إعداد: ميار هانى
المقدمة:
وسط محاولات لإعادة رسم خارطة نفوذ جديدة، أعلنت تنسيقية حركات أزواد استيلاءها على قاعدة عسكرية جديدة من الجيش المالى بمنطقة “تاوسا”، 5 أكتوبر الجارى، مما يجعل إجمالى عدد المعسكرات التى تمت السيطرة عليها خمس قواعد منذ بدء القتال فى أغسطس الماضى، ويأتى هذا الهجوم فى أعقاب سلسلة من الهجمات على مواقع عسكرية للجيش فى مناطق (بامبا – بوريم – ديورا – ليرى) فى شمال ووسط البلاد متسببة فى خسائر بشرية ومادية فادحة، وذلك جراء دخول القوات المالية العمق الأزوادى والسيطرة على قاعدة عسكرية تابعة للبعثة الأممية، إذ تسعى حركات أزواد جراء تلك الهجمات ليس للسيطرة على المعسكرات فحسب، بل بالبدء فى حرب استنزاف القوات المالية ومجموعة فاجنر الروسية وإخراجهم من الإقليم المتنازع عليه فى شمال البلاد.[i]
وتعد تنسيقية حركات أزواد تحالف لجماعات متمردة من الطوارق والعرب القوميين بشمال البلاد الذين طالما اشتكوا من التهميش والإهمال من قبل الحكومة المالية مطالبين بصلاحيات تقربهم من الاستقلال بحكم الإقليم الذين يطلقون عليه اسم أزواد، فى حين تصر الحكومة على وحدة أراضيها، وهو الأمر الذى أدى إلى اندلاع صراع مسلح بين حركة أزواد والحكومة المالية لسنوات عديدة انتهى بتوقيع اتفاق السلام والمصالحة بوساطة جزائرية عام 2015، والذى تعد أهم نصوصه الرئيسية هى “إعادة بناء الوحدة الوطنية للبلاد على قواعد تحترم وحدة أراضيها، وتأخذ فى الاعتبار تنوعها الإثنى”، كما نصت على “استعادة السلام فى مالى بشكل أساسى من خلال عملية اللا مركزية أو الإقليمية، وإعادة تشكيل جيش وطنى من أعضاء الجماعات المسلحة السابقة التى كانت موقعة”، بالإضافة إلى دعم الأقتصاد خاصة الشمال.[ii]
دلالات الـتـوقـيـت
- الفراغ الأمنى بفعل انسحاب قوة برخان الفرنسية ثم استعداد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام “مينوسما” بمغادرة البلاد واستبدالهم بمجموعة فاجنر الروسية، وهو ما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية فى المنطقة وتصاعد حدة العمليات الإرهابية بوتيرة ملحوظة فى الآونة الأخيرة، فخلال الشهرين الذين أعقبا انسحاب البعثة الأممية، قُتل ما يزيد على 650 شخصًا وذلك بزيادة تزيد على 40% عن الشهرين السابقين، وذلك وفقًا لمجموعة “موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث” ومقرها الولايات المتحدة.[iii] وعليه تم ترك قبائل الأزواد رهن العنف والإرهاب المتفشى فى المنطقة من قبل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة للقاعدة وتنظيم داعش الصحراء الكبرى.
- تأجيج التوترات القائمة بين حركة أزواد والحكومة المالية على إثر انتهاكات حقوق الإنسان فى إقليمهم من قبل مجموعة فاجنر الروسية وعناصر من الجيش المالى، إذ وجهت منظمات دولية ومحلية اتهامات لهم بارتكابهم جرائم قتل واعتقالات تعسفية ونهب وخطف ضد المدنيين فى إقليم أزواد، وبحسب ما رصدته منظمة “إيموهاغ” غير الحكومية المعنية بالعرقية الأزوادية؛ أن أعدمت مجموعة فاجنر، فى 14 سبتمبر 12 مدنيًا فى منطقة غوسى، كما قتلت الشيخ “محمد آغ إبراهيم” ومجموعة من تلاميذه فى 20 أغسطس، وقد ظهر ذلك خلال مقطع فيديو تم بثه على موقع مجموعة فاجنر الرسمى، فضلًا عن مقتل واختطاف 9 أشخاص فى 18 أغسطس، كما تم رصد قتل عناصر من الجيش المالى لأحد أعيان المدينة وهو “حدب آغ محمد” الأخ الأكبر “لباى أغ” الوزير الأسبق بحكومة “موسى تراورى” فى 29 مايو بمنطقة “ميناكا”، وأخيرًا تنفيذ اعتقالات تعسفية واسعة من قبل الجيش المالى وفاجنر فى مارس الماضى فى إقليم أزواد.[iv]
- المماطلة فى عدم تنفيذ بنود اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة بعد 8 سنوات من إبرامه، وذلك على الرغم من إجراء العديد من المفاوضات والاجتماعات بقيادة الوساطة الدولية من أجل سرعة تفعيل الاتفاقية، وبرر المجلس العسكرى هذا الأمر بوجود أولويات تتمثل فى مكافحة الجماعات الإرهابية، فيما عزت تقديرات أخرى إلى رفض السلطة الحاكمة تطبيق الحكم الذاتى لإقليم أزواد.
