إعداد: هنا داود
انْتَهَتْ الِانْتِخَابَاتُ الْمَحَلِّيَّةُ الَّتِي جَرَتْ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ ٣١ مَارِسَ، بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ الْإِعْدَادِ الْجَيِّدِ وَالتَّنَافُسِ الْحَادِّ بَيْنَ الْأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ لِاجْتِذَابِ أَصْوَاتِ النَّاخِبِينَ. وَأَسْفَرَتْ عَنْ نَتَائِجَ مُلْفِتَةٍ لِلِانْتِبَاهِ، وَحَمَلَتْ رَسَائِلَ سِيَاسِيَّةً وَاضِحَةً، وَكَذَلِكَ أَثَّرَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى أَرْدُوغَانْ وَعَلَى الِائْتِلَافِ الْحَاكِمِ، نَتِيجَةً لِتَعَرُّضِهِمَا لِخَسَارَةٍ فَادِحَةٍ أَمَامَ أَحْزَابِ الْمُعَارَضَةِ الَّتِي نَجَحَتْ فِي الْحِفَاطِ عَلَى الْوِلَايَاتِ الْكُبْرَى، وَالَّتِي تُمَثِّلُ الْمَرْكَزَ وَالثِّقَلَ الِاقْتِصَادِيَّ وَالسِّيَاسِيَّ مِثْلَ إِسْطَنْبُولَ وَأَنْقَرَةَ وَإِزْمِيرَ.
وَبِشَكْلٍ عَامٍّ، أَظْهَرَتْ نَتَائِجُ الِانْتِخَابَاتِ تَقَدُّمَ حِزْبِ الشَّعْبِ الْجُمْهُورِيِّ الْمُعَارِضِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْبِلَادِ بِنِسْبَةِ 37%، مُحَقِّقًا أَكْبَرَ النَّجَاحَاتِ لَهُ فِي مَسِيرَتِهِ السِّيَاسِيَّةِ. أَمَّا حِزْبُ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ فَجَاءَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بِنِسْبَةِ 35.5%، بَيْنَمَا جَاءَ الْمَرْكَزُ الثَّالِثُ لِحِزْبِ “الرَّفَّاهِ مُجَدَّدًا” الَّذِي لَمَّعَ نَجْمَهُ فِي هَذِهِ الِانْتِخَابَاتِ بِنِسْبَةِ 6.19% مِنْ إِجْمَالِيِّ نِسْبَةِ الْمُشَارَكَةِ الَّتِي بَلَغَتْ حَوَالَيْ 78.5%. وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ النِّسْبَةُ مُنْخَفِضَةً نَتِيجَةَ عُزُوفِ الْكَثِيرِ مِنْ التَّاخِبِينَ عَنْ التَّصْوِيتِ.
وَشَكَّلَتْ هَذِهِ الِانْتِخَابَاتُ خَسَارَةً مَعْنَوِيَّةً كَبِيرَةً لِأَرْدُوغَانْ وَحِزْبِهِ الْحَاكِمِ، الَّذِي كَانَ يُرَوِّجُ قَبْلَ انْطِلَاقِ الِانْتِخَابَاتِ بِعِبَارَةِ “مَنْ يَفُوزُ بِإِسْطَنْبُولْ يَفُوزُ بِتُرْكِيَا”، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ تَحْقِيقَهَا. وَبِمَا أَنَّ حِزْبَ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ يُعَدُّ مِنْ الْأَحْزَابِ الْبَارِزَةِ فِي تُرْكِيَا، وَلَهُ تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى السَّاحَةِ السِّيَاسِيَّةِ طَوَالَ السَّنَوَاتِ الْعَدِيدَةِ الَّتِي حُكِمَ فِيهَا، فَإِنَّ خَسَارَتَهُ فِي الِانْتِخَابَاتِ الْبَلَدِيَّةِ سَتُمَثِّلُ تَحَوُّلًا هَامًا فِي السِّيَاقِ السِّيَاسِيِّ التُّرْكِيِّ. وَمِنْ هُنَا، يَهْدِفُ هَذَا التَّقْرِيرُ إِلَى تَنَاوُلٍ بِإِيجَازِ أَبْرَزِ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى فَشَلِ حِزْبِ “الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ” فِي الِانْتِخَابَاتِ الْبَلَدِيَّةِ.
