المقالات
مؤتمرُ COP 29 في باكو: المُناخُ بين ضغوطِ التمويلِ والصراعات الجيوسياسية
- نوفمبر 17, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد/ دينا إيهاب محمود
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
المقدمة
إنطلقتْ فعالياتُ الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تَغيّرِ المُناخ COP29 في يوم الاثنين الموافق ١١ نوفمبر والتي سوف تستمر لمده أسبوعين في العاصمة الأذربيجانية “باكو”، وذلك في ظل سياقٍ دوليٍ بالغ التعقيد، فالعالم اليوم يشهدُ تصاعدًا غيرَ مسبوقٍ للصراعات الإقليمية كالحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، وأيضًا الدولية كالحرب الروسية الأوكرانية، ومن ثمَّ يُعيد ذلك تشكيل التحالفات الجيوسياسية ويُضعف التركيزَ العالميَ على قضية التغير المناخي، ويأتي على رأس هذه التحولات، فوزُ دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المعروف بمواقفه الغير داعمة تجاه قضايا البيئة والتغير المناخي، وانسحاب إدارته السابقة من اتفاقية باريس، كما أن هذا المؤتمر، الذي يُطلق عليه اسمُ “مؤتمر كوب المالي”[1]، يُعقد في وقتٍ تواجهُ فيه الدولُ الناميةُ ضغوطًا متزايدة بسبب ارتفاع تكاليف التكيف مع التغيرات المناخية، وسط تردد الدول المتقدمة في الالتزام بتقديم التمويل اللازم، في المقابل، تُعيد أذربيجان، مستضيفةُ المؤتمر، تعريفَ دورِها في السياسة المناخية العالمية، خاصةً وهي الدولة التي لطالما ارتبطت بتاريخها النفطي، في هذا السياق، سيشكل COP29 اختبارًا حقيقيًا لإرادة المجتمع الدولي في توحيد الجهود لمواجهة التهديدات المتزايدة للتغير المناخي، في وقتٍ تتضاءلُ فيه الثقة بين الدول المتقدمة والنامية، فهل ستتمكن القمة من تجاوز التحديات السياسية الراهنة لإحراز تقدمٍ ملموسٍ في القضايا المالية والتكيف المناخي؟ أم أن الصراعات الجيوسياسية ستطغى على أجندة المؤتمر وتعيق مساره؟
أولًا: التمويلُ المناخيُ كتحدٍٍ رئيسي على الطاولة في أذربيجان
يُعد التمويل المناخي التحدي الأبرز على أجندة الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف COP29 ، حيث يعكسُ هذا التحدي فجوةً كبيرةً بين ما يتطلبه العمل المناخي على مستوى العالم وبين ما يتمُّ توفيره فعليًا، مما يضعُ الدولَ النامية في موقفٍ صعب في مواجهة الآثار المتزايدة لتغير المناخ، التمويل المناخي، رغم كونه أحدَ المصطلحات الأكثر تداولًا، يفتقر إلى تعريف موحّد، ومع ذلك، يتمحور حول الأموال التي تُنفق لدعم مشاريعَ تهدفُ إلى خفْضِ الانبعاثات الكربونية وتعزيز قدرة الدول على التكيف مع آثار التغير المناخي، يشمل ذلك الاستثمارات في الطاقة النظيفة، والتقنيات الخضراء مثل المركبات الكهربائية، وتدابير التكيف كالسدود لمواجهةِ ارتفاع منسوب البحار، وفي هذا الإطار، يُمثلُ التمويل عقبةً في مفاوضات COP29 لعده أسباب على النحو الآتي:
1- مشكلةُ الفجوة التمويلية: يواجهُ العالمُ النامي تحديًا تمويليًا هائلًا لتلبية احتياجاته المناخية، حيث تشيرُ تقديراتُ خبراء الأمم المتحدة إلى أن الدول النامية، ستحتاج إلى ٢.٤ تريليون دولار سنويًا بحلول عام ٢٠٣٠ للتصدي للتغيرات المناخية[2]، ومع تصاعد وتيرة الكوارث المناخية، يصبحُ التكيفُ أكثر تكلفة، حيث يُتوقع أن تصلَ احتياجات الإنفاق إلى ٣٠٠ مليار دولار سنويًا بحلول ٢٠٣٠، و٥٠٠ مليار دولار بحلول ٢٠٥٠، ومع ذلك، فإن التمويل الحالي بعيدٌ جدًا عن هذا الهدف، إذ تُقدر الاستثمارات في التكيف بأقل من ٥٠ مليار دولار سنويًا، وهو ما يعادل أقل من ١٠% من إجمالي الاستثمارات المناخية.[3]
2- التزاماتٌ غير محققة وضعف الثقة: تُعد التزامات الدول الغنية بتمويل المناخ أحد أبرز نقاط الخلاف في مفاوضات COP29،بموجب اتفاق الأمم المتحدة لعام ١٩٩٢، كانت الدول المتقدمة مُلزمةً بتوفير التمويل للدول النامية باعتبارها الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، وفي عام ٢٠٠٩، وعدت هذه الدول بتوفير ١٠٠ مليار دولار سنويًا بحلول ٢٠٢٠، إلا أن هذا الهدفَ لم يتحققْ إلا في عام ٢٠٢٢[4]، أدى هذا التأخير إلى تآكل الثقة بين الدول النامية والمتقدمة، ما غذّى الاتهامات بتقاعس الدول الغنية عن الوفاء بمسؤولياتها التاريخية تجاه أزمة المناخ.