تـبـعات مُـحـتـمـلة
- مع تجدد الصراع بين تنسيقية حركات أزواد والقوات المالية، والتى تعد الأولى من نوعها منذ صراع عام 2012 للانفصال بالإقليم، فضلًا عن ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية مؤخرًا عقب استعداد البعثة الأممية للانسحاب؛ إذ تفرض جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة للقاعدة الحصار منذ ثلاث أشهر على ولاية تمبكتو، إذ أغلق المتطرفون جميع الطرق وأعاقوا وصول الإمدادات، الأمر الذى ينبئ بحدوث كارثة إنسانية فى حال استمراره لفترة أكبر، واستمرار داعش الصحراء الكبرى فى ارتكاب الجرائم فى منطقة “ميناكا” قرب حدود النيجر لفرض سيطرته على الأراضى التى يزاحمه فيها منافسه القاعدة.[v]
وبالتالى تواجه مالى حربًا متعددة الجبهات، من التنظيمات المسلحة من ناحية، وتنسيقية حركات أزواد من الناحية الأخرى، فمع ارتفاع وتيرة العنف ورفض المجلس العسكرى دعم الأمم المتحدة والقوات الفرنسية والاستعانة بقوات فاجنر، يهدد ذلك بزيادة عدم الاستقرار وتفاقم الوضع الأمنى والإنسانى، إلى جانب أنه من المرجح أن تشتد العمليات الإرهابية ويتمدد الإرهابيين فى المنطقة مستفيدين من زيادة تفاقم الوضع الأمنى لانشغال الحكومة المالية بالحرب مع أزواد.
- مع اشتداد حدة الصراع يحتمل أن تستعين تنسيقية حركات أزواد بالطوارق فى باقى أنحاء الإقليم من أجل الانضمام للصفوف، إلى جانب السعى فى تجنيد عناصر أخرى، وهو الأمر الذى أقدمت عليه الحكومة المالية بعزمها تعبئة المزيد من قدراتها العسكرية من خلال إنشاء قوات احتياط لضم جميع المواطنين البالغة أعمارهم 18 عامًا على الأقل للقتال إلى جانب القوات المالية[vi]، فضلًا عن إمكانية استعانة مالى بقوات النيجر وبوركينا فاسو فى الصراع نتيجة لاتفاقية الدفاع العسكرى المشتركة بينهم، والتى تنص على “أى اعتداء على سيادة وسلامة أراضى طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة يعتبر اعتداء على الأطراف الأخرى ويستلزم واجب المساعدة والإغاثة من جميع الأطراف، منفردين أو مجتمعين”[vii]. مما يهدد باتساع الصراع لانخراط أطراف عديدة وطول أمده.
- يهدد العنف بزيادة عدم الاستقرار فى منطقة الساحل بغرب إفريقيا وهى منطقة شهدت انقلابين عسكريين فى بوركينا فاسو ثم النيجر المجاورتين، فكما شهدت بوركينا فاسو عقب الانقلاب وانسحاب القوات الفرنسية تغلغل للجماعات الإرهابية لتنظيم داعش الصحراء وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، على ذات النهج فمن المرجح أن يبدأ التنظيمان فى اختبار النيجر بعد الانقلاب.
الخاتمة:
تأخذ التطورات فى مالى منعطفات ومنحنيات خطيرة، إذ يخيم على المشهد وضع أمنى محفوف بالمخاطر وتفاقم للوضع الإنسانى نتيجة لاشتعال صراع متعدد الجبهات بين الحركات الأزوادية من جهة، والتنظيمات المسلحة من جهة أخرى، ضد القوات المالية ومجموعة فاجنر الروسية، فمن المتوقع اتساع الصراع ما لم تتم تحركات إقليمية ودولية سريعة وجادة لاحتواء الأزمة ومنع حدوث سيناريوهات كارثية.
المصادر:
[i] سكاى نيوز عربية، “الطوارق فى شمال مالى يسيطرون على خامس معسكر للجيش”، 5 أكتوبر 2023
[ii] تقارير الشرق، تعرف على أهم بنود اتفاق السلم والمصالحة فى مالي، 29 أغسطس 2023
[iii] Mcallister, Edward. “Mali in Meltdown as Militants Advance and U.N. Withdraws.” Reuters, October 3, 2023. https://www.reuters.com/world/africa/mali-meltdown-militants-advance-un-withdraws-2023-10-03/ .
[iv] سكاى نيوز عربية، “اتهامات لفاغنر وجيش مالى بجرائم حرب فى أزواد.. وباماكو ترد”، 23 سبتمبر 2023
[v]عمر الأنصارى، “أزمة مالي.. تفاصيل صراع يهدد دول الساحل بالخطر”، 21 أغسطس 2023
“[vi]عمر الأنصارى، “لردع جيش أزواد.. تحرك فى مالى لإنشاء “قوات احتياط”، 14 سبتمبر 2023
[vii]سكاى نيوز عربية، ” مالى وبوركينا فاسو والنيجر تعلن تأسيس تحالف للدفاع المشترك”، 17 سبتمبر 2023