خَسَارَةٌ فَادِحَةٌ لِحِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ
جَاءَتْ النَّتَائِجُ كَمَا يَظْهَرُ فِي الشَّكْلِ، حَيْثُ تَصَدَّرَ حِزْبُ الشَّعْبِ الْجُمْهُورِيُّ لِيَحْتَلَّ الْمَرْكَزَ الْأَوَّلَ، بَيْنَمَا خَسِرَ حِزْبُ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعٍ لِيَأْتِيَ فِي الْمَرْكَزِ التَّالِي. حَيْثُ فَازَ حِزْبُ الشَّعْبِ الْجُمْهُورِيُّ بِرِئَاسَةِ 36 مَدِينَةً وَمُحَافَظَةٍ، مِنْهَا 15 مَدِينَةً كُبْرَى وَ21 مُحَافَظَةً، بَيْنَمَا فَازَ حِزْبُ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ بِ23 مَدِينَةً وَمُحَافَظَةً، مِنْهَا 11 مَدِينَةً كُبْرَى وَ12 مُحَافَظَةً. لِذَا، يَجِبُ تَحْلِيلُ الْعَوَامِلِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى هَذِهِ النَّتَائِجِ. وَمِنْ هُنَا، فَإِنَّ هُنَاكَ ثَلَاثَةَ مِلَفَّاتٍ رَئِيسِيَّةٍ شَكَّلَتْ الْأَهَمِّيَّةَ الْمِحْوَرِيَّةَ فِي تَحْدِيدِ اتِّجَاهِ نَتَائِجِ الِانْتِخَابَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ.
أولًا: الملف الاقتصادي
شَكَّلَتْ الْأَوْضَاعُ الِاقْتِصَادِيَّةُ الرَّاهِنَةُ وَارْتِفَاعُ نِسَبِ التَّضَخُّمِ الْعَامِلَ الْأَكْبَرَ فِي عُزُوفِ النَّاخِبِينَ عَنْ التَّصْوِيتِ لِمُرَشَّحِي حِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ نَتِيجَةً لِمَجْمُوعَةِ السِّيَاسَاتِ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْحِزْبُ فِي السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ، كَمَا لَمْ تُسْهِمْ السِّيَاسَاتُ الْإِصْلَاحِيَّةُ لِلْإِقْتِصَادِ التُّرْكِيِّ الَّتِي يَقُودُهَا وَزِيرُ الْمَالِيَّةِ “مُحَمَّدُ شِيشِمَكْ” فِي تَخْفِيفِ حِدَّةِ الْأَزْمَةِ، حَيْثُ ظَلَّتْ مُسْتَوَيَاتُ التَّضَخُّمِ وَالْبِطَالَةِ فِي الِارْتِفَاعِ مُؤَثِّرَةً عَلَى الْأَوْضَاعِ الْمَعِيشِيَّةِ لِلْمُوَاطِنِينَ الْأَتْرَاكِ.
وَأَشَارَتْ الْعَدِيدُ مِنْ التَّحْلِيلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَزْمَةَ كَانَتْ إِحْدَى الْأَسْبَابِ الْجَوْهَرِيَّةِ فِي فَشَلِ الْأَئْتِلَافِ الْحَاكِمِ فِي الِانْتِخَابَاتِ، وَفَشِلَهُ فِي الْحُصُولِ عَلَى الْبَلَدِيَّاتِ الْكُبْرَى، وَبِالْأَخَصِّ إِسْطَنْبُولْ، الَّتِي تُعْتَبَرُ أَكْثَرَ الْمُدُنِ تَأَثُّرًا بِتَرَدَّى الْأَوْضَاعِ الِاقْتِصَادِيَّةِ.