3- تصاعدُ المطالبِ بزيادة التمويل: مع استمرار تصاعد آثار التغيرات المناخية، تسعى الدولُ الناميةُ إلى رفْعِ سقف التمويل المناخي لما بعد ٢٠٥٠، وقد دعت الهند، على سبيل المثال، إلى تخصيص تريليون دولار سنويًا، بينما طالبت منظمات بيئية بتخصيص ٣٠٠ مليار دولار للحد من الانبعاثات، و٣٠٠ مليار دولار لتدابير التكيف، و٤٠٠ مليار دولار للإغاثة من الكوارث والخسائر والأضرار[5]، وفي هذا السياق، تتصاعد الدعوات لتقديم هذا التمويل على شكل منح وليس قروضًا، لتجنّبِ تفاقم أزمات الديون في الدول النامية.
4- الانقسامُ حول مسؤولياتِ التمويل: تُثار في COP29 تساؤلاتٌ حاسمةٌ حول الأطراف التي يجب أن تتحملَ عبءَ التمويل، حيث تدعو الدول المتقدمة إلى مشاركة الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الصين ودول الخليج، في تحمّلِ المسؤولية المالية، باعتبار أن الظروف الاقتصادية العالمية تغيرت منذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن الصين حاليًا تُعد من أكبر الدول في نسبة الانبعاثات الكربونية والتلوث في العالم ، فإنها تُمانع في المساهمة المالية، معتبرةً نفسها دولةً ناميةً وفق اتفاقيات الأمم المتحدة.
5- التمويلُ والتوزيعُ العادل للأعباء: يشكّلُ التوزيعُ العادل للتمويل تحديًا آخر على طاولة المفاوضات، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من ٦٠% من تمويل التكيف الحالي يأتي على شكل قروض[6]، وهي نسبةٌ متزايدةٌ تدعو للقلق، وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” إلى مضاعفة التمويل المخصص للتكيف، مع ضمان توزيعه بعدالة وبشكلٍ يراعي احتياجات الدول الأكثر هشاشة دون فرض قيود إضافية[7]، ومع وجود نصف سكان العالم في “منطقة خطر” مناخية، يصبح تحسين هيكلية التمويل أولوية قصوى.
ثانيًا: تأثيرُ الصراعات الجيوسياسية على التعاون المناخي
تُشكلُ الصراعاتُ الإقليميةُ والدولية تهديدًا كبيرًا للتعاون المناخي في COP29 لهذا العام، حيث أدت الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان إلى إعادة توجيه الموارد، وتفضيل المصالح الأمنية، وتزايد الانقسامات بين القوى الكبرى، مما يؤدي إلى تعطيل الجهود اللازمة لمواجهة التحديات المناخية، وذلك على النحو الآتي:
1- إعادةُ توجيه الموارد وتقليص مخصصات الاستجابة للتغيرات المناخية: بشكلٍ عامٍ فإن الصراعات والحروب تدفعُ الدولَ إلى إعادة ترتيب أولوياتها، مما يؤدي إلى تقليص الموارد المخصصة للتحديات البيئية. مع تصاعد التهديدات العسكرية والسياسية، يصبحُ الأمنُ القوميُ وتوفيرُ الاستقرار الاقتصادي أكثر إلحاحًا من القضايا البيئية طويلة الأجل، بالإضافة إلى ذلك فإن تناقضَ وازدواجيةَ الدول المتقدمة التي تدّعي عدم قدرتها على توفير التمويلات المناخية، بينما تنفق المليارات على دعم العمليات العسكرية، فقد وصل الإنفاق العسكري لعام ٢٠٢٣ إلى ما يزيد عن ٢.٤ تريليون دولار[8]، هذا الارتفاع في الإنفاق العسكري يتزامن مع تراجع الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة وتعزيز البنية التحتية لمواجهةِ الكوارث الطبيعية، وبالتالي تراجع مخصصات التمويل لمشروعات المناخ، مما يؤدي إلى تباطؤٍ في تنفيذ الاستراتيجيات البيئية العالمية.
