المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > ماذا بعد فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان برئاسة إيران؟
ماذا بعد فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان برئاسة إيران؟
- يوليو 7, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء عبد الحميد
بعدما فشل مرشحو الرئاسة الإيرانية في حسْم النتيجة بالجولة الأولى، جاءت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، في الخامس من يوليو الجاري؛ لتحدد هوية الرئيس الجديد لطهران، والذي ينتظره الكثير من التحديات والملفات الشائكة سواء في الداخل أو الخارج.
وقد تنافس في الجولة الثانية كُلٌّ من المحافظ سعيد جليلي والإصلاحي مسعود بزشكيان، لخلافة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وانتهت الجولة بفوز بزشكيان برئاسة إيران، بعدما حصل على 16 مليونًا و384 ألفًا و403 صوتًا، متفوقًا على جليلي الذي حصد 13 مليونًا و538 ألفًا و179 صوتًا فقط، وذلك بنسبة مشاركة بلغت 49.8%[1].
أولًا: قراءة في دلالات نتائج الانتخابات
حمل المشهد الانتخابي في إيران، العديد من الدلالات التي تتضح من سيْر العملية الانتخابية ونتائجها، ومن هذه الدلالات[2]:
1- تآكل شرعية النظام الإيراني؛ يبدو من نِسَبِ مشاركة الإيرانيين في جولتيْ الانتخابات الرائسية وقبْلها الانتخابات البرلمانية التي أُبرمت في مارس الماضي، أن شرعية النظام الإيراني والتي كان يستدلها النظام من حجم المشاركة في الانتخابات، تستمر في التآكل والتراجع في السنوات الأخيرة.
حيث شهدت الجولة الأولى مشاركة ما يقرب من 40% فقط من الشعب الإيراني، بينما أحجم 60% عن التصويت والمشاركة؛ ما يمثل أدنى نسبة مشاركة في سباق رئاسي منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، فيما شهدت الجولة الثانية ارتفاعًا إلى ما يقرب من 50%، ولكن هذا بعدما اضطرت طهران تمديد فترة الانتخاب ثلاث مرات، بإجمالي ست ساعات، فقد انتهى التصويت في منتصف الليل، بعدما كان مقررًا انتهاؤه في الساعة السادسة مساءًا، كما أنه حتى بعد ارتفاع نِسَبِ المشاركة، فإنها لا تزال أقل من مثيلتها في الرئاسيات السابقة.
وقد أقرَّ المرشد الأعلى علي خامنئي، يوم 3 يوليو الجاري، بهذا الأمر، مُصرِّحًا بأن “نسبة الإقبال جاءت أقل من المتوقع”، مؤكدًا “من الخطأ تمامًا الاعتقاد بأن أولئك الذين لم يصوتوا في الجولة الأولى هم ضد نظام الحكم الإسلامي“.
2- فقدان الثقة في جدية العملية الانتخابية؛ إذ يرجع انخفاض المشاركة في الانتخابات الإيرانية إلى اعتقاد الغالبية العظمى من الإيرانيين، بأن السلطة الحقيقية تكمن في يد المرشد، وأن الرئيس مُجرَّد مُنفِّذ للسياسات التي يقرها ويضعها خامنئي والمؤسسات الخاضعة له، ومن ثمَّ غالبية الإيرانيين ليس لديهم ثقة كبيرة في النظام الحاكم، ويعتبرون الانتخابات شأنًا زائفًا، ولذلك دعت شخصيات معارضة داخل إيران إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرةً أن المعسكريْن المحافظ والإصلاحي وجهان لعملة واحدة.
3- انقسام في التيار الأصولي يقابله توحُّد بالتيار الإصلاحي؛ حيث لم يتفق المحافظون على شخص واحد لترشيحه، كما سبق وفعلوا مع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وتمسك كُلٌّ من سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف، بخوض السباق الانتخابي، ولم ينسحب أيٌّ منهما لصالح الآخر؛ ما أدَّى إلى تفتيت أصوات المحافظين.