وَكَشَفَ مُرَشَّحُ الْحِزْبِ الْحَاكِمِ فِي إِسْطَنْبُولَ، مُرَادُ كُورُومْ، عَنْ رُؤْيَتِهِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَهْدِفُ إِلَى مُعَالَجَةِ مُشْكِلَاتِ الِارْتِفَاعِ فِي تَكَالِيفِ الْإِيجَارَاتِ وَالْمُوَاصَلَاتِ، وَمُسَاعَدَةِ الشَّبَابِ، وَوُعُودٍ كَثِيرَةٍ بِبِنَاءِ مَنَازِلَ مُقَاوِمَةٍ لِلزَّلَازِلِ. بَيْنَمَا أَفْصَحَ أَكْرَمُ إِمَامِ إُوغْلُو، مُرَشَّحُ حِزْبِ الشَّعْبِ الْجُمْهُورِيِّ، عَنْ بَرْنَامَجٍ يَسْتَهْدِفُ تَعْزِيزَ الْبِنْيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالتَّرْفِيهِيَّةِ لِلْمَدِينَةِ مِنْ خِلَالِ إِنْشَاءِ مَرَافِقَ عَامَّةٍ تُوَفِّرُ خِدْمَاتٍ تَرْفِيهِيَّةً وَعَائِلِيَّةً بِأَسْعَارٍ مُنَاسِبَةٍ لِلسُّكَّانِ. وَرُبَّمَا أَحْدَثَ هَذَا فَارِقًا لِذَوِي الدَّخْلِ الْمُنْخَفِضِ الَّذِي قَدْ لَا يُرَكِّزُ عَلَى التَّهْدِيدَاتِ الْبَعِيدَةِ نِسْبِيًا مِثْلَ الزَّلَازِلِ، بَلْ يُرَكِّزُ عَلَى الْمُشْكِلَاتِ الْيَوْمِيَّةِ الَّتِي يُوَاجِهُونَهَا.
عَلىَ المَُتقَاعدينَ وأَصْحابِ الحَدِ الأَدنىَ مِنَ الأُجورِ
زَادَ تَأْثِيرُ الْوَضْعِ الِاقْتِصَادِيِّ وَسِيَاسَاتِ “شِيشْمَكْ” الَّتِي وَصَفَهَا الْبَعْضُ بِأَنَّهَا كَارِثِيَّةٌ عَلَى تَوَجُّهَاتِ الْمُتَقَاعِدِينَ الَّتِي لَمْ تَسْتَطِعْ الْحُكُومَةُ تَلْبِيَتَهَا، وَتَدَهْوُرَ وَضْعِ هَذِهِ الشَّرِيحَةِ – الَّتِي تَبْلُغُ حَوَالَيْ 15 مِلْيُونَ نَسَمَةٍ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ – نَتِيجَةً لِارْتِفَاعِ تَكَالِيفِ الْمَعِيشَةِ. وَأَصْبَحَتْ غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى التَّعَايُشِ فِي ظِلِّ هَذَا الْوَضْعِ، بِالْأَخَصِّ مَعَ زِيَادَةِ أَسْعَارِ الْخِدْمَاتِ وَالْإِيجَارَاتِ نَتِيجَةَ زِيَادَةِ أَعْدَادِ الْمُهَاجِرِينَ، وَعَدَمِ قُدْرَةِ الْحُكُومَةِ، فِي نَظَرِ كَثِيرٍ مِنْ الشَّعْبِ، عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ مِلَفِّ الْمُهَاجِرِينَ.