2- أولويةُ الأمن والطاقة على الالتزامات المناخية : تُعتبر الأولوياتُ الأمنية، خاصةً في ظل النزاعات الدولية، من أبرز العوامل التي تؤثرُ سلبًا على الالتزامات المناخية للدول الكبرى، حيث إن الحربَ الروسية الأوكرانية مثالٌ رئيسيٌ على ذلك، إذ فرضت الحرب ضغطًا هائلًا على الدول الغربية، مما دفعها إلى التركيز على تأمين إمدادات الطاقة التقليدية، مثل النفط والغاز، لضمان استقرار اقتصاداتها وحماية مصالح حلفائها، هذا التحول نحو الطاقة الأُحفورية يعاكس تمامًا الأهدافَ المُناخيةَ العالمية المتمثلة في تقليل الانبعاثات الكربونية، علاوة على ذلك، دفعت المخاوف الأمنية هذه الدول إلى تأجيل أو تقليص المبادرات البيئية، بحيث تُعتبر القضايا البيئية أقل أهمية مقارنة بمواجهة التحديات الجيوسياسية المباشرة.
3- تراجعُ العملِ الجماعي الدولي لمواجهة التغيرات المناخية :الصراعاتُ الدولية تساهمُ في تعزيز الاستقطاب الجيوسياسي بين القوى الكبرى، مما يُضعف التعاونَ الدوليَ بشأن قضايا المناخ، تتسبب المنافسة بين الدول مثل الولايات المتحدة والصين في تعثّرِ التفاهمات المتعلقة بالسياسات المناخية، مما يعوقُ تنفيذَ خطواتٍ عملية نحو تحقيق الأهداف البيئية العالمية، على الرغم من الاتفاق الذي تمَّ بين بكين وواشنطن في نوفمبر ٢٠٢٣ لتعزيز التعاون المناخي، فإن تحقيقَ هذا التعاون لا يزال هشًا بسبب التوترات التجارية والجيوسياسية المستمرة بين الطرفين[9]، هذه الانقسامات الدولية تُضعفُ الإرادةَ السياسية اللازمة للتحرك الجماعي لمواجهة التغيرات المناخية، مما يفاقمُ من تأثيراتها السلبية على البيئة.
4-عرقلةُ التحولِ العالمي نحو الطاقة النظيفة: تؤثرُ الصراعاتُ على الجهود الدولية للتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث تشهد الدول صعوبةً في الالتزام بأهداف تقليل الانبعاثات بسبب الأزمات الجيوسياسية. الحرب الروسية الأوكرانية هي مثالٌ بارزٌ على هذا التأثير، إذ استغلت روسيا الغاز الطبيعي كسلاحٍ سياسي ضد الدول الغربية، مما أدى إلى تضييق إمدادات الغاز في أوروبا، وبسبب نقص الغاز الروسي، اضطرت العديد من الدول الأوروبية إلى إعادة فتح محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بعد إغلاقها استجابةً للسياسات المناخية [10]، كما أدت الزيادة غير المسبوقة في أسعار الطاقة إلى تعزيز الاستثمارات في قطاع النفط والغاز الطبيعي، وهو ما يعززُ الاعتمادَ على الوقود الأحفوري ويؤثرُ سلبًا على الجهود الرامية إلى التحول للطاقة المتجددة.
