المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > ماذا يعني سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت والمهرة؟
ماذا يعني سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت والمهرة؟
- ديسمبر 10, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا دومه
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
شهدتْ محافظتا حضرموت والمهرة شرقي اليمن مساء 8 ديسمبر 2025 تحولًا ميدانيًا مفاجئًا تجلّى في سيطرةٍ سريعةٍ ومنظّمةٍ لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي على معسكرات ومقار حكومية ومنشآتٍ نفطيةٍ حيوية، في عملية وُصفت بأنها واحدةٌ من أسرع “السقوطات” الأمنية في تاريخ اليمن المعاصر، بعد انسحاب القوات الحكومية الذي ترك خلفه مخزونًا هائلًا من العتاد العسكري، في سياق أزمةٍ متجذّرةٍ تعكس الصراع المستمر على السلطة بين الحكومة المركزية ومكوناتٍ جنوبيةٍ تسعى لترسيخ نفوذها الإقليمي؛ وعزّزت في الوقت نفسه “قوات النخبة الحضرمية” الموالية للانتقالي إحكام السيطرة على المطارات والمعسكرات في وادي وصحراء حضرموت، مع الاستحواذ على حقول النفط ونقاطها الاستراتيجية في منطقة المسيلة، ليُتوج هذا التحولُ الجغرافي والسياسي بانضمام محور الغيضة العسكري في المهرة رسميًا للمجلس الانتقالي وتسليم جميع المقار العسكرية والأمنية في عملية أطلق عليها المجلس الانتقالي الجنوبي اسم ” المستقبل الواعد”، ما يعكس إعادة رسْمٍ حقيقيةٍ لموازين القوى المحلية بل والإقليمية ويفتح فصلاً جديدًا في ديناميكيات الصراع وتوزيع النفوذ في شرق اليمن.
أولًا: سياق عملية “المستقبل الواعد” وردود الفعل عليها
بدأت عملية “المستقبل الواعد” بالتحديد في 3 ديسمبر 2025 كتحولٍ مفصليٍ في مسار الصراع اليمني، إذ مثّلت أكبر توسع ميداني للمجلس الانتقالي الجنوبي منذ تأسيسه. اتسمت العملية بطابع “السيطرة الخاطفة” عبر تقدّمٍ منظّمٍ نحو مراكز القرار في وادي حضرموت والمهرة[1]، وذلك على النحو الآتي:
1- التحشيد العسكري والسياسي المُسبق: بدأ المجلس الانتقالي بتجميع قواتٍ كبيرةٍ من المحافظات الخاضعة لسيطرته: عدن، أبين، شبوة، لحج، الضالع، إضافةً إلى تعزيزات من “النخبة الحضرمية”، هذا التحشيد أعطى إشاراتٍ مبكرةً بأن المجلس يستعد لعملية موسّعةٍ تتجاوز مجرد كونها انتشاراً تكتيكياً، تزامن هذا التحشيد مع عرضٍ عسكريٍ ضخمٍ في عدن في 30 نوفمبر الماضي، بحضور وزراء من الحكومة الشرعية نفسها، في اليوم ذاته دعا الانتقالي إلى حشد جماهيري واسع في سيئون بهدف إظهار دعم شعبي لخيار الدولة الجنوبية. تعامل الانتقالي مع الحشد باعتباره استفتاءً رمزياً على الانفصال، ومقدّمةً شرعيةً لعملية “المستقبل الواعد”.
2- المرحلة الأولى – السيطرة على وادي حضرموت: في فجر 3 ديسمبر 2025 بدأت قوات الانتقالي دخول مدينة سيئون، عاصمة وادي حضرموت، مدعومة بوحداتٍ من المحافظات الجنوبية الأخرى. وتمكّنت القوات خلال ساعاتٍ قليلةٍ من السيطرة على مواقع استراتيجية، أبرزها مطار سيئون الدولي، مقار الأمن، قاعدة المنطقة العسكرية الأولى، والقصر الرئاسي في الوادي. وتميز هذا التقدم بالسرعة وغياب مقاومةٍ فعليةٍ من القوات الحكومية، إذ انسحبت معظم الوحدات دون مواجهاتٍ كبيرةٍ، مما جعل العملية أقرب إلى تنفيذ مخطط منظم للسيطرة الخاطفة على المراكز الحيوية.