وَبِالتَّالِي، دَفَعَتْ هَذِهِ الْعَوَامِلُ وَالتَّوْزِيعُ الْمُشَوِّهُ لِلدَّخْلِ، الْغَالِبِيَّةُ الْعُظْمَى مِنْ الْمُتَقَاعِدِينَ وَأَصْحَابِ الْحَدِّ الْأَدْنَى مِنْ الْأُجُورِ، إِلَى التَّصْوِيتِ ضِدَّ مُرَشَّحِي حِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ. وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى أَرْدُوغَانْ زِيَادَاتٍ فِي الْأُجُورِ لِلْمُتَقَاعِدِينَ وَأَصْحَابِ الْحَدِّ الْأَدْنَى مِنْ الْأُجُورِ قَبْلَ الِانْتِخَابَاتِ كَعَادَةِ الْحِزْبِ قُبَيْلَ إِجْرَاءِ الْإِسْتِحْقَاقَاتِ الِانْتِخَابِيَّةِ – لَكَانَتْ النَّتِيجَةُ مُخْتَلِفَةً قَلِيلًا، وَلَكِنْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ حِسَابَاتِ الْأَزْمَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَالْمِيزَانِيَّةِ الْعَامَّةِ وَسِيَاسَاتِ وَزِيرِ الْمَالِيَّةِ قَدْ وَقَفَتْ عَائِقًا
ثانيًا: الوضع في غزة
نَجِدُ عِنْدَ مُتَابَعَةِ آرَاءِ وَتَوَجُّهَاتِ الشَّعْبِ التُّرْكِيِّ، أَنَّ الْأَغْلَبِيَّةَ غَيْرُ رَاضِيَةٍ عَنْ الْمَوْقِفِ الرَّسْمِيِّ التُّرْكِيِّ تُجَاهَ الْحَرْبِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ فِي قِطَاعِ غَزَّةَ، حَيْثُ يَرَوْنَ تَقَاعُسًا شَدِيدًا مِنْ الْحُكُومَةِ فِي تَقْدِيمِ الْمُسَاعَدَةِ لِلشَّعْبِ الْفِلَسْطِينِيِّ وَتَقْدِيمِ حُلُولٍ فَعّالَةٍ وَمُؤَثِّرَةٍ لَهُمْ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي ظِلِّ اسْتِمْرَارِ الْعَلَاقَاتِ التِّجَارِيَّةِ مَعَ إِسْرَائِيلَ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ التَّصْرِيحَاتِ السَّابِقَةِ لِلْحُكُومَةِ بِنِيَّةِ تَقْلِيصِ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ، وَرَأَى الْعَدِيدُ مِنْ الْأَتْرَاكِ أَنَّ اسْتِمْرَارَ حَرَكَةِ التِّجَارَةِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ يُعَدُّ خِيَانَةً لِلشَّعْبِ الْفِلَسْطِينِيِّ، وَتَنَاقُضًا فِي خِطَابِ أَرْدُوغَانْ الْمُنَاهِضِ لِإِسْرَائِيلَ وَحُكُومَةِ نَتَنْيَاهُو. وَقَدْ أَثَّرَ هَذَا الِانْتِقَادُ، بِالطَّبْعِ، سَلْبًا عَلَى غَالِبِيَّةِ الْأَصْوَاتِ الْمُوَالِيَةِ لِحِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، مِمَّا دَفَعَ بَعْضَهُمْ لِلتَّصْوِيتِ ضِدَّهُ كَعِقَابٍ، وَلَيْسَ لِثِقَتِهِمْ فِي أَدَاءِ الْأَحْزَابِ الْمُعَارِضَةِ، كَمَا امْتَنَعَ الْعَدِيدُ مِنْ كَذَلِكَ، اسْتَغَلَّتْ الْأَحْزَابُ الْمُشَارِكَةُ فِي الْخَطِّ الْأَيْدِيُولُوجِيِّ مَعَ الْحِزْبِ الْحَاكِمِ، مِثْلَ حِزْبِ الرَّفَّاهِ مُجَدَّدًا، هَذِهِ الْقَضِيَّةُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ لِجَذْبِ الْعَدِيدِ مِنْ الْأَصْوَاتِ بِشَأْنِ الْإِجْرَاءَاتِ الَّتِي سَتَكُونُ أَكْثَرَ حَزْمًا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْأَوْضَاعِ فِي غَزَّةَ. وَهُنَا يَكْمُنُ ثَانِي الْأَخْطَاءِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْحِزْبُ الْحَاكِمُ، حَيْثُ كَانَ لَابُدَّ لَهُ مِنْ اتِّخَاذِ إِجْرَاءَاتٍ أَكْثَرَ حَزْمًا تُجَاهَ الْأَوْضَاعِ فِي غَزَّةَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْلِ الشَّعْبِ الْفِلَسْطِينِيِّ، فَعَلَى الْأَقَلِّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ التَّقَارُبَ التُّرْكِيَّ الْأَمْرِيكِيَّ الَّذِي ظَهَرَتْ بَوَادِرُهُ قُبَيْلَ الِانْتِخَابَاتِ، زَادَ مِنْ غَضَبِ وَاسْتِيَاءِ الْأَتْرَاكِ الْمُؤَيِّدِينَ بِشِدَّةٍ لِلْقَضِيَّةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ.النَّاخِبِينَ عَنْ التَّصْوِيتِ فِي الْأَسَاسِ.