ثالثًا: عودةُ ترامب وفكُّ الارتباط الأمريكي بالمناخ
تُعدُ عودةُ دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤ بمثابة تحدٍ كبيرٍ لجهود العالم في مكافحة تغيّرِ المناخ، فمنذ فترته الأولى في الرئاسة، اتسمت سياسات ترامب البيئية بمواقفَ مثيرةٍ للجدل، أبرزها إنكار تغير المناخ واعتباره “خدعة” [11]، وهو الموقف الذي دفعه للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في ٢٠١٧ [12]، وهو ما أثار قلقًا عالميًا بشأن مستقبل التعاون الدولي في مواجهة التغيرات المناخية في COP29 في أذربيجان، علاوة على ذلك، خلال حملته الانتخابية، أبدى ترامب التزامًا بإعادة تنفيذ سياسته الانعزالية البيئية، مشيرًا إلى عزمه على سحْبِ الولايات المتحدة مرة أخرى من اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحدِ من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري[13]، وقد كانت هذه الخطوة جزءًا من وعده بفرض سياسةٍ حمائيةٍ تشمل فرْضَ رسومٍ جمركية على السلع الأجنبية، بما في ذلك زيادة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية بنسبة ٦٠% [14]، هذه السياسات الاقتصادية المترابطة قد تؤدي إلى زيادة عزلة الولايات المتحدة على الصعيدين البيئي والاقتصادي، مما يعرقل الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي.
في المقابل، تلتزمُ الولاياتُ المتحدةُ بمساهماتٍ مالية كبيرة في قضايا المناخ على الصعيد العالمي. حيث تعهدت سابقًا بمبلغ ٣ مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر ضِمنَ اتفاق باريس، رغم أن هذه الالتزامات تم تعديلها أو تجميدها في ظل التغيرات السياسية المحلية، ومع عودة الرئيس جو بايدن إلى الاتفاقية في ٢٠٢١، تم تعزيزُ التزام الولايات المتحدة عبر حزمةٍ تمويليةٍ بلغت ١١.٤ مليار دولار سنويًا لدعم البلدان النامية في مواجهة التغير المناخي[15]، لكن مع عودة ترامب إلى السلطة، فإن هذه المساهمات قد تتوقف مجددًا، مما يزيد من الضغوط على الدول الكبرى الأخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي لقيادة العمل العالمي في هذا المجال.
إن التوقعاتِ تشيرُ إلى أن الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب ستتبنى سياسة انعزالية بيئية تعرقلُ التقدمَ الدوليَ في قضايا تغير المناخ، ومن المتوقع أن يؤديَ هذا الموقفُ إلى مزيدٍ من الصعوبات في التوصل إلى اتفاقيات فعالة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ لهذا العام والقادم منها، حيث قد يتسبب في تراجعِ الزخمِ الدولي نحو خفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز الطاقة المتجددة. إضافة إلى ذلك، تشيرُ تقاريرُ إلى أن فريق ترامب الانتقالي يعملُ بالفعل على إصدار أوامر تنفيذية تتعلق بالانسحاب من اتفاقية باريس، وهو ما سيشكلُ ضربةً قويةً لجهود الأمم المتحدة في مجال البيئة، وفي ضوء هذه المعطيات، تصبح العواقبُ البيئيةُ لعودة ترامب إلى البيت الأبيض أكثر وضوحًا. سيظل المشهد العالمي معلقًا بين التوجهات المناهضة لتغير المناخ في الولايات المتحدة وضرورة اتخاذ إجراءاتٍ حاسمةٍ في مواجهة أزمة بيئية تزداد تعقيدًا يوما بعد يوم.
رابعًا: المُخرجاتُ المُرتقبة من COP29
تتزايدُ التوقعاتُ حول المخرجات المُحتملة لمؤتمر COP29 لهذا العام وذلك على النحو التالي:
1- اتفاقياتُ التمويل وما بعد 2025: من المتوقع أن يشهدَ مؤتمر COP29 هذا العام مفاوضاتٍ مكثفةً بشأن كيفية تحقيق الهدف التمويل العالمي الذي تم الاتفاق عليه في السابق، وهو تمويل قدره ١٠٠ مليار دولار سنويًا لدعم الدول النامية في مواجهة آثار تغير المناخ، ولكن مع اقتراب نهاية هذا الهدف في عام ٢٠٢٥، سوف يسعى المؤتمر إلى التوصلِ إلى صيغةٍ تمويليةٍ جديدة تعكس التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة وحاجة الدول المتأثرة بالمناخ إلى مزيدٍ من الدعم المالي، سيكون التوصل إلى هدفٍ تمويليٍ جديد ما بعد ٢٠٢٥ من القضايا الأساسية التي ستحدد نتائج مؤتمر COP29 خاصةً في ظل الضغوط على الدول المتقدمة لتعزيز التزاماتها المالية لمواجهة أزمة المناخ المتفاقمة.