3- المرحلة الثانية – التوسع نحو محافظة المهرة: بعد سيطرة الانتقالي على حضرموت، اتجهت قواته نحو محافظة المهرة، الحدودية مع سلطنة عُمان، حيث جرى التنسيقُ مع القوات المحلية هناك. وقد استُلمت المحافظة سلمياً، وتم استبدال علم الجمهورية اليمنية بعلم دولة الجنوب السابقة على المباني الحكومية والمعابر الحدودية، في خطوةٍ رمزيةٍ تعكس رغبة الانتقالي في توسيع نفوذه وإعادة فرض وجوده في المناطق الشرقية للجنوب. وبذلك اكتملت السيطرة على المحافظتين في أقل من يومين، وهو ما يعكسُ دقة التخطيط المسبق وطبيعة السيطرة شبه السلمية.
4- السيطرة على الموارد والنقاط الاستراتيجية: لم تقتصرْ العملية على السيطرة العسكرية، بل شملت الهيمنة على الثروات الطبيعية والمرافق الحيوية، بما في ذلك حقول النفط في هضبة حضرموت ومنطقة المسيلة النفطية، والموانئ مثل الضبة والمكلا. هذه السيطرةُ منحت المجلس الانتقالي نفوذاً اقتصادياً كبيراً وقدرةً على استدامة دعمه المالي والسياسي داخلياً، إضافةً إلى السيطرة على طرق التصدير والمحافظة على أمن المنشآت النفطية الحيوية.
5- ديناميكية “الاستلام والتسليم”: تميزت العملية بطابع “الاستلام والتسليم”، حيث ظهر ذلك في صورة انسحابٍ منظّم لقوات تابعة للحكومة الشرعية، وتسليم مواقعها لقوات الانتقالي، بالإضافة إلى أن قوات درع الوطن أخلت مواقعها وسلمتها لقوات الانتقالي في المهرة وحضرموت [2]، كما أظهر محور الغيضة العسكري في المهرة انضمامه رسمياً، مما ساهم في إتمام السيطرة السريعة على المحافظة، وبناء عليه، أعلن المجلس في 8 ديسمبر 2025سيطرته على كامل محافظة حضرموت، وامتداد نفوذه إلى المهرة.[3]
جاءت ردود الفعل المحلية الرسمية وغير الرسمية حول عملية مجلس الانتقالي الجنوبي حاسمة ومتنوعة من خلال ما يلي:
رشاد العليمي- رئيس مجلس القيادة الرئاسي: أكد في حديثه رفضَه القاطع لهذا الإجراء حيث قال “الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثّل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني والعسكري، وتقويضا لسلطة الحكومة الشرعية”.[4]
عبد العزيز جباري – نائب رئيس مجلس النواب اليمني: “ما حدثَ في حضرموت من اجتياحٍ عسكريٍ وتهجير مواطنين، وإسقاط المعسكرات التابعة للحكومة الشرعية، يمثّل تهديدًا لوحدة اليمن وسلامة أراضيه، ويُنذرُ بتشرذمٍ وصراع على النفوذ والموارد”.
عادل الشجاع- قيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام : “ما جرى في حضرموت والمهرة تفكيك لما تبقى من رمزية الدولة باليمن، حيث إن سيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت الإستراتيجية تعيد رسْمَ خريطة النفوذ في البلاد”.[5]
على الجانب الآخر، جاء البيان الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي ليؤكد أن “حضرموت كانت وستظل ركناً أساسياً في مشروع الدولة الجنوبية، ولن نسمح أن تبقى رهينةً لمشاريع الإرهاب أو الهيمنة أو التهريب، الأمن سيعود والوادي ماضٍ نحو عهد جديد من الطمأنينة والاستقرار والتنمية”.[6]
يجدر بالذكر أنه لم يوجد ردُّ فِعلٍ من الأطراف الإقليمية خاصةً الفاعلة في هذا الملف، بالإضافة إلى أنه دوليًا فإنه ما زال يتمسك بمرجعيات المرحلة الانتقالية وبدعم الحل السياسي الشامل. لا يوجد حتى الآن توجّهٌ دوليٌ صريحٌ يدعم الانفصال بشكلٍ مباشرٍ، خوفاً من تمدد النزعات الانفصالية إقليمياً.