المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > ما بعدَ الأسد: تركيا وإسرائيل على مفترقٍ استراتيجيٍ جديدٍ
ما بعدَ الأسد: تركيا وإسرائيل على مفترقٍ استراتيجيٍ جديدٍ
- يناير 26, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
تشهدُ العلاقاتُ التركيةُ الإسرائيليةُ تحولاتٍ استراتيجيةَ عميقة في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، لاسَّيما عقب سقوط نظام بشار الأسد، الذي شكّل نقطةً فاصلةً في توازنات القوى الإقليمية، حيث مثل فرصة كبيرة لتركيا لإعادة تموضعها الاستراتيجي في المنطقة، وتعزيز نفوذها في سوريا، بينما ترى إسرائيل في هذه التحولات فرصةً لتعزيز مكاسبها التكتيكية في سوريا. ومع انحسار النفوذ الإيراني الذي شكل تهديدًا مستمرًا لإسرائيل في السنوات الماضية، أصبح التوسعُ التركي في سوريا الآن يمثل تحديًا جديدًا أمام إسرائيل، يهددَ بتحجيم نفوذها الإقليمي ويضع سياساتها الأمنية تحت ضغوط متزايدة.
في هذا السياق، تتباينُ المصالحُ الاستراتيجيةُ بين الطرفين تركيا وإسرائيل بصورة حادة؛ فبينما تسعى تركيا إلى دعم الاستقرار في سوريا وإعادة بناء البلاد من خلال تعزيز النظام الجديد، تعمل إسرائيل على استغلال المرحلة الانتقالية لترسيخ الانقسام الداخلي وضمان استمرار الضعف السوري، عبر ضرْبِ البنى العسكرية السورية والتوسع جزئيًا عبر الحدود، يُضاف إلى ذلك تصاعد التوترات السياسية والإعلامية بين أنقرة وتل أبيب بسبب مواقف تركيا التضامنية تجاه القضية الفلسطينية، وفي ظل هذه التوترات والتناقضات الجوهرية في المصالح، يبقى التساؤل حول كيفية تأثير هذه التحولات على مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة.
لذا سوف نستشرفُ في هذا التقرير سيناريوهات مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية، مع استعراض أبرز التطورات في العلاقات بين البلدين، ومناقشه كل من الأهداف التركية والإسرائيلية في سوريا.
تطوراتُ العلاقاتِ التركية-الإسرائيلية في الفترة الأخيرة
شهدتْ العلاقاتُ التركيةُ-الإسرائيليةُ خلال السنوات الأخيرة حالةً من المد والجزر، متأثرةً بالتغيرات الإقليمية والدولية التي أعادت تشكيل المصالح الاستراتيجية للطرفين، ففي عام 2022، بدأت تركيا وإسرائيل خطواتٍ جادةَ لإعادة بناء علاقاتهما التي توترت لسنوات طويلة، حيث جاء ذلك في سياقِ توجهٍ تركيٍ أوسع لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة، وبعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ لتركيا، استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتم تبادل السفراء مع التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي و الطاقوي، وكان من المقرر أن يُجريَ أردوغان زيارةً إلى إسرائيل نهاية أكتوبر 2023.
تغيرت هذه الديناميكياتُ بشكلٍ كبيرٍ مع تصاعد التوترات في أكتوبر 2023 بعد عملية “طوفان الأقصى”، فقد أدت المواجهات العسكرية بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، إلى توتر العلاقات بين البلدين، فعلى الرغم من جهود التطبيع ظلت القضيةُ الفلسطينية حجرَ عثرةٍ أمام تطبيع شامل ومستدام، ومع زيادة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، أثارتْ انتقاداتٌ حادةٌ من الجانب التركي، حيث وصف الرئيس رجب طيب أردوغان الإجراءات الإسرائيلية بأنها “إبادة جماعية”، ومع تفاقم الأمر في قطاع غزة قامت تركيا بتعليق جميع معاملاتها التجارية مع إسرائيل، وهو ما أدّى إلى تدهورٍ سريعٍ في العلاقات بين البلدين.
وبعد سقوط بشار الاسد في ديسمبر 2024، تعمقت الخلافات و انخرطت الدولتان في منافسةٍ استراتيجية على النفوذ في سوريا، حيث أدّى سقوط الأسد إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وهو ما انعكسَ بشكلٍ مباشرٍ على علاقات تركيا وإسرائيل. بالنسبة لأنقرة، شكّل سقوطُ الأسد فرصةً كبيرةً لتوسيع نفوذها في سوريا، لا سيَّما في شمال سوريا، وأصبحتْ الفاعلَ الرئيسيَ في رسْمِ مستقبل سوريا، وهو ما تراه إسرائيل تهديدًا أمنينا جديدًا لها، فتركيا بقوتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية تمثل تحديًا استراتيجيا لإسرائيل، بل ويفوق التحدي الإيراني من حيث الحجم والتعقيد.