2- التعهدُ العالميُ لتخزين الطاقة الخضراء: إحدى المبادرات الرئيسية التي سيقدمها المؤتمرُ هذا العام هي “التعهد العالمي لتخزين الطاقة الخضراء”، الذي يهدفُ إلى زيادة سعةِ تخزينِ الطاقة العالمية ستة أضعاف مقارنة بمستويات عام ٢٠٢٢، وبموجب هذا الاقتراح، الذي يعكس اتفاقًا تم التوصل إليه بين مجموعة السبع في أبريل الماضي، يستهدفُ الوصول إلى سعة تخزين للطاقة قدرها ١٥٠٠ جيجاوات بحلول عام ٢٠٣٠، مقارنة بحوالي ٢٣٠جيجاوات فقط في عام ٢٠٢٢ [16]، يُعد هذا الهدف خطوةً أساسيةً في تعزيز القدرة على تخزين الطاقة المتجددة، مما يسهمُ في تعزيز الاستدامة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة.
3- قضيةُ تمويلِ “الخسائر والأضرار”: من ناحيةٍ أخرى، تظلُ قضيةُ تمويل “الخسائر والأضرار” واحدةً من القضايا الأكثر إثارةً للجدل في سياق المناقشات المناخية، إذ ترفضُ الدول المتقدمة إدراج هذا التمويل في الاتفاقيات الجديدة، في حين يواصلُ نشطاءُ المناخ والدول النامية الضغطَ من أجل تحديد آليات تمويل أكثر وضوحًا لهذه الفئة المتضررة، وبالتالي، يُتوقعُ أن تكونَ هناك مفاوضاتٌ شاقةٌ في COP29 للتوصل إلى تفاهمات تضمنُ تخصيصَ الموارد المالية بشكل عادل لدعم الدول الأكثر تأثرًا بكوارث المناخ.
4- تعزيزُ تمويلِ التكيف مع تغير المناخ: على مستوى السياسات العالمية، يسعى المؤتمر أيضًا إلى تعزيز الأُطرِ المالية الجديدة لتمويل التكيف مع تغير المناخ، من خلال إنشاء آلياتٍ من شأنها أن تدعمَ المجتمعاتِ في التصدي لآثار الكوارث المناخية، حيث سيكون هناك تركيزٌ على تطوير آلياتٍ لضمان توزيعٍ عادلٍ للتمويل بين الدول المتأثرة، بما يتوافق مع التزامات اتفاقية باريس، وسيتم تحديدُ أهدافٍ جديدةٍ لعامي و٢٠٣٥، حيث يُنتظر أن تلتزم الدول بتعهدات جديدة لتحسين معدلات التكيف مع التغيرات المناخية، مما يساهم في تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.
5- تفعيلُ الأسواقِ الكربونية وفقًا للمادة ٦ من اتفاقية باريس: من المتوقعِ أن يشهدَ المؤتمر استكمالَ النقاشات المتعلقة بتفعيل المادة ٦ من اتفاقية باريس، التي تسمحُ بإنشاء أسواقٍ كربونيةٍ يتم من خلالها شراءُ وبيعُ حصص الكربون، هذه الآلية تساهم في تشجيع الدول على الوفاء بأهدافها المناخية من خلال الاستثمار في مشاريع خضراء تخففُ من الانبعاثات، كما يُتوقع أن تكون هذه الأسواق أحدَ الأدوات الفعالة في تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
6- تعزيزُ مشاركةِ القطاع الخاص في تمويل المناخ: وعلى صعيدٍ آخر، يمكن أن تشهدَ قمةُ COP29 إطلاق برامج جديدة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في تمويل المناخ. فالمؤتمر يوفرُ منصةً لتعزيز التعاون بين الحكومات والشركات الخاصة، في إطار العمل على تحفيز الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة. كما يمكن أن تكونَ هناك صفقاتٌ تجاريةٌ جديدةٌ تهدف إلى تطوير مشاريع بيئية مستدامة، مما يعزز من التزام القطاع الخاص بقضايا المناخ.
7- آفاقُ تنفيذِ توصيات اتفاقية باريس وتعزيز الالتزامات الدولية: يُتوقعُ أن يُسفرَ مؤتمر COP29 عن مجموعةٍ من الاتفاقيات التي تساهم في تسريع الجهود العالمية لتحقيق الأهداف المناخية التي تم تحديدها في اتفاقية باريس. ستشكلُ المخرجاتُ المعلنةُ من المؤتمر رسالةً قويةً للمجتمع الدولي بشأن التزامات الدول في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم، مما يساهم في تحقيق مستقبل أكثر استدامة.