وقد سبق وأن انعكس هذا الانقسام الذي بات واضحًا داخل التيار المحافظ، في الجدل الذي صار بشأن اختيار رئيس البرلمان الإيراني، عقب انتخابات مارس 2024؛ حيث تنازع جناح الأصوليين التقليديين والجناح اليميني المتشدد، والذي تمثله ما تُسمى بـ”جبهة بايداري” أو “جبهة الصمود”.
ولم يتوقف الانقسام عند هذا الحد، بل وصل إلى أن المحافظين الذين دعموا قاليباف في الجولة الأولى، قد حولوا دعمهم إلى الإصلاحي مسعود بزشكيان على حساب المحافظ سعيد جليلي، فمثلًا سردار محسن رشيد، وهو محافظ ومن أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني وعضو بارز فيه، أعلن دعمه لبزشكيان، وكذلك أعلن الناشط السياسي المحافظ عبد الرضا داوري، أحد أهم الداعمين للمرشح قاليباف، عن تشكيله حملة “تيار الثورة.. داعمو بزشكيان”، ودعا أنصار قاليباف إلى الانضمام إليه.
وفي مقابل ذلك؛ كانت جبهة التيار الإصلاحي موحدة لدعم بزشكيان؛ إذ أبدى كُلٌّ من وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، والرئيس الأسبق محمد خاتمي، وكذلك جبهة الإصلاح، والرئيس الأسبق حسن روحاني، دعمهم إلى بزشكيان، وهو ما عزَّز فُرَص نجاحه أمام المحافظين المنقسمين.
4- استقطاب سياسي كبير بالبلاد؛ حيث إن الذهاب إلى جولة إعادة والتي تحدث للمرة الثانية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، إلى جانب الفارق الضئيل بين النِّسَبِ التي حصل عليها كِلَا المرشحين، يُعبِّران عن حالة الاستقطاب السياسي الكبير التي تشهدها إيران في الوقت الراهن.
ثانيًا: انعكاسات تولِّي بزشكيان على المستوى الداخلي[3]
تعهَّد مسعود بزشكيان خلال فترته الانتخابية باتباع نهْج مختلف، منتقدًا تصرُّفات شرطة الأخلاق التي تفرض قواعد صارمة على النساء، مؤكدًا على تعاطيه الإيجابي مع قضايا المرأة ولعبها أدوارًا نشطة ومتساوية في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحرية الوصول إلى الإنترنت وحقوق القوميات الدستورية والحريات السياسية والاجتماعية، إلى جانب التعهُّد بتحسين الظروف التعليمية وزيادة جودة المدارس والجامعات.
ولكن تعهُّدات بزشكيان قد تواجه تحديات عدة؛ من بينها: مخالفة توجهاته لبعض المبادئ المتشددة للنظام، مثل مسألة إلزامية الحجاب، سيطرة المحافظين على دوائر صنع القرار الإيراني، ووجود برلمان تسيطر عليه أغلبية متشددة من الأصوليين.
ولذلك يبدو أن قدرة بزشكيان على تنفيذ وعوده الانتخابية، هي قدرة مقيدة؛ نظرًا لمحدودية سلطته أمام السلطات الواسعة التي يتمتع بها المرشد المتشدد علي خامنئي، وهو ما يدركه بزشكيان نفسه، ولذلك أراد استمالة المرشد، مؤكدًا أكثر من مرة على أن خامنئي هو الفاصل النهائي في جميع شؤون الدولة، وأن من واجب الحكومة التحرُّك في الاتجاه نفسه.