في المقابل لم تضيعْ إسرائيلُ أيَّ وقتٍ حيث شنّت مئات الغارات الجوية على منشآت عسكرية وبحرية حيوية في جميع أنحاء سوريا، استهدفت هذه الضربات على وجهِ التحديد مخازنَ الأسلحةِ الكيميائية ومواقع الصواريخ، كما عززت وجودها العسكري في الجولان وسيطرت على أراضٍ حديدةٍ في محافظتي القنيطرة ودرعا، وهو ما اعتبرته أنقرة انتهاكًا للسيادة السورية.
وقد عكست التصريحات الرسمية بين الجانبين حدة التوترات بين البلدين، حيث انتقد الرئيس أردوغان التحركات الإسرائيلية، واصفًا إياها بمحاولاتٍ للتوسع في ظل الفراغ السياسي بسوريا، وأكد على انه يجب أن تنسحبَ إسرائيل من الأراضي السورية فورا، وأن الاستمرارَ في الأعمال العدائية سيؤدي إلى عواقبَ سلبيةٍ تطالُ الجميع، وفي المقابل أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانا، ترفضُ فيه تصريحاتِ أردوغان المُطالبةَ بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية، ووجهتْ انتقاداتٍ لتركيا، حيث وصفتها بأنها “الطرف الإمبريالي العدواني” في مناطق عدة مثل سوريا، شمال قبرص، وليبيا، ودعتْ أردوغان إلى تجنّبِ “التهديدات غير الضرورية، وأكدت على أن إسرائيل ستستمر في حماية حدودها من أي تهديد محتمل.
تباينُ الاستراتيجيةِ التركية والإسرائيلية في سوريا ما بعد الأسد
أولًا الاستراتيجية التركية: تُعدُ سوريا ذات أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لتركيا، فهي لا تشترك معها فقط في حدودٍ طويلةٍ تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، والتي مثّلت مشكلةً أمنيةً متفاقمةً لتركيا، لا سيَّما بعد ظهور تنظيم حزب العمال الكردستاني “PKK”، بل تجمعهما أيضًا روابط تاريخية وثقافية عميقة، ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، لعبت تركيا دورًا حيويًا في دعم المعارضة السورية، حيث كانت الداعمَ الرئيسيَ للمعارضة في مواجهةِ النظام السابق، وذلك من خلال تقديم المأوى والمساعدات الإنسانية والعسكرية واللوجستية، وإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المتحالفة معها.
بعد سقوط نظام الأسد وتولّي المعارضة زمام الأمور، برزت تركيا كأحد أبرز الفائزين في المشهد السوري الجديد، مما أتاحَ لها فرصةً لتعزيز نفوذها بشكلٍ أكبر في سوريا وبناء استراتيجية فعالة، تعالج من خلالها الأزمات التي عانت منها، خاصة منذ اندلاع الأزمة، وتتمثل الاستراتيجية التركية في سوريا الآن في النقاط التالية:
1- وحدةُ الأراضي السورية: ترتكز الاستراتيجية التركية في سوريا الآن على سد جميع الثغرات التي قد تشكل خطرًا على وحدةِ الأراضي السورية، حيث تعتبر تركيا أن تقسيم سوريا أو إقامة كيانات مستقلة في شمالها يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، لا سيَّما في ظل تزايد نفوذ التنظيمات الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب (YPG).
ونظرًا لإدراك تركيا أن معالجةَ التنوع داخل سوريا يتطلب الاعتراف به، وليس تجاهله، سوف تعمل على تأسيسِ إدارةٍ شاملةٍ تشاركية ونموذج حكومي عادل يضمنُ تمثيلَ كافة المكونات السورية، كما ستعمل على تأسيس وتطوير مؤسسات الدولة السورية وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية والعسكرية، وسيساعدها على ذلك في الوقت الراهن وجودُ نظامٍ ينظر إليها بإيجابية ويشاركها الخطوط الحمراء المتعلقة بوحدة الأراضي السورية.
2- تحييدُ قواتِ سوريا الديمقراطية (قسد): تسعى تركيا إلى تحييد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وهي المنطقةُ التي تسيطر عليها الأغلبية الكردية، وذلك لحمايةِ حدودِها الجنوبية من أي تعاونٍ محتملٍ بين هذه القوات وحزب العمال الكردستاني PKK، الذي يمثل تهديدًا للأمن القومي التركي.
وفي هذا السياق تسعى أنقرة إلى تفكيك وحداتِ حماية الشعب التي تقودُ قواتِ قسد وتعتبرها تركيا منظمة إرهابية، وتجريد القوات الكردية من السلاح في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى دمْجِ المقاتلين الأكراد في وزارة الدفاع السورية الجديدة، مع معالجة قضايا مثل إدارة الأراضي التي تسيطر عليها، وفي حال عدم تمكّنِ الإدارة السورية الجديدة من التعامل مع وجود المسلحين الأكراد، وإزالة مقاتليها الأجانب من سوريا، من المتوقع أن تشنَّ تركيا عمليةً عسكريةً ضد هذه الجماعات، وقد نجحت قوات الجيش الوطني السوري الموالية لأنقرة، في طرد تنظيم وحدات الحماية من مدينتَي، منبج وتل رفعت، ودفعه إلى شرق الفرات، وهي الأماكن التي تحمي فيها الولايات المتحدة التنظيم.
