في ظل احتمالية وقوع هجوم إسرائيلي على إيران، وفي سياق التعاون الوثيق والتفاهمات المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن وزارة الدفاع (بنتاجون) أعلنت، الأحد 13 أكتوبر ، إرسال إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية “ثاد” إلى إسرائيل ، جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية اللازمة لتشغيله، وذلك في تحرُّك تعزيز قدرات إسرائيل في مواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية؛ ما يعيد إلى الأذهان نشْر صواريخ باتريوت في إسرائيل عام 1991؛ للتصدِّي للهجمات الصاروخية العراقية.
وقالت الصحيفة – في تعليق أوردته على أحدث التطورات في المنطقة- إن نشر نظام “ثاد” -وهو نظام اعتراض أرضي مصمم لإسقاط الصواريخ الباليستية- يأتى في الوقت الذى يُجري فيه مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون محادثات، بشأن ضربة إسرائيلية مخطط لها على إيران، وحثّ المسؤولون الأمريكيون حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على عدم استهداف منشآت النفط والمواقع النووية الإيرانية.
وكان البنتاغون، أعلن، الثلاثاء 15 أكتوبر، أن أجزاء من تلك المنظومة المتقدمة المضادة للصواريخ بدأت في الوصول، مضيفًا أنها ستكون جاهزةً للعمل بكامل طاقتها في المستقبل القريب، كما أضاف المتحدث باسم البنتاغون الميجور جنرال بات رايدر: “خلال الأيام المقبلة سيستمر وصول المزيد من أفراد الجيش الأمريكي وأجزاء من بطارية ثاد”، وفْق ما نقلت رويترز.
في حين قلَّلت إيران من أهمية الأمر؛ حيث اعتبر وزير دفاعها العميد، أمير نصير زاده، أن نشْر تلك المنظومة الدفاعية يأتي في إطار “الحرب النفسية”، فهذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها الولايات المتحدة نظام “ثاد” في الشرق الأوسط؛ حيث تمَّ نشره في إسرائيل عام 2019، خلال تمارين مشتركة، ومع ذلك، فإن الظروف والتوقيت هذه المرة يختلفان تمامًا؛ حيث تتزايد التوقُّعات حول ردِّ إسرائيل المحتمل على الهجوم الصاروخي الإيراني؛ ما قد يدفع طهران إلى تصعيد الموقف وشنّ هجوم أقوى، هذا التطور يفرض ضغوطًا إضافيةً على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
رغم اعتماد إسرائيل الكبير على الولايات المتحدة في مجال التسليح وتزويد مخزونها الدفاعي، لا سيما في نظام “القبة الحديدية”، فيبدو أن الهجمات الصاروخية الإيرانية، التي جاءت ردًّا على استهداف القنصلية الإسرائيلية، في سوريا، في 14 أبريل، وكذلك الردّ على اغتيال قادة، مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية، في الأول من أكتوبر، كشفت عن نقاط ضعْفٍ في قدرة إسرائيل على مواجهة الصواريخ المتطورة، خاصَّةً الباليستية، وقد دفع هذا الوضع الولايات المتحدة إلى تقديم الدعم المباشر لإسرائيل للتعامُل مع هذه التهديدات؛ لذا فإن إرسال منظومة الدفاع الجوي “ثاد” الأمريكية إلى إسرائيل، يدفع للتساؤل فيما لو كانت تأتي هذه الخطوة في خضم دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية أم تحسُّبًا لأي تطور عسكري مع إيران؟
ماهي مميزات منظومة ” ثاد “ ؟
تعتبر منظومة ثاد THAAD” “، وهي اختصار لعبارة “Terminal High Altitude Area Defense”، واحدةً من أبرز أنظمة الدفاع الصاروخي التي طوَّرتها الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الباليستية، ويُعدُّ ثاد مُكمِّلًا لمنظومة باتريوت الدفاعية، إلَّا أنه قادر على الدفاع عن منطقة أكبر؛ حيث صمّم هذا النظام الدفاعي المتقدم خِصِّيصًا لاعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة المدى (حتى 1000 كم) والمتوسطة (1000-3000 كم) والبعيدة المدى (3000-5000 كم) داخل الغلاف الجوي وخارجه.[1]
يُمثِّلُ “ثاد” جزءًا من إستراتيجية الدفاع متعددة الطبقات التي تعتمدها الولايات المتحدة، ويأتي من تطوير شركة ( لوكهيد مارتن ) لصالح الجيش الأمريكي؛ حيث بدأت أُولى خطوات تطوير هذه المنظومة في أواخر الثمانينيات، وتمَّ اختبارُها على مدار سنوات طويلة، حتى نجاحها في التصدِّي لصواريخ اختبارية عام 1999، ليتم نشْرها على نطاق أوسع، بدءًا من عام 2012، في مواقع مختلفة حول العالم.[2]
وتتكون كل بطارية “ثاد” من أجزاء رئيسية، وهي: قاذفات متحركة يمكن نقلها بسهولة، وصواريخ اعتراضية تعمل دون رؤوس متفجرة، وتعتمد على الاصطدام المباشر لتدمير الهدف باستخدام الطاقة الحركية، ورادار متطور للكشف عن الصواريخ وتعقبها بدقة، بالإضافة إلى وحدة تحكُّم لتنظيم عملية إطلاق الصواريخ الاعتراضية.
يعتمد نظام بطارية “ثاد” على تقنية “Hit-to-Kill” التي تتيح تدمير الصواريخ، من خلال الاصطدام المباشر ؛ لتقليل الأضرار الجانبية، وعلى الرغم من فعاليته في اعتراض صواريخ سكود وما يشابهها، إلَّا أن النظام لا يمتلك القدرة على التعامُل مع الصواريخ العابرة للقارات.
كما يستخدم نظام “ثاد” رادار المراقبة الراداري القابل للنقل التابع “AN/TPY-2” ؛ لاكتشاف وتتبُّع الصواريخ المعادية على مسافة تتراوح بين 870 إلى 3000 كيلومترًا، ويمكن نشْر هذا الرادار في وضعيْن: الأمامي؛ حيث يكتشف الصواريخ في مرحلة الصعود للإشارة إلى عناصر “BMDS” الأخرى، والوضع الطرفي؛ حيث يوفر بيانات التتبُّع للاشتباكات الطرفية[3].
ويتضمن “AN/TPY-2” أربعة أنظمة فرعية رئيسية، هي الهوائي الرئيسي، أو وحدة مُعدَّات الهوائي، ووحدة المعدات الإلكترونية، ووحدة معدات التبريد، ووحدة الطاقة الأساسية، وتستخدم هذه الرادارات البحرية الأمريكية.
ويمتاز رادار” ثاد” بقدرته على رصْد التهديدات على مسافات تتجاوز 2000 كيلومترًا، ويوفر تحذيرات مبكرة قبْل وصول الصواريخ بفترة تتراوح بين 13 و15 دقيقة، ويُمكّن الرادار من تتبُّع الأهداف على بُعْدٍ يصل إلى 1000 كيلومترًا، وإطلاق الصواريخ الاعتراضية لمسافة تصل إلى 200 كيلومترًا، وارتفاع يبلغ 150 كيلومترًا .[4]
ومؤخرًا، وفْقًا لموقع الدفاع العربي، تمَّ نشْر منظومة THAAD في مواقع إستراتيجية، مثل جزيرة غوام في المحيط الهادئ لحماية القوات الأمريكية، عن طريق التصدِّي لخطر الهجمات الصاروخية الباليستية، بشكلٍ أساسيٍّ من الصين.[5]
كما شملت صفقات عسكرية، في العام 2022، نشْر بطاريتيْن من النظام في كُلٍّ من السعودية والإمارات، وقد أثبتت المنظومة فعاليتها في اعتراض صواريخ، خلال هجوم على الإمارات، عام 2022؛ حيث تم التصدِّي لصاروخ أطلق من جماعة الحوثي في اليمن.
دلالات إرسال منظومة ثاد إلى إسرائيل
في ظل احتمالية الردِّ الإسرائيلي المرتقب على إيران في أيِّ لحظة، يُوجد عددٌ من الدلالات التي يمكن استنباطها من نشْر منظومة “ثاد” وهي كالآتي:
بالنسبة لإسرائيل:
يهدف نشر “ثاد” إلى توفير طبقة حماية إضافية لإسرائيل، خاصَّةً في حال قررت تل أبيب شنّ ضربة ضد طهران؛ حيث تأتي هذه الخطوة في سياق تعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية للتصدِّي للصواريخ الباليستية التي قد تستخدمها إيران للردِّ على أيِّ تصعيد.
وبالحديث عن دفاعات إسرائيل، يمتلك الجيش الإسرائيلي شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات؛ حيث يتخصص كُلُّ نظام في التصدي لتهديدات معينة ضمن نطاقات وارتفاعات مختلفة، على سبيل المثال، نظام “القبة الحديدية” مخصص لاعتراض التهديدات قصيرة المدى، مثل الصواريخ وقذائف المدفعية والهاون، ويغطي مسافات تتراوح بين 4 إلى 70 كيلومترًا.
بعد ذلك، يأتي نظام “مقلاع داوود” المخصص لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى والصواريخ ذات العيار الكبير، ويغطي نطاقات تصل إلى 300 كيلومترًا، وأخيرًا، هناك منظومة “سهم” أو “أرو”، وتشمل “أرو 2” لاعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى خارج الغلاف الجوي، ونسختها الأحدث “أرو 3” التي تستطيع التصدِّي للصواريخ على ارتفاعات أكبر ونطاقات أطول؛ ما يجعلها ملائمةً لاعتراض الصواريخ العابرة للقارات.[6]
بالمثل، يتميز نظام “ثاد” بقدرته على اعتراض الصواريخ الباليستية على مدى وارتفاع يفوق قدرة “مقلاع داوود”، ويتداخل مع عمل منظومة “أرو”؛ ما يعني أن استخدامه يهدف إلى توسيع نطاق الحماية ليشمل مساحات أوسع، يأتي ذلك في ظل تزايد القلق من تطوُّر الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي أظهرت قدرةً مفاجئةً على تجاوز الدفاعات الإسرائيلية وضرْب أهدافها بدقة في بعض الحالات.
بالنسبة للولايات المتحدة:
أمَّا من جهة واشنطن، فقد أظهرت البيانات، أن نظام صواريخ SM-3 التابع للأسطول السادس في البحر المتوسط، لم يستطع اعتراض عدد كافٍ من الصواريخ الباليستية خلال الرَّدِّ الإيراني الأخير؛ ما يبرز تحديات التعامل مع كثافة الصواريخ، إضافةً إلى ذلك، تتجه الولايات المتحدة نحو تقليل الاعتماد على الأسلحة المكلفة، مع الحفاظ على مستوى معين من الدعم العسكري والأمني لإسرائيل، هذا الاتجاه يعود جزئيًّا إلى الحاجة لتفادي استنزاف مخزون الأسطول السادس من الصواريخ الاعتراضية؛ بسبب هجمات سابقة، في أبريل وأكتوبر، ومع أن تكلفة صواريخ ثاد لا تختلف كثيرًا عن SM-3، فإن الجيش الأمريكي يملك سبع بطاريات صواريخ ثاد، يمكنه نقْل إحداها إلى إسرائيل، دون التأثير على الدفاعات في منطقة الناتو.[7]
في الختام:
إن إرسال منظومة ثاد الدفاعية إلى إسرائيل يأتي برسالتيْن موجهتيْن إلى كُلٍّ من إسرائيل وإيران؛ فبالرغم من وجود اتفاق «إسرائيلي – أمريكي» على أن يكون هناك ردٌّ للضربات الإيرانية الأخيرة، إلَّا أن الولايات المتحدة تُفضِّلُ أن يكون الرَّدُّ الإسرائيلي محدودًا؛ لذا يمكن القول: بأن إرسال ثاد هو جزءٌ من الجهود الأمريكية لردْع إسرائيل عن تصعيد الصراع مع إيران، خاصَّةً فيما يتعلق باستهداف المنشآت النووية الإيرانية؛ إذ يسعى الجانب الأمريكي إلى منْع اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، في ظل المخاوف من التداعيات الكارثية، التي قد تنْجُمُ عن استهداف المنشآت الحيوية في إيران.
[5] نظام ثاد يعمل في جزيرة غوام مع تزايد المخاوف الأمريكية بشأن تهديد الصواريخ الباليستية الصينية، موقع الدفاع العربي، 26 مايو 2024، متاح على الرابط: https://shorturl.at/bgQlX
[6] في مواجهة “ثاد” كيف تخطط إيران لاختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية؟، الجزيرة، 16 أكتوبر 2024، متاح على الرابط: https://shorturl.at/aTa9r
[7] البحرية الأمريكية تستخدم صاروخها الاعتراضي SM-3 لأول مرة ضد الصواريخ الإيرانية، موقع الدفاع العربي، 17 إبريل 2024، متاح على الرابط: https://shorturl.at/lDvXv