أما فيما يخُصُّ ملف خلافة المرشد؛ فإنه قد يكون الملف الأكثر حساسية الآن بالنسبة للنظام الإيراني ومرشده الأعلى؛ لأن حتى إن لم يكن للرئيس تأثير يُذكر على سياسات الجمهورية الإسلامية، إلا أنه سيشارك في عملية اختيار من سيخْلُفُ علي خامنئي، وهو أمر لم يكن يتمناه المرشد الإيراني والذي كان يفضل أن يكون هناك رئيس متشدد في السلطة؛ حتى تتم عملية الاختيار بشكلٍ أسهل، وحتى يكون الرئيس والمرشد من التيار نفسه، بحيث لا يكون هناك أيّ اختلافات في وجهات النظر، كما كان الوضع في عهد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، والذي يُتوقع أن يخطو مسعود بزشكيان خطاه نفسها.
ثالثًا: انعكاسات تولي بزشكيان على المستوى الخارجي[4]
يتولى مسعود بزشكيان الحُكْم في إيران بتوقيتٍ حَرِجٍ؛ وخاصةً على الصعيد الخارجي؛ حيث تتزامن الانتخابات مع تصاعد الضغوط الغربية على طهران؛ بسبب برنامجها النووي الذي يشهد تقدُّمًا سريعًا؛ وتصاعد التوتر الإقليمي؛ بسبب الحرب بين إسرائيل وأذرع إيران في المنطقة، على خلفية الحرب في قطاع غزة.
وفي هذا الشأن؛ تقترب سياسات بزشكيان من سياسات روحاني؛ إذ تعهَّد بخفض التوترات الدولية واستعادة الدبلوماسية النشطة والمشاركة البناءة مع العالم، وذلك من خلال أمريْن؛ الانفتاح على الغرب، والعودة إلى مجموعة العمل المالي”FATF“؛ لما في ذلك من تأثير إيجابي على اقتصاد البلاد؛ حيث:
فيما يخُصُّ علاقات إيران مع الغرب؛ صرَّح بزشكيان بعد فوْزه بالرئاسة، بأن “إيران ستمد يد الصداقة للجميع، ولن تكون مناهضة للغرب ولا الشرق”، داعيًا إلى إقامة علاقات بنَّاءة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ من أجل إخراج إيران من عُزْلتها، وبالتالي قد تشهد العلاقات بين الجانبيْن نوعًا من التهدئة.
فيما يخُصُّ الاتفاق النووي؛ قد يساعد تولِّي بزشكيان في تعزيز سياسة خارجية عملية، تقوم على تخفيف التوتُّر بشأن المفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء اتفاق عام 2015 النووي؛ من أجل رفع العقوبات المفروضة على طهران.
فيما يخُصُّ التوجُّهات نحو القضية الفلسطينية؛ فهي لا تختلف في التياريْن الإصلاحي والمحافظ من حيث مركزيتها، فلا تغيير متوقع في هذا الشأن، وإنما يبقى الاختلاف في الأسلوب؛ إذ من المتوقع تبنِّي بزشكيان نهْجًا أقل حِدَّة، يميل إلى الدبلوماسية.
فيما يخُصُّ علاقات طهران مع الشرق والجوار العربي؛ يبدو أن بزشكيان سوف يكمل نهْج حسن الجوار الذي تبنَّاه رئيسي تجاه الدول العربية، وهذا ما يتضح من التهنئة التي قدمتها القيادة السعودية سريعًا إليه بعد إعلان فوزه برئاسة إيران، أمَّا بخصوص سياسة التوجُّه شرقًا التي اتبعتها طهران، فلا مساس بها ويُتوقع أن تستمر، وهذا ينعكس في تصريح الرئيس الصيني شي جينبينغ بـ”استعداده للعمل مع الرئيس الإيراني الجديد لقيادة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران نحو تقدُّم أعمق”، والتصريحات المماثلة التي أكَّد عليها كُلٌّ من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف.
فيما يخُصُّ العلاقات مع إسرائيل ودعم مختلف الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط؛ فلا يُتوقع أن يكون هناك تغييرٌ في تلك السياسات؛ نظرًا لأنها تقع ضمن الاختصاص الأصيل للمرشد علي خامنئي.