3- ترسيخُ النفوذ التركي في سوريا: تسعى تركيا إلى تعزيزِ نفوذها في سوريا لتحقيق مجموعةٍ من الأهداف الاستراتيجية التي تتجاوزُ مجرد المصالح الآنية، لتشملَ أبعادًا سياسيةً واقتصاديةً وأمنية طويلة المدى، وفي ظل تراجع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا بعد سقوط الأسد ترى أنقرة فرصةً لإعادة تشكيل خريطة النفوذ الإقليمي من خلال تقديم نفسها كطرفٍ فاعلٍ قادرٍ على لَعبِ دورٍ مركزي في مستقبل سوريا، فضلاً عن تعزيز مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة.
وفي سياق تعزيز نفوذها في سوريا تبنتْ خطاباً سياسياً يهدف لتعميق التعاون مع الإدارة السورية الجديدة، وقامت بإعادة فتْحِ سفارتها في دمشق، كما تعمل على إقامة علاقات تعاون استراتيجية مع دمشق من خلال تقديم الدعم العسكري والتدريب لإعادة بناء قدرات الجيش السوري، كما تخطط لنقل خبراتها في إدارة شؤون الدولة والمساعدة في تنفيذ إصلاحاتٍ داخليةٍ، بالإضافة إلى المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار. من ناحيةٍ أخرى، تُعتبرُ قضيةُ اللاجئين السوريين إحدى أولويات أنقرة في سياساتها تجاه سوريا، حيث تسعى إلى تهيئةِ بيئةٍ آمنةٍ ومستقرة في الداخل السوري، ما يمهدُ الطريقَ لعودةِ طوعية للاجئين ويخفف الضغوط الاقتصادية والسياسية الداخلية المرتبطة بوجودهم.
كما تسعى تركيا لإحياء مشروعِ خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا عبر الأراضي السورية، الذي يهدفُ إلى نقل الغاز الطبيعي من حقل الشمال القطري إلى أوروبا عبر تركيا، ومع زيادة مستوى النفوذ التركي في سوريا وبناءِ علاقاتٍ استراتيجيةٍ مع القيادة السورية، تصبحُ إمكانيةُ تنفيذ المشروع أكثر واقعية، كما أن تعزيز الثقة والتعاون بين الطرفين قد يُسهمُ في إزالة أي عوائق سياسية أو أمنية قد تعترض المشروع، بالإضافة إلى ذلك، النفوذ التركي في سوريا سيتيح لها تنسيقًا أكبر مع الأطراف الإقليمية والدولية، مثل قطر والاتحاد الأوروبي، لضمان إنجاز المشروع.
4- ترسيمُ الحدود البحرية مع سوريا: تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها البحري في شرق البحر المتوسط عبر توقيعِ اتفاقيةِ لترسيمِ الحدود البحرية مع سوريا وفقًا للقانون الدولي، ويهدف هذا التحرك إلى تحديد مناطق الصلاحيات البحرية بين البلدين، ما يمهّدُ الطريقَ للتنقيب عن النفط والغاز، ويعزز من قدرة تركيا على تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال الطاقة، وتوسيع حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، ويأتي هذا التحرك في إطار استراتيجية أوسع لتركيا تهدف إلى تعزيز موقعها كداعمٍ رئيسيٍ للطاقةِ في المنطقة، خاصةً مع سعيها لإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في البحر المتوسط.
ثانيًا الاستراتيجيةُ الإسرائيلية: تُعَدُّ سوريا ذات أهمية استراتيجية بالغة لإسرائيل نظرًا لموقعها الجغرافي المحاذي، لا سيَّما في منطقةِ هضبة الجولان المحتلة، التي تمثلُ نقطةَ تماسٍ حيوية، كما تعد سوريا جبهة رئيسية لإسرائيل ضمن إعادة تشكيل محيطها في الشرق الأوسط الجديد، وخلال الأزمة السورية كانت تركز على تحقيق أهدافها الأمنية دون الانحيازِ إلى أي طرف، حيث ركزتْ على منْعِ تعزيز نفوذ إيران و”حزب الله” في المنطقة، ومنع نقل الأسلحة إلى حزب الله واستنزافه، وكذلك تجريد سوريا من الأسلحة الكيميائية.