ختامًا، في ظل تعقّدِ المشهد الجيوسياسي العالمي، يُواجه مؤتمر COP29 تحدياتٍ مُعقدةً خاصة بالتمويل المناخي نتيجة لتشابك الأزمات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى عودة ترامب إلى السلطة تهددُ بتراجع الالتزامات الأمريكية تجاه قضايا المناخ، في وقتٍ تُضعفُ فيه الصراعات الممتدة، مثل الحرب في غزة ولبنان والحرب الروسية الأوكرانية، قدرة المجتمع الدولي على تقديم تمويل كافٍ وعادل للدول النامية، هذه الصراعات لا تستنزفُ المواردَ فحسب، بل تُفاقمُ التدهورَ البيئيَ وتزيد انبعاثات الكربون، مما يعمق الأزمة المناخية العالمية، وعليه، فإن تجاوز هذه العقبات يتطلبُ إرادةً سياسيةً حاسمةً لإعادة هيكلة آليات التمويل الدولي، وضمان الالتزام الفعلي بالتعهدات المالية من الدول المتقدمة، وتحفيز استثمارات مبتكرة لتحقيق تحولٍ أخضر شامل، إن التصدي لتحديات المناخ لم يعدْ خيارًا، بل ضرورة وجودية تتطلب رؤية موحدة تتجاوزُ المصالح السياسية الضيقة لتحقيق العدالة المناخية.
المصادر:
[1] “كوب 29” ممتلئ بالوعود وترمب يقلقه، إندبندت عربية، تاريخ النشر: ٧ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/CVZZp
[2] «معلومات الوزراء»: البلدان النامية تحتاج 2.4 تريليون دولار استثمارا مناخيا سنويا، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تاريخ النشر: ١٠ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://idsc.gov.eg/News/details/18008
[3] موديز: الاستثمارات الحالية غير كافية لتحقيق الأهداف المناخية، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٣١ أكتوبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/mZyYw
[4] مئات المليارات مطلوبة لتمويل المناخ في قمة “كوب 29” في أذربيجان، العربية، تاريخ النشر: ٩ أكتوبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/bFkAj
[5] محيي الدين للعربية: الدول النامية تقترح حشد تمويل للمناخ بـ 1.1 تريليون دولار، العربية، تاريخ النشر: ١٢ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/qdanG
[6] هل بالفعل حققت الدول أهدافها المحددة لتمويل المناخ؟، العربية، تاريخ النشر: ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/awont
[7] هناك حاجة ماسة إلى دفعة كبيرة للتكيف مع تغير المناخ، بدءاً بالالتزام المالي في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تاريخ النشر: ١١ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://www.unep.org/ar/alakhbar-walqss/alnshrat-alshfyt/hnak-hajt-mast-aly-dft-kbyrt-lltkyf-m-tghyr-almnakh-bdaan
[8] ندى البدوي، أوقفوا وقود الإبادة”.. وقفة احتجاجية في COP 29 للمطالبة بحظر إمداد إسرائيل بالطاقة، المنصة، تاريخ النشر: ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://manassa.news/news/20589
[9] محمد أبو سريع، كوب 29.. إلى أي مدى تؤثر الصراعات الدولية في مواجهة التغيرات المناخية؟، القاهرة الإخبارية، تاريخ النشر: ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/SDGml
[10] المرجع السابق ذكره.
[11] حسام السيد، عودة ترامب وفك الارتباط الأمريكي مع المناخ.. تحد بارز على طاولة COP29 ، العين الإخبارية، تاريخ النشر: ١١ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://al-ain.com/article/return-trump-american-disengagement-climate-cop29
[12] تغير المناخ: الولايات المتحدة تنسحب رسميا من اتفاقية باريس، BBC News ، تاريخ النشر : ٤ نوفمبر ٢٠٢٠، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-54812933
[13] ترامب يستعد للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، القاهرة الإخبارية. تاريخ النشر: ٩ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/oMWVd
[14] هل تدعم سياسات ترامب الاقتصادية الأسواق؟، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٧ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/NEUjL
[15] مستند حقائق: قيادة الرئيس بايدن لمعالجة أزمة المناخ، سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر، تاريخ النشر: ٧ نوفمبر ٢٠٢٢، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/obkIg
[16] نغم عبدالخالق، مؤتمر المناخ «COP 29».. ماذا سيناقش هذا العام في أذربيجان؟، المصري اليوم، تاريخ النشر: ٨ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/3301887