ثالثًا: أَزْمَةُ اللاجِئينَ السُورييِنَ
دَائِمًا مَا يَكُونُ هَذَا الْمِلَفُّ مِلَفًا شَائِكًا فِي الِانْتِخَابَاتِ الْعَامَّةِ أَوْ الِانْتِخَابَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَازْدَادَتْ أَهَمِّيَّةُ هَذَا الْمِلَفِّ وَتَأْثِيرُهُ عَلَى الْعَمَلِيَّةِ الِانْتِخَابِيَّةِ نَظَرًا لِارْتِبَاطِهِ بِالْمِلَفِّ الِاقْتِصَادِيِّ وَالظُّرُوفِ الْمَعِيشِيَّةِ لِلسُّكَّانِ، خَاصَّةً فِي الْبَلَدِيَّاتِ الْحَضَرِيَّةِ مِثْلَ إِسْطَنْبُولْ وَأَنْقَرَةَ، وَتَأْثِيرِهِمْ الْمُتَزَايِدِ عَلَى ارْتِفَاعِ الْأَسْعَارِ وَالْأُجُورِ.
وَنَظَرًا لِسِيَاسَاتِ الْحِزْبِ الْحَاكِمِ الَّتِي تَتَعَاطَفُ بَعْضَ الشَّيْءِ مَعَ اللَّاجِئِينَ السُّورِيِّينَ، فَكَانَ مِنْ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَتَّجِهَ النَّاخِبُونَ الْمُعَارِضُونَ لِوُجُودِ اللَّاجِئِينَ السُّورِيِّينَ نَحْوَ أَحْزَابِ الْمُعَارَضَةِ الَّتِي رُوِّجَتْ مِنْ خِلَالِ أَجِنْدَاتِهَا مُعَارَضَتُهَا الشَّدِيدَةِ لِوُجُودِ اللَّاجِئِينَ السُّورِيِّينَ وَوَعَدَتْ النَّاخِبِينَ بِاتِّخَاذِ إِجْرَاءَاتٍ حَاسِمَةٍ لِتَرْحِيلِهِمْ. وَبِالتَّالِي، أَظْهَرَتْ نَتَائِجُ الِانْتِخَابَاتِ اتِّجَاهَ الشَّعْبِ لِلتَّصْوِيتِ لِصَالِحِ تِلْكَ الْأَجِنْدَاتِ الدَّاعِيَةِ لِخُرُوجِ اللَّاجِئِينَ. وَقَدْ شَكَّلَتْ أَجِنْدَةُ حِزْبِ الرَّفَّاهِ الْجَدِيدِ، الَّذِي وَعَدَ بِتَرْحِيلِ اللَّاجِئِينَ وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنْ الْأَحْزَابِ الْمُعَارِضَةِ، تَحَدِّيًا لِحِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ.
