
[9] جبل عامر في السودان… بريق الذهب واللهب، اندبندنت عربية، 2023م، متاح على: https://www.independentarabia.com/node/531511/
[10] دور الذهب في الاقتصاد السوداني: تمويل الحرب وشبهات الفساد، الحوار المتمدن،2024م، متاح على: https://www.ahewar.net/debat/show.art.asp?aid=844645&nm=1
[11] محمد عمر، الذهب وتمويل الحرب في السودان: من الفوضى إلى أدوات السيطرة، سودان تومورو، 15 مايو 2025، متاح على: https://sudantomorrow.com/21094/