بعدُ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تواجهُ إسرائيلُ تحدياتٍ جديدةً تتعلق بالاستقرار الإقليمي والتهديدات المحتملة من الفصائل المسلحة، وتهديدٍ أمنىٍ جديدٍ يتمثل في النفوذ التركي المتعاظم في سوريا، وعلى الرغم من أنها حققت في المرحلة الأولى بعض المكاسب الاستراتيجية من خلال شنِّ ضرباتٍ جوية على أهداف استراتيجية في سوريا، وتوغلّها في هضبة الجولان والتوسع جزئيًا عبر الحدود، فضلاً عن أن انحسار النفوذ الإيراني في سوريا يُعدُ إنجازاً عسكريًا وسياسيًا لإسرائيل إلا أن هذه الانتصارات مجرد انجازات تكتيكية.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تفتقرُ إلى رؤيةٍ استراتيجيةٍ واضحةٍ في سوريا حول الفترة القادمة، وتواجه مرحلة إعادة ترتيب استراتيجي، إلا أن يمكن تلخيص أبرز أهدافها في التالي:
1- تقسيمُ الأراضي السورية: ترى إسرائيل أربعةَ سيناريوهات محتملة لمستقبل سوريا، يتمثل الأول في دخول سوريا فترة من عدم الاستقرار والصراع الداخلي وهو ما سيفتحُ المجالَ لاحتماليةِ تكوينِ جماعاتٍ جديدةٍ مدعومة من إيران ضد إسرائيل، وإما عن الثاني فيتمثل في وصول التيار السلفي الجهادي إلى السلطة وهو ما ترفضهُ إسرائيل لعدةِ أسباب استراتيجية تتعلق بأمنها القومي، وإما عن الثالث فيتعلق بإقامة حكمٍ ديمقراطيٍ مؤيد للدول الغربية، وهو ما تخشى منه إسرائيل أيضًا لاحتمالية ضغطِ الدول الغربية علي تل أبيب للتنازل عن هضبة الجولان، وإما عن الرابع وهو المرحّبُ به من إسرائيل ويتعلقُ بتقسيم سوريا.
حيث ترى أن سوريا قد انتهتْ ولا يمكن توحيدها من جديد، لذلك من الضروري التركيز على تحديد البدائل العملية وصياغة خطة قابلة للتطبيق، وتقسيم سوريا إلى كيانات عرقية (علوية في الساحل باتجاه دمشق، سنية في الشمال مع قسم من الجنوب والشرق، ودروز في الجنوب، وكردية في الشمال الشرقي) وهو ما يساهمُ في تحقيقِ الاستقرار الأمني لإسرائيل، حيث ستتمكن إسرائيل من تبنّي منظومةِ علاقات جيدة مع هذه الدويلات، فضلًا عن أن هذه الدويلات الصغيرة لن تكونَ قادرةً على تهديد إسرائيل.
2- حمايةُ مصالحها الأمنية: بعدما سقطَ الأسد كان في مقدمة الأهدافِ الإسرائيلية، حمايةُ حدودهِا الشمالية، وتحييد اي تهديداتٍ محتملةٍ من الأسلحة المتبقية في يد الجماعات المعارضة للنظام السابق، وتقويضِ النفوذِ الإيراني في سوريا، معتبرةً أن سقوطَ نظام الأسد يمثلُ فرصةً لإضعاف التواجد الإيراني وتقليص دعمها لجماعات مثل حزب الله، لذا سيطرت إسرائيل على عدة مناطق استراتيجية في سوريا، حيث توغلت داخل الجنوب، مقتحمةً المنطقة العازلة في الجولان، كما سيطرت على القنيطرة، وقطنا في ريف دمشق، وضمت جبل الشيخ، الذي يعد أعلى قمة في سوريا.
كما سيطرت أيضًا على تل الحارة في ريف درعا، فضلاً عن مستودعات السلاح في مناطق مثل عدرا الصناعية، وجيرود، وتعتبرُ هذه التحركات الإسرائيلية محوريةً بالنظر إلى الأهمية العسكرية والسياسية لتلك المناطق، بالإضافة إلى ذلك نفذتْ إسرائيلُ غاراتٍ جويةَ مكثفةً استهدفتْ مستودعاتِ الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية في سوريا، بهدف منْعِ وقوعها في أيدي جماعاتٍ معاديةٍ وضمان عدم استخدامها ضدها، ومواجهة ايّ تهديداتٍ محتملة في ظل الفراغ الأمني بعد سقوط الاسد.
3- تعزيزُ نفوذها في سوريا: تنوى إسرائيل للاحتفاظ بمجال نفوذ في سوريا، حيث تخطط لمنطقة عازلة بعمق 15 كيلومترًا، حتى تتأكدَ أن النظامَ الجديدَ وحلفاءه لن يتمكنَ من إطلاق صواريخ صوب هضبة الجولان، ويمكن الإشارة إلى أن حلفاء النظام السوري الجديد يتمثل بشكل أساسي في تركيا التي تمثل تهديدًا أشد خطراً من إيران لإسرائيل.
كما تخططُ لتعزيز مجال نفوذها الاستخباراتي لمسافة 60 كيلومترًا في عمقِ الأراضي السورية، من خلال إنشاءِ شبكاتِ تجسسٍ ومراقبةٍ مثل الطائرات المسيّرة لجمع المعلومات حول التحركات العسكرية والتهديدات المحتملة، وذلك لمراقبةِ ومنْعِ ظهور تهديدات أمنية محتملة، كما سيساعدها ذلك في اتخاذ قرارات أمنية استباقية.
وتظهرُ رغبةُ إسرائيل في ذلك من خلال تأكيدها أن الجيشَ الإسرائيلي لن يسحبَ قواتِه من المنطقة العازلة الحدودية والجانب السوري من جبل الشيخ، وعلى الرغم من حديث النظام السوري الجديد عن نيته في عدم الدخول في مواجهةٍ مع إسرائيل، إلا أنها ترى أن ذلك بهدف رفع العقوبات عن سوريا وحشْدِ تأييد المجتمع الدولي، وأن تل أبيب على المدى الطويل سيتعين عليها الحفاظ على مناطقَ نفوذٍ لها في سوريا، وتنتظرُ الدعمَ الأمريكيَ لخططها بعد تولي ترامب.
4- إنشاءُ ممرٍ استراتيجي يربط إسرائيل بنهر الفرات: تسعى إسرائيل إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال إنشاءِ ممرٍ استراتيجي من منطقة الجولان المحتلة ويمتد عبر سوريا ليصلَ إلى الفرات، حيث تسيطر القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على جميع المناطق شرق الفرات، بما في ذلك الحدود السورية-العراقية، ويحملُ هذا المشروعُ أبعادًا سياسيةً وعسكريةً واقتصاديةً قد تعيدُ تشكيلَ خريطة القوة في الشرق الأوسط، وتنبع الأهمية الاستراتيجية للمشروع من كونه يعزز فكرة “إسرائيل الكبرى”، حيث يربط هذا الممر إسرائيل بالمناطق الشرقية من سوريا، ويوفر لها قناة لنقل الموارد والسيطرة على طرق تجارية مهمة.
وتدل الخطوات الإسرائيلية في سوريا بوضح عن نيتها في تنفيذ هذا المشروع، ففي نوفمبر 2024، تقدمت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة منزوعة السلاح التي تفصلُ مرتفعاتِ الجولان المحتلة عن سوريا، وبدأتْ في تنفيذ مشاريع بنية تحتية، بما في ذلك تعبيدُ طريقٍ على طول الحدود السورية مع الجولان، كما تتجلى نيةُ إسرائيل أيضًا في تحركاتها العسكرية الأخيرة، حيث قامت بإنشاء منطقةٍ آمنةٍ داخل الأراضي السورية خلف مرتفعات الجولان المحتلة، كما استولت على الجانب السوري من جبل الشيخ.
سيمنحُ إنشاءُ هذا الممر إسرائيل عدةَ فوائد، منها تعزيزُ إيمانِ الجمهور الإسرائيلي بإمكانية تحقيق “إسرائيل الكبرى”، وتوفيرُ مبرراتٍ لإعادة تخصيص الموارد نحو تعزيز القدرات العسكرية، كما قد يتيحُ لإسرائيل فرضَ تهديداتٍ أمنيةٍ على سوريا والعراق، إلا أنه يواجه عقبات كبيرة تتمثل في التحديات العسكرية والمالية، فضلاً عن المقاومة الإقليمية الواسعة، حيث قد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات وتحفيز مواجهات مباشرة بين الأطراف المختلفة التي لها وجود عسكري في سوريا، لا سيما تركيا.
سيناريوهاتُ مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية
شكّل سقوطُ نظام الأسد نقطةَ تحولٍ استراتيجيةٍ في الشرق الأوسط، حيث أعاد ترتيب الأولويات والتوازنات الإقليمية بشكلٍ جذريٍ، وخلق هذا الواقعُ الجديدُ بيئةً إقليميةً معقدة جعلت التوترات بين أنقرة وتل أبيب مرشحة للتفاقم، إذ باتت المصالح المتضاربة في سوريا، إلى جانب الاختلافات التقليدية حول قضايا مثل القضية الفلسطينية، تُلقي بظلالها على مستقبل العلاقات بين البلدين، وفي هذا السياق، يبرزُ ثلاثُ سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية في ظل هذا التحول الجيو سياسي.
السيناريو الأول: تصاعدُ التوتراتِ بين البلدين دون الوصول لمواجهة مباشرة: (مرجح)
يشيرُ ما سبقَ إلى وجود تناقضٍ حادٍ في الأهداف الاستراتيجية لكل من تركيا وإسرائيل في سوريا، ففي الوقت الذي يمثل فيه تحقيق الاستقرار والسلام ووحدة الأراضي السورية أولوية لتركيا، يمثل تقسيم فدرلة سوريا الحل الأكثر واقعية وطبيعية لإسرائيل، وهو الأمرُ الذي أكدت تركيا أنها لن تسمحَ به، ويمثل النفوذ التركي المتعاظم في سوريا تهديداً كبيراً لإسرائيل، فهي تخشى من محاولة تركيا إعادة إحياء تأثيرها في المناطق التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، مما قد يغير من موازين القوى الإقليمية بشكلٍ يعرّض مصالح إسرائيل للخطر.
لذا في ظل التناقضِ الحاد في المصالح من المتوقع أن تشهدَ الفترةُ المقبلةُ في العلاقات التركية الإسرائيلية تصعيداً بشكلٍ كبيرٍ، وسيكون ملف الأكراد من أبرز ملفات التصعيد، حيث إن ملفَ الأكراد يمثلُ أولويةً لتركيا في المرحلة القادمة، حيث تعمل تركيا على منع قيام كيانٍ كرديٍ مستقلٍ، وتسعى لتفكيك قوات سوريا الديمقراطية ونزْعِ أسلحتها، بينما تتحدث إسرائيل عن أن الأقليات السورية حلفاؤها الطبيعيون في إشارة للدروز في الجنوب والأكراد في الشمال، ومن المتوقعِ بشكلٍ كبيرٍ أن تتبنى إسرائيل خلال الفترة القادمة استراتيجيات متعددةً لزعزعة الاستقرار في سوريا والعمل على إقامةِ حوارٍ مع الأكراد والدروز لضمان تحقيق أهدافها في سوريا، واحتواء النفوذ التركي المتصاعد.
كما أن النفوذَ التركيَ سيزدادُ في المرحلة المقبلة ليشملَ تدريبَ الجيش وتسليحه، ومن المحتمل أن تؤسسَ تركيا قواعدَ عسكريةً دائمةً في سوريا، وإبرام اتفاقيات تعاون عسكري وأمنى مع الإدارة الجديدة في سوريا، وهو ما سيجعلُ تحركاتِ إسرائيل لاستهداف سوريا بمثابة تهديدٍ مباشرٍ لتركيا، لا سيَّما في ظل سعْى إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة بعمق 15 كيلومتر في عمق الأراضي السورية، والذي سيحملُ تداعياتٍ خطيرةً على الأمن القومي العربي، حيث سيؤدي إلى زيادة التوترات الإقليمية وتُعقّد المشهد السياسي في المنطقة.
وفي هذا الإطار من المتوقعِ أن تقومَ تركيا بتزويد الإدارة السورية الجديدة بأنظمة دفاعٍ جويٍ متقدمة، لحمايتها من أي اختراق إسرائيلي، وهو ما قد يزيد من احتمالية حدوث مواجهات جوية، مما قد يؤدي إلى إسقاطِ طائرات إسرائيلية، وهو ما حدث من قبل مع روسيا، حيث أسقطت تركيا طائرةً روسيةً من طراز “سوخوي 24” في نوفمبر 2015، بعد أن زعمت انتهاكها للمجال الجوي التركي، وهو ما يبرزُ حساسيةَ الأوضاع والتوترات المحتملة نتيجة لتعزيز الدفاعات الجوية في المنطقة.
ومن الجدير بالذكر أن نشيرَ إلى أن التصعيدَ بين البلدين ومستقبلَ العلاقات بينهم ليس مرتبطاً بالحدود السورية فقط، بل يرتبط أيضًا بتطورات القضية الفلسطينية فعلى الرغم من الوصل إلى اتفاقٍ لوقّفٍ إطلاق النار إلا أن الاتفاقَ ما زال عرضةً للانهيار بسبب غموض تفاصيله، وعدم وضوح آلية تنفيذه، كما تحدث نتنياهو عن أن إسرائيل تحتفظ بحقِ استئناف العمليات العسكرية ضد “حماس” في أي وقت، بدعم من الولايات المتحدة في حال فشل المرحلة الثانية، كما أن إسرائيلَ قد بدأت عمليةً عسكريةً واسعةـ في جنيين بالضفة الغربية، والتي أعلن نتنياهو أن هدفها استئصالُ الإرهاب، ومن المتوقع أن تثير هذه التحركات ردود أفعال دولية وإقليمية وعلى رأسها تركيا.
وفي الوقت الراهن يتصدرُ ملفُ التهديد الحوثي أجندة أولويات إسرائيل، لا سيَّما بعدما تمكنت من زيادة مكاسبها الميدانية في سوريا، وهو ما يظهرُ في تصريحات نتنياهو “بأن الحرب ضد الحوثيين بدأت للتو”، وتخططُ إسرائيل في المرحلة المقبلة لشنِّ هجماتٍ عسكريةٍ أكثر عنفا وتوسيع نطاق أهدافها، لا سيَّما بعد تنفيذ الجماعة ما يقرب من ٢٢ ضربةً خلال أسبوع واحدٍ ضد أهدافٍ إسرائيليةٍ وأمريكيةٍ، فضلاً عن التصعيد في البحر الأحمر الذي ألحقَ أضراراً بالغةً بالاقتصاد الإسرائيلي.
وفي هذا الإطارِ تسعى إسرائيل لخلْقِ نقطةِ ارتكازٍ جديدةٍ على مقربةٍ من مناطق نفوذ الحوثيين في اليمن، حيث تعمل على إنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال في ساحلها الشرقي بوساطة إماراتية، تسمح من خلالها لإسرائيل بدخول القواعد العسكرية مقابل الاعتراف رسميًا بأرضٍ الصومال، وتُعد أرضُ الصومال نقطةَ تحركٍ مثاليةٍ لشنِّ ضرباتٍ ضد المواقع العسكرية الحوثية.
ولا شك أن هذه التحركات ستساهمُ بشكلٍ أو بآخر على تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل، فوجود قاعدة عسكرية إسرائيلية في أرض الصومال قد يهدد أمنَ الصومال بعدة طرق، منها استقطابُ القوى المتنافسة في المنطقة، مثل إيران وحلفائها، مما قد يزيد من حدة الصراعات والتوترات في القرن الأفريقي، واستغلال الجماعات المسلحة مثل “الشباب” لهذه القاعدة كذريعة لتكثيف هجماتها، كما قد يؤدي الاعترافُ الإسرائيلي بأرض الصومال إلى تعميق الانقسامات السياسية داخل الصومال، وتقويض جهود الحكومة الفيدرالية للحفاظ على وحدة البلاد، مما يعززُ التنافسُ بين اللاعبين الإقليميين مثل تركيا وإسرائيل.
وتركيا قد تتدخل بناءً على الاتفاقية الأخيرة التي وقعتها مع الصومال للتعاون الدفاعي، والتي تمنح تركيا سـلطة شـاملةً تضمـنُ حمايـة البحـر الصومالـي وحـدوده المائيـة مـن أي تهديـد خارجـي، كما أن أنقرة قد ترى في القاعدة الإسرائيلية تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية وأمن المنطقة، خاصة مع وجودها العسكري الحالي في مقديشو، هذا التدخل قد يتخذ أشكالًا مختلفة، تتراوح من دعم الحكومة الصومالية الفيدرالية دبلوماسيًا إلى تعزيز وجودها العسكري بشكل أكبر لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وتجدرُ الإشارة إلى أن تصاعدَ حالة التوتر بين الجانبين، لا يعني بالضرورة الوصولَ إلى مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة بين كل من تركيا وإسرائيل على المدى القريب.
السيناريو الثاني: تفاهمٌ استراتيجيٌ محدود: (محتمل)
في ظل التوترات المستمرة بين تركيا وإسرائيل، يبرز سيناريو التفاهم الاستراتيجي المحدود كخيار لتجنّب صراعٍ طويل الأمد، والذي يمكن أن يتحولَ لمواجهة مباشرة وسيحمل الطرفان تكلفةً باهظةً، وتتجلى مؤشراتُ هذا السيناريو في تصريحاتٍ رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، نائل أولباك، الذي أشار إلى إمكانية استئناف التجارة مع إسرائيل إذا تحقق سلام دائم في قطاع غزة، هذا الموقف يعكسُ استعدادَ تركيا للتعاون الاقتصادي المشروط بتحسن الأوضاع السياسية والأمنية، مما يفتح البابُ أمام تفاهمات استراتيجية محدودة بين البلدين.
من جانب آخر، تسعى الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، إلى الحفاظ على استقرار العلاقات بين حلفائها في المنطقة، وهو ما ظهرً في حديث ترامب خلال خطابِ التنصيب، كما سبق وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في أن يحثَ ترامب إسرائيل على وقفِ عملياتها العسكرية، مشيرًا إلى أن ذلك قد يكون خطوةً إيجابيةً نحو تهدئة التوترات، هذا التوجهُ يعكسُ دورَ الولايات المتحدة كوسيط يسعى لمنْعِ تصاعد التوترات بين تركيا وإسرائيل، نظرًا لأهمية البلدين في الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التحليلات إلى أن تركيا قد تتجهُ نحو إعادةِ تشكيل علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل التطورات الإقليمية، هذا التوجهُ ينبعُ من رغبة أنقرة في تحقيق توازن بين مصالحها الإقليمية وعلاقاتها مع القوى الكبرى، مما يعززُ احتماليةَ التوصل إلى تفاهمات استراتيجية محدودة مع إسرائيل لتجنب تصعيد الصراعات.
في هذا السياق، يبدو أن كلا من تركيا وإسرائيل تدركان التكاليف الباهظة لأيِّ مواجهةٍ مباشرةٍ، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، لذا، قد يسعى الطرفان، بوساطة ودعم من الولايات المتحدة، إلى محاولة التوصل إلى تفاهمات وتجنّب التصعيد الإعلامي، مع التركيز على التعاون في مجالات غير خلافية مثل الاقتصاد والطاقة، هذا السيناريو، رغم صعوبة تحقيقه على المدى القريب بسببِ التناقضات الاستراتيجية بين الطرفين، إلا أنه قد يصبحُ خيارًا اضطراريًا إذا تصاعدتْ التكاليفُ السياسية والعسكرية للمواجهة.
السيناريو الثالث: تصعيدُ المواجهة المباشرة بين الطرفين: (مستبعد)
على الرغم من أن التصعيدَ بين تركيا وإسرائيل ليس مرشحاً لأن يكونَ مواجهةً عسكريةً – أمنية مباشرة في المدى القريب، إلا أن هناك احتمالا لحدوثه، حيث إن تعاظمَ الدورِ التركي في سوريا الجديدة، وتحديداً في مجالات الدفاع والأمن تسليحاً وتدريباً يشير إلى احتمال تطور الأمر في المدي المتوسط والبعيد لمساحات الاحتكاك الخشن، خصوصاً إذا ما أصرت دولة الاحتلال على مواصلة استهداف الأراضي السورية، وتوسيعِ عمقِ المنطقة العازلة في سوريا.
كما قد تؤدي بعض السيناريوهات الاستثنائية إلى تصعيدٍ كبيرٍ في التوتر بين تركيا وإسرائيل داخل الساحة السورية، مما يغير ديناميكيات العلاقة بشكلٍ جذريٍ، على سبيل المثال، قد يتسببُ اندلاعُ موجةٍ جديدةٍ من الفوضى في سوريا، في ظل الرعاية التركية للحالة السورية الجديدة، في فتح المجال أمام تنافس إقليمي محموم، حيث تسعى كلٌ من أنقرة وتل أبيب لحماية مصالحها الاستراتيجية، مما قد يؤدي إلى احتكاكاتٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، هذا السيناريو سيكون حساسًا بشكلٍ خاصٍ إذا تداخلت المصالح التركية مع الأهداف الإسرائيلية في مناطق النفوذ الحيوية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن انفلاتَ الضربات الإسرائيلية عن أيّ سقفٍ معقولٍ واستهدافها أطرافًا أو مناطق تعتبرها تركيا ضمن مصالحها الحيوية قد يدفع أنقرة للرد دبلوماسيًا أو ميدانيًا، خاصة إذا ترافق ذلك مع دعم إسرائيلي مباشر للميليشيات الانفصالية في الشمال السوري، في هذه الحالة، قد تجدُ تركيا نفسها أمام خياراتٍ صعبةٍ تتراوحُ بين التصعيد العسكري أو إعادة تشكيل تحالفاتها الإقليمية لاحتواء النفوذ الإسرائيلي المتزايد في سوريا، مما ينقل العلاقةَ بين الطرفين إلى مرحلةٍ غير مسبوقةٍ من التوتر والصراع.
في الختام:
يشيرُ تزايدُ التوتراتِ بين تركيا وإسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد إلى تحولٍ استراتيجيٍ بالغ الأهمية في الشرق الأوسط، حيث تتباين مصالح البلدين بشكلٍ كبير في سوريا، مما يهدد بتصعيد المواجهات في ظل استمرار تعقيد القضايا الأمنية والسياسية. وتظل القضيةُ الفلسطينيةُ والتهديداتُ الأمنية الإقليمية من أبرز العوامل المؤثرة على العلاقات بين الطرفين، مما يضعُ المنطقةَ أمام تحدياتٍ كبيرةٍ قد تؤثر على استقرارها في المستقبل القريب.
المراجع
-
د. سعيد وليد الحاج، تركيا وإسرائيل: هل ينذر تناقض المصالح بمواجهة في سورية؟، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2 يناير 2025. https://linksshortcut.com/GXzBa
-
بسمة سعد، بعد سقوط الأسد.. ملامح المقاربة الإسرائيلية لمحاربة الحوثيين، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 11 يناير 2025. https://ecss.com.eg/51406/
-
سعيد الحاج، “سوريا الجديدة”: اندفاعة تركية لتثبيت المكاسب ومواجهة التحديات، ترك برس، 12 يناير 2025. https://www.turkpress.co/node/104164
-
مأمون كيوان، مراكز الأبحاث الإسرائيلية وتقسيم سورية.. التوقعات والتصورات والأهداف، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 21 اكتوبر 2022. https://linksshortcut.com/hOnCD
-
د. محمود الحنفي، استراتيجية إسرائيل في سوريا وخطة إشعال الأزمات، الجزيرة، 11 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/KrDor
-
بالخرائط.. القصف الإسرائيلي في سوريا وأهدافه الاستراتيجية، الجزيرة، 11 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/ckJhL
-
سمير العركي، ما ملامح الاستراتيجية التركية في سوريا؟، الجزيرة، 23 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/ckvvB
-
صافيناز محمد أحمد، تركيا والأهداف الكبيرة في سوريا: الفرص والتحديات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 8 يناير 2025. https://acpss.ahram.org.eg/News/21336.aspx
-
سوريا.. هل سيناريو المواجهة العسكرية بين تركيا وإسرائيل “واقعي”؟، 14 يناير 2025. https://turkpress.co/node/104198
-
علاء الدين أبو زينة، حرب الظل بين تركيا وإسرائيل، موقع الغد، 13 يناير 2025. https://linksshortcut.com/rMMky
-
د. رامي دانييل، أزمة غير مسبوقة في العلاقات التركية – الإسرائيلية، موقع الأيام، 21 يناير 2025. https://www.al-ayyam.ps/ar/Article/409778/register.php
-
أحمد أبو يوسف، ماذا لو أنشأت إسرائيل ممرًا من الجولان المحتل إلى الفرات في سوريا؟، مركز الحبتور للأبحاث، 10 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/kbGTa
-
حبيبة ضياء الدين، تأثيرات ممتدة: التداعيات الدولية لسقوط نظام الأسد، مركز الحبتور للأبحاث، 23 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/Wcdcx
-
كفاح زبون، إسرائيل تريد الاحتفاظ بمجالي «سيطرة» و«نفوذ» في عمق سوريا، الشرق الاوسط، 10 يناير 2025. https://linksshortcut.com/jxpJG
-
أماني السروجي، حضورٌ متصاعد: تَمددُ النفوذ العسكري التركي في القرن الأفريقي، مركز شاف للدراسات المستقبلية، 6 سبتمبر 2024. https://linksshortcut.com/azgJf