وَبِالطَّبْعِ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعَوَامِلُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي أَثَّرَتْ عَلَى هَذِهِ الْخَسَارَةِ الْفَادِحَةِ لِحِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ وَحَلِيفِهِ، فَهُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنْ الْعَوَامِلِ الْمُرْتَبِطَةِ بِطَبِيعَةِ كُلِّ بَلَدِيَّةٍ وَالْأَزَمَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي تُوَاجِهُهَا. بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، هُنَاكَ عَوَامِلُ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِمُرَشَّحِي الْأَحْزَابِ لِكُلِّ بَلَدِيَّةٍ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، تَمْتَازُ شَخْصِيَّاتٌ مِثْلَ أَكْرَمِ إِمَامِ إُوغْلُو، مُرَشَّحِ حِزْبِ الشَّعْبِ الْجُمْهُورِيِّ لِبَلَدِيَّةِ إِسْطَنْبُولَ، وَمَنْصُورِ يَافَاشَ، مُرَشَّحِ بَلَدِيَّةِ أَنْقَرَةَ، بِشَعْبِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ وَشَخْصِيَّاتٍ كَارِيزْمِيَّةٍ، بَيْنَمَا يَفْتَقِرُ كُرَادْ كُورُومْ وَتُورْغُوتْ أَلْتِينُوكْ، مُرَشَّحِي الْحِزْبِ الْحَاكِمِ عَلَى التَّرْتِيبِ، إِلَى هَذِهِ السِّمَاتِ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ اخْتِيَارِ مُرَادِ كُورُومْ لِخَلْفِيَّتِهِ السِّيَاسِيَّةِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ تَهْدِيدَاتِ الزَّلَازِلِ الْمُحْتَمَلَةِ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لِمُسَاعَدَتِهِ فِي الْفَوْزِ.
وختامًا:
بِإِنْتِهَاءِ الِانْتِخَابَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ التُّرْكِيَّةِ، تُظْهِرُ لَنَا رِسَالَةٌ قَوِيَّةٌ حَوْلَ مَسَارِ السِّيَاسَةِ فِي الْبِلَادِ وَتَفْضِيلَاتِ النَّاخِبِينَ. بِفَوْزِ حِزْبِ الشَّعْبِ الْجُمْهُورِيِّ وَسَيْطَرَتِهِ عَلَى الْبَلَدِيَّاتِ الْكُبْرَى، أَرْسَى الشَّعْبُ تَوَجُّهًا جَدِيدًا، يُشِيرُ إِلَى رَغْبَتِهِ فِي تَغْيِيرِ الِاتِّجَاهِ السِّيَاسِيِّ وَتَفْضِيلِهِ لِخِيَارَاتٍ جَدِيدَةٍ. فِي الْمُقَابِلِ، فَشِلَ حِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَةِ فِي تَحْقِيقِ النَّتَائِجِ الْمَأْمُولَةِ يَعْكِسُ انْحِسَارَ قُوَّتِهِ وَتَرَاجُعَ شَعْبِيَّتِهِ. هَذِهِ الِانْتِخَابَاتُ تُعْتَبَرُ دَرْسًا هَامًا لِكَافَّةِ الْأَطْرَافِ السِّيَاسِيَّةِ، حَيْثُ تُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ فَهْمِ تَطَلُّعَاتِ الشَّعْبِ وَتَلْبِيَةِ مَطَالِبِهِ، وَتُشَجِّعُ عَلَى ضَرُورَةِ تَقْدِيمِ بَرَامِجَ وَخُطَطٍ تَنْمَوِيَّةٍ وَخِدْمِيَّةٍ تُلَبِّي احْتِيَاجَاتِ الْمُجْتَمَعِ. فِي النِّهَايَةِ، تَبْقَى تِلْكَ الِانْتِخَابَاتُ لَحْظَةً تَارِيخِيَّةً مُهِمَّةً فِي مَسَارِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ التُّرْكِيَّةِ، وَفُرْصَةً لِلْبَدْءِ بِفَصْلٍ جَدِيدٍ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَالتَّقَدُّمِ.